تحقيق صحفي حول حوادث الاغتصاب في داريا يثير الجدل

no image
tag icon ع ع ع

أثار التحقيق الصحفي الذي نشرته جريدة عنب بلدي في عددها السابع والثلاثين الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني 2012 حول حوادث الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي قام بها جنود النظام -أو حاولوا- أثناء مجزرة داريا الكبرى، أثار هذا التحقيق ردود أفعال متباينة في الوسط الإجتماعي الداراني الذي حصلت فيه تلك الحوادث. حيث استنكر العديد من القراء على الجريدة فتحها لهذا الملف وبخاصة في هذا الوقت من عمر الثورة، بينما رحب آخرون بهذا النوع من الطروحات والتحقيقات، وأثنوا على الجريدة جرأتها في طرق مثل هذه الأبواب، وفي هذه الأوقات تحديدًا.

التحقيق المشار إليه ذكر قصص عدد من حالات ومحاولات اغتصابٍ جرتْ حقًا، ورويت من قبل أصحابها مباشرة بعد أن وافقوا على نشر قصصهم وبأسمائهم التي اختاروا نشرها. كما ذكر التحقيق قصصًا أخرى رواها شهودٌ سمعوا وشاهدوا بعض التصرفات والأحداث التي تؤكد قيام عناصر الجيش والأمن بعمليات أو محاولات اغتصاب. كما ذكر التحقيق قصة فتاة قتلها الجنود بعد أن رفضت الرضوخ لهم ومنعتهم من اغتصابها، وذلك بحسب رواية شاهدين اثنين كانا في مسرح المجزرة – عند التربة- أحدهما نجا بأعجوبة من الموت، والآخر كان يشاهد مسرح الجريمة من مكان اختبائه في بناء مقابل.
مربط الفرس في المشكلة -في نظر المعترضين- كان في هذه الفتاة تحديدًا لجهة ذكر اسمها والتعريف بها، حيث ذكر التحقيق اسمها الكامل وأشار إلى عائلتها بوضوح، الأمر الذي أثار حفيظتهم ودفعهم إلى إثارة الموضوع ومناقشته في جلساتهم ولقاءاتهم كما حظي الموضوع بوقت طويل من النقاش على مجموعات الفيسبوك التي يناقش عليها أبناء المدينة على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم ورؤاهم. إلا أنه وللأسف، فقد تم طرح الموضوع على هذه المجموعات بشكل مغلوط أدى إلى سوء فهمٍ كبيرٍ لدى من لم تتسنَ له قراءة التحقيق واكتفى بسماع وقراءة ما كتبه الآخرون عن التحقيق سواء من قرأه منهم ومن لم يقرأه.

حيث اعتبر كثيرون أن التحقيق يشهّر بفتاة اغتصبت ويذكر اسمها الكامل بوضوح، وهذا عكس للحقيقة التي أرادت الجريدة إيصالها والتي تقول بوضوح أن الفتاة استشهدت دون شرفها وعرضها، ما يفترض به أن يرفع من قدرها ويعلي شأنها بين الجمهور.

المسؤول الإعلامي للجريدة واكب -لحدٍ كبير- النقاشات والتعليقات التي كتبت حول الموضوع المثار على عدد من مجموعات الفيسبوك والتي حظي الموضوع فيها بنقاش طويل، وقد وضع منشورًا خاصًا على هذه المجموعات يعرض فيه موضوع التحقيق والهدف منه، ويطلب فيه من القراء نقده بشكل مباشر وموضوعي حتى يتم الاستفادة من رأي الجمهور فيه، لكن المنشور تلقى سلسلة طويلة من الشتائم والاتهامات وصلت بعضها إلى حد اعتبار الجريدة انتهكت الأعراض وشرف الفتيات!! مع تجاهلٍ تامٍ للجريمة الحقيقة التي قام بها النظام. تعليقات أخرى كانت أكثر سوءًا، شتمت بشكل مباشر مُعدّ التحقيق ونعتته بأوصاف بذيئة وأخرى شككت بأهداف الجريدة وافترضت ارتباطها بأجندات عميلة أو مؤامراتية وما إلى ذلك!! فريق ثالث تبين جليًا أنه لم يقرأ التحقيق بالأساس ولايعلم ما يحتويه، وإنما بدأ بالهجوم على الجريدة وكاتب المقال لأسباب أو لأخرى!!
لكن أصواتًا أخرى كانت أكثر تعقلًا وتفهمًا وضعت بعض الملاحظات الموضوعية والتي يمكن البناء عليها كجدوى طرح مثل هذه المواضيع في مجتمع محافظ، أو الفائدة المرجوة منه على الصعيد الثوري أو الإعلامي….

وقد تلقت الجريدة بعد هذه النقاشات التي استمرت لإيام عددًا من الرسائل على بريدها الرسمي أثنى بعضها على الجهد المبذول في التحقيق مع تحفظه على ذكر اسم الشهيدة، وبعضها الآخر طلب بشكل مباشر تعديل التحقيق ومحو اسم الفتاة حسمًا للخلاف، وقد تجاوبت الجريدة -بعد تشاور داخلي ضمن فريقها- مع هذه الطلبات حيث سُحبت النسخة الالكترونية من على شبكة الإنترنت، وأُصدرت نسخة جديدة تم فيها محو اسم الفتاة وكل ما يشير إلى عائلتها، كما طُبعت 200 نسخة ورقية إضافية معدلة وتم توزيعها في داريا في اليوم التالي.

على جانب آخر، لقيَ التحقيقُ الخاص الذي أجرته الجريدة، والذي اعتبره البعض فريدًا من نوعه في هذه المرحلة، اهتمامًا بالغًا من بعض المواقع والشبكات الأخبارية التي تناقلته بشكل كبير عبر صفحاتها، وأشارت إليه كوثيقة مهمة توثق للجرائم التي يقوم بها جنود الأسد أثناء عملياتهم الأمنية في المدن السورية. كما أن التحقيق استرعى اهتمام بعض الجهات الحقوقية التي تُعنى بتوثيق مثل هذه الجرائم والانتهاكات، وقد تواصلت عدد من الجمعيات مع معدي التحقيق بغية تأمين دعم صحي ونفسي للضحايا المذكورين.

وهنا يمكننا أن نتوقف عند نقطتين اثنتين مما كان موضع جدل ونقاش، وأن نربطهما بحادثتين اثنتين يصح الإسقاط عليهما:
النقطة الأولى:
ذكر اسم الفتاة التي تعرضت لمحاولة اغتصاب فماتت دون شرفها… يذكرنا ذلك بالسيدة سمية بنت خُياط (أم عمار بن ياسر) وكيف تروي كتب السير وغيرها أن أبا جهل قد طعنها في فرجها فماتت وكانت أول شهيدة في الإسلام… فهل ذكر تلك الحادثة فيه إساءة للسيدة سمية -رضي الله عنها- أم أنه مدعاة شرف لها أن تموت على شرفها ودينها؟؟
النقطة الثانية:
ضرورة عدم ذكر الحادثة لأنها تؤكد حدوثها… وهذا يذكرنا بالهجمة الشعواء التي شنها الناشطون والأهالي في مختلف أنحاء سوريا على أحد المعارضين الذي أنكر في مقابلة على إحدى القنوات الفضائية (في نيسان من عام 2012) حدوث حالات اغتصاب ممنهجة يقوم بها النظام، واتهموه بأنه يمنح صك براءة للنظام مما يقوم به من انتهاك للأعراض والحقوق. وكان من بين من هاجم ذلك المعارض وقتها أشخاص هاجموا جريدة عنب بلدي اليوم لأنها وثّقت للانتهاكات التي قام بها النظام!!

لقد لاقى التحقيق استياء البعض من أبناء المدينة واعتبروه مسيئًا للمدينة -ولفتياتها على وجه الخصوص- وهذا أمر قد يكون مفهومًا في مجتمع محافظٍ، إلا أنه ينبغي التنويه إلى أن عدم ذكر الحادثة لا ينفي حدوثها. كما أنه وفي الوقت نفسه فقد لاقى التحقيق الثناء والاستحسان من شريحة أخرى من أبناء المدينة ومن أبناء مناطق أخرى أعجبوا بالتحقيق ووجدوا فيه توثيقًا هامًا لما يرتكبه جنود النظام من ممارسات لا أخلاقية بعلم وموافقة رؤسائهم -وبأمر من هؤلاء الرؤساء في كثير من الأحيان.
جريدة عنب بلدي لازالت تتلقى العديد من المراسلات بخصوص الموضوع ذاته بعضها إيجابي وبعضها سلبي، بعضها يتضمن نصحًا لتدارك سلبيات التحقيق، وبعضها -وللأسف- تضمن شتمًا وتهديدًا ووعيدًا للجريدة وفريقها. إلا أن ذلك لن يمنع الجريدة من متابعة طريقها والاستمرار بنهجها في سبيل البحث عن الحقيقة، والتوثيق لما يجري في المدينة من أحداث، والتوثيق لجرائم النظام التي يرتكبها بحق المدنيين والتي يجب علينا جميعًا العمل على توثيقها وتسجيل الشهادات المرتبطة بها وتقديمها للمنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لإدانة هذا النظام والحيلولة دون إفلاته من العقاب فيما لو امتنعنا عن القيام بذلك بحجة أننا نعيش في مجتمع محافظ لا يقبل طرح هذه المواضيع أو ذكرها أو تأكيد حدوثها أو تحت أي ذريعة أخرى.

إن «عنب بلدي» إذ تشكر كل من تقدم لها بالنصح والمشورة وتؤكد أنها ستأخذ بهذه النصائح وغيرها، كما أنها تؤكد في الوقت نفسه أنها ترحب بأية ملاحظات ونصائح تهدف إلى تصحيح أي خطأ قد تقع الجريدة فيه.
وهي في الوقت نفسه تتمنى ممن هاجمها أن يقرأ الفكرة التي يحارب، وأن يقلب المسألة على وجوهها قبل أن يتبنى رأيًا بالقبول أو بالرفض، وإذا ما قرر النقاش فليكن نقاشه علميًا موضوعيًا يهدف إلى الوصول إلى الحق والحقيقة.

والله الموفق




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة