سوريا بلد واحد لألف شعب.. عن الانقسام في المجتمع السوري

camera iconصورة تعبيرية (عنب بلدي/عماد نفيسة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن المغربي

شهدت سوريا منذ تسع سنوات تقريبًا، صورًا وأحداثًا ربما تغني عن حياة دول وبلاد كاملة، ظهرت خلالها صور لجثث ودماء ومعتقلين وأشلاء واختفاء قرى كاملة عن وجه الأرض، وليس آخرها الحرائق التي اندلعت في عدد من المحافظات السورية في تشرين الأول الماضي.

اشتعلت 171 حريقًا في الغابات السورية خلال تشرين الأول الماضي، وتوفي ثلاثة مواطنين وأُصيب 87 آخرون، ونزح سكان بعض المناطق منها، بينما وصلت مساحة الأراضي المحترقة إلى 11 ألفًا و500 هكتار في محافظتي اللاذقية وطرطوس، 60% منها أراضٍ حرجية والمساحة المتبقية هي أراضٍ زراعية، في أضخم حرائق شهدتها سوريا عبر تاريخها، بحسب وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، محمد حسان قطنا.

هذه الصور، وآخرها صور الحرائق، التي سببت لشريحة من السوريين على اختلاف مواقفهم الإنسانية والسياسية مما يحصل في سوريا غضبًا وحزنًا، وشعورًا بالعجز، شكّلت لسوريين آخرين لحظة للشماتة بالحرائق والمتضررين، على اعتبار أن ساكني تلك المناطق من موالي النظام السوري، بحسب تعبيرهم.

هذه الشماتة لم تكن الأولى منذ تسع سنوات، وليست محصورة بطرف دون آخر، وسبق لعشرات الموالين للنظام أن طالبوا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بقصف المدن الخارجة عن سيطرة النظام، وخرجت أصوات شامتة بمصير المدنيين، وعبروا عن شماتتهم بموت المدنيين بقصف قوات النظام السوري.

الشماتة المتبادلة وسط القصف والحرب والدم في مجتمع عُرف بتنوعه العرقي والإثني والمذهبي والديني تحمل دلالات حول المرحلة التي وصل إليها انقسام المجتمع السوري، ومدى خطورة الأمر على مستقبل سوريا.

كما تأتي حالات الشماتة، في ظل انقسام حول قضايا تتعلق بالسيادة الوطنية، فلكل طرف من أطراف النزاع في سوريا اليوم علم وحدود جغرافية وتشكيلات عسكرية، بالإضافة إلى أربع حكومات، هي حكومة النظام السوري، و”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، وحكومة “الإنقاذ” في شمالها الغربي (تُتهم بتبعيتها لهيئة تحرير الشام)، و”الحكومة المؤقتة” في مناطق ريف حلب وهي مدعومة تركيًا.

كما تعتمد كل من حكومتي النظام السوري و”الإدارة الذاتية” على الليرة السورية في معاملاتها التجارية ورواتب موظفيها، بينما تعتمد “المؤقتة” و”الإنقاذ” على الليرة التركية بشكل مؤقت.

الانقسام بدأ منذ 50 عامًا

رغم أن الحرائق الأخيرة في المحافظات السورية طالت غابات وثروات وطنية سورية، من المفترض أن تكون بالأساس لجميع مواطنيها، ويعد فقدانها خسارة لسوريا ومجتمعها.

ورغم حجم المصيبة المتمثلة بخسارة 11 ألف هكتار، هي حجم الأراضي التي طالتها الحرائق، وفقًا لما أعلنه وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، محمد حسان قطنا، خرجت عشرات الأصوات من داخل وخارج سوريا شامتة بما حصل، على اعتبار أن هذه الحرائق وقعت في مناطق يسيطر عليها النظام السوري ويعد أهلها من الموالين له.

وربما لا يكون على صعيد المفهوم الوطني ما يبرر أي نوع من أنواع الشماتة بالآخر، إلا أن الظروف التي تمر بها سوريا، تدفع علم الاجتماع لشرح أسباب الشماتة ومؤشراتها، التي تشي بانقسام عميق في المجتمع السوري.

وقال الباحث الاجتماعي صفوان موشلي لعنب بلدي، “قبل السؤال لماذا يشمت السوريون ببعضهم نتيجة حريق هنا وبرميل هناك، يجب أن نسأل، لماذا وصل السوريون إلى هذه المرحلة؟”.

واعتبر موشلي أن السوريين “ليسوا استثناء عن بقية شعوب الأرض”، إذ إن عمر سوريا الحديثة حوالي 80 عامًا، وحاول رجالاتها السياسيون بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1947 دمج جميع مكوناتها الإثنية والدينية والمذهبية، بحسب موشلي.

في عام 1963، نفذت اللجنة العسكرية في حزب “البعث العربي الاشتراكي” انقلابًا تولت من خلاله السلطة، وسرعان ما انقسم أعضاء اللجنة على أنفسهم، إذ نفذ الرئيس الأسبق، حافظ الأسد، انقلابًا هو الأخير في تاريخ سوريا الحديث عام 1970، ثم تولى السلطة في العام التالي بشكل كامل.

ومن هنا يرى موشلي في حديثه إلى عنب بلدي، أن الانقسام السوري بدأ في هذه اللحظة التي شهدت تغيرًا من الهوية الوطنية السورية إلى الهوية القومية العربية، وهو ما أدى إلى نسيان الأولى مع غياب المشاريع المرتبطة بها.

ولاحقًا اتسعت رقعة هذا الانشقاق بناء على التمييز القومي والطائفي والطبقي في سوريا، ودخل السوريون في دائرة مفرغة.

من جهته، يرى المحلل السياسي حسن النيفي، أن الشماتة بين الأطراف المختلفة في سوريا، تعود إلى حالة الاحتقان الشديدة الناتجة عن الحرب المستمرة منذ تسع سنوات، وأوضح أن حالة الانقسام بين أفراد المجتمع تغيب عنها المحاكمات العقلانية وتؤخذ بالعاطفة، لذا من الطبيعي أن نجد مواقف حادة ومتشنجة، وذلك نتيجة “حجم الإجرام لدى النظام السوري”، بحسب تعبيره.

ووفقًا لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، قُتل من المدنيين على يد الأطراف الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011 حتى أيلول الماضي، 226 ألفًا و787 مدنيًا، منهم 199 ألفًا و939 على يد قوات النظام السوري وحده، بينما قضى الباقون على أيدي فصائل المعارضة وتنظيم “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بالإضافة إلى القوات الروسية وقوات التحالف الدولي.

وقال النيفي إن حالة الانقسام السوري نتجت عن غياب المواقف السياسية الفاعلة التي لم تعالج الأزمات بطريقة حكيمة أصلًا.

كيف عزز النظام هذه الانقسامات

منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، صوّر النظام السوري عبر وسائل الإعلام الحكومية، والخاصة المقرّبة منه، وجود “عصابات مسلحة تكفيرية تستهدف المتظاهرين”، وحاول بث إشاعات تتعلق بمطالب طائفية، في محاولة لتحريف هدف المظاهرات الأساسي، وهو إسقاط النظام السوري، ورحيل رئيسه بشار الأسد، عبر شعارات تبرأ منها المتظاهرون مرارًا، كشعارات “المسيحي إلى بيروت والعلوي على التابوت”.

وكان من أسباب ظهور هذه الشعارات، تصوير النظام للرأي العام العالمي أن وجوده يعني حماية الأقليات الدينية في سوريا، سواء كانت من الطوائف الإسلامية أم من الأديان الأخرى، وبالتالي حاول النظام السوري تقسيم الشارع السوري منذ البداية.

وقال الدكتور السوري في علم الاجتماع طلال مصطفى لعنب بلدي، إن النظام السوري ومنذ عام 2011 عمل على “شيطنة الثورة السورية” من خلال أسلمتها وعسكرتها،  لإظهار أن هناك قوى أو أطرافًا ذات طابع مذهبي وديني أو تكفيري وسلفي، وبالتالي هناك خوف حقيقي على الأقليات السورية وخاصة العلوية، لجذب هذه الأقليات إلى صفه، وأصبح هناك شرخ اجتماعي بين السوريين، بين مجموعة تقف إلى جانب النظام طوعًا، وسمعنا سابقًا عبارة “نموت لأجل الرئيس”، وهذا الأمر موجود بالإضافة إلى حصول بعض المجازر ذات الطابع الطائفي من قبل النظام وتنظيمات “سلفية”.

ومع تطور الصراع السوري، والانتقال من مرحلة المظاهرات إلى العمل العسكري، وسيطرة المعارضة على مناطق واسعة من الأراضي السورية، لجأ النظام السوري إلى تصوير كل قاطني المحافظات التي يسيطر عليها على أنهم موالون له، وهو ما أسهم برسم صور معينة لدى السوريين في مناطق المعارضة، وبالتالي نشأ رد فعل لدى الطرف المعارض.

وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي حسن النيفي لعنب بلدي، إن هذا التصوّر الذي زرعه النظام السوري، أسهم بتعزيز الانقسام، من خلال تجيير وجود هؤلاء السكان في مناطقه، واعتبارهم موالين له بالمطلق، وهو أمر ليس دقيقًا بالأساس.

ولكن المخاوف حول مدى الانقسام الذي وصل إليه السوريون لا يتوقف عند مرحلة الشماتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في جلسات خاصة، بل يمتد إلى نظرة كل طرف من أطراف النزاع على أنه في بلد منفصل واعتبار الآخر عدوًا له بشكل كامل، بالتزامن مع طول أمد الصراع وسقوط المزيد من الضحايا.

وهذا الانقسام يؤسس، وفقًا للباحث الاجتماعي صفوان موشلي، إلى صراع لاحق على حدود جديدة مقامة على المظلومية لكل طرف من الأطراف، وهي مظلوميات متداخلة بالأساس، وهو ما يمكن أن يطيح بالوحدة بين أبناء الشعب السوري.

وأضاف موشلي، “كل طرف من الأطراف ينظر للآخر على أنه محتل لأرض وموارد الآخر أو كصنيعة للمحتل بأفضل الأحوال”.

تزداد المشكلة تعقيدًا، ليس فقط لما يكرسه الوقت من عادات ومشاعر ومصالح جديدة غير متفق عليها في “الإطار الوطني”، بل أيضًا لأن كثيرًا من الوجهاء المحليين وقادة الرأي الذين عاشوا القمع المشترك وتطلعوا معًا لمستقبل ديمقراطي مشترك أفضل هم الآن خارج التأثير المجتمعي، فهم إما مهاجرون يقبعون في الشتات وإما قتلى أو مغيبون قسريًا في سجون النظام أو المحتلين وميليشياتهم، وبأفضل الحالات هم معزولون فقدوا قدرتهم على التأثير بعد أن حل محلهم أمراء الحرب وتجارها ومساعدوهم على طرفي خطوط الصدع الوطني، بحسب موشلي.

ما الحلول لإنهاء الانقسام

مع مخاطر الانقسام المجتمعي على مستقبل سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، خاصة أن الأخير يرتبط باستقرار العنصرين السابقين، تبرز الحاجة إلى حلول جذرية تنهي هذا الانقسام.

ورغم صعوبة الأمر مع العدد الكبير للضحايا وتنامي الحقد بين الأطراف المتضررة نتيجة العوامل المذكورة في الأعلى، فإن هناك أملًا بسيطًا في نهاية النفق المظلم، يتمثل بالعدالة الانتقالية.

وقال الدكتور السوري في علم الاجتماع طلال مصطفى لعنب بلدي، إنه ورغم صعوبة الوضع الحالي، يمكن الخروج من الأزمة بسلام، أسوة ببلاد أخرى خاضت التجربة ذاتها.

وأضاف مصطفى أن ذلك يكون من خلال حصول تغيير سياسي فعلي في طبيعة النظام السياسي الحالي، بإسقاطه أو تغيير سلوكه، بمعنى وجود مرحلة انتقالية سياسية في سوريا، تمهد للانتقال إلى نظام وطني ديمقراطي ودولة قانون ومواطنة حيث السوريون موحدون ومتساوون بالحقوق والواجبات، والمرحلة الأهم يجب أن تكون هناك عدالة، أي محاكمة مجرمي الحرب من النظام أو أي طرف آخر بمحاكمة عادلة، وأن يشعر السوريون ممن فقدوا أهلهم بهذه العدالة، حتى لا يكون هناك مجال للثأر، وبالتالي لن يفكر السوريون بهذا الأمر.

من جهته، يرى حسن النيفي أن التحدي الأول أمام السوريين هو قدرتهم على التوافق لصياغة عقد اجتماعي ناظم لحياتهم في المستقبل، بحسب رأيه.

وسبق لمجلس الأمن أن أصدر في عام 2015 القرار رقم “2254”، الذي نصت الفقرة الـ16 منه على تشكيل هيئة حكم انتقالي وانتخابات حرّة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة