tag icon ع ع ع

زينب مصري | صالح ملص | عبد الله الخطيب

بزي الجيش السوري، وبحضور الشرطة العسكرية الروسية، وبعد تخرجهم من دورة عسكرية تضم نحو ألف عنصر، هتف عناصر منضوون في “اللواء الثامن” تحت راية “الفيلق الخامس” في مدينة بصرى الشام في درعا، بـ”عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد.. سوريا حرة حرة، بشار يطلع برا”، في مشهد يلخص تعقّد ملف الجنوب السوري، الذي يشهد توترًا وتصعيدًا متكررًا بين مثلث ترسم أضلاعه روسيا وإسرائيل وإيران.

ووسط أجواء التهديدات المتبادلة في المنطقة الحدودية الجنوبية لسوريا، تعود فرضية نشوب “حرب” أخرى إلى الواجهة، في ظروف تقدم ذرائع تشابه تلك التي أدت إلى “حرب تموز 2006″، بالتزامن مع قلق إسرائيلي من تثبيت إيران وجودها في جنوبي سوريا، مع دخول أطراف دولية جديدة إلى ساحة الصراع، وبمعطيات مختلفة، أبرزها روسيا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع مجموعة من الباحثين والخبراء العسكريين، مدى احتمالية نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين الأطراف الفاعلة، وسط التصعيد والتوترات العسكرية التي تشهدها المنطقة الحدودية الجنوبية لسوريا.

عناصر ترسم المشهد الأمني في الجنوب

ما احتمالية تطور التأهب لمعركة

بفعل عوامل عدة، تحولت المنطقة الحدودية الجنوبية في سوريا إلى ساحة صراع دولي، وصارت عناصر وجهات دولية ترسم باتفاقياتها وتحركاتها مشهدًا أمنيًا متوترًا.

ويحظى “حزب الله” اللبناني، المدعوم من إيران، بنفوذ في الجنوب السوري واللبناني (على الحدود مع الجولان وفلسطين المحتلة)، وهو ما تحاول روسيا كبحه، بموجب اتفاقية وقّعتها مع إسرائيل، في أيار 2018، دعمت بموجبها النظام السوري للسيطرة على الحدود الجنوبية مع الجولان.

ويعكس مشهد المنطقة حجم التوترات العسكرية، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي، في 23 من تموز الماضي، مواقع عسكرية بالقرب من محيط مطار “دمشق الدولي” بغارات جوية، قُتل فيها العنصر التابع لـ”حزب الله” اللبناني علي كامل محسن، وعزز الجانب الإسرائيلي حدوده مع سوريا ولبنان في نفس اليوم، بحسب “القناة 13” الإسرائيلية.

وتوالت بعد ذلك سلسلة المناوشات والقصف المتقطع بين الجانبين، الإسرائيلي والسوري، إلى أن تطورت لتشمل الجانب اللبناني، الذي شهد محاولة تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل حدود إسرائيل، نفاها الحزب واعتبرتها إسرائيل “لعبًا بالنار”.

واستهدف الجيش الإسرائيلي أشخاصًا قال إنهم عناصر من “حزب الله”، في 27 من تموز الماضي، دخلوا مسافة أمتار معدودة إلى منطقة “سيادية إسرائيلية”، في منطقة جبل روس بلبنان، واتهمتهم إسرائيل بـ”تنفيذ عملية تخريبية خططوا لها”.

وأطلق “حزب الله” صاروخًا استهدف مزارع شبعا (المحتلة على الحدود السورية- اللبنانية)، بينما استهدفت إسرائيل بقذائف بلدة كفر شوبا ومحيط موقع رويسات العلم جنوبي لبنان.
ارتفعت حدة التهديدات، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، بيني غانتس، إن رد قواتهما على هجمات “الحزب” سيكون “شديدًا جدًا”، وسط تعزيز للقوات العسكرية على الحدود السورية واللبنانية، تفاديًا لأي “هجوم انتقامي” للحزب.

فتحت هذه التصريحات افتراضات بنشوب مواجهة مباشرة بين الجانب الإسرائيلي من جهة، و”حزب الله” بدعم من النظام السوري وإيران من جهة أخرى، في المنطقة الحدودية الجنوبية لسوريا، قبل أن تُغلَق الفرضيات بهذا الشأن، بعد أن استبعد نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، إمكانية اندلاع حرب مع إسرائيل خلال الأشهر المقبلة.

قوات إسرائيلية تجري مناورات على الحدود السورية في الجولان المحتل – 7تموز 2018 (gettyimage)

توتر “مصطنع”

الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العقيد إسماعيل أيوب، يرى أن هذا التوتر الذي شهدته الحدود “شبه مصطنع” ومتفق عليه بين “حزب الله” وإسرائيل، وللطرفين مصلحة فيه، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وذلك لأن إسرائيل تريد أن تثبت للرأي العام الإسرائيلي أن الحكومة الإسرائيلية لن تسمح بأي اعتداء ولو كان ردًا بسيطًا من قبل الحزب، أي إن إسرائيل تريد استثمارًا سياسيًا أكثر من كونه عسكريًا.
كما أن هناك نية لدى “حزب الله” لإثبات قدرته، أمام أنصاره، على الرد على مقتل أي عنصر، حتى لو كان في سوريا، وخاصة أن شعبية الحزب “منهارة” في لبنان بسبب أعماله “الإرهابية” في سوريا، وبسبب سيطرته على الدولة اللبنانية.

أزمات داخلية تفقد الشهية لأزمة جديدة

بالعودة خطوات قليلة إلى وراء هذه الأحداث، كان الجيش الإسرائيلي نشر تسجيلًا، في 10 من نيسان الماضي، يظهر فيه وجود قادة عسكريين من النظام السوري و”حزب الله”، في الشق السوري من هضبة الجولان المحتلة.

ويُظهر التسجيل الذي نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، حينها، قائد “الفيلق الأول” في قوات النظام السوري، اللواء علي أحمد أسعد، برفقة قائد قيادة الجنوب في “حزب الله”، الحاج هاشم.

وقال أدرعي، إن أسعد أجرى جولة شملت التنقل بين المواقع المعروفة باستخدامها من قبل “حزب الله” برفقة هاشم.

ويهدف “حزب الله” إلى التموضع في سوريا عامة وفي الشق السوري من هضبة الجولان خاصة، “لخلق بنية إرهابية ضد دولة إسرائيل بتعاون ورعاية النظام السوري”، بحسب تعبير أدرعي.
وأشار هذا التسجيل إلى أن الحديث عن انسحاب للميليشيات الموالية لإيران من سوريا غير دقيق، بضمانة روسية، إنما إعادة تموضع وانتشار في الجنوب، بحسب ما قاله الباحث في الشؤون العسكرية ومدير وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات”، نوار شعبان، في حديث لعنب بلدي، مضيفًا أن ما يحدث الآن من مناوشات عسكرية تقع تحت مبدأ “تثبيت مواقع السيطرة من خلال فرد العضلات وإظهار القوة”.

لكن لا مجال في هذه الفترة لعملية عسكرية مباشرة بين الأطراف الإقليمية في المنطقة تُنذر بنشوب معركة أو حرب مباشرة، بحسب قراءة شعبان لتطور الأحداث خلال الأيام الماضية، لأن كل الأزمات الداخلية عند كل الأطراف متراكمة وناضجة في الوقت ذاته، وهو ما لا يسمح بزيادتها بمعركة عسكرية حقيقية.

“يوجد كثير في طبق إيران وإسرائيل ولبنان والنظام السوري من أزمات اقتصادية وقضايا فساد” تحول دون تطور أي مناوشات عسكرية لمعركة ضخمة، بحسب شعبان، والمواجهات التي تحصل منذ اتفاق “التسوية” في جنوبي سوريا، عام 2018، وحتى الآن، هي “مواجهة محلية بنكهة دولية”.

هذا النزاع الدولي من خلال الأذرع المحلية هو لإحكام طرف من الأطراف سيطرته العسكرية والأمنية على المنطقة الجنوبية في سوريا، لكن هذا النزاع يظهر على شكل اعتقالات واغتيالات محلية في الجنوب.

وفي هذا الوقت، تقترب روسيا من حسم القبضة الأمنية والعسكرية في الجنوب لمصلحتها بالاتفاق مع إسرائيل، وفق الباحث نوار شعبان.

دبابة لـ”حزب الله” لبناني على الحدود السورية – (AFP)

مصالح روسية بعيدة عن سيناريو الحرب

وطرحت روسيا في 2018 “تسوية” في درعا والقنيطرة، بعد حملة عسكرية دعمتها، قبلت بها أغلب فصائل المعارضة السورية في الجنوب، لتعرف بعد ذلك بـ“فصائل التسوية” التي استغلتها روسيا بالتزامن مع تسليم المعابر الحدودية الجنوبية للقوات الحكومية، كي لا يُخلق فراغ أمني تقوم بتعبئته ميليشيات موالية لإيران، بحسب شعبان.

وثبتت روسيا “فصائل التسوية”، وأبرزها “اللواء الثامن” المنضوي ضمن “الفيلق الخامس”، بقيادة رجل روسيا في درعا أحمد العودة، في الوحدات العسكرية الحدودية، لمنع اقتراب ميليشيات إيران من الحدود مع إسرائيل.

وفي نفس العام، سعت القوات الروسية لتكون صاحبة الكلمة الفصل في المنطقة المحاذية لإسرائيل، من خلال اتفاق بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإبعاد إيران و”حزب الله” عن الجنوب السوري.

وتحاول موسكو إنجاح تجربة “التسوية” في محافظة درعا أمام المجتمع الدولي، لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية تحت إشراف سلطتها الأمنية، وفق ما ذكره شعبان، وأي تصعيد عسكري نحو معركة إقليمية بين إيران و”حزب الله” والنظام وبين إسرائيل لن يكون في مصلحة روسيا، التي تنسق مع إسرائيل لإضعاف الوجود الإيراني في الجنوب السوري.

وقال المحلل الإسرائيلي والمتخصص بالشؤون العربية، أهود يعاري، في مقال نشره موقع “القناة 12” الإسرائيلية، إن “بوتين لا يريد أن يتحول الجولان إلى ساحة حرب مشتعلة، لذلك، يحرص أن يكون جنوده وضباطه، وأغلبيتهم مسلمون من القوقاز، هم المسيطرين على المنطقة من الجانب السوري، بالتعاون مع قوات محلية معادية عداء صريحًا لكل من إيران والنظام في دمشق”.

لكن لفئة من جمهور عنب بلدي رأي آخر، إذ أظهر استطلاع للرأي نشرته عنب بلدي عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، أن 82% من 251 مصوّتًا يرون أن للأطراف الفاعلة في الجنوب السوري مصلحة في بدء الحرب، بينما ترى النسبة المتبقية ألا مصلحة في ذلك. ويعتقد المصوّتون لمصلحة ترجيح بدء الحرب، أنها قد تأتي بهدف “كسب الثقة عند الناس، واسترجاع الهيبة التي لم تعد موجودة”.

آلية إيران لتثبيت وجودها في الجنوب

في المقابل، تعتمد إيران على أذرعها في جنوبي سوريا لتتنصل من أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، بحسب شعبان، من خلال محاولة فرض وجودها عبر الأمن العسكري التابع لقوات النظام، بالإضافة إلى “اللواء 313” الذي يعتبر فصيلًا إيرانيًا بعناصر محليين، تعود تبعيته إلى “الحرس الثوري الإيراني”.

وبحسب الباحث نوار شعبان، فآلية إيران واضحة في سياق مواجهتها مع إسرائيل لمحاولة تثبيت وجودها في المنطقة الجنوبية، وهي السيطرة على العديد من الكوادر والتشكيلات المحلية التي لها دور أساسي في الجيش والقوى الأمنية التابعة للنظام السوري، بالإضافة إلى قدرة طهران على الإشراف على البادية الشرقية المحيطة بدرعا من جهة محافظة السويداء، فعند حدوث أي توتر

عسكري خارج سيطرة إيران، يتمكن بعض عناصر تنظيم “الدولة” من التسلل من هذه البادية لإثارة المشاكل الأمنية سواء في السويداء أو درعا، وهذا السلوك الأمني يعتبر ضمن آلية طهران لمواجهة أي تصعيد عسكري محتمل، وفق ما قاله شعبان.

واقع لا يقارب معطيات “حرب 2006”

مع بدء المناوشات على الحدود المحتلة في سوريا ولبنان، تنبأ محللون سياسيون وعسكريون بصيف يشابه حرب “تموز 2006″، بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، التي بدأت بأسر متبادل لعناصر وجنود من الجانبين.

لكن انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) خلق ظروفًا صحية غير عادية وغير ملائمة لنشوب أي مواجهة عسكرية بين أي طرف من الأطراف في العالم، وخاصة في منطقة تعاني من انتشار متزايد لحالات الإصابة بالفيروس مثل سوريا، بحسب ما قاله شعبان، ما يعني سيناريو الابتعاد عن تكرار “حرب تموز” عام 2006.
وهذا الأمر، بحسب شعبان، يشكل حاجزًا قويًا أمام أي رغبة عند الأطراف لتغليب مصالحهم في المنطقة الحدودية الجنوبية لسوريا عن طريق المعركة العسكرية بشكل مباشر، لما قد يتعرض له الجنود

وعناصر الفصائل العسكرية والميليشيات من خطر تفشي العدوى بينهم، ما ينتج عنه انتشار أوسع للمرض بين المدنيين أيضًا.

وتعاني كل من إيران ولبنان والنظام في سوريا من أزمات اقتصادية لا تؤهلها لخوض معركة ضد إسرائيل التي شهدت بدورها مظاهرات لآلاف الأشخاص في مدينة تل أبيب (يافا)، في تموز الماضي، ضد سياسات نتنياهو في مواجهة الأزمة الاقتصادية جراء انتشار فيروس “كورونا”.

إيران تحت ضغط إسرائيلي- أمريكي

لا ينفصل التوتر في الجنوب السوري واللبناني عما يحصل داخل إيران، مع عدة انفجارات وحرائق، لا يُعرف بعد إن كانت إسرائيل أو واشنطن وراءها.

وتعتقد إيران أن الانفجار الذي حصل في منشأة “نطنز” النووية عمل “تخريبي” تقف وراءه أمريكا أو مجموعات معارضة، إذ قال رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، غلام رضا جلالي، في 4 من تموز الماضي، إن طهران لا تستبعد أن يكون انفجار المنشأة “عملًا تخريبيًا” من قبل مجموعات المعارضة، أو “هجومًا سيبرانيًا من قبل أمريكا التي تقف وراء عدة أحداث وقعت مؤخرًا في إيران”.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز“، في اليوم التالي من تصريحات المسؤول الإيراني، عن مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط وعضو في “الحرس الثوري الإيراني”، قولهما إن هناك فرضية جديدة قائمة على زرع قنبلة داخل منشأة “نطنز” النووية، ولم يستبعدا أن تكون إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم.

وبحسب الصحيفة، فإن المخابرات الإسرائيلية أظهرت سلفًا قدرتها على ضرب قلب إيران، فقد اقتحمت مستودعًا في طهران عام 2018، وسرقت نصف طن من السجلات السرية التي توثق المشروع النووي الإيراني، وتمكنت من إخراج المستندات من البلاد.

ولكن إسرائيل نفت مسؤوليتها عن حادثة “نطنز”، بحسب ما صرح به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، بيني غانتس، ووزير الخارجية، جابي اشكنازي.

وتوالت التفجيرات بشكل متزايد، في تموز الماضي، في إيران، أحدثها التفجير الذي شهدته مدينة دولت أباد في إقليم “كرمانشاه” غربي إيران، في 28 من الشهر نفسه، ونشرت وكالة “إسنا” الإيرانية عبر “تويتر” حينها، تسجيلًا مصوّرًا يظهر احتراق ست شاحنات وقود في مرآب للسيارات، دون وقوع أي ضحايا، بينما أُصيب عدد من الأشخاص، وفقًا للوكالة.

هذا التوتر في الداخل الإيراني بلغ أوجه في سماء سوريا، حين اعترضت القوات الأمريكية، في 23 من تموز الماضي، عبر مقاتلات “F-15” طائرة ركاب إيرانية تتبع لشركة “ماهان إير”، فوق قاعدة “التنف” في ريف حمص التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي، الأمر الذي جعل إيران ترفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، عن طريق المندوب الدائم لها في الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي.

أذرع روسية لضبط إيقاع الجنوب

التصعيد الإسرائيلي ضد إيران ليس جديدًا، إذ تحاول إسرائيل مع روسيا، حليفة النظام السوري، منع النظام والقوات العسكرية الإيرانية من السيطرة بشكل كامل على المنطقة الجنوبية في سوريا.

توصلت روسيا، في أيار 2018، إلى تفاهم مع إسرائيل ينص على تحجيم دور إيران وإخراج قواتها من سوريا، لكن لم يجرِ الاتفاق على التوقيت، وذلك لأن إسرائيل تريد الخروج الفوري لإيران من سوريا، بينما ترى روسيا أن مسألة إخراج القوات الإيرانية تحتاج إلى وقت وترتيبات، لذلك اقترحت الطرد الجزئي للقوات الإيرانية من الجنوب السوري.

ونص التفاهم على انسحاب إيران 20 كيلومترًا عن المنطقة الحدودية، لكن المطلب الإسرائيلي كان انسحاب إيران إلى مسافة 60 إلى 70 كيلومترًا بشكل تدريجي، في منطقة تمتد من مجدل شمس إلى ما بعد دمشق بقليل، ومن جهة الجنوب من الحدود المشتركة مع الأردن إلى السويداء تقريبًا.

ومن خلال الاتفاق، منحت روسيا الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ عمليات عسكرية محدودة في سوريا بحال تعرض أمنها للخطر، بشرط ألا يؤثر ذلك على قدرات النظام السوري مع عدم استهداف مواقع النظام.

كما أن اتفاق “التسوية”، الذي وُقّع في تموز 2018، وكانت روسيا الضامن له، لم يسمح للنظام السوري ببسط نفوذه على كامل مناطق الجنوب، وبقيت عدة مناطق خارج حدود سيطرته.

عنصر من جيش النظام بجوار عربة شيلكا في محافظة درعا – 5 تموز 2018 (سبوتنيك)

أدوار لـ”الفيلق الخامس” في المواجهة؟

يعمل “الفيلق الخامس”، المدعوم من روسيا، على توسيع نفوذه في مناطق الجنوب السوري، إذ تحاول موسكو منحه صلاحيات واسعة يضبط من خلالها الأمن في مناطق سيطرته، ويحدّ من التوسع الإيراني في المنطقة، ويمنع قوات النظام السوري من التوغل فيها.

وبينما يلعب “الفيلق” دورًا تحدده روسيا بعيدًا عن النظام السوري في المواجهات التي تحدث في الجنوب السوري أو منطقة جبال اللاذقية، لن يكون له دور في أي مواجهة عسكرية من الممكن أن تنتج عن التوتر الأمني الأخير الحاصل في المنطقة الحدودية الجنوبية، وذلك لأن “الفيلق” يتبع لروسيا المعنية بأمن إسرائيل، بحسب الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العقيد إسماعيل أيوب.

وعن دوره في إبعاد إيران من المنطقة، قال العقيد أيوب، إنه على الرغم من أن “الفيلق الخامس” ورقة روسية، لا يوجد إلى الآن ما يشير إلى أي دور له أو للفصائل التابعة له في مكافحة الوجود الإيراني، وخاصة أن روسيا وإيران ما زالا حليفين في سوريا.

ولكن إذا اقتضت الضرورة، وحسب السياقات السياسية المؤثرة في سوريا، من الممكن أن يكون له دور مستقبلي في حال الحاجة إلى إقصاء الدور الإيراني، وخاصة في الجنوب المتاخم للجولان المحتل، مشيرًا إلى أن دوره يحتاج إلى توافق أمريكي- روسي- إسرائيلي.

وأضاف العقيد أيوب أنه من الممكن استخدام الفصائل التابعة لـ”الفيلق الخامس” في مكافحة وجود القوات الإيرانية في الجنوب أو عموم سوريا، في حال تعنّت إيران عند تقرّر إخراج “ميليشيات” إيران من سوريا.

ويرى العقيد أن روسيا أوفت بتعهدها بشكل كبير في إقصاء الميليشيات المدعومة من إيران من حدود الجولان المحتل، ولكن إيران تلتف على الروس من خلال إدراج عناصرها في صفوف فرق وألوية وكتائب النظام، وبالتالي بشكل أو بآخر صاروا جزءًا منها، ويحملون هويات سورية، ويلبسون زي قوات النظام، ومن خلال وجودهم ضمن تلك القوات ينفذون أعمالهم الأمنية، ويقيمون مراصد ومراكز رصد وتنصّت وغيرها من الأعمال التحضيرية لأي عمل عسكري مستقبلي.

مع ذلك، فإن الروس والإسرائيليين، بحسب رأي العقيد إسماعيل أيوب، ليسوا غافلين بشكل كامل عن هذه الأعمال، وفي حال قيام الميليشيات بأي عمل أمني ستكون العواقب وخيمة عليهم وعلى قوات النظام.

لكن الدكتور في الإعلام والباحث السياسي السوري نصر اليوسف، اعتبر أن التحركات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في سوريا جادة هذه المرة، لأن مشروعي إيران وإسرائيل يلتقيان ويتقاطعان بشكل متضادّ وليس متكاملًا، وليس حبًا بتحرير الشعب السوري من سلطة الإيرانيين عليهم.

وبالتالي فإن الوجود الإيراني على حدود إسرائيل ينذر بخطر عليها، كما أن الأخيرة لا ترغب بوضع نفسها محاطة بميليشيات عسكرية من المناطق المحاذية (سوريا ولبنان).

وعن مضمون الرسائل الأخيرة، ومنها اعتراض الطائرة الإيرانية المدنية “ماهان إير” من قبل مقاتلتين أمريكيتين، في 24 من تموز الماضي، وتكثيف القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا، قال نصر اليوسف، في حديث لعنب بلدي، إن هذا يصب في الرغبة الحقيقية والعزم على قص أذرع إيران في المنطقة وتقليم أظافرها.

واستشهد الدكتور نصر اليوسف بأن شركة “ماهان” لطالما نقلت مقاتلين من الميليشيات الأفغانية والإيرانية والأسلحة إلى سوريا، وهو ما لا يريد الأمريكيون حدوثه، باعتراضهم هذا، معتقدًا أن جلب المرتزقة الإيرانيين إلى سوريا سيستمر، فإذا فقدت إيران سوريا ستفقد كل مواقعها ومراكزها المسيطرة عليها في العقود الأربعة الماضية.

إيران ترد على إسرائيل بـ”جعجعة سياسية”

يرى الدكتور والباحث السياسي نصر اليوسف أن الأوراق التي تمتلكها إيران تجاه التصعيد العسكري، تتمثل في “الجعجعة” المترجمة بالتهديدات الفارغة من التنفيذ والمتوقفة عن التطبيق على أرض الواقع، إلا في بعض الأعمال الاستفزازية هنا وهناك.

واستشهد اليوسف بالموقف الإيراني بعد مقتل القيادي البارز في “الحرس الثوري الإيراني”، وقائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني، في 3 من كانون الثاني الماضي، بغارة جوية أمريكية

استهدفت موكبه في العاصمة العراقية بغداد بعد عودته من سوريا.
وقال اليوسف، “عندما صفّت أمريكا سليماني، كانت هناك أصوات مرتفعة من الإيرانيين، وتوعدت الأمريكيين بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولكن ماذا حدث على أرض الواقع؟”.

ويحاول الإيرانيون تجنب المساس بالأمريكيين، إلا أن أفعالهم الاستفزازية ضد الأمريكيين والإسرائيليين، ما هي إلا ليوهموا العرب “السذج” بأن إيران قوة عظمى وباستطاعتها أن تناكف قوة هاتين الدولتين، وأنها ستظل وتسعى لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بحسب تعبير اليوسف.

استراتيجية إسرائيلية- أمريكية تواجه إيران

ما يهم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو فقط أمن إسرائيل، بحسب الدكتور نصر اليوسف، معتبرًا أنه إذا كانت الولايات المتحدة فيما مضى ترى في دول الخليج العربي حليفًا وموردًا أساسيًا للطاقة في التصنيع، فقد فقدت هذه المنطقة وظيفتها نهائيًا.

وأشار إلى أن “أمريكا والغرب يستطيعون الاستغناء عن الخليج كاملًا بمسألة النفط، فالمنتج الأساسي هي الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إنتاجها، بحسب إحصائيات تموز الماضي، أكثر من 11 مليون برميل في اليوم الواحد، بالإضافة إلى إنتاج الغاز المكثف من الصخر والغاز الطبيعي”.

لذلك عندما يوجد عدو يعلن إزالة إسرائيل من الوجود، ويُثَبت نيته بالتصرفات الفعلية من قبل “حزب الله” أو غيره، فستسعى الولايات المتحدة لحماية إسرائيل بإبعاد إيران من الحدود المحاذية، والهدف البعيد المدى هو إخراجها من سوريا كاملة.

كيف تحدد أولوياتها؟

روسيا.. الرابح الأكبر

تتخذ روسيا موقف المنظّم لسير الأحداث التي تحصل على الحدود السورية الجنوبية بين إسرائيل وإيران والنظام السوري، مع التركيز على أمن إسرائيل بدرجة أولى، لعدة أسباب لخّصها الدكتور في الإعلام والباحث السياسي نصر اليوسف.

وذكر اليوسف أن 20% من المواطنين الإسرائيليين أصلهم روسي ويحملون الجنسية الروسية، إضافة إلى وجود يهود بالقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أبرزهم الأخوان أركادي وبوريس روتينبيرغ، اللذان يعتبران من أكبر رجال الأعمال، ويعتمد عليهما في الأعمال الاستراتيجية.

وبدأت صداقة بوتين مع هذين الأخوين منذ أيام المدرسة في مدينة “لينينغراد” (اسمها الحالي سان بطرس بورغ)، وتنفذ شركات هذين الأخوين أغلبية العطاءات المتعلقة بالبنية التحتية، ومن أبرزها الجسر الذي يصل البر الروسي بـشبه جزيرة القرم التي اقتطعتها روسيا من أوكرانيا سنة 2014.

واعتبر اليوسف أن الأخوين، إلى جانب الملياردير رومان أبراموفيتش (مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، وأحد أباطرة النفط والألمنيوم والصلب في روسيا المقرب أيضًا من بوتين)، يؤثرون على قرارات روسيا، بحسب قوله.

أما التعامل الروسي مع سوريا، فهي تستخدمها كورقة للمتاجرة مع الغرب من أجل مقايضة مواقف معينة، وعندما تطلب إسرائيل منها مساعدتها في إخراج الإيرانيين فإنها ستنفذ ذلك على الفور، بحسب اليوسف، الذي استدل على ذلك بقوله، “رأينا الطائرات الإسرائيلية تجول في السماء السورية متى تشاء وتضرب أينما تشاء دون تعرض روسي”.

وأكد أن الصمت الروسي على القصف الإسرائيلي هو موافقة علنية وليست ضمنية، وإلا لما استطاع الإسرائيليون أن يضربوا تلك المواقع، ولما دخلوا سنتيمترًا واحدًا في الأراضي السورية.
أما فيما يخص الإيرانيين، فإن روسيا ستكون سعيدة في أي تصعيد عسكري بين الأطراف، وذلك لأنها ستشعر بأن الطرفين بحاجة إليها لتنظم لهما أمورهما، برأي اليوسف.

وهذا يعني أن إيران عندما تُستهدف أو تشعر بالخطر من قبل الإسرائيليين، ستطلب من الروس راجية أن تتفاهم مع إسرائيل لتخفيف حدتها ووتيرتها الهجومية، وكذلك إسرائيل ستحتاج إلى موافقة الروس في كل ضربة تنفذها.

وبالتالي يمنح هذا التصعيد روسيا دور “شرطي المرور” الذي ينظم الخلافات بين الطرفين، وكلما ضعف التأثير الإيراني في سوريا اشتد التأثير الروسي، ويرى اليوسف أن الروس ليسوا بحاجة بعد الآن للإيرانيين في سوريا، بسبب انتهاء المعارك التي كان الإيرانيون يغطونها من الأرض والروس من الجو.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الى اليسار) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين- 11 تموز 2018 (رويترز)

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الى اليسار) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين- 11 تموز 2018 (رويترز)

English version of the article

مقالات متعلقة