حظوة الرتل الأخير

tag icon ع ع ع

ملاذ الزعبي

كانت المسيرات الاحتفالية السنوية بالمناسبات الوطنية مناسبات وطنية حقيقية لنا فعلًا نحن معشر طلاب ثانوية الفالوجي للبنين. فالمسيرة في ذكرى ثورة الثامن من آذار المجيدة مثلًا تعني فرصة استثنائية لمشاهدة طالبات الثانوية الغربية للبنات عن قرب، وإحياء ذكرى حرب تشرين التحريرية هو موعد لا يتكرر لمحاولة التقرب من زميلاتنا في الثانوية التجارية للبنات. أما الاحتفال باليوبيل الفضي للحركة التصحيحية فلم يكن أقل من دبكة جماعية تتشابك فيها الأيدي، وقد تحظى خلالها كرفيق شبيبي بفرصة استثنائية قد تدوم دقيقتين تضع فيهما أناملك بأنامل طالبة جريئة وتدبك بفرح يجعلك تأتي بحركات تخالف كل حركات الدبيكة الآخرين وتنشّز عليهم. حتى السرادق السنوي واستذكار مزايا الشهيد الباسل لا يعدم تشاركًا في مشاعر الأسى والكمد بين الطلاب الذكور والطالبات الإناث الذي قد ينتهي بتشارك أرقام الهواتف.

كان سيئو الحظ في المسيرات هم الطلاب الذين وجب عليهم الوقوف في الصفوف الوسطى وحمل المشاعل أو صور شعار حزب البعث، أما من حلت عليهم لعنة الآلهة فهم أولئك الذين توكل إليهم مهمة رفع الصورة الضخمة للسيد الرئيس وإلى جانبه صورة أصغر حجمًا لراية البلاد الخفاقة، إذ يكون هؤلاء هم الأبعد عن الرفيقات الشبيبيات. وكان الأذكى هو من يبتعد عن تصدر المشهد السياسي محاولًا التراجع للمؤخرة قدر الإمكان، فالتخلي عن مكاسب الواجهة يعني الظفر بالدنو أكثر وأكثر من الطالبات ذوات بدلات الفتوة الخضراء الصارخة والسدارات العسكرية وفق آخر صرعة والنطاق العسكري المثير.

أما من دعت لهم أمهاتهم في تلك الأمسيات، فهم الذين ينجحون في انتزاع الرتل الأخير من أرتال ثانويتنا، وهو الرتل الذي يسبق مباشرة الرتل الأول من الأرتال الأنثوية. وهؤلاء بشكل عام يحسبون حسابهم جيدًا، ولهم هم أيضًا كودات أزياء خاصة. فبدلاتهم العسكرية نظيفة ومكوية، وأحذيتهم السوداء تلمع جيدًا، وسداراتهم مرخية على رؤوسهم المغطسة بما لا يقل عن 250 غرام من مثبت الشعر.

وعلى عكس الدوام المدرسي الرسمي، الذي نادرًا ما كان يكتمل فيه الحضور نتيجة مرض طالب هنا، أو وفاة عمّة طالب هناك (وما أكثر العمّات اللواتي كن يتوفين)، فإن جميع الطلاب كانوا يبدؤون التوافد إلى مكان المسيرة قبل ثلاث ساعات على الأقل من موعد انطلاقها ولا يغادرون إلا بعد التأكد تمامًا من انتهائها أو على الأقل وصول آخر رفيقة شبيبة بالسلامة إلى منزل أهلها. وخلال ساعات المسيرة كان الجميع يحتفل بالوطن وقائد الوطن وانتصارات الوطن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة