ابتزاز واعتقالات وفق اختصاصات الأفرع الأمنية في حلب

camera iconصورة للرئيس السوري بشار الأسد تعلو مبنى في حلب - 2020 (AP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلب

في الطريق إلى عمله بمدينة حلب، شمالي سوريا، منتصف تشرين الثاني 2020، توقفت سيارة أمام عبد الفتاح، ونزل منها عناصر مسلحون اقتادوه من سيارته واعتقلوه، دون أن يدري ما السبب.

يذكر الشاب سماعه حديث العناصر في السيارة عن تقاضي مبالغ للإفراج عن المعتقلين، كما قال لعنب بلدي، مردفًا أن الزنزانة الانفرادية المعتمة كانت بانتظاره خلال الأيام القليلة التالية، التي لم يحصل خلالها على لقمة واحدة.

يعتقل فرع “أمن الدولة” المطلوبين بتهمة “المساس بهيبة الدولة”، أو من شتموا “الرئيس” أو عبروا عن استيائهم من الأوضاع المعيشية، وغالبًا ما يستهدف المعارضين الذين أُفرج عنهم سابقًا، بعد دفعهم مبالغ كبيرة وتسوية أوضاعهم، أو المدنيين الذين يسكن أقرباؤهم في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة شمالًا.

بعد أيام لا يعرف عبد الفتاح عددها في الزنزانة المنفردة، اقتيد إلى غرفة جماعية كانت مخصصة للتحقيق، كما سمع وهو مغمض العينين، “سمعتُ صراخًا وضربًا وشتمًا لأحد المساجين الذين يتعرضون للتعذيب”.

الجملة التي وُجهت إلى الشاب كانت مصدر رعبه الخاص، “منذ متى وأنت تتواصل مع الإرهابيين بإدلب؟ الأرقام الموجودة بهاتفك لأشخاص موجودين بإدلب وكلهم يتعاونون مع الإرهابيين”، وجه المحقق الكلام لعبد الفتاح، قبل أن يبدأ بالضرب مباشرة.

لم تطل فترة التخويف، فبعد نقل المعتقل إلى غرفة أخرى، وعيناه ما زالتا معصوبتين، سمع صوتًا جديدًا يقول له، “ممكن أن تموت هنا، دون أن يعرف أحد مصيرك، لكن بإمكانك أن تدفع وتخرج بكل بساطة”، وأضاف المتحدث كما يذكر عبد الفتاح، “إن لم يكن بإمكانك أن تدفع بإمكانك أن تبقى ضيفنا لبضعة أيام، هذا إن بقيت على قيد الحياة ولم تمت تحت التعذيب”.

طلب عبد الفتاح من العناصر أن يتواصلوا مع والده للحصول على المال مقابل الإفراج عنه، قبل أن يدخل غرفته الجديدة، التي شاركه بها 76 معتقلًا آخرين.

تنوعت تهم نزلاء فرع “أمن الدولة”، من معتقلين بلا تهمة إلى من نسبت إليهم تهمة التعامل مع فصائل المعارضة في إدلب دون تقديم الدليل، جميعهم تعرضوا للتعذيب لانتزاع الاعترافات والإمضاء عليها، ومعهم موقوفون بتهمة التعامل بغير الليرة السورية وتحويل الأموال والصرافة، “جميعهم عرضوا عليهم الخروج مقابل دفع مبالغ كبيرة يصل بعضها إلى حوالي 100 مليون ليرة سورية” (35 ألف دولار حسب سعر الصرف في تلك الفترة)، كما قال عبد الفتاح.

في 22 من كانون الأول 2020، أُفرج عن عبد الفتاح، إثر دفع والده مبلغ 30 مليون ليرة سورية (أكثر من عشرة آلاف دولار) لعناصر في فرع “أمن الدولة”.

تمكن الأب من التفاوض مع العناصر، الذين طلبوا مبلغ 50 مليونًا في البداية، كما قال لعنب بلدي، “طلبتُ منهم إثباتًا على أن ابني على قيد الحياة، حتى جعلوه يتحدث إلي ويطلب مني تقديم المال”.

سلّم الأب المبلغ فجرًا قرب “الأكاديمية العسكرية”، حيث وقفت سيارة سوداء “مفيمة” عليها صورة بشار الأسد، وفيها عناصر ملثمون، “طلبوا مني الذهاب إلى البيت ووعدوني بإطلاق سراح ابني، وبعد نحو خمس ساعات أُفرج عنه”، كما قال “أبو عبد الفتاح” لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن العناصر هددوا ابنه في حال تحدث عما جرى معه.

اعتقال للتجنيد في “المخابرات الجوية”

يسعى فرع “المخابرات الجوية” لاستقطاب الشباب لصفوفه، بالتجنيد الإجباري، من خلال تنفيذ اعتقالات تنتهي بقبول المعتقلين إما الانضمام إلى صفوفه وإما دفع مبالغ للإفراج عنهم.

ويبتعد عامة الشباب في مدينة حلب عن الانخراط في صفوف الأفرع الأمنية، خشية أن يصبحوا عرضة للاستهداف، أو أن يطردهم ذووهم الذين يفضلون البقاء مدنيين لا تربطهم علاقة مع النظام.

اُعتقل محمود وهو ذاهب لشراء الطعام في حي الشعار بداية تشرين الأول 2020، ومع إنهائه الخدمة الإلزامية والاحتياطية، كان الاعتقال “مفاجأة” له، كما قال لعنب بلدي.

نُقل الشاب إلى فرع “المخابرات الجوية” مع تسعة آخرين اعتقلهم العناصر وجمعوهم بالسيارة، وبعد وصوله أجبروه على خلع ملابسه بالكامل للتفتيش، ثم وضعوه في زنزانة انفرادية مدة ساعات، وقال، “سمعتُ صوت باب الزنزانة وهو يفتح، وضعوا عصبة على عينيّ واقتادوني إلى غرفة أخرى، وبقيتُ مغمض العينين وأنا واقف لمدة طويلة حتى وقعت على الأرض بسبب الجوع والعطش”.

استفاق محمود وهو يشعر بقطرات الماء التي رُشت على وجهه بعد مدة لا يعلمها، “أعطوني رغيف خبز يابس وحبة بطاطا لم تكن مسلوقة بشكل جيد، وخلال تناولها فُتح باب الزنزانة وقيدوني وأخذوني إلى غرفة تحقيق”.

وهنا بدأت الأسئلة، ”لمَ لم تنضم لنا منذ أن تسرحت، ولمَ تلوم الجهات المختصة على الوضع الحالي حين تكلم الآخرين، لمَ ميولك تجاه الإرهابيين أقوى…”.

محمود، الذي عمل بالخياطة بعد انتهاء خدمته الإلزامية، تمالك نفسه وسأل “لمن أنضم؟”، وكان الجواب بالضرب والتهديد بالتصفية في حال تكرار السؤال.

أربعة أيام استفاق بعدها محمود من الإغماء نتيجة التعذيب، كما قال له بقية المعتقلين في الزنزانة، وبعد عدة أيام نادى عليه المحققون من جديد ليعرضوا عليه الخيار، “إما أن تعمل معنا وإما، إذا أردت الخروج، عليك التواصل مع عائلتك لتأمين مبلغ 15 مليونًا للإفراج عنك”، وهو ما تم خلال أيام ثلاثة.

“الأمن السياسي” وابتزاز الكازيات

يستهدف فرع “الأمن السياسي” أصحاب الكازيات والعمال، للحصول على المال والمحروقات، وهو ما تعرض له فراس، كما قال لعنب بلدي.

عند نهاية دوام العامل في الكازية، في 20 من كانون الأول 2020، اُعتقل الشاب واقتيد إلى الفرع الذي تعرض فيه للتفتيش والسلب، بعد إيجاد مبلغ 356 ألف ليرة (130 دولارًا)، وقُدم له الخيار مباشرة، “دفع مليوني ليرة مقابل الإفراج”.

وعد فراس العناصر تأمين المبلغ وتسليمهم إياه في الصباح، وهو ما جرى بعد الإفراج المباشر عنه، “سلمتهم المبلغ وذهبتُ إلى عملي، وفي حال عدم قيامي بذلك كانوا سيعتقلونني ولن يكتفوا بالمبلغ الذي أخذوه مني”.

ويحصل عناصر “الأمن السياسي” على البنزين والمازوت لسياراتهم دون دفع ثمنهما، كما قال عامل الكازية، متجاوزين السائقين المنتظرين في دورهم لساعات لتعبئة سياراتهم بـ20 ليترًا كل يومين.

مكاتب الصرافة وتحويل الأموال من أكثر المستهدفين

تتناوب الأفرع الأمنية على اعتقال أصحاب مكاتب الصرافة وتحويل الأموال، بهدف ابتزازهم، وقال عصام، أحد العاملين في مكاتب الصرافة، لعنب بلدي، إن الأفرع تعتبر العاملين “سلعة غالية”، مشيرًا إلى تعرضهم للاعتقال المتكرر.

وأضاف عاصم، “تعرضتُ للاعتقال أكثر من مرة بشكل متقطع”، من البقاء أسبوعين بفرع “الأمن السياسي”، في أيار 2020، ودفع 17 مليونًا للخروج، إلى الاعتقال على يد فرع “الأمن العسكري”، في أيلول 2020، الذي طلب 100 مليون ليرة، وقبل بمبلغ 70 مليونًا بعد شهرين.

وتتقاسم الأفرع الأمنية السيطرة على مدينة حلب، مع تسلّم فرع “أمن الدولة” القسم الغربي، وفرع “المخابرات الجوية” القسم الشرقي، و”الأمن العسكري” القسم الجنوبي، و”الأمن السياسي” قسمها الشمالي.

وحسب أحدث إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن أكثر من 148 ألف شخص معتقلون على يد القوى المسيطرة في سوريا، منذ آذار عام 2011 حتى آب عام 2020، أكثر من 88% منهم معتقلون لدى قوات النظام السوري.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة