tag icon ع ع ع

نور الدين رمضان | يامن مغربي | خولة حفظي

بدافع السرقة، أشعلت جريمة قتل راح ضحيتها ثلاثة أطفال ووالدتهم، في بلدة بيت سحم بريف دمشق، مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع نقل تفاصيل الحادثة من قبل منصات رسمية عائدة لوزارات أو هيئات رسمية أو للإعلام الحكومي والخاص.

ونقلت وزارة الداخلية السورية، في 30 من حزيران الماضي، ما وصفته بـ”أفظع جريمة قتل واغتصاب وحرق لعائلة بكاملها”، عبر صفحتها في “فيس بوك“، وسردت تفاصيل الحادثة التي كانت بهدف السرقة، وخلقت تغطيات إخبارية تعتمد الإثارة، ولا تحترم حقوق الضحايا، وتحرّض على العنف، ما سلّط الأضواء على تزايد حالات الجرائم التي يمكن وصفها بـ”الاستثنائية”، وعلى التعاطي الإعلامي الرسمي معها.

تهز هذه الجرائم المجتمع السوري، وترفع تغطياتها من معدلات التوتر والقلق والخوف، وتحفر عميقًا في نفسية الجمهور، لكن الإعلام السوري الرسمي ومنصات الوزارات تتابع نقل تفاصيل الجرائم، ما يوحي باستثمار ورسائل مقصودة تناقشها عنب بلدي في هذا الملف، وتدرس فيه أسباب ارتفاع وتيرة الجرائم وتداعيات تعرض الجمهور لها.

أكثر من جريمة كل يوم..

جريمة منظمة أم انعكاس طبيعي

رصدت عنب بلدي ارتفاع عدد الجرائم خلال حزيران الماضي وتموز الحالي، التي أعلنت عنها وزارة الداخلية السورية، وبلغ عددها 56، نحو 40 منها حدثت في حزيران وحده، بمعدل أكثر من جريمة كل يوم.

وصنفت عنب بلدي الجرائم بحسب نوعها، خلال الشهرين المذكورين كالتالي: 11 جريمة قتل بدافع مادي، وخمسة تحت ما يسمى بـ”جرائم الشرف”، وواحدة مجهولة الأسباب.

أما الجرائم التي لا تشهد حالات قتل فتوزعت إلى: 27 عصابات سرقة سيارات وأثاث ومبالغ مالية وحواسيب محمولة، جريمة ابتزاز، جريمة تعنيف، ثلاث جرائم تزوير شهادات جامعية وعملة، جريمتي غش بمواد منتهية الصلاحية.

وتعد سوريا من الدول التي يسجل فيها مؤشر الجريمة مستوى عاليًا، إذ تسجل 67.42 نقطة (من أصل 120)، بحسب موقع “Numbeo“، المتخصص بمراقبة مستوى المعيشة عالميًا.

كما تقع سوريا في المرتبة قبل الأخيرة (162 من أصل 163) على مؤشر السلام العالمي، الذي تصدره “Vision Of Humanity“.

وتتحدث الأرقام الرسمية عن أكثر من 50 حالة وفاة سببها الجرائم سُجلت في سوريا خلال 35 يومًا، بدءًا من أول حزيران الماضي وحتى 5 من تموز الحالي، بحسب ما قاله رئيس الطبابة الشرعية في سوريا، زاهر حجو، لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 13 من تموز الحالي.

ووصف حجو شهر حزيران الماضي بالأكثر دموية من حيث عدد الجرائم المسجلة، معتبرًا أن الجانب الإيجابي في ذلك كشف الأمن الجنائي والقضاة والطب الشرعي 50% من تلك الجرائم خلال الـ48 ساعة التالية للحوادث، أما بقية الجرائم فكانت تُكتشف خلال أسبوعين كحد أعلى، بحسب قوله.

ولا يرى حجو ضرورة لتصنيف هذ الجرائم تحت سقف الجريمة المنظمة، إذ قال “في سوريا لا توجد جريمة منظمة، أي لا توجد عقلية إجرامية لدى المجتمع”، ورفض أن يكون الوضع الاقتصادي شماعة وتبريرًا للجرائم.

وأضاف حجو أن “70% من الجرائم تقع في المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين وحررها الجيش، على سبيل المثال معظم الجرائم التي في حلب تحدث في المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة المسلحين، لأن الأهالي رأوا كل ظروف الإجرام، وتساوى لديهم مفهوم الحياة بالموت”، بحسب تعبيره.

على عكس حديث رئيس الطبابة الشرعية في سوريا عن ارتفاع الجرائم في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام مؤخرًا، قال مدير إدارة الأمن الجنائي في سوريا، اللواء ناصر ديب، لوكالة “سبوتنيك“، في 22 من تموز الحالي، إن “الوضع الأمني الداخلي استعاد عافيته بشكل كامل تقريبًا”، مشيدًا بجهود وزارة الداخلية في ذلك.

وعن زيادة نسبة الجرائم الغريبة على المجتمع، يرى ديب أن “المجتمع السوري كغيره من المجتمعات يتأثر بالظروف المحيطة به، كظروف الحرب والظروف الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المتغيرات”.

وعلّق اللواء ناصر ديب على بعض جرائم القتل التي تظهر وحشية في أسلوب تنفيذها، بأن “هذا يعود إلى البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها مرتكب هذه الجريمة، والحالة النفسية المريضة التي يعيشها”.

ويرى أنها لم تظهر فجأة وكانت موجودة في المجتمع السوري، وفي غيره من المجتمعات، لكن “مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها باتت مثل هذه الجرائم، على قلتها، تأخذ صدى إعلاميًا لدى الرأي العام، مع العلم بأنه يلقى القبض على فاعلي هذه الجرائم كافة، ويحالون إلى القضاء لينالوا جزاءهم”.

سبعة أشخاص ألقي القبض عليهم من قبل “فرع مكافحة المخدرات” في دمشق – تموز 2020 (وزارة الداخلية)

الاقتصاد أولًا.. أسباب زيادة معدلات الجريمة

انطلاقًا من تصدر “الدافع المادي” أسباب الجرائم التي رصدتها عنب بلدي، بنسبة 67%، تعزى الجرائم إلى الأوضاع الاقتصادية التي تعصف بالمواطنين السوريين، والتي فجرت موجة احتجاجات شعبية رغم القبضة الأمنية المشددة التي يعيشون تحت وطأتها.

ويرى الباحث الاقتصادي جلال بكار، في حديث إلى عنب بلدي، أنه بتفكك مؤسسات الدولة بسبب سيطرة الميليشيات التابعة للنظام على أهم مفاصل الدولة، تبدأ الأطراف المسيطرة بإحداث “الخلل المجتمعي” للتغطية على فشلها في إدارة المؤسسات، وهذا ما يعمل عليه النظام، ولا سيما بعد تطبيق قانون “قيصر”، الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.

وأشار بكار إلى أن النظام لم يعد يتحكم بمركزية القرار في سوريا، بل شركاؤه الروس والإيرانيون، وبعد العقوبات الاقتصادية على النظام لجأ إلى طرق غير شرعية بوتيرة أكبر ليؤمّن الأموال التي يحتاج إليها.

القتل جوعًا

تلعب الأوضاع المعيشية في كل المجتمعات دورًا كبيرًا في انتشار معدلات الجرائم بين الأفراد، إذ تعاني سوريا من أوضاع اقتصادية صعبة، مع فقدان الليرة السورية قيمتها، تزامنًا مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والوقود وأساسيات الحياة.

ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام العملة المحلية 2010 ليرات سورية، وفقًا لموقع “الليرة اليوم”، بينما وصل السعر، في 8 من حزيران الماضي، إلى مستوى قياسي (3500 ليرة للدولار الواحد).

وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم بنسبة 82.5%، وفقًا لبيانات موقع “World By Map” العالمي، الذي أصدر، في شباط الماضي، بيانات وإحصائيات للسكان الواقعين تحت خط الفقر في كل دولة من دول العالم.

وسبق أن حذر “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، وسط توقعات بتسارع تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، بحسب ما نقلته وكالة أنباء “رويترز“، في 26 من حزيران الماضي، عن المتحدثة باسم البرنامج، إليزابيث بايرز.

وقالت بايرز، إن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، موضحة أن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع مليون و400 ألف خلال الأشهر الستة الماضية.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة تزيد على 200% في أقل من عام واحد، وأرجعت المتحدثة باسم برنامج الأغذية ذلك إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، وإجراءات العزل بسبب “كورونا”.

وقدرت الأمم المتحدة نسبة السوريين تحت خط الفقر بـ83%، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية، ونتيجة لذلك استنفدت القدرة على التكيف لدى كثير من الناس في المجتمعات المحلية الأكثر تضررًا في سوريا.

يعرّف مستوى الفقر بأنه أدنى مستوى من الدخل يستطيع به الفرد أن يوفر مستوى معيشة ملائمًا.

وذكر التقرير أن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقدّر أن 11.7 مليون سوري بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.

وأوضحت بيانات الأمم المتحدة أن العدد الأكبر من المحتاجين للمساعدات يوجدون في حلب، تليها ريف دمشق، ثم إدلب، وأن عدد المحتاجين للمساعدة في أماكن يصعب الوصول إليها يبلغ أكثر من مليون سوري.

وخلال حزيران الماضي، وهو الشهر الذي وصفه مسؤولو النظام بأنه الأكثر دموية من حيث عدد الجرائم، خرجت مظاهرات في محافظة السويداء طالبت بإصلاحات اقتصادية وتطورت لتطالب بإسقاط النظام.

المنظومة القيَمية غائبة

بحسب الاختصاصي في الإرشاد النفسي الدكتور عمر النمر، فإن هناك أنواعًا من الجرائم غير نابعة من “فكر اجرامي احترافي”، وإنما هي نتيجة اضطرابات نفسية إثر صدمات أو ظروف اجتماعية قاهرة، لم يستطع صاحبها التعامل معها.

وتؤدي هذه الاضطرابات إلى نوبات غضب يفقد فيها الشخص محاكمته العقلية وإنسانيته، تدفعه لارتكاب جريمة بحق نفسه “كالانتحار”، أو بحق الغير، خوفًا من الموت جوعًا أو انتهاك العرض.

ويرى النمر أنه للوقاية من هذه الجرائم، على المجتمع بذل المزيد من التوعية لأفراده على الصعيد النفسي، وتدريبهم على مقاومة الضغوط وحل المشكلات والتعامل مع الأحداث النفسية الصادمة.

وأضاف النمر أن من سبل التوعية تدريب الأفراد على التفكير بطريقة منطقية، ومهارات الذكاء العاطفي لإدارة مشاعرهم بطريقة صحيحة، وغيرها من المهارات اللازمة للبقاء في ظل الظروف الراهنة الصعبة التي يعاني منها الجميع في دول النزاعات.

من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي طلال مصطفى أن الجرائم موجودة في جميع مجتمعات العالم تاريخيًا، وما يميزها عن بعضها نسبة ارتكاب ونوعية هذه الجرائم.

وفي سوريا، يريد النظام أن يظهر أن الجريمة فردية كما يصورها، ولكن هذا غير صحيح، بل هي ممنهجة من خلال ممارسات النظام ضد الشعب السوري، بحسب الباحث الاجتماعي.

ويعتقد مصطفى أن “حرب النظام على شعبه” فككت قيم المجتمع السوري، “إذ نجد الأخ في طرف قوات النظام يقاتل أخاه في طرف آخر، ولم تعد هناك منظومة قيَمية جامعة تضبط أفراد المجتمع”.

بعد انتهاء الحرب في معظم المناطق، صارت الميليشيات “تعفش” بيوت المدنيين حتى في حاضنتها، وتقتل بعضها بعضًا أحيانًا، بحسب طلال مصطفى، مبررًا ذلك بأن من يخوض المعارك إلى جانب النظام ويقتل المئات والآلاف، يسهل عليه قتل أفراد خلال محاولة سرقة.

ويؤكد الباحث الاجتماعي أن ظواهر الإجرام ناتجة عن سياسات النظام الاقتصادية، ففي ظل الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة، لم يوفر للسكان المدنيين أو المقاتلين الدخل الكافي، ما أسهم بزيادة السرقات، كما غض النظر عن الفساد الذي يعد عاملًا أساسيًا في ارتكاب الجريمة.

كيف يعاقب القانون السوري المرتكبين

تنص “المادة 37” من قانون العقوبات السوري على معاقبة مرتكبي الجرائم الجنائية في سوريا بخمسة أنواع من العقوبات، وهي الإعدام، والأشغال الشاقة المؤبدة، والسجن المؤبد، والأشغال الشاقة المؤقتة، والسجن المؤقت.

وفي “المادة 65” يحرم كل محكوم بالسجن أو الإقامة المدنية من كامل حقوقه المدنية، وهي الحق في تولي الوظائف والخدمات العامة، والحق في أن يكون ناخبًا أو منتخبًا في جميع مجالس الدولة ومنظمات الطوائف والنقابات.

القانون ليس مشكلة بحد ذاته

يرى رئيس “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، في حديث إلى عنب بلدي، أن القوانين عامة في سوريا أو غيرها تحتاج إلى تحديث سواء لجهة سياسة التجريم أو حتى السياسة العقابية.

وفي الحالة السورية ليست المشكلة الحقيقية بالقانون فقط، بحسب قرنقل، بل في التفلت من القانون وعجز القضاء عن إقامة العدل أولًا، وتحصن شرائح من المجتمع في السلطة الأمنية، ترى نفسها فوق القانون، مضيفًا أن السلطة في سوريا عطلت مفاعيل النص القانوني عبر حمايتها لجهات محسوبة عليها.

وبحسب قرنقل، فإنه “من الطبيعي في زمن النزاعات والحروب، وانتشار السلاح بأيدي ميليشيات مكونها الأساسي هم المجرمون وتجار المخدرات والقتلة الذين أفرج عنهم مبكرًا بمراسيم عفو، ليتولوا مهام مواجهة المظاهرات وإخماد الحراك، أن ترتفع نسبة ومعدلات الجريمة، لأنه من أمن العقاب أساء الأدب، كما يقال”.

غطاء أمني

يوفر النظام السوري الغطاء لعناصره بمهاجمة كل ما يعارضه، بحسب العقيد المنشق زياد حاج عبيد، الذي أوضح لعنب بلدي أن معظم هؤلاء العناصر، ولا سيما المنتمين للقوات غير النظامية، هم من أصحاب الجرائم السابقة.

وأضاف حاج عبيد أن عدم قدرة النظام السوري على إرضاء عناصره ماديًا دفعه لإطلاق أيديهم، وهذا ما تجلى بالسماح لهم بـ”تعفيش” المناطق التي يدخلونها دون رادع.

توقف المعارك والهدوء العسكري الأخير في إدلب، آخر معاقل المعارضة، يعني توقف “التعفيش” الذي يشكل دخلًا جيدًا لعناصر قوات النظام، ما دفعهم حاليًا لارتكاب عمليات سلب ونهب وصل بعضها إلى القتل في سبيل ذلك.

استثمار أخبار الجرائم يؤجج النيران

تحولت وسائل الإعلام إلى “قوة لا يستهان بها”، قادرة على “تأجيج النيران وإخمادها”، كما أنها تؤثر بشكل مباشر على المواطن نفسه، بحسب الاختصاصي في الإرشاد النفسي الدكتور عمر النمر، ما يؤدي إلى فقدان أساسيات الثبات النفسي، فالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية حاليًا “غامضة”، وهو ما يجعل المواطن “لقمة سائغة” لوسائل الإعلام.

وتزيد وسائل الإعلام، في حال التناول الخاطئ للمواد الصحفية المتعلقة بالجرائم، من معدلات التوتر والقلق والخوف في المجتمع، خاصة مع غياب الأخبار الإيجابية والسارّة، وفقًا للنمر.

وترى الاختصاصية النفسية أمنية الترك، أن تسليط الضوء على الجرائم في وسائل الإعلام ينقسم إلى قسمين: الإيجابي، الذي تندرج ضمنه التوعية من خطورة انتشار الجرائم، ودور السلوك والتربية والعوامل الاقتصادية في الحد منها، والثاني هو ما أطلقت عليه “غير المجدي”، خاصة الأفلام أو المسلسلات التي تدافع عن مرتكبي العنف والجرائم، والتي تساعد بشكل غير مباشر على تولّد هذه الأفكار وخاصة لدى المراهقين.

لكن الباحث الاجتماعي طلال مصطفى يذهب إلى أبعد من ذلك، بالحديث عن أن النظام السوري من خلال منصاته الإعلامية يريد أن يصوّر الجرائم كأنها جرائم فردية لا علاقة له بها، بل يريد أن يصوّر نفسه الحامي والمدافع عن أمن المواطنين، متناسيًا أنه هذه الجرائم من صنعه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال السياسة القمعية، وقتل قيم المجتمع السوري.

ويتفق رأي طلال مصطفى مع استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني وصفحتها عبر “فيس بوك”، عما يريده الإعلام الرسمي من التركيز على تغطية أخبار الجرائم، إذ يرى 72% من المصوّتين وعددهم نحو 750 شخصًا، أن النظام يريد إلهاء المواطنين عن الأزمات الحقيقية التي يعيشونها، بينما يرى 28% أنه ينقل ما يحدث فقط.

هل الحديث عن الجرائم يزيدها؟

أظهرت بعض الدراسات العلميّة أن الشباب يستمدون طرق تنفيذ الجرائم من وسائل الإعلام، ففي إسبانيا تلقى 39% من الشباب المنحرفين معلوماتهم التي استمدوها في تنفيذ جرائمهم من التلفزيون، بحسب ما جاء في بحث نفسي للاختصاصي سامي نصر، نشرته منظمة “الأوان”.

وتظهر علاقة وسائل الإعلام بالظواهر الإجراميّة، بحسب الباحث، في نقاط أساسيّة، أولاها تعليم الجرائم، وذلك من خلال نشر تفاصيل ارتكاب الجريمة، والثانية قتل الاشمئزاز والاستنكار من الجرائم، وهو ما يعني تعويد الناس على الممارسات المنحرفة، فرويدًا رويدًا تصبح الجرائم الشنيعة شيئًا متعارفًا عليه في المجتمع، والثالثة جعل الجريمة مرغوبة، من خلال تصوير المجرمين على أنهم أبطال أو أذكياء في بعض الأحيان.

النقطة الرابعة هي التقليد والمحاكاة، وتمثّل ظاهرة تقليد ما يعرض في وسائل الإعلام من أكثر الآثار المباشرة على سلوك أفراد المجتمع وخاصة فئات الأطفال والشباب، حيث ينتقل التقليد بسرعة إلى مستوى الممارسات الفعليّة التي تتجلّى في التقليد والمحاكاة.

أما الخامسة فهي فقدان الأسرة مكانتها ودورها كوسيط اجتماعي بين الفرد والقيم الاجتماعية والتربية.

اضطراب سلوك وأمراض نفسية..

دلالات الجرائم في المجتمعات

يحمل نوع وكمّ الجرائم المرتكبة في أي مجتمع رسائل تشير إلى الاضطرابات السلوكية لدى أفراده، خاصة في أوقات الأزمات والحروب، مع تركيز وسائل الإعلام المحلية على نقل أخبارها،

وفتح تزايد أعداد الجرائم في سوريا الباب للتساؤل حول كيف تؤثر هذه الجرائم على الصحة النفسية للمجتمع نفسه.

ويزيد انتشار الجرائم في المجتمع القلق والتوتر والضغط النفسي، وتنتج عنه سلوكيات غير معتادة من قبل أفراد المجتمع.

ووفقًا للاختصاصي في الإرشاد النفسي الدكتور عمر النمر، تتزايد جرائم القتل والسرقات في غياب الأنظمة والقوانين، خاصة في أثناء الحروب والأزمات، إذ إنها إحدى النتائج الأساسية للصراع.

وأضاف النمر أن زيادة معدل الجريمة في المجتمع له أثر كبير على الحالة النفسية للمواطنين، مع شعورهم بفقدان إحدى الحاجات الأساسية في حياتهم، وهي الأمن.

وترى الاختصاصية النفسية أمنية الترك، أن انتشار الجرائم في المجتمع يولّد شعورًا بالخوف والذعر، مع الاعتقاد بأن مرتكب هذه الجرائم إنسان غير سويّ سلوكيًا وفقًا للنظريات العلمية النفسية، التي تؤكد أن الجريمة ترتبط بأنماط متعددة من الشخصيات، وبالتالي فإن الشخصية المضطربة نفسيًا قابلة للانحراف بشكل أعلى من الشخصية السويّة.

لا تتعلق الجرائم المرتكبة في أي مجتمع بعامل الأمن فقط، بل تتصل بشكل جذري بالعوامل السلوكية والنفسية لأفراده.

وأوضح الدكتور عمر النمر لعنب بلدي الرابط بين الجرائم والسلوك، إذ يرى أن انتشار الجريمة يشير إلى وجود “أمراض نفسية واضطرابات سلوكية لدى المجرم نفسه”، بالإضافة إلى توفر الأسباب المناسبة لتنفيذ جريمته.

وأضاف النمر أن تزايد معدلات الجريمة تشير إلى غياب المحاسبة والفلتان الأمني، ووجود حالة قلق لدى المواطنين المغلوب على أمرهم وخوفهم على أنفسهم وعلى أولادهم.

وبحسب العالم الإيطالي دي توليو (Di Tullio)، فإن السلوك الإجرامي “قائم على الاستعداد الفطري للفرد لارتكاب الجريمة”.

وشرحت الاختصاصية النفسية أمنية الترك نظرية دي توليو بالسلوك الإجرامي لدى الأفراد وعلاقته بالأسرة نفسها، فأولى الخبرات التي يكتسبها الفرد هي من أسرته، فالقيم والسلوك تعكس في الغالب أسس التربية التي تلقاها الطفل منذ صغره، والسلوكيات بوجه عام تتشكل لدى الفرد عن طريق الاكتساب من خلال أساليب التربية، والجزء الآخر منها يكون فطريًا، ويتمثل في استعداد الفرد لارتكاب الجريمة، بحسب أمنية الترك.

ومن هذه العوامل، الخلافات الأسرية بين الأب والأم التي تدفع الطفل والمراهق للابتعاد عن الأجواء المتوترة ولجوئه إلى “أصدقاء السوء”، وجهل الآباء والأمهات بأصول تربية الأطفال وتنشئتهم، وتركهم وسط أخطاء الآباء بالطبع سيكسبهم سلوكيات خاطئة.

إضافة إلى إهمال الطفل، فهو العدو الأول له، ويقضي على تكوينه الشخصي والنفسي.

كما تلعب المعاملة القاسية من جانب الآباء لأطفالهم دورًا في نشوء سلوك عدواني لدى الأبناء، إذ يعتقد الآباء أن مثل هذه المعاملة تعلمهم الاعتماد على النفس وتجعلهم يتحملون المسؤولية، وهذا زعم خاطئ.

وقد يزج عدم التوافق الاجتماعي والنفسي بين الزوجين بالمرأة نفسها (إذا عاملها زوجها بقسوة من الضرب وتوجيه الشتائم) في مسار الجريمة، الذي ستنقله إلى أطفالها.

ونتائج عدم التوافق تبدأ بالانفصال ثم الطلاق، لتنتهي بالخيانة الزوجية أو ارتكاب جرائم القتل أو الحرق، وبعض الجرائم منها تؤدي إلى ما يوصف بـ”جرائم الشرف”، وفقًا لأمنية الترك.

English version of the article

مقالات متعلقة