برامج جبر الضرر كضرورة لاستعادة الممتلكات بعد سنوات النزاع السوري

tag icon ع ع ع

بسام الأحمد

في أعقاب النزاعات الداخلية أو فترات الحكم الاستبدادي، تكون البرامج التعويضية ضرورة لتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، إذ تحتل التعويضات مكانًا خاصًا بين تدابير الجبر، مع التأكيد على أهمية ربط برامج جبر الضرر ككل بتدابير العدالة الانتقالية الأخرى، مثل المحاكمات ولجان الحقيقة والمصالحة والإصلاح المؤسسي، وعلى عدم وجود نهج واحد لبرامج جبر الضرر، وعدم أخذه كتدبير وحيد منفصل عن بقية التدابير المذكورة.

يترتب على وقوع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، نشوء الحق في جبر الضرر، ومن تدابيره واسعة النطاق الإعادة إلى الوضع الأصلي، وهو ما يعني التدابير التي تعيد الضحية إلى وضعها قبل وقوع الانتهاك عليها، مثل عودة الشخص إلى مكان إقامته الأصلي واستعادة ممتلكاته.

ويسعى جبر الضرر بصورته العامة، إلى تحقيق الاعتراف بالأذى الذي تعرض له الضحايا، ومعالجة الانتهاكات المنظّمة التي جرت بحقهم، وعادة ما يرفق بتقديم اعتذار رسمي وأشكال مختلفة أخرى متسقة مع سياق كل نزاع أو دولة.

ويُقصد ببرامج جبر الضرر، بحسب الأمم المتحدة، أن تجبر جزئيًا الانتهاكات الممنهجة والجسيمة لحقوق الإنسان وليس الانتهاكات الفردية أو الاستثنائية، وفي هذا السياق يمكن النظر بعودة المهجرين السوريين على سبيل المثال إلى أماكن سكناهم الأصلية، واستعادة ممتلكاتهم المسلوبة تعسفًا من قبل جميع أطراف النزاع الداخلية، والجيوش الأجنبية في سوريا.

ويمكن حصر ضحايا الانتهاكات التي يجب جبرها، بالأشخاص الذين لحق بهم ضرر، أفرادًا كانوا أم جماعات، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان من التمتع بحقوقهم الأساسية، ويعتبر الشخص ضحية سواء تم التعرف إلى مرتكب الانتهاك الذي مورس بحقه أم لا.

لقد أصبح الأساس القانوني للحق في التعويض وجبر الضرر راسخًا بقوة في النصوص التفصيلية للأدوات الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إلى جانب مواد في القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي، كما صار هذا الحق في وقت لاحق مكرسًا في القانون العرفي الدولي، وبذلك بات مرسخًا في الأحكام والممارسة.

شروط لنجاح برامج جبر الضرر في سوريا

في الحالة السورية يمكن الاستعانة بمزيج مدروس من العناصر الأساسية المشكّلة لمفهوم العدالة الانتقالية، المتمثلة بالمحاكمات والتحقيق في الجرائم، وجبر الضرر وتعويض الضحايا، ولجان تقصّي الحقيقة، والإصلاح المؤسسي، مع مراعاة تجنّب صيغة الحل الوحيد لكل الحالات، واستيراد النماذج الأجنبية الجاهزة، إذ يمكن الاستفادة من دروس الماضي والتجارب الأخرى على سبيل الاهتداء، وليس محاولة تطبيق التجربة كما هي في بلد المنشأ.

ولضمان إنشاء برامج جبر الضرر قادرة على إدماج وتضمين الأشخاص الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الملكية في سوريا، خاصة في السنوات السابقة للانتفاضة السورية، يجب أن تتوفر لدى المسؤولين عن تصميم هذه البرامج خبرة واسعة بقضايا الملكيات وأنواعها في سوريا، ودراية عميقة حول أسباب وجذور المشكلات العقارية فيها، إلى جانب اطلاع كبير على الانتهاكات التي طالت حقوق المساكن والأراضي والممتلكات خاصة قبل العام 2011.

وسيكون من الأفضل إنشاء وتنفيذ برامج جبر الضرر وفقًا للسياقات المختلفة لكل منطقة داخل سوريا، رغم قدرتنا على التنبؤ بوجود مشاكل عابرة للجغرافيا السورية، خاصة تلك الانتهاكات التي حدثت بعد النزاع، ومن الممكن أن تنبثق تلك البرامج من لجان قائمة بذاتها، رغم وجود اتجاه نادى في تجارب دول عديدة بضرورة توجه “لجان الحقيقة” بتقديم توصيات تتعلق بقضية جبر الضرر.

التحديات التي تواجه عملية جبر الضرر

  • مدى توفر المعلومات: قد يتوفر قدر ضئيل من المعلومات الدقيقة حول الضحايا، كما قد يكون هناك نقص في المعلومات الأساسية، مثل عدد الضحايا، وحجم واتساع رقعة الانتهاك.
  • المشاركة: يجب مشاركة الجهود بين منظمات المجتمع المدني.
  • الإيمان بأهمية قضية جبر الضرر: قد يعزف عدد غير قليل من الأشخاص عن التعامل مع برامج جبر الضرر، نظرًا إلى كمية الإجراءات البيروقراطية المطلوبة فيها، مثل تعبئة الطلب ومعلومات الانتهاك، وتقديم الأدلة والمستندات، كما قد يكون السبب وجود الضحية خارج البلد، (كحالة اللاجئ غير المصرّح له بالعودة إلى بلده الأصلي).
  • إمكانية الوصول: لا يجب فرض وقت قصير لتسليم الأوراق، أو اشتراط أن يسجل المتضررون طلباتهم بشكل شخصي (إتاحة التسجيل من قبل الأقارب من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة…).

البوسنة كنموذج في معالجة قضايا حقوق الملكية

يمكن الاستفادة من تجربة البوسنة والهرسك، التي تُطرح كمثال جيد لكيفية معالجة قضايا حقوق الملكية المعقدة التي تنشأ بعد نزاع طويل، فقد منحت اتفاقية “دايتون” للسلام عام 1995، للاجئي البوسنة ونازحيها حق العودة إلى مناطقهم واستعادة ممتلكاتهم التي حُرموا منها جراء الحرب المشتعلة منذ عام 1991، إلى جانب تعويضهم عن أي ممتلكات لا يمكن استعادتها.

وفي عام 1999، تم وضع استراتيجية شاملة لإعادة الممتلكات لأصحابها، انتهى القسم الأكبر من تنفيذها مع نهاية عام 2006، وخلالها قُدّم أكثر من مئتي ألف طلب لاستعادة حقوق السكن والممتلكات والإيجار، تم قبول أكثر من 94% منها.

وتم تطبيق هذه الاستراتيجية عن طريق خطة تنفيذ قانون الملكية المشتركة بين الوكالات (PLIP)، بإشراف مكتب الممثل السامي، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقانون الإجراءات الجنائية. 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة