يسبب تسرع أجهزة الجسم المختلفة.. فرط نشاط الغدة الدرقية

فرط نشاط الغدة الدرقية
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

قد تصاب الغدة الدرقية بالعديد من الاضطرابات، وتؤدي تلك الاضطرابات إلى قصور في عملها أو فرط نشاط، ومع أننا نسمع أكثر عن القصور لأنه أشيَع من فرط النشاط، إلا أن فرط نشاط الغدة الدرقية يسبب أعراضًا مزعجة، وقد تنتج عنه مضاعفات خطيرة، تشمل القلب والعين والعظام، لذلك لا بد من التعريف بهذا الاضطراب وأعراضه وأهم أسبابه وطرق علاجه.

ما المقصود بفرط نشاط الغدة الدرقية

تقع الغدة الدرقية (Thyroid gland)، التي تسمى بالدرق، في مقدمة الرقبة أسفل الحنجرة، وتحيط بالقصبة الهوائية من الأمام، على شكل جناحي فراشة، وهي غدة صغيرة صماء (ليس لها قناة وإنما تفرز هرموناتها إلى الدم مباشرة)، خفيفة الوزن، تقوم بإفراز هرمونين هما الثيروكسين (T4) وثلاثي يودوثيرونين (T3)، وهذان الهرمونان يفرزان تحت إشراف مباشر من الغدة النخامية عن طريق إفرازها الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH)، وهرمونات الغدة الدرقية أساسية وحيوية في جسم الإنسان، فهي المسؤولة عن وظيفة التمثيل الغذائي في الجسم أو ما يسمى بالاستقلاب (Metabolism)، وبالتالي فهي تتحكم في سرعة جميع العمليات الحيوية في الجسم.

ويقصد بفرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism) فرط نشاط نسيج الغدة، ما يسبب الإفراط في إنتاج هرمون التيروكسين (T4)، وهو ما يحفز الاستقلاب بشكل زائد، ويزيد من حدة تأثير الجهاز العصبي الذاتي، ما يسبب تسرع أجهزة الجسم المختلفة.

ويزداد خطر الإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية عند وجود قصة عائلية للإصابة، وعند الإناث، وعند وجود أمراض مزمنة معيّنة، مثل مرض السكري من النمط الأول وفقر الدم الخبيث وقصور الكظر الأولي.

وقد يؤدي فرط نشاط الدرق إلى الانسمام الدرقي (Thyrotoxicosis)، وهو حالة مرضية تسببها زيادة هرمونات الغدة الدرقية في الدم، ومن المهم أن ننتبه إلى أن فرط نشاط الغدة الدرقية والانسمام الدرقي ليسا مترادفين، فقد يحدث الانسمام الدرقي أيضًا نتيجة تناول هرمون الغدة الدرقية من خارج الجسم أو بسبب التهاب الغدة الدرقية، ما يؤدي إلى إفراز مخزونها من الهرمونات.

وقد تحدث بشكل نادر العاصفة الدرقية (Thyroid storm) أو عاصفة الانسمام الدرقي (Thyrotoxic storm)، وهي عبارة عن زيادة مفرطة ومفاجئة في شدة الأعراض، قد تنتهي بالموت، وهي أحد المضاعفات النادرة لكن الشديدة لفرط نشاط الغدة الدرقية، التي قد تحدث لمريض فرط نشاط الغدة الدرقية عندما يصاب بمرض آخر شديد أو يتعرض لضغط جسدي شديد.

ما أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية؟

  • داء غريفز (Graves’ disease): وهو مرض مناعي ذاتي يتميز بتحفيز الأجسام المضادة التي ينتجها الجهاز المناعي للغدة الدرقية لتنتج كمية كبيرة من هرمون “T4″، وهو أكثر أسباب فرط نشاط الدرق شيوعًا في جميع أنحاء العالم، إذ يشكل 50- 80% من الحالات، رغم أن هذه النسبة تختلف بشكل كبير من بلد لآخر، ويعتقد أن هذا الاختلاف بسبب اختلاف كمية اليود في النظام الغذائي بالدول المختلفة.
  • فرط نشاط العُقيدة الدرقية، أو الورم الحميد السمي للغدة الدرقية، أو تضخم الغدة الدرقية السام متعدد العقد، أو داء بلامر (Plummer’s disease): يحدث هذا النوع من فرط إفراز الغدة الدرقية عندما ينتج واحد أو أكثر من أورام الغدة الدرقية كمية كبيرة من هرمون “T4″، والورم الغدي هو جزء من الغدة أحاط نفسه وعزلها عن بقية الغدة مكونًا كتلًا غير سرطانية (حميدة) قد تسبب تضخم الغدة الدرقية.
  • التهاب الغدة الدرقية: هناك عدة أنواع مختلفة من التهاب الغدة الدرقية بما في ذلك التهاب هاشيموتو (التهاب بوساطة الخلايا المناعية)، والتهاب الغدة الدرقية تحت الحاد (DeQuervain ‘s)، قد تسبب هذه الأنواع في البداية زيادة إفراز هرمون الغدة الدرقية، ولكن تطور الحالة عادة يؤدي إلى خلل في الغدة، وبالتالي، إلى نقص إفراز هرمون الغدة الدرقية.
  • فرط نشاط الغدة الدرقية بعد الولادة: يحدث في حوالي 7% من النساء خلال عام بعد الولادة، وعادة يمر المرض بعدة مراحل، المرحلة الأولى منها هي فرط نشاط الغدة، وهذا الشكل من فرط نشاط الغدة عادة ما يقوم بتصحيح نفسه في غضون أسابيع أو شهور دون الحاجة إلى تلقي العلاج.

ما أعراض وعلامات فرط نشاط الغدة الدرقية؟

من أهم الأعراض والعلامات السريرية فقدان الوزن (وغالبًا ما ترافقه زيادة الشهية للطعام)، والخفقان، ورعاش باليدين، والقلق، وعدم تحمل الحرارة، وفقدان الشعر، وآلام العضلات والضعف والتعب، وفرط النشاط، والتهيج، ونقص السكر في الدم، واللامبالاة، وزيادة البول، وزيادة العطش، وهذيان، وتكون طبقة مخاطية تحت الجلد أمام عظمة الساق (الوذمة المخاطية أمام الطنبوب)، والتعرق، وبالنسبة للمرأة قد يقل تدفق الطمث، وفترات الطمث في كثير من الأحيان تكون أقل من العادة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المرضى قد يعانون من مجموعة متنوعة من الأعراض، مثل عدم انتظام ضربات القلب (وخاصة الرجفان الأذيني)، وضيق في التنفس، وفقدان الرغبة الجنسية، والغثيان، والتقيؤ، والإسهال، ومشاكل عينية تشمل تراجع الجفن أو ما يعرف بالتحديق (تتراجع الأجفان إلى أعلى أكثر من الوضع العادي) وضعف عضلات العين الخارجية (ما يؤدي إلى الرؤية المزدوجة)، وتلكؤ الجفن (عندما يتتبع المريض بنظره جسمًا يتحرك للأسفل، يفشل الجفن في متابعة تحرك القزحية للأسفل، ويحدث بشكل مؤقت نفس النوع من انكشاف الجزء العلوي من العين الذي يحدث مع تراجع الجفن).

استمرار فرط نشاط الغدة الدرقية لفترة طويلة دون علاج يمكن أن يؤدي إلى ترقق العظام.

ويشمل داء غريفز، بالإضافة إلى الأعراض المذكورة سابقًا، الأعراض التالية أيضًا:

  • جحوظ في العين (بروز لكرة العين إلى الأمام نتيجة تضخم العضلات الموجودة خلف العين في الحجاج) الذي يحدث على وجه التحديد وبشكل فريد في فرط نشاط الغدة الدرقية الناجم عن داء غريفز، فعندما يوجد الجحوظ مع فرط نشاط الغدة الدرقية يكون علامة مؤكدة لتشخيص داء غريفز، علمًا أن إحدى أو كلتا العينين قد تبرز للأمام.
  • شعور بألم شديد وضغط في العينين.
  • حساسية عالية للضوء.
  • ضعف وحتى فقدان الرؤية.
  • تضخم الغدة الدرقية (سلعة درقية).
  • في حالات نادرة، يظهر داء غريفز الجلدي في المصابين بداء غريفز، ما يؤثر على الجلد متسببًا في الاحمرار والتورم حتى على الساقين والقدمين.

أما عاصفة الغدة الدرقية فيمكن أن تشمل أعراضها: زيادة في درجة حرارة الجسم لأكثر من 40 درجة مئوية، وزيادة سرعة ضربات القلب، واضطراب ضربات القلب، والتقيؤ، والإسهال، والجفاف، والغيبوبة والموت.

كيف يشخَّص فرط نشاط الغدة الدرقية؟

عادة ما يشتبه الطبيب بفرط نشاط الغدة الدرقية عن طريق الأعراض والعلامات السريرية، ويتم تأكيد التشخيص عبر اختبارات الدم التي تقيس هرمون الثايروكسين الحر (f T4) والهرمون المستحث للغدة الدرقية (TSH)، حيث يشير انعدام أو انخفاض نسب “TSH” مع النسب الكبيرة من “f T4” إلى وجود فرط نشاط في الغدة الدرقية.

نادرًا ما يشير انخفاض نسبة “TSH” إلى فشل رئيس في الغدة النخامية، أو تثبيط مؤقت لها بسبب مرض آخر (متلازمة مرضى الغدة الدرقية السليمة)، ولذلك فإن قياس نسبة هرمون “f T4” مطلوب من الناحية السريرية.

إذا أشارت نتائج فحص الدم إلى وجود فرط نشاط في الغدة الدرقية، فيتم إجراء أحد الاختبارات التالية للمساعدة في تحديد سبب فرط نشاط الغدة الدرقية:

  • اختبار امتصاص اليود المشع: يفيد في تمييز فرط نشاط الغدة عن التهاب الغدة الدرقية، وفيه يتناول المريض جرعة صغيرة من اليود المشع عن طريق الفم على معدة فارغة، لمعرفة كمية اليود التي ستمتصها الغدة الدرقية، ثم يتم الفحص لاحقًا بعد أربع أو ست أو 24 ساعة، وأحيانًا بعد كل الفترات الثلاث، بواسطة جهاز قياس له قضيب معدني يوضع على العنق ويقيس النشاط الإشعاعي الذي ينبعث من الغدة الدرقية ويتم حساب نسبة الامتصاص بواسطة برنامج الجهاز.

يشير امتصاص الغدة الدرقية للكثير من اليود المشع إلى أن الغدة الدرقية تفرز الكثير من الثايروكسين، والسبب الأرجح هو إما داء غريفز، وإما عقيدات الغدة الدرقية المفرطة النشاط.

أما إذا كان هناك فرط في نشاط الغدة الدرقية وانخفاض في مستوى امتصاص اليود المشع، فهذا يشير إلى أن هرمون الغدة الدرقية المخزنة في الغدة يتسرب إلى مجرى الدم، ما قد يعني أن المشكلة هي التهاب الغدة الدرقية.

  • التصوير الومضاني للغدة الدرقية: أيضًا يفيد في تمييز فرط نشاط الغدة عن التهاب الغدة الدرقية، وينطوي هذا الإجراء عادة على اثنين من الفحوص، اختبار امتصاص اليود ومسح (تصوير) بكاميرا جاما.

وخلال هذا الاختبار، يتم حقن اليود المشع عن طريق الوريد ثم يتم قياس نسبة امتصاص اليود في الغدة الدرقية، ثم يتم تصوير الغدة المشبعة بكاميرا خاصة تبين كيف يتجمع اليود في الغدة الدرقية.

  • التصوير بالموجات فوق الصوتية (الإيكو) للغدة الدرقية: يستخدم هذا الاختبار الموجات الصوتية العالية التردد لإنتاج صور للغدة الدرقية، وقد يكون “الإيكو” هو الفحص الأفضل في الكشف عن عقيدات الغدة الدرقية، لأنه الاختيار الذي لا يشمل أي تعرض للإشعاع.

كيف يعالَج فرط نشاط الغدة الدرقية؟

اليود المُشِع: يتم تناول اليود المشع عن طريق الفم (إما عن طريق حبوب وإما سائل)، وتمتصه الغدة الدرقية، ما يتسبب في تقليص حجم الغدة.

غالبًا ما تخمد الأعراض في غضون عدة شهور، وتختفي الزيادة من اليود المشع من الجسم خلال أسابيع إلى شهور، ولكن قد يؤدي هذا العلاج إلى إبطاء نشاط الغدة الدرقية بالقدر الكافي أو تقليله بشدة أو تدميره بالكامل مسببًا قصورًا في نشاط الغدة الدرقية (قصور الدرقية)، وقد تحتاج في نهاية الأمر إلى تناول دواء ليفوثيروكسين يوميًا لتعويض الثايروكسين.

والميزة الرئيسة لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية باليود المشع هو أنه يميل إلى أن يكون لديه معدل نجاح أعلى بكثير من الأدوية.

الأدوية المُضادة للدرقية: مثل ميثيمازول، وكاربيمازول، وبروبيل ثيوراسيل، وهي أدوية تمنع الغدة الدرقية من إنتاج كميات مفرطة من الهرمونات، وغالبًا ما تبدأ الأعراض بالتحسن في غضون عدة أسابيع إلى عدة أشهر.

والجرعة عادة ما تحتاج إلى أن تكون معايرة بعناية على مدى أشهر، مع زيارات منتظمة للطبيب واختبارات الدم لرصد النتائج، وتكون الجرعة عالية جدًا في بداية العلاج ثم تخفض، ويستمر العلاج على الأقل لمدة عام أو أكثر في معظم الأحيان.

وفي بعض الأحيان يتم استخدام أسلوب “اقفل ثم عوض”، وفي هذا الأسلوب العلاجي تؤخذ العلاجات المثبطة للغدة بكميات كافية لمنع إنتاج هرمونات الغدة الدرقية تمامًا، ثم يعالج المريض كما لو كان لديه قصور درقي تام (بمكملات تعويضية من هرمونات الغدة الدرقية).

حاصرات بيتا: رغم شيوع استخدام هذه الأدوية لعلاج ضغط الدم المرتفع وعدم تأثيرها على مستويات هرمونات الغدة الدرقية، فإنه بإمكانها تخفيف أعراض فرط الدرقية، مثل الرعاش، وتسرع ضربات القلب وخفقانه، والقلق. وفي كثير من الأحيان يؤدي إعطاؤها للمريض إلى  الحصول على راحة مؤقتة فورية.

الجراحة (استئصال الغدة الدرقية كلها أو جزء منها):  لا يستخدم على نطاق واسع لأن أكثر أشكال فرط نشاط الغدة شيوعًا يعالَج بشكل فعال بواسطة اليود المشع، كما أن المريض سيحتاج إلى أخذ دواء ليفوثيروكسين مدى الحياة، ولكن إذا كان المريض امرأة حاملًا، أو غير قادر على تحمل العقاقير المضادة للغدة الدرقية ولا يريد تناولها، أو لا يستطيع الخضوع لعلاج اليود المشع، فقد يصبح مرشّحًا للخضوع لعملية الغدة الدرقية.

وبالنسبة لعلاج العاصفة الدرقية، فهي تعالج بكثافة بوسائل الإنعاش جنبًا إلى جنب مع مجموعة من طرق العلاج المذكورة أعلاه بما في ذلك حاصرات بيتا في الوريد تليها الأدوية المضادة للدرقية، واليود المشع  أو محلول اليود إذا كان العامل المشع غير متاح، والستيروئيدات عن طريق الحقن مثل الهيدروكورتيزون.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة