tag icon ع ع ع

“دون علمي أو علم أيّ من أفراد عائلتي تم تحويل اثنين من منازلنا بمدينة رأس العين (سري كانيه) إلى معهدين لتحفيظ القرآن، وذلك بعد الاستيلاء عليهما إلى جانب منزلين آخرين بالمدينة، من قبل فصائل (الجيش الوطني) المسيطرة على المنطقة”.

بمحض الصدفة تعرّف الصحفي والناشط الحقوقي السوري محي الدين عيسو على منزلي ذويه اللذين تحولا إلى معهدين لتحفيظ القرآن، واحد منهما للإناث والآخر للذكور، بدعم من منظمة الإغاثة التركية (IHH)، وذلك من خلال مقطع فيديو نشرته وسائل إعلام سورية وتركية على موقع “فيس بوك”، تضمن حفل افتتاح المعهدين بإشراف والي شانلي أورفة التركية، عبدالله أرين، كما تخلله تخريج 132 معلمًا ومعلمة لتحفيظ القرآن.

يقول محي الدين في حديثه لعنب بلدي، “تواصلتُ مع المجلس المحلي لمدينة رأس العين للاستفسار عن كيفية السماح بالاستيلاء على منزلينا، وتحويلهما إلى مركزين تعليميين من قبل منظمة تركية دون الحصول على إذن مسبق منا، فكان رد مسؤوليه بأننا نحافظ على منزلك لأننا حوّلناه إلى معهد لتحفيظ القرآن، وهذا الشيء لمصلحتك، فقد استلمناه من فصيل عسكري، ووجودنا فيه أفضل من وجود قوة عسكرية، فنحن حققنا مصلحتك دون علمك”.

محي الدين عبّر عن استيائه مما حدث، ورفضه أن يتم الاستيلاء على منزله أو منزل أي مواطن سوري آخر، وأضاف، “لقد استولوا على منزلنا عنوة كغيره منازل رأس العين التي تم أخذها ومنع أصحابها من العودة إليها، وهي عملية مدانة بجميع القوانين والأعراف الدولية وشرعة حقوق الإنسان”.

افتتاح مركزين لتحفيظ القرآن في منزل عائلة محي الدين عيسو برأس العين، المصدر: وكالة أنباء تركيا، 2020.

افتتاح مركزين لتحفيظ القرآن في منزل عائلة محي الدين عيسو برأس العين، المصدر: وكالة أنباء تركيا، 2020.

تغيير ديموغرافي لمكونات المدينة

أشار محي الدين إلى أنه عند دخول تركيا والفصائل الموالية لها إلى مدينة رأس العين في نهاية عام 2019، تم تشريد أكثر من 250 ألف شخص من أهالي المدينة والريف المحيط بها، بينهم كرد وعرب ومسيحيون ومسلمون، نزحوا إلى مدن أخرى مثل الحسكة وعامودا والقامشلي والدرباسية، وأقاموا في المخيمات أو المدارس، كما لجأ قسم منهم إلى كردستان العراق المجاورة، لافتًا إلى أن هؤلاء تركوا جميع ممتلكاتهم من منازل ومحال وأراض زراعية، وقد استولت الفصائل على الغالبية العظمى من هذه العقارات.

وتابع في هذا الصدد، “منعت الفصائل العسكرية الأهالي من العودة إلى المدينة وهو ما أرى أن هدفه تغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة، كما أن حالة عدم الاستقرار كانت تحول دون عودة البعض، إذ ارتكبت الفصائل العديد من الانتهاكات كعمليات الخطف والقتل والابتزاز”.

 

أطلقت تركيا في 9 من تشرين الأول 2019، عملية عسكرية حملت اسم “نبع السلام” ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، في شمال شرقي سوريا بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة، وسيطرت خلالها على مدينتي رأس العين وتل أبيض وأجزاء من ريفهما، قبل أن توقف العملية بموجب اتفاقية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بشكل منفصل، في 17 و22 من الشهر ذاته.

وتشرف ولاية شانلي أورفا التركية على الناحية الخدمية في مدينتي تل أبيض ورأس العين بعد عملية “نبع السلام”.

عناصر من الجيش الوطني على مبنى وسط مدينة رأس العين – 23 من تشرين الأول 2019 (تويتر)

وحمّل محي الدين الحكومة التركية مسؤولية ما يجري من عمليات استيلاء ونهب لممتلكات الأهالي في رأس العين كونها تسيطر على المنطقة، وهو ما يعني أن من واجبها حماية أملاك الناس وعقاراتهم ومنع حدوث أي انتهاك بحقهم، إلى جانب مسؤولية الفصائل العسكرية المتواجدة هناك.

ولفت إلى أنه في دفاعه عن ملكية منزله إنما هو يدافع عن جميع أهالي رأس العين الذين خسروا ممتلكاتهم، معتبرًا أن المسألة يجب أن تتحول إلى قضية رأي عام، متعهدًا بإيصالها إلى أعلى الجهات الدولية.

وقال، “قمتُ بالفعل بإيصال القضية إلى الأمم المتحدة و(لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن بسوريا)، وأنا بصدد رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الأوروبية على الحكومة التركية ومنظمة (IHH) لأنها شرعنت عملية الاستيطان والاستيلاء على منزل عائلتي، ولن أتوقف عند حد معين بل سأواصل دفاعي عن هذا الحق الطبيعي لي كمواطن سوري، وأتمنى أن تعود الناس إلى بيوتها وتنتهي معاناتهم من التشرد، وألا يتم الاستيلاء على منزل أي أحد، أو تشريد أي مواطن سوري”.

وثقت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” بتقريرها الأخير الصادر في  14 من أيلول الحالي، استيلاء فصائل “الجيش الوطني” على ممتلكات المدنيين في منطقة رأس العين بعد فرارهم من المعارك خلال عملية “نبع السلام”.

وقد احتل مقاتلوا “الجيش الوطني” وعائلاتهم ممتلكات المدنيين بعد فرارهم منها، كما قاموا في نهاية الأمر بإجبار السكان، وأغلبهم من أصل كردي، على ترك منازلهم من خلال التهديد والابتزاز والقتل والاختطاف والتعذيب والاحتجاز.

وأعرب مدنيون للجنة عن مخاوفهم من البقاء، وعدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم، كما لفت بعضهم إلى أن قادة “الجيش الوطني” ومقاتليه أمروهم بعدم العودة.

وأشارت اللجنة إلى استيلاء أفراد من “لواء الحمزة” على منزل أسرة كردية وتحويله إلى معهد للدراسات القرآنية، تديره منظمة غير حكومية تركية، وقد دشنه رسميًا والي شانلي أورفة في 22 من حزيران الماضي.

كما لفتت إلى استخدام القوات المسلحة التركية منازل مدنيين في قرية الداودية لأغراض عسكرية، ومنع سكانها من العودة إليها.

اعتقال العائدين والتحقيق معهم

الصحفي عز الدين صالح، أكد من جانبه استيلاء فصائل “الجيش الوطني” على منازل مدنيين في رأس العين ممن اضطروا للنزوح منها خلال عملية “نبع السلام”، إلى جانب قيامها بالتحقيق مع العائدين إلى منازلهم، واعتقال الكثير منهم.

وروى عز الدين لعنب بلدي تجربته الشخصية في هذا الخصوص، إذ اضطرت عائلته مع بدء عملية “نبع السلام” للنزوح من رأس العين إلى مدينة الدرباسية تاركة خلفها كل ما كانت تملك، وعندما عاد والده لتفقد منزله وممتلكات عائلته في 5 تشرين الثاني 2019، صُدم باستيلاء مسلحين يتبعون لفرقة “السلطان مراد” على منزل العائلة إلى جانب تعرض جميع الممتلكات للسرقة، وقد عمد المسلحون إلى كتابة اسم الفرقة على جدران المنزل الخارجية من أجل تعليمه. 

وأضاف عز الدين أنه وبعد معرفتهم برغبة والده بالعودة إلى منزله، أقدم المسلحون على اعتقاله، وقد بقي قيد التحقيق 11 يومًا، تعرض خلالها عدة مرات للضرب والتعذيب، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية، قبل أن يتم الإفراج عنه في 16 من الشهر نفسه.

وأشار إلى أنه بعد عودة والده إلى الدرباسية لتلقي العلاج، بفترة وجيزة، وتحديدًا في مطلع كانون الأول، تلقى خبرًا من جيرانه يفيد بأن عائلة أحد مسلحي فرقة “السلطان مراد” استولت على منزله، وهي تقطن فيه منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

يقول عز الدين، “لا نفكر بالعودة إلى رأس العين في ظل سيطرة تلك الجماعات التي لا تتوانَ عن ارتكاب الانتهاكات بحق السكان، لا سيما الكرد منهم، كما أنها تميز على أسس عرقية، فيما يظهر أنه تدبير ممنهج لدفع السكان إلى الهجرة وعدم العودة إلى المدينة مجددًا”.

استيلاء فصائل "الجيش الوطني" على منزل في رأس العين، مؤسسة ايزدينا، 2020.

استيلاء فصائل “الجيش الوطني” على منزل في رأس العين، مؤسسة ايزدينا، 2020.

الأحياء الكردية استُبدل ساكنوها

وثق عز الدين من خلال عمله الصحفي في مجال حقوق الإنسان استيلاء فصائل “الجيش الوطني” قسرًا على عشرات المنازل السكنية التي تعود ملكيتها لمدنيين نازحين من أهالي المدينة، واستخدام بعضها كمقرات عسكرية، وأخرى كمراكز سرية للاحتجاز والتعذيب.

ولم يعد إلى مدينة رأس العين سوى عدد قليل فقط من سكانها، لا يزيد عن 12% من مجمل السكان الذي كان يبلغ نحو 50 ألف نسمة قبيل العملية العسكرية التركية، بحسب عز الدين، وبيّن أن غالبية العائدين يندرجون ضمن فئة كبار العمر والمسنين، وهم من الأحياء الغربية كـ “المحطة والعبرة”، كما أن بعض الأشخاص يترددون إلى المدينة لتفقد منازلهم ومن ثم يغادرونها، تخوفًا من الانتهاكات التي يرتكبها مسلحو “الجيش الوطني” بحق المدنيين من جهة، ونظرًا لانعدام الأمان والاستقرار وصعوبة الظروف المعيشية من جهة أخرى.

وأسكنت الجماعات المسلحة آلاف الأهالي الذين قدموا من مناطق سورية أخرى تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة في منازل تم الاستيلاء عليها، خاصة في الأحياء الشرقية والشمالية الشرقية من المدينة التي لم يعد غالبية سكانها، مثل الحوارنة (زورآفا) والخرابات (روناهي)، ذات الغالبية الكردية، بالإضافة إلى حي زرادشت جنوبي المدينة، ولفت إلى أن عدد العائلات التي تم استقدامها من مدن أخرى على دفعات يزيد عن ألفي عائلة، بالإضافة إلى المسلحين وعائلاتهم.

“يعتقد الكثير من الكرد أن تركيا تقوم بنشر مسلحي الفصائل المعروفين بتطرفهم وارتكابهم انتهاكات في الأحياء الكردية، بهدف منع سكانها من العودة إلى منازلهم، ودفعهم إلى الهجرة قسرًا”، وفق عز الدين.

نازحون سوريون فروا من منازلهم في بلدة رأس العين الحدودية - 12 تشرين الأول 2019 (UNCHR)

نازحون سوريون فروا من منازلهم في بلدة رأس العين الحدودية – 12 تشرين الأول 2019 (UNCHR)

تقع مدينة رأس العين شمالي محافظة الحسكة على الحدود السورية مع تركيا، وتبلغ مساحتها نحو 23 ألف كيلومترًا مربعًا، وتتميز بآثارها التاريخية ووفرة ينابيعها.

ويتكون سكانها من أعراق متنوعة، فهي تضم الكرد، والعرب، واليزيديين، والسريان، والآشوريين، والأرمن، والشيشان، والتركمان، والماردلية.

 

الاستيلاء طال الممتلكات الخاصة والعامة 

أورهان كمال، مدني من رأس العين، تحدث لعنب بلدي عن معاناة الأهالي في مدينة رأس العين وريفها، والانتهاكات الحاصلة بحقهم.

وبيّن أورهان أنه ومنذ سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على مدينة رأس العين عمدوا إلى تقسيمها إلى قطاعات، يتحمل كل فصيل المسؤولية عن قطاع معين، ويقوم قادة الفصائل بكتابة أسمائهم أو اسم الكتيبة التي يتبعون لها على أي منزل أو محل تجاري يعجبهم، وهو ما يعني استيلاءهم عليه، كما يقوم الفصيل المسؤول عن كل قطاع بتأجير البيوت والمحلات الواقعة في المنطقة التي يشرف عليها إلى العائلات القادمة من مناطق أخرى مثل حمص وحماه وإدلب، وقد شمل ذلك عيادات الأطباء الواقعة عند مشفى “الطب الحديث” ومشفى “السلام”.

وأضاف أورهان أن الفصائل في الفترة الأخيرة باتت تبيع المنازل التي استولت عليها دون إذن أصحابها الأصليين، وقد حدثت الكثير من هذه الحالات في حي زرادشت بالمدينة.

أما وضع الريف فلا يختلف كثيرًا عن وضع المدينة، بل تزيد الانتهاكات الحاصلة فيه، بحسب أورهان، إذ إن غالبية سكان الريف الأصليين متواجدون فيه ولم يغادروه، وهو ما يعرضهم لمزيد من الاعتداءات إذ تكثر حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

وأوضح أورهان أن الفصائل قسّمت الريف أيضًا إلى قطاعات، وعمدت إلى سرقة ممتلكات الأهالي، وآلياتهم الزراعية وسياراتهم وأغنامهم، وحتى الممتلكات العامة مثل الكابلات الكهربائية والمحولات والترانسات الكبيرة لم تسلم منهم.

وتابع، “الواقع مرير جدًا، والمدنيون المتبقون يعيشون معاناة صعبة من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، إذ لا يوجد أمن ولا استقرار كما تندر فرص العمل”.

ورد في التقرير الأخير لـ “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” أن ممتلكات الأهالي المنهوبة في رأس العين، نُقلت من قبل مقاتلي “الجيش الوطني” وكبار ضباطه بحرية عبر نقاط التفتيش التي يشرف عليها، وتم  تخزينها في مستودعات أو بيعها بطريقة منسقة في أسواق مفتوحة.

وفي ظل عمليات الاستيلاء والنهب الحاصلة قدم مدنيون شكاوى إلى ضباط كبار في “الجيش الوطني” بمنطقتي عفرين ورأس العين، وقد تعرضوا إثرها للتهديد والاحتجاز والابتزاز على يد أفراد من “الجيش الوطني”، كما تعرض بعضهم للاختطاف والإجبار على دفع فدية لقاء إطلاق سراحهم.

وخلصت اللجنة إلى أن لديها أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن قادة “الجيش الوطني” ارتكبوا جريمة الحرب المتمثلة في النهب مرارًا وتكرارًا بمنطقتي رأس العين وعفرين، وربما كانوا مسؤولين عن جريمة الحرب المتمثلة في تدمير ممتلكات الخصم أو الاستيلاء عليها.

ووردها ملاحظات تفيد بأن القوات التركية كانت على علم بوقوع حوادث نهب ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها إلا أنها امتنعت عن التدخل.

وحمّلت اللجنة تركيا مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة، مذكرة  بالتزاماتها التعاهدية واجبة التطبيق في مجال حقوق الإنسان، تجاه جميع الأفراد المتواجدين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية.

أنماط متكررة من الانتهاكات

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، اعتبر أن تقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا”، هو بمثابة الدليل الدامغ الأكبر على الانتهاكات التي ترتكبها فصائل “الجيش الوطني” بعد سنوات من سيطرتها على عفرين ورأس العين وتل أبيض.

وفي حديثه لعنب بلدي بيّن أن “قيمة التقرير قوية جدًا (…) لأننا نتحدث عن لجنة أممية محايدة ومستقلة تم إنشاؤها من قبل (مجلس حقوق الإنسان) في شهر آب من عام 2011، وقد قدمت حتى الآن أكثر من 20 تقريرًا، وثقت خلالها الانتهاكات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع منذ بدايات الحرب السورية وحتى اليوم”.

وأشار الأحمد إلى أن الملفت في التقرير أن اللجنة لم تعد تتحدث عن أخطاء فردية يرتكبها مقاتلو “الجيش الوطني”، بل كان من الواضح في اللغة المستخدمة أنها باتت “أنماطًا متكررة”، و”استيلاءً ممنهجًا واسع النطاق”، كما حددت اللجنة أن الذين تم استهدافهم هم من أصل كردي، إذ جاء في التقرير أنه ” تم بطريقة منظمة نهب أملاك الكرد والاستيلاء عليها”.

وأكد الأحمد على القيمة الكبيرة جدًا لهذه التفاصيل بالمعنى الحقوقي، “لأننا بتنا نتحدث عن عمليات منظمة منسقة لنهب أملاك الكرد والاستيلاء عليها، وبالتالي دفعهم بالنهاية لترك مناطقهم وسحق وجودهم فيها”.

واعتبر الأحمد أن تقرير اللجنة هو بمثابة نصر للضحايا وللنازحين من منطقتي عفرين ورأس العين، ودليل إضافي على أن ما تقوم به فصائل المعارضة المسلحة ليس أخطاء فردية اقترفها ضابط أو عنصر، بل هي سياسة منظمة وممنهجة.

وأضاف، “حتى الآن ينكر الائتلاف الوطني المعارض وبعض الحكومات الغربية أن تكون الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل ممنهجة، لكن تقرير اللجنة قد وضع النقاط على الحروف”.

وأجرت اللجنة تحقيقاتها في الفترة ما بين 11 كانون الثاني و1 تموز من عام 2020، واعتمدت خلالها على 538 مقابلة أجريت شخصيًا في المنطقة ومن جنيف، كما تم جمع وتحليل وثائق رسمية وتقارير وصور فوتوغرافية وأشرطة فيديو من مصادر متعددة.

وأكدت اللجنة على وجود “زيادة في أنماط الانتهاكات المستهدفة، مثل الاغتيالات والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، ونهب الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها، مع وجود طابع طائفي”.

مؤسسات المعارضة تعترض وتتحفظ 

وعقب إصدار تقرير اللجنة أبدت “الحكومة السورية المؤقتة” اعتراضها على ما جاء فيه، معتبرة أنه تضمن “أكاذيب وافتراءات سياسية، تحمل عداءً كبيرًا للثورة السورية”.

كما تحفظ “الائتلاف الوطني السوري”، على بعض ما ورد في التقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في منطقتي عفرين ورأس العين، معتبرًا أنها يمكن أن تكون “مجرد أفعال فردية وغير منهجية”، وطالب رئيس الائتلاف، نصر الحريري، اللجنة بإطلاعه على تفاصيل هذه الانتهاكات، من أجل إحالتها إلى “القضاء الوطني”، وفق قوله.

اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية في تقرير أصدرته بشهر تشرين الثاني من عام 2019، الفصائل المسلحة الموالية لتركيا باحتلال ونهب منازل ومتاجر المدنيين الخاصة في رأس العين بصورة غير قانونية، إلى جانب منع أصحابها أو عائلاتهم تعسفيًا من العودة إلى المدينة. 

وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، سارة ليا ويتسن، “إن الجماعات التي تستخدمها تركيا لإدارة المنطقة ترتكب انتهاكات ضد المدنيين وتُميز على أُسس عرقية”.

وأكدت المنظمة أنه بموجب قوانين الحرب، يُحظر النهب أو الاستيلاء القسري على الممتلكات الخاصة، أو استيلاء المقاتلين على هذه الممتلكات للاستخدام الشخصي، مبينة أن المعايير الدولية تتطلب حماية ممتلكات النازحين من التدمير، والاستيلاء ، أو الاحتلال، أو الاستخدام بشكل تعسفي وغير قانوني.

وأشارت إلى أن القانون الدولي ينص على وجوب السماح للمدنيين النازحين قسرًا أثناء النزاع المسلح بالعودة إلى منازلهم بأسرع ما يمكن ودون شروط، كما يُحظر على الجهة المسيطرة نقل فئات من السكان من منازلهم لأسباب غير أمنية واستبدالهم بسكان من مناطق أخرى.

رد المجلس المحلي 

مدير الشؤون القانونية في المجلس المحلي لرأس العين، المحامي عبد الكريم خلف، نفى وجود أي تجاوزات بحق أهالي رأس العين، أو استيلاء على حقوقهم الملكية.

وفي حديث لعنب بلدي اعتبر أن تقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا”، الذي تحدث عن انتهاكات “الجيش الوطني”، “عار عن الصحة ومتحيّز”، لأن اللجنة استمعت خلاله لطرف واحد، ولم تأخذ رأي الطرف الآخر وهو المجلس المحلي، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أنه في بداية دخول “الجيش الوطني” إلى المدينة حصلت حالة فوضى، وقد تمركز عناصره في الكثير من الأحياء والبيوت التي لا يعرفون أصحابها لأن المدينة كانت فارغة من السكان حينها، ولم يكونوا على دراية إن كان المنزل يعود لأحد عناصر “حزب الاتحاد الديمقراطي” أو لمواطن عربي أو مسيحي أو يزيدي.

وأضاف أنه بعد استقرار الوضع وتشكيل المجلس المحلي في المدينة، وبدء عودة الأهالي، بات بإمكان من يجد في منزله أحد عناصر “الجيش الوطني” تقديم الأوراق الثبوتية، سواء كانت عبارة عن طابو أخضر أو قرار محكمة، إلى مكتب الشؤون القانونية التابع للمجلس المحلي، الذي يقوم بالتأكد منها وختمها، وبمجرد اضطلاع العنصر أو القيادي في “الجيش الوطني” على الأوراق الصادرة عن مكتب الشؤون القانونية يقوم بإخلاء المنزل أو يطلب إمهاله يومين أو أسبوعًا للخروج منه.

ولفت خلف إلى أن ذلك ينطبق أيضًا على استرداد ملكية المحلات التجارية والأراضي الزراعية في منطقة رأس العين، وأنه يتحدى “لجنة التحقيق الدولية المستقلة” أو أي طرف آخر يتّهم عناصر “الجيش الوطني” بالبقاء في عقار يتبع لأحد الأشخاص بعد إثبات ملكيته، إلا أنه استثنى وجود بعض الحالات التي وصفها بالـ “شاذة”.

وحول الأراضي الزراعية برأس العين بيّن خلف وجود مساحات شاسعة منها كانت تتبع لـ “الشركة الليبية السورية”، مشيرًا إلى توقيع عقود بين المجلس المحلي و”الجيش الوطني” لاستثمار تلك الأراضي باعتبارها “أملاك دولة”، وفق قوله.

حصاد القمح في رأس العين(الصفحة الرسمية عبر الفيس بوك للمجلس المحلي لرأس العين

من جانب آخر نفى مدير الشؤون القانونية في المجلس المحلي الاتهامات التي تضمنها تقرير اللجنة حول وقوع عمليات اعتقال تعسفي أو اغتصاب بمنطقة رأس العين، على يد فصائل “الجيش الوطني”، مشيرًا إلى أنه المسؤول شخصيًا عن وجود أي حالة في منطقة “نبع السلام”، وأنه مستعد لتحدي أي جهة تتمكن من إثبات هذه الاتهامات، لكنه أقرّ بوجود حالات اعتقال عازيًا إياها إلى وجود مبررات لذلك.

ويوجد في رأس العين محكمتين عسكرية ومدنية، تم تشكيلهما بعد سيطرة “الجيش الوطني”، إلى جانب وجود قضاة، ومحام خاص في المجلس المحلي، ومحامون عامون يديرون شؤون الناس، وفق ما أشار خلف الذي أكد أن “الأمور تسير بخير”، بحسب تعبيره.

أخذ ورد بقضية أملاك عائلة عيسو

وفيما يخص حادثة الاستيلاء على منازل عائلة محي الدين عيسو وتحويل اثنين منهما إلى مركزين لتحفيظ القرآن، برر خلف ذلك بأن عناصر “الجيش الوطني” عندما استولوا على العقار لم يكونوا يعرفون صاحبه، وقد تم أخذه بالتعاون مع “الإفتاء” لتحويله إلى معهد لتحفيظ القرآن، وقاموا بترميمه بكلفة وصلت إلى خمسة مليارات ليرة تركية، بحسب خلف.

وأضاف أنه عند حديث والد محي الدين، المقيم في تركيا، مع المجلس المحلي واعتراضه على ما جرى، عرض الأمين العام للمجلس المحلي، عيسى البني الملقب (أبو دجانة) عليه في اتصال مسجل، توقيع عقد معه لكي تصبح “الأمور نظامية”، لكنه رفض ذلك طالبًا منهم إخلاء منزله، فأخبره البني بإمكانية عودته إلى المدينة لاستلام منزله خلال “إجازة البذار”، أو تسليمه لأي شخص من طرفه، وهو ما لم يوافق عليه عيسو، الذي استمر بالمطالبة بإخلاء المنزل، والتعهد برفع القضية إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. 

وعلّق خلف على ذلك بالقول، “الكثير من منازل رأس العين راحت ولم يقم أحد  بفعل الشيء نفسه، بل بالعكس عندما يعلم أحد الأشخاص أن الإفتاء أو المجلس المحلي سيأخذ منزله يطلب منهم البقاء فيه لأن ذلك سيكون أفضل من أن يسكنه شخص غير معروف، أو من يقوم بتخريبه”، وفق تعبيره.

التوصيف القانوني 

القاضي رياض علي تحدث لعنب بلدي عن التوصيف القانوني لعمليات النهب والاستيلاء على الممتلكات في رأس العين، وعن مصيرها مستقبلًا في حال  حدوث حل سياسي في البلاد أو عدالة انتقالية.

وأوضح أن فعل الاستيلاء على الممتلكات العقارية باستخدام السلاح يشكل “غصب عقار”، وفقًا للفقرة الثانية من المادة (723) من قانون العقوبات العام السوري، التي تنص على أنه:

1 ـ من لا يحمل سندًا رسميًا بالملكية أو التصرف واستولى على عقار أو قسم من عقار بيد غيره عوقب بالحبس حتى ستة أشهر. 

2 ـ وتكون العقوبة من شهرين إلى ستة إذا رافق الجرم تهديد أو جبر على الأشخاص أو الأشياء ومن ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا ارتكبه جماعة من شخصين على الأقل مسلحين. 

ووفقًا لقانون العقوبات السوري فإن سلب الممتلكات المنقولة بهكذا ظرف يعتبر “سرقة بالعنف” أو “سلبًا بالعنف”، وفق ما جاء في المادتين (625) و (627) منه. 

تنص المادة (625) على أنه، “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على السرقة في الأماكن المقفلة المصانة بالجدران مأهولة كانت أم لا. سواء بواسطة الخلع أو التسلق في الداخل أو الخارج أو باستعمال المفاتيح المصنعة أو أية أداة مخصوصة أو بالدخول إلى الأماكن المذكورة بغير الطريقة المألوفة في دخولها”.

كما تنص المادة (627) على أنه، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة: 

1 ـ كل من ارتكب سرقة في حالة العصيان أو الاضطرابات أو الحرب أو غرق سفينة أو أية نائبة أخرى. 

2 ـ كل من اشترك مع آخرين في شن غارة على أموال لا تخصه فنهبها أو أتلفها.

وبيّن علي أنه في حال إجبار مالك العقار أو إكراهه على التوقيع أو البصم على عقد بيع لملكيته، يكون التكييف القانوني لهذه الحادثة هو “غصب توقيع” أو “اغتصاب توقيع”، ويُعتبر التوقيع على العقد باطلًا في حال تمكن المتضرر من إثبات وقوع عملية الإكراه، وعليه بدايةً التوجه (هو أو محام موكل عنه) إلى المحاكم الرسمية التابعة للدولة السورية لرفع دعوى “غصب توقيع”، والتي يتم بموجبها وقف تنفيذ أو إنجاز كافة المعاملات المتعلقة بنقل ملكية العقار المغصوب لحين بتّ المحكمة بالقضية، وذلك وفق المادة (635) من قانون العقوبات السوري. 

استيلاء "الجيش الوطني" على المحال التجارية في رأس العين، مؤسسة ايزدينا، 2020.

استيلاء “الجيش الوطني” على المحال التجارية في رأس العين، مؤسسة ايزدينا، 2020.

أما في القانون الدولي، يُشكل الاستيلاء على ممتلكات الغير وقت النزاع المسلح الدولي، وغير الدولي، “جريمة حرب”، وذلك وفقًا للمادة الثامنة من “نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998“. 

وأضاف علي أن المادة (28) من نظام “روما” اعتبرت أن القادة العسكريين يُسألون عن الجرائم المرتكبة من جانب قواتهم، وأن مسؤولية القائد مفترضة عن تلك الجرائم، وإن أراد التملّص من العقاب عليه أن يثبت بأنه لم يكن يعلم بارتكاب تلك الجرائم من قبل مرؤوسيه، وبأنه اتخذ جميع التدابير اللازمة والمعقولة لمنع ارتكابها.

ويعتقد علي، بحسب قراءته للوضع السوري، بأن الغالبية الساحقة من الجرائم التي ارتُكبت في سوريا، ومنها تلك المتعلقة بالعقارات، تمت بشكلٍ ممنهجٍ وبرعايةِ وأوامرِ القادة المذكورين.

نصائح للحفاظ على الملكية  

يتوجب على أصحاب الممتلكات العقارية الاحتفاظ بالوثائق التي تثبت ملكيتهم للعقارات موضوع الاستيلاء، كسندات الملكية (الطابو الأخضر)، وإخراجات القيد العقاري، ومحاضر التحديد والتحرير، والأحكام القضائية التي بحوزتهم، وكذلك وكالات بيع العقار الصادرة والموثقة لدى كاتب العدل، والعقود الخطية غير الرسمية التي يمتلكونها، وينصح علي من لديهم تلك العقود ووكالات بيع العقارات باللجوء إلى المحاكم للحصول على الحكم القضائي بتثبيت بيع العقار موضوع العقد أو الوكالة.

مصير الممتلكات في المرحلة الانتقالية

يرى القاضي رياض علي أنه يمكن للقضاء في سوريا الجديدة، النظر بكل قضايا الاستيلاء والنهب السابقة، كما ويمكن تشكيل لجان خاصة للنظر في تلك المنازعات تكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء المختص، لكن يُشترط لذلك ضمان استقلال السلطة القضائية وخروجها عن هيمنة السلطة التشريعية، والسلطة الأمنية المتحكمة برقاب العباد وأملاكهم وحرياتهم وحيواتهم.

مقالات متعلقة