وسيلة معقولة للحفاظ على الحقوق العقارية لفترة معينة

دور القضاء المستعجل في رد المساكن والممتلكات العقارية

tag icon ع ع ع

رياض علي

نظرًا لكثرة الإشكاليات العقارية في سوريا قبل عام 2011، وتفاقم حجمها وتعقيداتها بعد ذلك التاريخ أضعافًا مضاعفة، سيكون من المتعذر على القضاء العادي بإجراءاته الروتينية التي تأخذ وقتًا طويلًا في كثير من الأحيان، الوصول إلى الحكم المبرم الحاسم للنزاع حول الملكية العقارية، وما يستتبع ذلك من إجراءات التنفيذ التي قد تستغرق أمدًا يكاد يقارب الأمد الذي استغرقته الدعوى نفسها، وإنصاف صاحب الحق بالسرعة التي يتمناها، لذلك قد يكون من الأنسب لأصحاب الحقوق اللجوء إلى القضاء المستعجل، أو كما يسميه بعضهم بقضاء العجلة، سواء كان ذلك قبل أو بعد انتهاء النزاع السوري، والوصول إلى الاتفاق السياسي المرتقب، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة.

والقضاء المستعجل هو الذي ينظر في المسائل المستعجلة التي يُخشى عليها من فوات الوقت على صاحب الحق في حال لجوئه إلى إجراءات التقاضي العادية، لكن دون أن يكون من حق قاضي الأمور المستعجلة التعرض لأصل الحق، بمعنى عدم الفصل في موضوع النزاع الذي يجب أن يُترك للقضاء العادي المختص.

ويعود تقدير وجود العجلة من عدمها في نوع كهذا من الدعاوى إلى قاضي العجلة وليس للمدعي، أي إذا وجد القاضي من خلال الأوراق المبرزة والدفوع المتبادلة أن عنصر العجلة غير متوفر وأن اللجوء للقضاء العادي لن يسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه مستقبلًا، فإنه يحكم برد الدعوى، ويُعتبر رئيس محكمة البداية المدنية في كل محافظة أو منطقة هو المختص بالنظر في القضايا المستعجلة، أما في المراكز التي لا توجد فيها محاكم بداية فيتولى قاضي الصلح المدني الفصل في هذه الأمور، ولضمان سرعة الإجراءات، حدد القانون ميعاد الحضور في الدعاوى المستعجلة بـ24 ساعة، ويجوز في حال الضرورة القصوى إنقاص هذا الميعاد إلى ساعة واحدة، ويكون الحكم الصادر في الدعوى المستعجلة قابلًا للاستئناف، وقرار محكمة الاستئناف مبرمًا.

ومع أن المشرّع لم يحدد أنواع الدعاوى المستعجلة، وترك الأمر لتقدير القاضي، باستثناء دعوى سماع شاهد يُخشى من فوات فرصة الاستشهاد بشهادته ودعوى الحجز الاحتياطي، إلا أن الفقه والواقع العملي في أروقة المحاكم والاجتهادات القضائية، أسهمت جميعها في تصنيف دعاوى أخرى كدعاوى مستعجلة، وهي دعوى “وصف الحالة الراهنة”، ودعوى “طرد الغاصب”، وسنحاول تسليط الضوء على هذه الدعاوى، وبيان الحالات التي يمكن لصاحب الحق العقاري الاستفادة فيها من القضاء المستعجل، وفقًا لكل حالة على حدة، وبحسب الظروف المحيطة بكل دعوى.

فإن كان العقار قد تعرض للتدمير الكلي أو الجزئي نتيجة لظروف النزاع الدائر في سوريا، يمكن لمالك العقار أن يلجأ إلى القضاء المستعجل بدعوى “وصف الحالة الراهنة” أو كما يصفها بعض الشراح بـ”الصورة الفوتوغرافية”، أي توصيف واقع العقار وبيان حجم الدمار الذي لحق به، وتسجيل كل ذلك في محضر الكشف القضائي الذي ستجريه المحكمة، ويتم بعدها تثبيت ما سبق في الحكم القضائي الذي سيصدر بالدعوى، وبإمكان المالك اللجوء إلى هذه الدعوى بغض النظر عن القوة المسيطرة على المنطقة التي يوجد فيها العقار، طالما أنه ليس من الضروري ذكر الجهة التي قامت بالتدمير مع إمكانية نسب الأمر إلى جهة مجهولة، خاصة مع تعدد الجهات المتقاتلة في الحرب السورية، وفي حال كان المالك للعقار نازحًا أو لاجئًا ولا يمكنه الوصول إلى المحكمة التي يوجد في دائرتها العقار، فليس له إلا توكيل محامٍ للقيام بهذه المهمة، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا يكون لهذا الإجراء تبعات أمنية على المحامي الوكيل، خاصة إذا كان المالك من الأشخاص المطلوبين للقوة المسيطرة على الأرض في هذه المنطقة أو تلك، ويمكن السير في هذه الدعوى حتى قبل التوصل إلى الاتفاق السياسي المرتقب، وسيكون لهذا الحكم القضائي تأثير كبير في تقييم قيمة الضرر الذي لحق بالعقار عند المطالبة بالتعويض المادي مستقبلًا.

أما إن كان مالك العقار نازحًا أو لاجئًا وعلم بطريقة ما أن عقاره قد دُمِّر أو تم الاستيلاء عليه من قبل النظام السوري أو جماعة عسكرية أو شخص متنفذ، ولم يتمكن من الحصول على الوثائق التي تُثبت ملكيته للعقار، أو كان يشك بأن تلك الوثائق قد لا تكون كافية لإثبات حقه مستقبلًا، أو أنه اضطر إلى التنازل عن عقاره لأحد المتنفذين من ضعاف النفوس لسبب ما، وكان لديه شاهد أو أكثر قادرون على تأكيد ملكيته وإثبات حالة الاستيلاء غير المشروع، فبإمكانه اللجوء إلى القضاء المستعجل بالمنطقة التي يقيم فيها هو والشاهد/ الشهود بدعوى “طلب سماع شاهد يُخشى من فوات فرصة الاستماع لشهادته مستقبلًا”، وذلك وفق المادة (86) من قانون البينات السوري، وتتعدد احتمالات فوات هذه الفرصة خاصة مع طول أمد النزاع السوري، كالخوف من سفر الشاهد أو وفاته أو فقده، وسيكون الحكم القضائي المتضمن الشهادة/ الشهادات المذكورة دليلًا قويًا جدًا بيد المالك، يمكن أن يستخدمه عند التقدم بدعوى أصل الحق (الملكية) مستقبلًا عندما تسمح الظروف بذلك، وهذه الدعوى كسابقتها لا تتطلب الانتظار لحين التوصل إلى الاتفاق السياسي والبدء بإجراءات “العدالة الانتقالية”.

من جانب آخر، قد يكون من المتعذر، إن لم نقل من المستحيل أحيانًا، التقدم بالدعوى المسماة “طرد الغاصب” أو “طرد واضع اليد على العقار بغير سبب مشروع” قبل التوصل إلى البيئة الآمنة والمحايدة التي ستعقب الاتفاق السياسي المرتقب، لأن هذه الدعوى ستكون بمواجهة الشخص أو الجهة التي استولت على العقار دون وجه حق، وبالتالي فإن صاحب الحق في العقار سيُقامر بحياته وربما بحياة أحبابه إن تقدم بها، ما دامت الظروف التي ساعدت الغاصب على القيام بجرمه على حالها، وهو ما ينطبق على دعوى “الحجز الاحتياطي” على العقار، لكن في حال الانتهاء من حالة فوضى السلاح، وسيطرة النظام القمعي الاستبدادي وسلطات الأمر الواقع، والانتقال بسوريا إلى دولة القانون والمؤسسات، يمكن للمالك التقدم بالدعاوى المذكورة، بهدف تأمين حقه في العقار المدعى به اعتمادًا على ظاهر الأوراق والأدلة الموجودة معه، لا سيما إن لم يكن بإمكانه انتظار إجراءات التقاضي العادية المتعلقة بإثبات أصل الحق (الملكية).

قصارى القول، إن القضاء المستعجل المذكور في القوانين السورية، يمكن أن يكون وسيلة معقولة للحفاظ على الحقوق العقارية لفترة معينة، وقد يقول قائل إن كثيرًا من الوثائق والأوراق قد تم تزويرها من قبل الذين استغلوا ظروف المحرقة السورية، وبالتالي قد يكون اللجوء للقضاء المستعجل في مصلحتهم طالما أن الأخير يحكم بموجب ظاهر المستندات المعروضة عليه، هذا الكلام سيكون صحيحًا لو أن القضاء المستعجل يبحث بأصل الحق (الملكية)، لكن كما ذكرنا في البداية فإن هذا النوع من القضاء ليس له التعرض لأصل الحق، وبالتالي حتى في حال عدم تمكن المالك الحقيقي من كسب الدعوى المستعجلة سواء لسبب شكلي أو موضوعي، سيكون من حقه اللجوء إلى القضاء العادي المختص بأصل الحق، والذي من المفترض أن ينظر في الدعاوى العقارية مستقبلًا بعد إعادة هيكلته، وتنظيفه من العيوب والمثالب التي تؤثر على أداء مهامه بالشكل المأمول.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة