بين وعود الترميم ونقص الرقابة.. آثار درعا ما زالت بين الركام

camera iconتخريب قلعة مزيريب في دريف درعا الغربي - تشرين الثاني 2020 (عنب بلدي حليم محمد)

tag icon ع ع ع

درعا – حليم محمد

في سماء بصرى الشام، بريف درعا الشرقي، راقب محمد الطائرة الحربية وهي تلقي حمولتها المتفجرة، لم يكن الخوف والقلق ما شعر به عند سماع هديرها الصاخب، لكنه “الحزن” على مصير سرير بنت الملك الأثري الذي كان ضحية استهدافها.

الضرر الذي تعرض له البناء جراء القصف والاستهداف المباشر، بعد 20 قرنًا على بنائه، لم يكن الخسارة الوحيدة للمحافظة الجنوبية، خلال سنوات الاستهداف والحصار، منذ عام 2011 وحتى 2018 حين تمكن النظام السوري من استعادة هيمنته على أراضيها.

الفوضى التي أعقبت السيطرة على المحافظة، نتيجة تصارع القوى الأمنية، التي تقاسمتها إيران وروسيا، تركت الآثار دون رقابة أو حماية بانتظار تنفيذ وعود الترميم.

تراث عالمي تحت القصف والنهب

في عاصمة المقاطعة الرومانية العربية، تنتشر الآثار والكنوز المعمارية في كل ركن، مر عليها 2500 عام على الأقل، وفق تقدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، التي صنفتها أحد مواقع “التراث العالمي” منذ عام 1980، وتنوعت قيمتها المعمارية والتاريخية والدينية بكنائسها وجوامعها القديمة، التي لم يسلم أي منها من القصف أو الحفر العشوائي واستخدام المتفجرات في البحث عن اللقى الأثرية ونهبها.

“قصدت” قوات النظام السوري قصف المعالم الأثرية، حسب شهادة محمد المقداد، ابن مدينة بصرى الشام، الذي قال لعنب بلدي، إن الطيران والمدفعية “استهدفا قلعة بصرى ومبرك الناقة وسور القلعة وسرير بنت الملك والجامع العمري… وفي عام 2018، استهدف النظام البرج الغربي من القلعة بالبراميل المتفجرة ما أدى إلى سقوط أحد الأبراج”.

الفصائل المسلحة أيضًا لم تحمِ الآثار كما يجب، فعلى الرغم من تصريحاتها السابقة بحماية المواقع الأثرية، تحول مقام النبي أيوب في بلدة الشيخ سعد بريف درعا الغربي إلى كومة رمال بعد تفجيره من قبل “حركة المثنى الإسلامية”، التي بايعت تنظيم “الدولة الإسلامية”، على اعتبار أن المقام “بدعة” ولا يجوز بناؤه وفق الشريعة الإسلامية.

برأي “أبو عمار”، أحد سكان البلدة، فإن رمزية المقام كانت أعلى من الخلافات العقدية، “يفتخر أهل درعا بوجود أنبياء الله في مناطقهم، ولأرض حوران تاريخ مهم أخفاه التعصب الديني ودمرته الحرب”، كما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى ركام المقام الذي لم يبقَ من معالمه شيء.

مديرة “يونسكو”، إيرينا بوكوفا، اعتبرت حماية الآثار من أساسيات السلام في سوريا، عند إدانتها القصف الذي تعرضت له مواقع التراث العالمي في المحافظة الجنوبية، في كانون الأول من عام 2015، مشيرة إلى المسرح الروماني بالقول، إنه “يمثل التنوع الغني لهوية الشعب السوري”، وطالبت جامعي التحف الفنية بمحاربة سرقة الآثار السورية، التي انتشرت حول العالم دون رقابة أو محاسبة.

حفر عشوائي بحثًا عن اللقى الأثرية

أكوام من الأحجار هو ما تبقى من قلعة “مزيريب” الأثرية، بريف درعا الغربي، يقف أمامها الرجل السبعيني “أبو محمود” ناظرًا بحزن وهو يتحدث لعنب بلدي عن تاريخها العثماني وأهميتها كاستراحة للحجيج.

موقعها الاستراتيجي مطل على البحيرة ومحاط بأشجار الكينا، جعل لها أهمية سياحية كانت تعود بالفائدة على سكان المنطقة، نتيجة العائدات التي تحملها زيارة السياح.

لكن أهميتها بالنسبة للسكان لم تمنع الباحثين عن الربح السريع من التنقيب العشوائي أملًا بالثراء من كنوزها. وقالت “أم أحمد”، من سكان بلدة مزيريب، إن الباحثين عن الآثار خربوا القلعة عن طريق إزالة أحجارها من مكانها وهدم بعض الجدران.

وحتى التلال الأثرية، التي يتركز معظمها في ريف درعا الغربي، تعرضت للتنقيب العشوائي، إضافة إلى ما خلّفته المعارك بين فصائل المعارضة وقوات النظام وتنظيم “الدولة”، فلم تسلم تلال “الأشعري” و”عشترة” و”السمن” و”أم حوران” و”حمد” و”الجموع الجابية” من التخريب الذي غير معالمها.

وحسبما قال “أبو محمود”، فإن أعمال التخريب تحصل في وضح النهار، إذ يأتي أشخاص يحملون أدوات الحفر ويعملون على مرأى من الأهالي.

“خنادق بطول عشرة أمتار حُفرت في تلة عشترة وتل السمن، استخدموا فيها الحفارات والعبوات الناسفة لتوفير جهد الحفر، بغض النظر عما يخلفه التفجير من دمار”، كما قال يوسف، الشاب الثلاثيني من أبناء ريف درعا الغربي، لعنب بلدي.

ورغم صرامة القانون السوري بالتعامل مع التنقيب والاتجار بالآثار، الذي تتراوح عقوبته بالسجن ما بين 15 وحتى 25 عامًا مع غرامة تصل إلى 500 ألف ليرة سورية، فإنها لم تشكل رادعًا لدى الباحثين عن اللقى الأثرية، لضعف القبضة الأمنية في درعا وعدم سيطرة قوات النظام الفعلية على المنطقة، وسبق ذلك عدم اكتراث المعارضة بأهمية حماية الآثار ومحاسبة المعتدين على مواقعها.

خطوات خجولة للترميم.. الجهود الفعلية شعبية

بعد سيطرة النظام في تموز 2018 على المنطقة، لم تعمل المديرية العامة للآثار على ترميم المواقع الأثرية بالشكل المطلوب، إذ جرت عمليات ترميم جزئية، وشملت مواقع محدودة في مدينة إنخل بريف درعا الشمالي وبلدة المتاعية بريف درعا الشرقي.

وفي تصريح لرئيس دائرة آثار درعا، محمد خير نصر الله، نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في تموز الماضي، قال إن أعمال الترميم جارية في ريف درعا الجنوبي الشرقي، بقيمة 35 مليون ليرة سورية.

ولكن السكان نفوا صحة التصريحات الحكومية، إذ وصفت “أم محمد” عمل مديرية الآثار بـ”البطيء”، وقالت إنه اقتصر على رص بعض الأحجار في الجزء الشمالي والغربي من قلعة “مزيريب”.

وسبق أن أعلنت دائرة آثار درعا، في تشرين الأول من عام 2019، أن أعمال الترميم في قلعة “مزيريب” ستختتم بثمانية أشهر، إلا أن ركام القلعة الحالي لا يدل على إمكانية انتهاء الترميم في وقت قريب.

سكان درعا البلد لم ينتظروا الجهود الحكومية لترميم الآثار، إذ شُكّلت لجنة محلية من عشائر درعا، وأطلقت حملة تبرعات أهلية لترميم المسجد “العمري”، الذي يعتبر من أهم الأماكن الأثرية والدينية في المحافظة.

وفي ظل غياب مديرية أوقاف درعا والمديرية العامة للآثار في المحافظة، أنجزت اللجنة الأهلية مرحلتين من أربع مقررة لترميم المسجد بشكل كامل، حسبما قال أحد أعضائها لعنب بلدي، طالبًا عدم الكشف عن اسمه، مشيرًا إلى بدء عمليات الترميم قبل ستة أشهر، دون أي تدخل مالي أو فني من قبل الجهات الحكومية.

وأضاف عضو اللجنة أن أهالي درعا يعتبرون المسجد رمزًا ثوريًا، ولم يقبلوا انتظار حكومة النظام، التي دمرت مئذنته عام 2013، ولاحقت المتظاهرين الذي خرجوا منه عام 2011 بالرصاص، وانتهى مؤخرًا ترميم قسمه الداخلي والغربي مع الاستمرار لإتمام إصلاحاته.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة