تطور قوانين الإيجار في سوريا.. هل تمكنت من حفظ حقوق المؤجّر والمستأجر؟

بناء في أحد أحياء مدينة إدلب - 14 تموز 2020 (عنب بلدي/أنس الخولي)

camera iconبناء في أحد أحياء مدينة إدلب - 14 تموز 2020 (عنب بلدي/أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

خضعت العلاقات الإيجارية في سوريا منذ عام 1952 لأحكام المرسوم التشريعي رقم (111) لذات العام، وقد جعل هذا المرسوم العلاقة الإيجارية خاضعة لأحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجار، الأمر الذي انتهك المبدأ القانوني الأصلي “العقد شريعة المتعاقدين”، الذي نصت عليه المادة (148) من القانون المدني السوري بشكل واضح وصريح.

وقد تدخل هذا المرسوم التشريعي في حرية التعاقد، وجعل عقد الإيجار يُمدد حكمًا وبغض النظر عن رغبة وإرادة المؤجّر، ما خلق الكثير من الإشكاليات بين طرفي العقد، وحرم المؤجّر من حقه بالتصرف في ملكه وفقًا لما نص عليه الدستور، كما جعل مالكي العقارات المعدة للإيجار يمتنعون عن إيجارها خشية سيطرة المستأجر عليها، ما خلق أزمة على صعيد الإيجار، وأثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، وولّد العديد من دعاوى التخمين التي يضطر المؤجّر للجوء إليها لرفع بدل الإيجار بما يتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات، فضلًا عن أنه أعطى هذا الحق أيضًا للمستأجر، الذي يستطيع الادعاء بدعوى تخمين لتخفيض بدل الإيجار، الأمر الذي أغرق المحاكم الصلحية بهذا النوع من الدعاوى. 

وقد صدرت العديد من القوانين الإيجارية التي تهدف لتعديل أحكام المرسوم التشريعي رقم (111) لعام 1952 وتلافي مساوئه، فصدر قانون الإيجار رقم (6) لعام 2001، الذي استثنى بعض أنواع العقارات والجهات العامة أو الخاصة، من أحكام  التمديد الحكمي وتحديد البدل، إذ نص في المادة الأولى منه (الفقرة أ) على حرية التعاقد في تأجير العقارات المعدة للسكن، أو الاصطياف، أو السياحة، أو الاستجمام، أو  المأجورة من أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، أو الدوائر الرسمية، أو المنظمات الشعبية، أو النقابات على مختلف مستوياتها، أو الجمعيات، أو الوحدات الإدارية، أو البلديات، أو مؤسسات القطاع العام و المشترك، أو المؤسسات التعليمية و المدارس، أي إن هذه العقارات لا تخضع للتمديد الحكمي، وإنما لطرفي العلاقة الإيجارية الاتفاق على مدة العقد وبدل الإيجار وفقًا لرغبتهما، وإن استثناء هذا القانون للجهات العامة عندما تستأجر عقارًا من أحكام التمديد الحكمي، جاء بسبب امتناع ملاك العقارات عن تأجير هذه الجهات كونها تسيطر على المأجور فعليًا، ومن الصعب جدًا إخلاؤها من العقار المؤجّر، وقد أبقى هذا القانون على جميع العقارات المؤجّرة في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم (111) لعام 1952، أو التي يجري تأجيرها بعد نفاذ هذا القانون لأعمال تجارية، أو صناعية، أو حرفية، أو مهنة حرة، أو علمية منظمة قانونًا خاضعة للتمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجار.

ثم صدر القانون رقم (10) لعام 2006، وعدل الفقرات (أ –ب –د) من المادة الأولى من القانون رقم (6) لعام 2001، وجعل تأجير العقارات خاضع لإرادة المتعاقدين سواء كانت سكنية أم غير سكنية. 

إذ نصت الفقرة (أ) من المادة الأولى على أنه:

“يخضع لإرادة المتعاقدين اعتبارًا من تاريخ نفاذ هذا القانون تأجير العقارات المعدة للسكن، أو الاصطياف، أو السياحة، أو الاستجمام، أو المعدة لممارسة أعمال تجارية، أو صناعية، أو حرفية، أو مهنة حرة، أو علمية منظمة قانونًا، أو المأجورة من أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، أو الدوائر الرسمية، أو المنظمات الشعبية، أو النقابات على مختلف مستوياتها، أو الجمعيات، أو الوحدات الإدارية، أو البلديات، أو مؤسسات القطاع العام والمشترك، أو المؤسسات التعليمية والمدارس”.

ولا يسري هذا التعديل على العقارات المؤجرة قبل نفاذ القانون، والتي تبقى خاضعة لأحكام التمديد الحكمي بموجب القانون رقم (111) لعام 1952، أو بموجب القانون رقم (6) لعام 2001.

لقد سعى المشرع من خلال إصدار القوانين المتلاحقة، التي تنظم طبيعة العلاقات الإيجارية، لتلافي الثغرات الموجودة سابقًا في المرسوم التشريعي رقم (111) لعام 1952، وخاصة الفقرات المتعلقة بالتمديد الحكمي لعقود الإيجار، التي أدى تطبيق أحكامها إلى هدر حقوق المؤجّر في معظم الأحيان، وقد استند المشرّع السوري في تقرير حرية التعاقد بإيجار العقارات إلى المادة (148) من القانون المدني السوري، التي تنص على أن “العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون”، وبناء على هذه القاعدة صدر قانون الإيجار رقم (20) لعام 2015، الذي تطرق إلى مسائل وحالات جديدة مهمة، إذ أراد المشرّع منها تحديث التشريع الإيجاري، والسير والثبات في تحقيق العدالة من خلال مواد قانونية جديدة ناظمة للعلاقات الإيجارية، وأكثر تماشيًا مع طبيعتها، مع إبقائه على العقارات المؤجرة في ظل نفاذ أحكام المرسوم التشريعي رقم (111) لعام 1952، وتعديلاته خاضعة لأحكام التمديد الحكمي، وتحديد بدل الإيجار استنادًا واحترامًا لمبدأ الحقوق المكتسبة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة