مؤتمر “دمشق”.. مساعٍ روسية تضغط على اللاجئين في الجوار

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد الأسد يستقبل وفدا روسيا من وزارتي الدفاع والخارجية برئاسة ألكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي - 29 تشرين الأول 2020 (صفحة رئاسة الجمهورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ديانا رحيمة

عملت وفود روسية في دمشق ودول مجاورة، خلال الأسابيع الماضية، على التحضير والتنسيق لعقد مؤتمر للاجئين في دمشق، من المقرر أن يكون في 11 و12 من تشرين الثاني الحالي.

ويقابل هذا السعي الروسي برفض دولي وتخوف حقوقي من أن يزيد الضغوط على اللاجئين في دول الجوار، وخاصة في الأردن ولبنان.

محاولات لاستقطاب وتأييد الجوار

المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألكسندر لافرنتييف، زار الأردن، في 27 من تشرين الأول الماضي، مع وفد روسي رفيع المستوى، للتباحث مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، لتهيئة العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين، والعمل على استمرار المجتمع الدولي في توفير الدعم اللازم للدول المضيفة للاجئين، وخاصة في ظل جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

تلتها زيارة الوفد ذاته في اليوم التالي للعاصمة اللبنانية بيروت، للقاء رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، والتشاور في تأمين ظروف العودة للاجئين إلى بلدهم، كون “الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة السورية أصبحت آمنة، مع التأكيد أن اللاجئين يريدون العودة إلى ديارهم”، بحسب الوفد الروسي.

وأكد الرئيس اللبناني أنه يتطلع إلى “إيجاد حل سريع يحقق عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ولا سيما أن مناطق عدة في سوريا باتت مستقرة بعد انتهاء القتال فيها”، بحسب تعبيره.

وجدد حديثه عن أن “لبنان لم يعد قادرًا على تحمل المزيد من التداعيات السلبية لهذا اللجوء الذي كبّد لبنان خسائر تجاوزت 40 مليار دولار أمريكي، وفق أرقام صندوق النقد الدولي”.

وأشار عون إلى أن المساعدات الدولية التي تقدم للاجئين السوريين ينبغي أن تقدم لهم في سوريا، لأن ذلك “يشجعهم على العودة ويضمن استمرار مساعدتهم”، وأعرب عن أمله في أن “انعقاد مؤتمر جديد للبحث في قضية اللاجئين يمكن أن يساعد في إيجاد حل مناسب لهذه المسألة الإنسانية”.

وانتهى الوفد الروسي بزيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 29 من تشرين الأول الماضي، لمناقشة التحديات التي تواجه المؤتمر ومحاولات إفشاله، أو ممارسة ضغوط دولية على دول راغبة بالمشاركة فيه.

ما قصة المؤتمر؟

دعت وزارة الدفاع الروسية إلى عقد “مؤتمر للاجئين السوريين” تحت رعاية روسية، لأول مرة في 5 من أيلول عام 2018، ووصفته بـ”الحدث التاريخي”، وأكدت ضرورة مشاركة الدول المعنية والأمم المتحدة فيه.

وقال رئيس المركز الوطني الروسي لإدارة الدفاع، ميخائيل ميزينتسيف، حينها، “إن الأسد قد تلقى المبادرة الروسية بإيجابية استثنائية، لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين”.

وكانت موسكو قدمت للولايات المتحدة الأمريكية مقترحات، في 21 من تموز 2018، خلال قمة “هلسنكي” التي جرت بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي بوتين، حول تنظيم العمل لعودة اللاجئين السوريين وتشكيل مجموعة مشتركة لتمويل إعادة إعمار البنية التحتية السورية.

وتضمنت المقترحات “وضع خطة مشتركة لعودة اللاجئين إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل النزاع، وخاصة عودة اللاجئين من لبنان والأردن، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة روسية- أمريكية- أردنية، برعاية مركز عمان للمراقبة، وكذلك تشكيل مجموعة مماثلة لها في لبنان”.

وإثرها التقت المجموعة المصغرة للدول السبع (المؤلفة من ألمانيا والمملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والأردن والمملكة المتحدة)، وأصدرت بيانًا يؤكد أنه لا يوجد حل في سوريا قبل إيجاد حل سياسي دائم على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”.

ولم ينعقد المؤتمر رغم المحاولات الروسية الساعية لانعقاده، والحصول على التمويل لإعادة الإعمار من قبل الدول المانحة.

لكن المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عادت وأعلنت، في 23 من تشرين الأول الماضي، عن انعقاد المؤتمر في 11 و12 من تشرين الثاني الحالي.

رفض دولي تقوده واشنطن

دعت الولايات المتحدة من جهتها إلى مقاطعة دولية للمؤتمر الروسي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي جرى عبر الإنترنت، في 27 من تشرين الأول الماضي.

وقال نائب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، إنه “من غير المناسب تمامًا أن تشرف موسكو، التي تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، على عودة اللاجئين”.

وحذر ميلز من أن سوريا ليست مستعدة لعودة اللاجئين “على نطاق واسع”، وأن التدفق قد يتسبب في عدم الاستقرار.

بينما انتقد سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، ما وصفه بـ”التحيز ضد سوريا” والجهود المبذولة “لتشويه سمعة هذه المبادرة الإنسانية”، بحسب تعبيره.

وقال سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولاس دي ريفيرا، إن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة اللاجئين السوريين، وأضاف أن باريس “ستعارض أي محاولة لتسييس موضوع عودة اللاجئين”.

وصرح ريفيرا للمجلس بأن “شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين لم تتحقق بعد”، وأكد أن عودة اللاجئين “لن تتم إلا في حال حدوث العملية السياسية الموثوقة، ولا يمكن لأي مؤتمر أن يحقق ذلك”.

بدوره، دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي التقى بوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ومسؤولين آخرين في دمشق، في 25 من تشرين الأول الماضي، إلى “جهد جاد وتعاوني” لمعالجة “العودة الآمنة والكريمة والمستنيرة والطوعية”.

لماذا دمشق؟

المؤتمر هو محاولة روسية لدعم النظام السوري وإنقاذه من أزمة الكوارث الاقتصادية التي يعيشها، بحسب ما قاله المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود حمزة، في حديث إلى عنب بلدي.

وأضاف المحلل السياسي أن روسيا تريد عقده في دمشق، لأن الذهاب إلى دمشق يعني الاعتراف بالنظام بشكل أو بآخر، الأمر الذي ترفضه معظم الدول.

ويرى أن الموقف الأمريكي حاسم في هذا الأمر وخاصة في ضوء قانون “قيصر”، الذي يعزل النظام السوري ويحذر الشركات الروسية والإيرانية والأوروبية من التعامل معه.

ولا يتوقع المحلل النجاح للمؤتمر، لوجود “الفيتو” الأمريكي أولًا، ولاستمرار تعنّت النظام وعدم وجود أي تجاوب منه في العملية السياسية مع اللجنة الدستورية.

ووصف المحلل السياسي المؤتمر بأنه إحدى المحاولات الروسية للالتفاف وخداع المجتمع الدولي بأن الظروف آمنة في سوريا لعودة اللاجئين، وهذا ما قاله لافروف منذ فترة قريبة على الرغم من استمرار القصف في الشمال السوري.

دول أوروبية لا تعتبر دمشق آمنة

صرحت وزارة الخارجية الألمانية، في حزيران الماضي، أن سوريا لا تزال مكانًا غير آمن للاجئين السوريين، وأصدرت بيانًا قالت فيه، “لا تزال هناك مخاطر جمة على اللاجئين في سوريا، سواء بسبب الميليشيات العديدة ونقاط التفتيش التابعة لها أو الأسلحة الموجودة في يد هذه الميليشيات التابعة للنظام، الذي لا يزال يستخدمها بلا رحمة ضد الشعب السوري من خلال أجهزة الاستخبارات العديدة التابعة له”.

لكن هذا الموقف لا يشمل دول الاتحاد الأوروبي كلها، إذ قال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تيسفاي، في حزيران الماضي، إنه “يجب على دائرة الهجرة البدء في مراجعة تصاريح الإقامة الممنوحة في الدنمارك للاجئين السوريين القادمين من دمشق”، بحسب ما ذكره موقع الهجرة والاندماج الدنماركي.

وأشار تيسفاي إلى أن ما يقارب 100 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا من المناطق المحيطة، معتبرًا أن على السوريين في أوروبا العودة إذا سمحت الظروف بذلك.

كيف يؤثر المؤتمر على اللاجئين

الناشطة في مجال حقوق الإنسان وباحثة سوريا في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سارة الكيالي، قالت، في حديث لها مع عنب بلدي، إن “الأسباب الأساسية التي أجبرت السوريين على النزوح في المقام الأول ما زالت موجودة، مثل الاعتقالات التعسفية والتعذيب داخل السجون، والوضع الإنساني والاقتصادي المأساوي وخاصة في مناطق النظام السوري”.

وأشارت كيالي إلى انتهاكات حقوق الملكية والأرض وحق الحصول على منزل، وهي حقوق انتهكتها الحكومة السورية حتى بعدما تراجعت مظاهر الحرب بالعديد من المناطق في سوريا.

وترى الكيالي أن تأثير هذا المؤتمر ينحصر في زيادة الضغظ على اللاجئين، وخاصة من قبل حكومات دول الجوار فيما يخص العودة الطوعية.

ولا تعتقد كيالي أن هذا المؤتمر سينجح أيضًا، لأنها ليست المحاولة الأولى لروسيا، وبما أنها لا تريد أن تغير شيئًا في الوضع السياسي فلن تكون هناك عودة للاجئين.

وتعود دفعات محدودة من اللاجئين في لبنان إلى سوريا، بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين، وحملات رسمية وشعبية تنادي بعودتهم، إلى جانب تضييقات أمنية وحقوقية تجاههم.

ويوجد في لبنان وحده ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ من سوريا، بحسب الأرقام الرسمية، لكن المسجلين رسميًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يبلغ عددهم حوالي 950  ألفًا فقط.

بينما يعيش في الأردن ما يقارب 660 ألف لاجئ سوري مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة