العدالة التحويلية المتوافقة مع النوع الاجتماعي في حقوق الإسكان والأراضي والملكية

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

وفقًا لـ”مبادئ بنهيرو“، يُعتبر الحق باسترداد المساكن والممتلكات عنصرًا رئيسًا في تسوية النزاعات، ونجاح تنفيذ برامج ردها عنصر أساسي من عناصر العدالة التعويضية كجزء لا يتجزأ من عملية الاسترداد، وفي حال تعذر الرد، فالتعويض يكون عينيًا أو نقديًا، أو رضا المتضرر، امرأة و/ أو رجل، بعد معرفة مستنيرة طوعية بالتعويض بدل الاسترداد، أو دمجهما معًا، أي دمج حق الرد والتعويض إذا كان من شروط التسوية، ويعني ذلك إعادة المتضرر/ الضحية، امرأة أو رجل، إلى وضعه الأصلي قبل وقوع الانتهاك، وهو أمر لا يصلح للنساء والفتيات، لا بل يعتبر غير عادل ولا يشكل إنصافًا فعالًا لهن، لأنه وضع تمييزي، أُسّس لعنف بنيوي مديد ضدهن في كل المجالات، قانونيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا وسياسيًا. 

وتتجلى أسس معالجة البعد الجندري بالحق في السكن والأراضي والممتلكات بما يلي:

1. اعتماد مفهوم العدالة التحويلية، التي تعالج الأسباب المتجذرة للعنف البنيوي المديد المبني على النوع الاجتماعي، والذي يأخذ أنماطًا متعددة في إطار الحيازة، منها على سبيل المثال:

  •  علو الأعراف الذكورية على القوانين التمييزية ضد النساء، وحرمانهن من الإرث في العديد من المناطق السورية، أو إجبارهن على التنازل عن حصصهن، أو تنازلهن عن حقهن طواعية لمصلحة أقاربهن الذكور، نتيجة الجهل المعرفي بحقوقهن، والخوف من الوصمة، والضغوط الأسرية، وإن طالبن بحقهن فالوصمة الاجتماعية بانتظارهن، وبالتالي يصبح العنف المجتمعي مشرعًا ومباحًا ضدهن.
  •  قوانين إرث تمييزية ضد المرأة، فمثلًا تنص (المادة رقم 277- 2) في الباب الرابع المعنون بـ”الإرث بطريق العصوبة النسبية”، من قانون الأحوال الشخصية العام لعام 1953 والمعدل بالقانون رقم (34) لعام 1975، على أن يكون “للذكر مثل حظ الأنثيين”، وتنطبق القاعدة الشرعية أيضًا “في ميراث ذوي الأرحام مطلقًا للذكر مثل حظ الأنثيين” كما نصت (المادة رقم 297- 1)، وفي الوصية الواجبة كما نصت (المادة 257- 1- ج) “تكون هذه الوصية لأولاد الابن ولأولاد ابن الابن وإن نزل واحدًا كانوا أو أكثر للذكر مثل حظ الأنثيين…”، كما أن النساء والفتيات لا يُعتبرن قاطعات إرث.
  • حرمان النساء من السكن اللائق، مثل تخصيص غرفة للمرأة تدعى “غرفة المقاطيع” في محافظة السويداء لدى طائفة الموحدين الدروز، وتعني كلمة المقطوع وفق اللهجة المحلية، الشخص الذي لا مكان له، وهي، أي “غرفة المقاطيع”، عبارة عن غرفة مع مرافقها في منزل والد المرأة و”للنساء اللواتي انقطعن عن الرجال لعدم الزواج أو التفريق وغيرها من الحالات”، وغالبًا ما يترافق هذا الانتهاك مع حرمانهن من الميراث عبر استخدام سند قانوني يدعى “الوصية”، تمنح الموصي الحقّ في منح ممتلكاته لمن يشاء، وفي أغلب الأحيان تستخدم الوصية لحجب الإرث عن النساء.
  • تترافق غالبًا مع الانتهاكات الواردة أعلاه، واضطرار النساء اللواتي ليس لديهن شريك أو الأمهات العازبات، محاولات لاستغلالهن صحيًا ونفسيًا حين يُجبرن أو/ ويضطررن للسكن مع أحد أفراد العائلة من الذكور، فيُعهد إليهن تربية أطفال العائلة وكل الأعمال المنزلية، كما أن خيار النساء العاملات للسكن بمفردهن أو مع أطفالهن وطفلاتهن ليس خيارًا متاحًا أو سهلًا في مجتمع ذكوري.
  • استبعاد النساء من المشاورات العائلية المتعلقة بكيفية توزيع الإرث، وكأنها شأن ذكوري صرف، بالإضافة إلى حصر حصتها في الإرث بعيدًا عن المنشآت التجارية والصناعية وعن الأرض، بحجة عدم تفتيت العقار.    
  1. رفض ومناهضة أمولة السكن والعقارات، حاليًا وخلال عملية إعادة الإعمار، وهو نهج نيو ليبرالي يعتمد على تسليع السكن، أي التعامل معه كسلعة ووسيلة لنمو الثروة، وقد يكون مرتبطًا بسوق المال، الأمر الذي سيرفع القيمة المالية للإيجارات والعقارات وبضمنها الأراضي بشكل كبير جدًا، وستزداد شراهة الاستثمار في العقارات/ المجمعات التي تجذب الأغنياء، وستنعدم قدرة محدودي الدخل على الحيازة بشكل عام والنساء بشكل خاص، فهن لا يمتلكن القدرات المالية مثل الرجال، ولذلك أُطلق مصطلح “تأنيث الفقر”، لذلك يجب التزام الدولة في تمويل سياسات إسكان تؤمّن لمحدودي الدخل والفقراء، نساءً ورجالًا، حقهم في السكن اللائق وعدم التمييز في هذا السياق.

ختامًا، إن السياسات القائمة على التحليل الجندري واتباع نهج وفلسفة العدالة التحويلية في مسألة السكن والأراضي والممتلكات على صعيد المؤسسات العامة (مؤسسات الدولة) وبمشاركة المجتمع المدني، نساءً ورجالًا على قدم المساواة، وخبراء/ خبيرات التنمية والجندر في كل المراحل بدءًا من التحليل، ثم التخطيط، فالتنفيذ والمراقبة، تستطيع رصد بنيان الهيمنة الذكورية في المجتمع الأبوي، والعنف المبني على النوع الاجتماعي وأنماطه وتراتبيته وتقاطعيته مع كل أشكال العنف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني، وبالتالي يتم ضمان الحق ومنع الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، واستدامة السلام والنهوض بالمجتمع وبسوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة