دينار “داعش” الذهبي.. حقيقة أم سراب؟

tag icon ع ع ع

محمد حسام حلمي

أظهر تسجيل لتنظيم «الدولة الإسلامية»، نهاية آب الفائت، بدء طباعة نقود ذهبية ومعدنية تمهيدًا لطرحها في التداول بين الناس، وتظهر لقطات التسجيل أيضًا عمليات بيع وشراء لبعض الأفراد بالدينار الذهبي في بعض المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.

فهل يعتبر إصدار هذه النقود استعراضًا اقتصاديًا لإضفاء مزيد من الشرعية على تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ وهو ما يراه تشارلي وينتر، الباحث في مؤسسة كويليام إيزيس، ويقول «إنه مجرد استعراض للقوة ومحاولة من داعش لجلب شرعية شعبية له مع اقتراب الذكرى الأولى لإعلان أبو بكر البغدادي الخلافة».

أم هل يمكن اعتبار إصداره إنجازًا اقتصاديًا سيحقق الاستقرار والازدهار ويهزم الدولار؟

رغم اتسام عصر التعامل بالنقود الذهبية بنوع من الاستقرار الاقتصادي على المستوى المحلي (استقرار المتغيرات الاقتصادية الكلية) وعلى المستوى الدولي (استقرار التجارة الدولية وثبات أسعار صرف العملات التي تتحدد بالوزن المعدني للعملة)، إلا أنه لا يخلو من العيوب والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في مدى فعاليته والتي تكاد تجعل من حلم «الدولة الإسلامية» بالعودة إلى نظام الذهب مسألة شبه مستحيلة، ومجرد سراب يحسبه الظمآن ماءً.

ويمكن تقسيم عيوب ومعوقات النظام المعدني إلى:

-1 معوقات اقتصادية تتمثل في صعوبة حمل ونقل النقود المعدنية، فضلًا عن فقدان الوزن الذي تتعرض له العملات المعدنية نتيجة تداولها بين أيدي الناس، بالإضافة للطابع الانكماشي للنشاط الاقتصادي بسبب ندرة الذهب، الذي لا يزيد ما تم إنتاجه عالميًا حتى الآن عن 140 ألف طن؛ ما يعني ارتباط النمو الاقتصادي الدولي بحجم الإنتاج الذهبي واكتشاف المزيد من الذهب.

-2 المعوقات السياسية وأهمها أنه لا يمكن أن تقوم دولة ما باتباع نظام الذهب بمفردها، ما لم تتبنى باقي دول العالم نفس النظام النقدي، عدا عن أن «داعش» عبارة عن تنظيم يسيطر على عدد من المناطق داخل سوريا والعراق وليس دولة معترف بها عالميًا.

ومن هنا سينتقل الصراع ضد التنظيم إلى مستوى جديد يتمثل في حرب عملات تهدف لاستنزاف الموارد المالية لـ «الدولة الإسلامية»، وستكون النتيجة حاجة «داعش» إلى كميات أكبر من الذهب تفوق حاجة التبادل التجاري لتغطية تسرب الدينار الذهبي نتيجة لصهره وتحويله إلى سلعة وتصديره لخارج مناطق سيطرة التنظيم.

يعني ذلك ازدياد التنظيم شراسة في البحث عن موارد مالية لشراء الذهب والفضة من الأسواق لصك العملة المعدنية.

وحسب دراسة علمية حديثة صدرت عام 2015 عن كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية من إعداد الدكتورة ريم تركماني، علي علي، وماري كالدور،  فقد جمع تنظيم «الدولة» عام 2014 مبلغًا يتراوح بين 20-45 مليون دولار من الفديات الناتجة عن عمليات الخطف التي ازدادت بعد الضغوط الدولية على المصادر الخارجية للتنظيم.

وجنى التنظيم أيضًا مبلغ 36 مليون دولار من عمليات بيع الآثار، ويضاف إلى ذلك عمليات بيع النفط التي ستتم بالذهب، بحسب تصريحات «داعش» في التسجيل.

هل الدينار الذهبي حاجة اقتصادية أم أنه فقاعة وسراب؟

إن إصدار النقود الذهبية والمعدنية كوسيلة لمحاربة الرأسمالية العالمية والإطاحة بالدولار كأحد الأهداف الاستراتيجية للتنظيم إلى جانب وعود الناس بالازدهار الاقتصادي والحياة الكريمة، لا يمكن أن يتحق في ضوء المعطيات الحالية وهو عبارة عن فقاعة ستتحول إلى سراب، فالعملة القوية كالدولار أو اليورو هي نتيجة طبيعية للتطورات الاقتصادية وتمثل اقتصادات عالمية قوية متمثلة بدول مستقرة ولها نفوذ سياسي فرض عملتها على العالم.

 

الدينار الذهبي محكوم عليه بالفشل من لحظة صدوره مع كل قطرة دم يهدرها تنظيم الدولة بغير وجه حق، رغم قيمته الذهبية، لأنه لا يستمد قوته من اقتصاد قوي قائم على أسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية وقبول الناس له وإنما ممول باقتصاد حرب مستغلًا ومستفيدًا من معاناة الناس.

دينار ودرهم وفلس..

أصدرت مؤسسة الحياة التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، السبت 29» آب، تسجيلًا ضخمًا بعنوان «شروق الخلافة وعودة الدينار الذهبي»، أعلنت خلاله صك العملة الجديدة، معتبرًا أنها «ستقضي على الدولار وتدمر اقتصاد الكفر العالمي».

وقال الإصدار إن «أمريكا زرعت إسرائيل وأنشأت نظامًا فاسدًا يدعى الرأسمالية، وغرست ورقة تسمى الدولار، وفرضتها على العالم»، مضيفًا «وبعد كل ما ارتكبوه من ظلم وطغيان، توقعوا أن يتركوا ليستمر شرّهم بلا رادع».

وأشاد الإصدار بهجمات الحادي عشر من أيلول، التي نفذها تنظيم القاعدة بهجوم طائرتين على برجي التجارة في نيويورك عام 2001

وبعد سياق تاريخي مطول عن تاريخ العملات وطرق بناء السياسات الاقتصادية في العالم، ومراحل تخلي الدول الأوروبية عن الذهب إلى العملة الورقية، أعلن عن البدء بتداول ثلاث أنواع من العملات، هي الدينار الذهبي، الدرهم الفضي، الفلس النحاسي.

وأضاف الفيلم، المسجل باللغة الإنكليزية والمترجم إلى العربية ولغات أخرى، أن «الدولة» لن تبيع النفط من الحقول التي تسيطر عليها في العراق والشام إلا بالعملة الجديدة.

وتحمل العملة الجديدة رسومًا لنخلٍ وسنابل ورمحٍ متوج بدرع، إضافة لخارطة العالم ورموزٍ دينية أخرى.

ويبلغ وزن الدينار الذهبي، 4.25 غرام ونقاوته 21 قيراطًا، ويقدر سعره بـ 139 دولارًا أمريكيًا، بينما يضاهي  الدرهم الفضي دولارًا واحدًا، أما كل 20 فيلسًا فتقارب 13 سنتًا.

وكان التنظيم أعلن عن عملته الجديدة نهاية العام الفائت، لكن صكها تأخر إلى نهاية آب، وسط جدلٍ فيما إذا كانت العملة ستتمكن بالفعل من تكبيد الدولار خسائر كبيرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة