مؤتمر عودة اللاجئين.. رهان روسي خاسر

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

لا يمكن قراءة الدعوة الروسية الخاصة بعودة اللاجئين، والتي تمخضت عن عقد مؤتمر لها في دمشق، بعيدًا عن إدارة موسكو لملف الحل السياسي للصراع في سوريا، فهذه الإدارة تمخضت سابقًا بعد التدخل العسكري الروسي في الربع الأخير عن مسارين اثنين، هما مسار “أستانة” الخاص بالوضع العسكري، ومسار “سوتشي” الخاص بالجانب السياسي.

دعوة موسكو لعقد هذا المؤتمر، تكشف بالملموس أن الروس لا يزالون قيد أجندتهم الخاصة بحل الصراع السوري، أي أنهم يريدون تمرير رؤيتهم للحل السياسي خارج مربع الحل المستند إلى القرار “2254”.

الروس يدركون تمامًا أنهم لن ينجحوا بتحقيق أهداف يسوّقها إعلامهم، منها ضرورة عودة اللاجئين لإعمار البلاد، وكأن هؤلاء اللاجئين لم يتم تهجيرهم تحت وقع عمليات القصف والدمار، التي مارسها النظام بحق السوريين، ومارسوها هم، وفق سياسة الأرض المحروقة، التي عمدوا إلى استخدامها لحسم الصراع لمصلحة حليفهم نظام الأسد.

الروس، الذين استقطبوا عددًا من الدول الهامشية بالنسبة لمسألة اللاجئين، يعرفون مسبقًا أن مؤتمرًا كهذا يحتاج بالضرورة إلى دعم أمريكي وأوروبي وتركي لنجاحه، وهؤلاء لم يحضروا المؤتمر، بل رفضوا حضوره دون تفعيل عمل اللجنة الدستورية وتنفيذ القرار “2254”.

الدول التي حضرت المؤتمر لا قرار لها في حل الصراع السوري، أو التأثير بعودة اللاجئين، وفق الشروط الروسية الداعمة للنظام السوري، باستثناء لبنان، الذي يضم على أرضه قرابة مليون لاجئ سوري، يعيشون أسوأ معيشة، ويتعرضون لتضييق في هذا البلد، ولهذا، يمكن اعتبار الحالة اللبنانية حالة رخوة، في اعتبارات وحسابات المعارضة السورية، لأن لبنان محكوم من حلفاء النظام السوري، ولن تستطيع هذه المعارضة منع حكومة هذا البلد تسهيل عودة اللاجئين، إلا إذا مورست ضغوط أمريكية أو أوروبية على الحكومة اللبنانية، لمنعها من تنفيذ المخطط الروسي الذي يتقاطع مع مصالح حكام لبنان.

إذًا، ما دام الروس يدركون هذه الحقيقة، لماذا أصروا على عقد مؤتمر عودة اللاجئين، وهم يعرفون أن اللاجئين لن يعودا في ظل نظام قتلهم، وهجّرهم، ودمّر بيوتهم، ولا يزال يعتقل عشرات الآلاف من أبنائهم في معتقلات الموت والعذاب الدائم.

الروس أرادوا إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أننا لن نقدم أي تنازل على مستوى الحل السياسي للصراع في سوريا، ما دام الغرب والأمريكيون لا يزالون بعيدين عن التوافق مع الأجندة الروسية، التي اشتقت خطًا لحل هذا الصراع، عبر محطتي “أستانة” و”سوتشي”، لذلك، فهذا المؤتمر هو محطة ثالثة في المسار الروسي لاجتراح الحل.

الروس، الذين سيكفرون بالضغوط الاقتصادية، ونظام العقوبات الأمريكي والغربي على النظام ومحازبيه، يدركون أن هذه العقوبات ستراكم شيئًا فشيئًا من عدم قدرتهم على دفع تكاليف محاولتهم تعويم النظام، أو تأهيله ولو لفترة ما، فالنظام وفق قواعد الحصار المطبقة بحقه، يتآكل شيئًا فشيئًا دون قدرة على تجاوز عجزه، ودون قدرة على الاستمرار في رفضه تقديم تنازلات سياسية بموجب قرارات الأمم المتحدة، التي ستطيح إلى الأبد بمملكة آل الأسد.

والسؤال الذي يعتبر مشروعًا وبريئًا، لماذا أصر الروس على عقد هذا المؤتمر؟

الجواب بسيط وفق ذهنية الحسابات الروسية، التي لا يزال الكرملين أسير مفرداتها، فهذا المؤتمر يمكن أن يحقق نتائج مادية مباشرة بعد حين، في الخاصرة الرخوة من قضية اللاجئين السوريين، هذه الخاصرة تتعلق بوجود اللاجئين السوريين في لبنان، فعودة مليون لاجئ تعني كسر تنفيذ القرارات الدولية، ونجاح الحل الروسي.

والروس يتبعون سياسة تجزيء الحل، عبر مربعات يمكنهم تنفيذها والربح فيها، وهو أمر فعلوه في معاركهم ضد فصائل الثورة السورية في الغوطة الشرقية وحلب وشمال حماة، والآن يريدون تنفيذه في إدلب.

المعارضة الرسمية السورية لا تمتلك برنامج عمل خاصًا بها يتصدى لسياسة الروس، لأنها لا تمتلك برنامجًا كهذا، بسبب انتقال الصراع السوري من حيّزه الداخلي بينها وبين نظام الأسد، إلى حيّز الصراع الدولي في سوريا، وهذا أمر يجب إعادة النظر ببعض مفرداته، خارج نسق التفكير الذي تمّ تبنيه طوال سنوات الصراع التسع المنصرمة.

إذًا، الروس يريدون إحداث شرخ ولو بسيط في جدار الممانعة الدولية لأجندتهم، دون إيمانهم بضرورة أن يغير النظام من بنيته، هذه البنية التي دمرت البلاد والعباد، وجعلتهم (أي الروس) يغرقون بعض الشيء في المستنقع السوري.

الروس يدركون أن الزمن لا يعمل لمصلحتهم، فكلما طال زمن الصراع، هناك متغيرات يرونها بأم عينهم، تحدث دون قدرة على مجابهتها، مثل هزيمة حليفهم أرمينيا في حربها ضد أذربيجان، فالمجابهة في صراع كهذا جرى في ناغورني كاراباخ، يعني أن الروس سيزيدون من أعباء تكاليف تدخلاتهم في مناطق عالمية، مثل ليبيا، وسوريا، وكاراباخ، وأوكرانيا…

إن إحداث شرخ في موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، يتطلب سياسة أخرى من المعارضة الرسمية السورية، هذه المعارضة يجب أن تعيد حساباتها بعلاقتها بحاضنتها الشعبية عمومًا، وحاضنتها في لبنان خصوصًا، وهو أمر يتطلب دورًا فاعلًا أوسع من بنية هذه المعارضة بصورتها الحالية، وبهيمنة أطر عاجزة عن فعلها المطلوب.

الدور المطلوب يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تضعها مؤسسات المعارضة بكل تقسيماتها (ائتلاف، حكومة مؤقتة، هيئة تفاوض، منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية…)، بحيث يكون هذا الدور فاعلًا في منع اختراقات الروس جدران المعارضة وبيتها الداخلي، من خلال تجزئة مربع الحل الشامل إلى مربعات صغيرة ومتعددة.

ولكن ينبغي القول، إن الروس ذهبوا إلى عقد مؤتمر عودة اللاجئين ليس من أجل عودة اللاجئين الآمنة، لأن شروط مثل هذه العودة لم تتوفر بعد في ظل استمرار النظام السوري، بل عقدوا المؤتمر ليقولوا للغرب، يجب وضع الملفات التي يجري الصراع عليها بيننا وبينكم على طاولة مفاوضات واحدة، وإن الحل في سوريا هو جزء من حل لقضايا أخرى، فهل يتمكن الروس من إجبار الغرب على القبول بهذه المعادلة، في ظل رفض غربي للمؤتمر ونتائجه؟

الروس ربحوا بعض الوقت للمناورة، ولكنهم غفلوا أن عدّاد الزمن يراكم من الصعوبات لديهم ولدى نظام الأسد الذي لم يتمكن من توفير أي مرونة حيال مصالح السوريين الثائرين عليه.

النظام الذي دخل مغامرة قاتل أو قتيل، هو نظام أثبتت الحياة أنه غير صالح للحياة، وهذا ما يجب أن تبني عليه قوى الثورة برنامج مستقبلها، لا الرقص في مربعها الأول الذي فات زمنه. ن تنتقل في هذه المرحلة إلى التلاحم مع قاعدتها الشعبية،




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة