هل تكفي مبادرات "تخفيف الاحتقان"؟

شبح الاعتداءات يلاحق لاجئين سوريين في تركيا

camera iconوقفة نظمتها جمعية "أوزغور در" التركية تضامنًا مع اللاجئين في اسطنبول - 6 من تموز 2019 (الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

في إحدى بلدات ولاية سامسون شمالي تركيا، لقي الطفل السوري أيمن حمامي مصرعه، في 13 من أيلول الماضي، إثر تلقيه ثلاث طعنات في القلب على يد شبان أتراك هاجموه وأخاه وأحد أقاربه.

ومع ما أثارته الحادثة من تساؤلات عن الدوافع وراءها، سارع الصوت الرسمي التركي إلى تهدئة الجدل بمكالمة فيديو من وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، مع والد الطفل نشرتها وكالة “الأناضول” الحكومية التركية.

صويلو عبر عن حزنه لوالد أيمن، وقال، “حزنت وكأني فقدت شقيقًا لي، لا تقلقوا على الإطلاق، فنحن معكم حتى النهاية، أنتم أمانة في أعناقنا”.

لكن تلك الحادثة لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي يكون ضحيتها سوريين في تركيا، وحتى مع تكرار المبادرات الرسمية لاحتواء أي توتر قد ينجم عنها، استمر الحديث والتخوف من دوافع “عنصرية” وراءها.

حوادث مشابهة

ليست المرّة الوحيدة التي يتعرض خلالها لاجئ سوري لاعتداء يتسبب بوفاته، إذ قُتل، في 17 من تموز الماضي، الشاب السوري حمزة عجان (17 عامًا)، إثر شجار في ولاية بورصة، بحسب ما ذكرته صحيفة “دوفار” التركية، بالإضافة إلى تسجيل مصوّر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر خلاله والد الشاب وروى الحادثة.

وفي 27 من نيسان الماضي، قُتل الشاب السوري علي حمدان العساني برصاصة في الصدر أطلقها عليه أحد عناصر الشرطة، وأصدرت ولاية أضنة في اليوم التالي للحادثة بيانًا جاء فيه أن فرق الشرطة التابعة لقسم شرطة منطقة سيحان في الولاية، أصابت الشاب علي العساني عند إطلاق نار تحذيري، عقب هربه من نقطة تفتيش في حي سوجو زادي.

ويظهر تسجيل مصوّر تداوله ناشطون أتراك فريقًا طبيًا وعناصر شرطة يحاولون إسعاف علي (19 عامًا)، بعد إصابته برصاصة في صدره، خلال هروبه من الشرطة عند تفتيش هويته، بسبب خروجه من المنزل رغم فرض حظر تجول على الشباب دون سن 20 عامًا.
وتصدّر وسم “أين قتلة علي” (AliyiOElduerenlerNerede) موقع “تويتر” عقب الحادثة، كما قدّم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العزاء لوالد علي، عبر اتصال هاتفي أعرب خلاله عن حزنه، رغم الحديث عن دوافع عنصرية وراء الحادثة.

إضافة إلى الاعتداءات الجسدية، تعرضت محال سورية، في 30 من حزيران 2019، لاعتداءات في منطقة إيكتيلي باسطنبول، نتيجة ادعاءات بتحرش أحد السوريين بفتاة تركية، ليتبين فيما بعد أنها حادثة شجار بالكلام عبر نوافذ المنازل بين طفلين (سوري وتركية) في الـ12 من عمرهما، بحسب ما ذكرته مديرية الأمن حينها.

وتتفاوت حدة هذه الاعتداءات بين التهجم الجسدي، والاعتداءات اللفظية إما بشكل مباشر وجهًا لوجه، وإما عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر منشورات أو تغريدات، ينشر بعضها سياسيون أتراك.

متى يكون الاعتداء عنصريًا؟

تعرّف الأمم المتحدة مصطلح العنصرية بحسب “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” بأنها “أي تمييز أو استثناء أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها أو ممارستها”.

يشرح الباحث الاجتماعي صفوان موشلي، في لقاء مع عنب بلدي، أنواع الاعتداءات العنصرية وما يجعل بعضها أشد خطوة، فمنها الاعتداءات التي يرتكبها مجرمون عاديون، يعتدون على أي ضحية دون تمييز، وقد يختارون اللاجئ لضعفه في إدراك البيئة المحيطة، وزيادة هذا النوع من الجرائم والاعتداءات مرهون بالحالة الاقتصادية في البلاد وحجم البطالة فيها.

وقال موشلي إن النوع الأخطر لهذه الاعتداءات هو ما يقوم به عنصريون ينتمون إلى منظمات عنصرية أصلًا، وتكمن خطورة جرائمهم واعتداءاتهم في كونها منظمة ومخططًا لها، وليست عفوية، ويصعب الإيقاع بمرتكبيها أو تقديمهم للقضاء.

وهناك نوع آخر من الاعتداءات يقوم به بعض المواطنين الذين تبنوا أفكارًا غير متسامحة مع اللاجئين نتيجة الدعاية الموجهة، تتمثل سلوكياتهم في استفزاز اللاجئ ومحاولة الاشتباك معه، أو الاستعانة بعصابات مأجورة للقيام بالاعتداء.

وأضاف الباحث أن اللاجئين السوريين في تركيا يواجهون مشكلة عدم الاعتراف بهم كلاجئين فعلًا، فالدعاية السياسية تسميهم ضيوفًا، والقانون يضعهم تحت الحماية المؤقتة، كما تشيع بعض الأحزاب المعارضة أن اللاجئ يحصل على امتيازات ليست متاحة حتى للمواطن.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا ثلاثة ملايين و624 ألفًا و517 شخصًا، بحسب إحصائيات المديرية العامة للهجرة في تركيا، وتقاضى العمال السوريون في تركيا، حتى شباط الماضي، رواتب شهرية تتراوح ما بين 1500 و1800 ليرة تركية، وفق ما نقلته صحيفة “Hürriyet”  التركية عن رئيس اتحاد النقابات، إرغون أتالاي، أي أقل من الحد الأدنى للأجور.

وتكمن طريقة معالجة الاحتقان المسبب لهذه الاعتداءات بتحديد وضع اللاجئين من الناحية القانونية، لتنطبق عليهم القوانين الدولية التي تنظم وضع اللاجئ، بالإضافة إلى ضرورة إتقان لغة البلد المضيف، بذلك سيتمكن اللاجئ السوري من قطع ثلثي المسافة على طريق الاندماج الفعال في المجتمع التركي، بحسب موشلي.

ويشدد الباحث على ضرورة توحد اللاجئين في مؤسسات مدنية واجتماعية تكون قادرة على التعبير عن أفكارهم ومشكلاتهم التي يواجهونها، ما سيجعلهم أكثر فعالية على المستوى الاقتصادي والأخلاقي في المجتمع الذي يستضيفهم.

ما تأثير هذه الاعتداءات على اللاجئين؟

يشرح الطبيب النفسي محمد أبو هلال لعنب بلدي الأبعاد النفسية لهذه الاعتداءات، موضحًا أنها تندرج في إطار علم النفس الاجتماعي الذي يدرس ويناقش مفهوم التعصب.

ويتضمن التعصب مكونًا فكريًا كالأفكار النمطية المسبقة، بالإضافة إلى وجود مشاعر سلبية يحملها المعتدي على الضحية، التي قد تكون فردًا أو جماعة، وهناك أيضًا المكوّن السلوكي الذي يظهر من خلال التمييز على مستوى التعامل مع الناس أو استقطابهم للعمل.

وقال أبو هلال، إن الأفكار المسبقة والتعصب مشاعر يحملها الناس تجاه بعضهم، لكن ما يميزها هو مدى شحنها العاطفي الذي يختلف من شخص لآخر، فزيادة الشحن العاطفي هنا ستفضي إلى التمييز سلوكيًا، وقد يتطرف البعض ليعتدي على شخص أو فئة معينة من الناس.

وأضاف الطبيب أن تعرض الشخص للاعتداء الجسدي أو النفسي لدوافع التعصب يجعله عرضة لآثار نفسية، كالقلق والخوف والتوتر، وربما يصل إلى حد الصدمة إذا كان الاعتداء مؤذيًا وخطيرًا، بالإضافة إلى الشعور بالدونية والرغبة في الانعزال، وقلة الثقة بالنفس، والاكتئاب في بعض الأحيان، وقد يسبب ذلك حالة رد فعل تخلق لدى الضحية نوعًا من التعصب والتمييز تجاه المعتدي أو الفئة التي ينتمي إليها.

وهناك توصيات نفسية للمعتدى عليه تتجلى بالحفاظ على سلامته لحظة الاعتداء والتعامل مع الموقف بحكمة، وبما لا يخلّ بوضعه القانوني، حتى لا يتحول المعتدى عليه إلى معتدٍ، فردّ فعل الأشخاص تجاه الاعتداءات تختلف كليًا من شخص لآخر، فالبعض يرد بطريقة قانونية سليمة، وهناك من يتجاهل الأمر، وقد يشعر الضحية بالنقمة على نفسه أو أسرته، وبهذه الحالة يتماهى مع المعتدي وينظر لنفسه بدونية وكراهية، وكأنه يستحق فعلًا الاعتداء الذي تعرض له.

ويؤكد أبو هلال على ضرورة استشارة الشخص أحد مقربيه، وطلب المساعدة والنصيحة في حال تعرضه لاعتداء عنصري، فكتمان هذه المشاعر قد يبرز لاحقًا بهيئة أعراض جسدية نفسية المنشأ.

مبادرات لتخفيف الاحتقان

في محاولة لتخفيف الآثار الناتجة عن بعض الاعتداءات تجاه سوريين في تركيا، ظهرت مبادرات عدة سواء من قبل جهات رسمية أو مدنية تركية، أو من جمعيات سورية في تركيا.

ففي 17 من تموز عام 2019، عقدت دائرة الهجرة في “الائتلاف السوري” المعارض ورشة بحضور إعلاميين وحقوقيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، بهدف تخفيف الاحتقان تجاه الوجود السوري في تركيا، بعد حالات اعتداءات تعرض لها لاجئون سوريون.

ونظمت جمعية  “أوزغور در” الوقفية التركية، في 6 من تموز عام 2019، وقفة تضامنية في منطقة الفاتح باسطنبول، نادى المشاركون خلالها بشعارات التآخي مع السوريين، والرفض للأصوات التي تعاديهم.

وفي 23 من تموز عام 2019، أطلق ناشطون وصحفيون سوريون مبادرة إعلامية تحت عنوان “أنا إنسان“، وكان الهدف منها مخاطبة الرأي العام التركي لامتصاص حالة الاحتقان ضد اللاجئين السوريين في تركيا، بعد حملات تحريض موجهة ضدهم، تسببت بموجة ترحيل تعرض لها المخالفون الذين لا يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة” في الولايات التي يقيمون فيها.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة