بوتين يستحق إعجاب الأسد

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

رغم الشك بنجاح اللقاح الروسي وتزايد الإصابات في روسيا، فإن بشار الأسد طلب علنًا تلقيحه به ضد فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ورغم فشل الحل الروسي في سوريا، فإن الأسد كال المديح الشديد لدور روسيا في سوريا رغم تدميرها البلاد، ودعاها لأن تأخذ القانون الدولي بيدها نكاية بالغرب، ورغم الدعوات الدولية لوقف الحرب في أذربيجان، فإن النظام السوري، واسترضاء لروسيا، أرسل مقاتلين أرمينيين من سكان سوريا للاشتراك بالحرب هناك، بحسب ما ذكره موقع “DW” الألماني.

بعد خبر الوكالة الألمانية الأخير، صار من المؤكد أن السوريين يتواجهون من جديد في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، بعد أن تواجهوا في ليبيا بالقتال بين حفتر والسرّاج، فكما أرسلت تركيا مقاتلين سوريين إلى ليبيا سابقًا، فإن أخبارًا مكثفة تتداولها وكالات الأنباء عن إرسالها مقاتلين سوريين إلى إقليم الصراع بين الدولتين القوقازيتين.

قام الروس بمساعدة النظام السوري بالعبث بسوريا وبسكانها وتحويل بعضهم إلى مرتزقة تتداولهم القوى الدولية من مختلف الاتجاهات، ووصل العبث الروسي إلى إشعال الحروب وتأجيجها في سوريا وليبيا وجورجيا وأوكرانيا والقوقاز، حتى نالوا مديح بشار الأسد الذي يستحقونه حقًا كدولة داعمة للدكتاتوريات عبر العالم، ومعادية للشعوب بحجة الاستثمار بالنفايات الدكتاتورية من فنزويلا مرورًا بإيران وصولًا إلى كوريا الشمالية.

ويستحق بوتين المديح مرة أخرى من بشار الأسد لبراعته في استعمال غاز “نوفيتشوك” السام ضد مواطنيه الروس، فهو يدير تركة الاتحاد السوفيتي السابقة بعقل مخابراتي، ويشعل الحروب عبر العالم في غياب شبه تام للحكمة السياسية، والتقارب مع الشعوب.

فالاتحاد السوفيتي السابق الذي يقوم بوتين باستعمال أسلحته في تدمير سوريا، ورغم كل عيوبه، كان لديه كثير من الحكمة السياسية، فرغم امتلاكه القوة النووية والصواريخ الفضائية، فإنه جنّب العالم الحرب النووية مع الغرب، وخلّص الروس وأوروبا الشرقية والعالم الغربي من دمار شامل كان سيودي بالحضارة البشرية، لو استسلم قادة الاتحاد السوفيتي لعقليّة مثل عقليّة ضابط المخابرات المطرود من ألمانيا الشرقية فلاديمير بوتين، الذي يحاول اليوم عبثًا الثأر والانتقام من الغرب بدلًا من إعادة بناء بلاده.

تحاول روسيا وتركيا معالجة تركة الدولة السوفيتية والدولة العثمانية، بإثارة الحروب وتأجيجها والاستسلام لشعارات حماسيّة لن تجلب لشعوب المنطقة إلا المزيد من التخلف والدمار. فأرمينيا رهنت جزءًا من أراضيها ومواردها لروسيا، وأذربيجان ضحت بمواردها النفطية واشترت بكل ما لديها أسلحة من تركيا ومن إسرائيل ومن روسيا، وهذه محاولات يائسة من قبل الدولتين لرأب صدع بدأ في العام 1923 بعد انهيار الدولة العثمانية، ونشوء الدولة السوفيتية التي ضمت أرمينيا وأذربيجان إليها، وتلاعبت بتحديد هوية الإقليم المتنازع عليه، وقد تسبب ذلك بحرب 1988- 1994 القاسية بين البلدين الجارين، وحرب 2016، وكذلك بهذه الحرب الجديدة.

فبعد مئة عام قام بشار الأسد بالاشتراك في الحرب الأذربيجانية- الأرمينية وأرسل مئات، وقد يكونون آلافًا، من الأرمن السوريين إلى جحيم القتال بين الدولتين، وقد يرسل أكثر من ذلك الاشتراك الرمزي، فدماء السوريين رخيصة بالنسبة إليه، وهي كذلك بالنسبة للآخرين الذين لجأ السوريون إليهم.

اندمج الأرمن في المجتمع السوري، ولاقوا ترحيبًا كبيرًا من قبل السوريين منذ لجوئهم إلى الجزيرة السورية، قادمين من الشمال التركي، واستقرارهم في حلب في بدايات القرن الـ20، وهذا الترحيب كان واسعًا قبل أن يعرف أحد عائلة الأسد التي تدّعي بأنها تحمي الأرمن والأقليات من الشعب السوري، وهم يعرفون أكاذيب النظام الذي عايشوه مثل كل السوريين طوال نصف قرن.

وصار الأرمن حاضرين في الحياة العامة والشعبية، وصار مطبخهم شائعًا ويتم تداول وصفاته من قبل السوريين، كما يتداولون سمعتهم بالنزاهة والعمل الجاد، وبراعتهم في تصليح السيارات وإدارة الآلات وفي الزراعة، وهم مميزون بمزاجهم الشرقي. وصارت الترجمات بين اللغة العربية والأرمينية ذات شهرة كبيرة في الأدبيات السورية. واعتاد السوريون رؤية الحروف الأرمينية في الصحف الصادرة في حلب.

اليوم يقوم النظام السوري باستدراج بعض الأرمن السوريين وتقديمهم لفوهة الحرب في ناغورني قره باغ بعد أن استهلكهم كميليشيا مقاتلة إلى جانب الميليشيات الإيرانية المقاتلة في حلب، محاولًا استرضاء روسيا واسترضاء التأثير الأرمني الكبير في أوروبا وفي أمريكا، الذي طالما دعم بشار الأسد أو سكت عن تدمير مدينة حلب التي كانت أكبر ملجأ للأرمن في العالم.

يتواجه السوريون في حرب جديدة تديرها الدول الأخرى، سواء فوق أرضهم أو في دول أخرى بعيدة أو قريبة، وهذا سيكون مصير كثير من السوريين في الحروب المقبلة طالما لم نتمكن من الخلاص من نظام الأسد، ووقف الحرب الظالمة التي يؤججها الآخرون على أرضنا.

روسيا اليوم محاطة بالحروب، وهي اليوم رمز لزعزعة الاستقرار في سوريا وليبيا والقوقاز وغيرها، وهي تستعمل العنف ضد الجميع، حتى ضد معارضي حكمها، ففضائح غاز “نوفيتشوك” مستمرة، وآخرها تسميم المعارض ألكسي نافالني، في آب الماضي، الذي تتم معالجته في ألمانيا بعد تسميمه في أحد المطارات الروسية لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

تنضم هذه الجرائم إلى جرائم تسهيل الروس لاستخدام الغازات الكيماوية ضد السوريين من قبل نظام الأسد في الغوطة الشرقية وخان شيخون ومواقع كثيرة سجلتها المنظمات الدولية المختصة، بالإضافة إلى جرائم تحويل البلاد السورية إلى ميدان للتدمير ولتجريب الأسلحة الروسية.

ولكن روسيا البوتينية، ورغم كل مصاعبها، نالت مديح بشار الأسد في حديثه الأخير إلى التلفزيون الروسي “زفيزدا”، ذلك التلفزيون الذي يبث، بلا خجل، حديث أحد أشهر سفاحي القرن الـ21.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة