نصف عقد روسي في سوريا.. الفريسة في بطن المفترس

رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (عنب بلدي)

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

مرت السنة الخامسة مذ دخلت روسيا عسكريًا إلى جانب النظام السوري، وإلى الآن لا مؤشرات تدل على أن العام الحالي سيكون الأخير في الوجود الروسي بسوريا، لا سيما أن الروس دأبوا في هذه الفترة على الاستيلاء على موارد سوريا الاقتصادية، فضلًا عن مكاسب عسكرية وجيوسياسية أكسبتها ثقلًا دوليًا ما كان ليتحقق لولا انخراطها في الحرب السورية.

وصادف 30 من أيلول الماضي ذكرى التدخل الروسي في سوريا، عام 2015، حين دعمت وإيران نظام الأسد عسكريًا طوال السنوات الماضية، مقابل فواتير طائلة يدفعها النظام في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال، في مطلع عام 2017، إن العاصمة السورية كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة بيد من وصفهم بـ”الإرهابيين”، عندما تدخلت روسيا لدعم الأسد.

في آذار 2015، سيطرت الفصائل العسكرية على إدلب ومنطقة جبل الأكراد في اللاذقية، وما يقارب 80% من الخريطة السورية. هنا أدرك النظام وحلفاؤه الإيرانيون أن الكفة العسكرية لم تعد في مصلحتهم على الأرض رغم المساندة الإيرانية لقوات النظام في ذلك الوقت.

مطامع روسية.. أين حدودها؟

ولم تكن روسيا تحظى بالثقل الدولي الذي تحظى به اليوم لولا تدخلها في سوريا، بحسب رؤية المحلل السياسي الدكتور نصر اليوسف، إذ يوضح في حديث لعنب بلدي أن روسيا حققت ما لم تكن تتوقعه من مكاسب اقتصادية، إذ أرغمت النظام السوري على فسخ العقود مع إيران وجعلها لمصلحتها.

وقال اليوسف، وهو خبير في الشأن الروسي، “مخطئ من يظن أن دخول روسيا إلى سوريا كلفها أموالًا طائلة، فلا أظن أن وزارة الدفاع الروسية أخذت أموالًا من الخزينة الروسية، بل ابتزت النظام السوري ورجال أعماله، وتأخذ منهم سلفًا ما تريده”.

بينما أوضح المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، في حديث إلى عنب بلدي، أن الأهم بالنسبة لروسيا هو السيطرة على الساحل السوري ككل، لا سيما أنها تعتمد على النفط والغاز في تحصيل إيراداتها المالية، مشيرًا إلى أن موسكو تدرك أهمية موقع “المياه الدافئة”، وما تحتويه من ثروات هائلة.

وأشار إلى أن روسيا تعتمد في اقتصادها بشكل أساسي على إيرادات الغاز إلى الدول الأوروبية، وقال، “كانت روسيا حريصة في وجودها بمناطق المتوسط على تأمين تجارتها في الساحل السوري، وكذلك تأمين خط الإمداد الأساسي للغاز (…) موقع الغاز في المتوسط يوفر على روسيا تكاليف النقل”.

وعلى الصعيد العسكري، طورت روسيا قدراتها القتالية بشكل كبير جدًا، إذ جربت مئات أنواع الأسلحة والذخيرة في سوريا على “أهداف حية”، وزادت مبيعاتها في سوريا، وطورت قدراتها البرية والجوية والبحرية والفضائية.

ويتهم المجتمع الدولي روسيا بارتكاب جرائم حرب، عبر ترسانتها العسكرية التي زجتها في سوريا منذ 2015، إذ أسفرت عن مقتل ما يقارب 6900 مدني، من بينهم 2005 أطفال، واستهدفت 207 منشآت طبية. بحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.

وفي تقرير لفريق “منسقو استجابة سوريا”، الذي يعنى بتوثيق أعداد النازحين في الشمال السوري، قال إنه سجل نزوح 704184 مدنيًا نتيجة العمليات العسكرية والهجمات على المناطق الآمنة من عام 2016 إلى عام 2018.

وأضاف التقرير أنه نتيجة الاتفاقات مع الجانب الروسي خلال أعوام التهجير، نزح 218459 شخصًا من العاصمة دمشق وريفها ودرعا والقنيطرة وحمص.

الفريسة في بطن المفترس

الدكتور نصر اليوسف أكد أن الروس على مدى خمس سنوات استثمروا الكثير في سوريا، وكسبوا مكاسب لم تكن في حسبانهم قبل الانخراط في المعارك بسوريا، وقال إنهم “لن يسمحوا لهذا الصيد أن يفلت من يدهم، وبالتالي سوريا ستكون محكومة بإرادة روسية”.

وأضاف الخبير في الشأن الروسي أن بوتين يريد جعل سوريا تابعة بشكل كامل لدولته، “وهو ما يتجسد بالاستيلاء على قاعدة حميميم، واتفاقية استملاك أراضٍ مجاورة لها، فضلًا عن ميناء طرطوس والمحيط المتاخم له، كمنطقة أمان”.

وأوضح أن روسيا سيطرت على سوريا على مدى بعيد، وأنه “لن يحصل انتقال سياسي أو إعادة إعمار إلا بإرادة روسيا”، لافتًا إلى أن موسكو تحاول الالتفاف على المطالب الغربية والخليجية، التي تنادي بضرورة تحقيق الانتقال السياسي في سوريا كبند أساسي لتحريك ملف إعادة الإعمار، “وهو ما تعمل عليه روسيا بحسب وصفتها الشخصية التي تناسبها وربما تناسب متطلبات الغرب”، وفق قول اليوسف.

بالأرقام.. نتائج التدخل الروسي

وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قال في مقال نشرته صحيفة “كراسنايا زفيزدا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية، في 30 من أيلول الماضي، إن “العملية العسكرية الروسية في سوريا كانت ضرورية، وأسهمت في الحفاظ على الدولة السورية، وهزمت تنظيم (الدولة الإسلامية)”، وفقًا لما نقلته وكالة “تاس” الروسية.

وأضاف أن 70% من الأراضي السورية كانت خارج سيطرة النظام قبل التدخل الروسي، وكانت قوات النظام تنسحب من مواقعها بينما تواصل فصائل المعارضة تقدمها في جميع الاتجاهات.

ورجّح التدخل الروسي كفة قوات النظام، وفقًا لشويغو، الذي أشار إلى أن النظام تمكن من استعادة السيطرة على 1024 قرية بفضل الإسناد الجوي الروسي، ونتيجة لذلك صارت 88% من مساحة سوريا تحت سيطرة النظام، على حد قوله.

وأشار إلى أن أكثر من 133 ألف “إرهابي” قُتلوا في سوريا منذ أن شنت روسيا عمليتها في البلاد، نتيجة للغارات الجوية وضربات صواريخ “كروز”، وكان من بين القتلى 4500 شخص من الاتحاد الروسي ودول رابطة الدول المستقلة، إضافة إلى 865 من قادة التنظيمات “الإرهابية”، بحسب وصفه.

وأكد أن طائرات القوات الجوية الروسية نفذت أكثر من 44 ألف طلعة جوية قتالية منذ بدء العملية، ودمرت 133 ألف منشأة “إرهابية”، بما في ذلك 400 مصفاة نفط “غير مشروعة” و4100 محطة للتزود بالوقود.

هذه الحملات كانت تُترجم بانتهاكات على الأرض، إذ وثق “الدفاع المدني السوري” مقتل 3966 مدنيًا في سوريا منهم نساء وأطفال، بين 30 من أيلول 2015 (بداية التدخل الروسي إلى جانب النظام) و20 من أيلول الماضي، على يد القوات الروسية، في تقرير أصدره، في 28 من أيلول الماضي، ذكر فيه نتائج التدخل الروسي إلى جانب النظام في سوريا.

وأوقعت روسيا 182 مجزرة في سوريا، أدت إلى مقتل 2228 مدنيًا وإصابة 3172 آخرين، أغلبيتهم قضوا باستهداف المنازل أو الأسواق والأماكن المكتظة بالمدنيين، بحسب إحصائية “الدفاع المدني”.

ونالت منازل المدنيين، حسب التقرير، 69% من تلك الهجمات (3784 هجومًا)، والحقول الزراعية 15% (821 هجومًا)، والطرق الرئيسة 6% (324 هجومًا)، والمستشفيات والمراكز الطبية 70 هجومًا، ومراكز “الدفاع المدني” 59 هجومًا، والأسواق الشعبية 53 هجومًا، و46 هجومًا استهدف مدارس، و23 هجومًا استهدف مخيمات تؤوي نازحين، إضافة إلى عشرات الهجمات التي استهدفت مساجد وأفرانًا ومعامل وأبنية عامة.

وتوزعت الهجمات الروسية التي يبلغ عددها 5476 هجومًا على أغلب المحافظات السورية، وكان عام 2019 الأعنف بـ1567 هجومًا.

عقبات في وجه موسكو

يرى المحلل السياسي حسن النيفي أنه على الرغم من الجهد الروسي في تمكين النظام من استعادة السيطرة في سوريا، وكذلك الالتفاف على القرارات الأممية وإفراغها من محتواها، واختزال العملية السياسية باللجنة الدستورية المجهولة المصير، فإن بوتين لم يستطع تحويل تلك الإنجازات إلى نصر سياسي واقتصادي من خلال إعادة الإعمار، بسبب الرفض الأمريكي والغربي اللذين يحولان دون فرض بويتن حلًا سياسيًا يتماهى مع رؤيته، “كما هو عاجز أيضًا عن استثمار نتائج حروبه في سوريا”.

وأضاف النيفي أن من التحديات الأخرى التي تواجه روسيا، موجة التطبيع العربي مع إسرائيل، موضحًا أن الروس يعتبرون أنفسهم في حالة صراع مصالح مع واشنطن، و”كلما استطاعت واشنطن توسعة مظلتها لتشمل أكبر عدد من دول المنطقة، تقلص نفوذ بوتين”.

وأشار النيفي إلى أن إسرائيل تبقى محسوبة على الجانب الأمريكي رغم تنسيقها مع روسيا بشأن هجماتها على مواقع إيرانية في سوريا، وقال إن تقوية نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال عمليات التطبيع القائمة يعدّ اختراقًا للنفوذ الروسي، فضلًا عن أن عمليات التطبيع يمكن أن تؤثر على إيران التي باتت من أقرب حلفاء الروس بالمنطقة حاليًا.

مصير تحكمه التوافقات

كما أوضح النيفي أن علاقة الروس بالأسد تنتهي عندما يحصل توافق أمريكي- روسي على مستقبل سوريا، ووقتها لن يكون الروس حريصين على رأس الأسد، بحسب تعبيره.

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي فراس شعبو، إن “الروس مع بداية 2018 بدؤوا يستشعرون خطورة الوضع في سوريا، لا سيما أن نظام الأسد غارق سياسيًا واقتصاديًا والاجتماعيًا ودوليًا، ولم تعد هناك فرصة لإعادة تعويمه، لذا بدؤوا مع الإيرانيين محاولة تحصيل ما يمكن تحصيله من الاقتصاد السوري”.

ومنح نظام الأسد كلًا من روسيا وإيران عدة امتيازات في قطاعات البناء والفوسفات والزراعة والطاقة والبناء والتعليم، فضلاً عن منح موسكو عقودًا طويلة الأمد تخولها إقامة قواعد عسكرية في ميناءي اللاذقية وطرطوس لمدة 49 عامًا.

وتمر مناطق سيطرة النظام بأزمة اقتصادية هي الأشد منذ عام 2016، إذ تتصدر صور طوابير السيارات المشهد الاقتصادي، وسط شح الموارد النفطية في المنطقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة