"الجيران" يعيد تقديم رواية دفنتها السلطة

يهود القامشلي.. شهود على فتنة “البعث” في هدم النسيج السوري

camera iconمشهد للممثل السوري جهاد عبده في فيلم "الجيران" (جهاد عبده)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – زينب مصري

بصورته مرتديًا “الكيباه” اليهودية وبعبارة “أنا ناحوم”، يشارك الفنان السوري جهاد عبده تفاصيل دوره في فيلم “الجيران”، الذي رُشح قبل أيام لجائزة السينما الوطنية السويسرية “جائزة سولور 2021”.

وعبّر الفنان جهاد عبده عبر معرفاته الشخصية على الإنترنت عن مدى تأثره بقصة “العم ناحوم” اليهودي السوري الذي كان جُل ما أراده حياة كريمة لأسرته ومن عاش بجوارهم، بالإضافة إلى “ما عانته الجالية اليهودية بعد عام 1948، خاصة تحت حكم حزب (البعث)”.

شيرو الكردي وجاره اليهودي

يجسد جهاد في “الجيران” شخصية رجل سوري يهودي مقيم في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، ولديه دكان صغير يُرزق منه ويحظى بحب واحترام كل أهالي البلدة.

ويروي الفيلم قصة شيرو، وهو فتى كردي في السابعة من عمره ترعرع في قرية على الحدود السورية- التركية في ثمانينيات القرن الماضي، عالمه الصغير هو عالم قريته “الوديع” التي تضم جيرانه من كل الأعراق والأديان والطوائف.

وتختصر قصة شيرو حكاية كل طفل سوري حُرم من كل شيء وحلم بمستقبل أفضل، بحسب ما قاله الفنان جهاد عبدو في حديث إلى عنب بلدي.

ينتظر الطفل اليوم الأول من المدرسة، ومجيء المعلم الذي سيفتح باب العالم الكبير، بعلمه وأدبه وفنه والممكن الذي ترنو له كل طفولة، ولكن المعلم القادم من العاصمة لديه مشاريع أخرى، ويحمل أفكارًا أخرى، ولديه طريقته الخاصة بتحريض الناس على بعضها.

يكتشف الطفل في مدرسته “المزرية” أن ما جاء به المعلم “البعثي” سراب أساسه الفتنة والحقد،  فيفجع بما اكتشف، ويصبح شاهدًا يروي بحرقة قلب قصة 50 سنة كانت سببًا في “الكارثة” التي أوصلت بلدًا كان يتظلل العربي والكردي واليهودي والمسيحي في ظله، إلى ما هو عليه الآن، بحسب جهاد عبده.

وأضاف جهاد أن الفيلم يضم باقة “مميزة” من الممثلين العرب والكرد على مختلف خلفياتهم الدينية والعرقية ليمثلوا شخصيات من فسيفساء النسيج السوري، “الذي لطالما سمعنا عنه لكننا لم نره بعد”.

الأعمال العربية تجاهلت اليهود

وقال جهاد عبده لعنب بلدي، إن الأعمال العربية لم تتحدث عن اليهود العرب سواء في سوريا أو العراق أو فلسطين المحتلة، و”كم الظلم” الذي لحق بهم كبقية فئات المجتمع الأخرى وخاصة بعد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يجب أن يعرفه الجمهور لكي لا تصل الصورة مشوهة.

وأضاف، “أعلم أنني سأتعرض لبعض النقد، لكنني أتحلى ببعض الجرأة، وهذا ما يتطلبه أي فنان أو كاتب لنشر الوعي وليس التسلية فقط، كما أني أعلم تمامًا أن ليس كل يهودي هو صهيونيًا بالضرورة، وهذا ما نحاول أن نقوله للعالم الآن، إن ليس كل مسلم إرهابيًا كما يُبث في عقول الناس مؤخرًا، إنما هو طبيب ومهندس وعالم وبائع وسائق وفنان وإنسان كغيره تمامًا، فالدين يجب ألا يفرق بين الناس”.

ويعتقد الفنان أن الأعمال العربية مجحفة بحق الأقليات، لأنها في النهاية تخضع لعصا الرقابة التي تختلف من بلد لآخر، كما يجب الفهم أن الدين لا يمثل السياسيين الذين “يستعملوه لنشر الفتنة، فكل الأديان بريئة”، ويجب على الجمهور أن يفكر في كل ما يقدم له من معلومات، وأن تكون حافزًا له للبحث وإعادة النظر فيما لُقنه.

وبدأ الاعتراف بوجود كيان لليهود في المجتمع السوري عام 1932، وتوزع الكيان على ثلاث مدن، هي دمشق وحلب والقامشلي.

وبعد استقلال سوريا عن فرنسا، حظرت الحكومة السورية الجديدة هجرة اليهود إلى فلسطين، وفرضت قيودًا شديدة على تعليم اللغة العبرية في المدارس اليهودية، وتصاعدت الاعتداءات على اليهود، ودُعي إلى مقاطعة أعمالهم.

وواجه المجتمع اليهودي في عدة مدن سورية مظاهر معادية لليهود بُعيد الهزيمة في حرب فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، إذ جابت مظاهرات شعبية الشوارع السورية عُرفت بـ”احتجاجات سوريا 1948″، وهتفت ضد الرئيس السوري السابق، شكري القوتلي، ما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد.

ويوجد أكبر تجمع لليهود السوريين في بروكلين مع تجمعات في مناطق أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية، والأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت قد توسعت اعتبارًا من عام 1992، بعد إلغاء الحظر على مغادرة اليهود من سوريا عقب مؤتمر “مدريد” للسلام.

حياة اليهود في القامشلي

في بداية القرن الـ20، ومع السيطرة الفرنسية على الجزيرة، هاجرت نحو 150 أسرة يهودية من بلدة نصيبين إلى مدينة القامشلي إحدى البلدات التي شرعت فرنسا بإنشائها في منطقة الجزيرة، بحسب تقرير للباحث بالتاريخ الاجتماعي والسياسي مهند الكاطع، يتحدث فيه عن اليهود في الجزيرة السورية.

ومع وصول القوافل الأولى للمهاجرين الأرمن واليهود إلى المدينة الحديثة، أُسست الحوانيت الأولى “المؤقتة” على يد تجار اليهود والأرمن، باستخدام مواد بسيطة من الطين وبعض الصفائح كأغطية.

لكنها لم تصمد أمام أمطار تلك السنة، قبل أن يعاد تأسيسها ببناء أقوى في السنة التالية، لتنطلق المدينة الوليدة بأسواق للحرفيين وبائعي الصوف الأرمن، والتجار وأصحاب البضائع اليهود، وبعض السريان الزراعيين الذي سيشكلون لاحقًا أغلبية سكانية في المدينة.

وقال التقرير، إن حركة الأسواق والإعمار بدأت وفُتحت المقاهي، وبدأت المدينة بعدد سكان نحو 2000 نسمة بداية عام 1927، قبل أن يصبح عدد السكان في نهاية العام نفسه 12 ألف نسمة.

وبحسب ما نقله الباحث عن تقرير لرئيس الهيئة الإسرائيلية العالمية أعده حين زار مدينة القامشلي عام 1934، كان الحاخام موشيه ناحوم عبد الله الملقب بـ”خادم الرب” أول يهودي هاجر إلى مدينة القامشلي واستطاع شراء بعض الأراضي فيها، ليلحق به اليهود الآخرون، ويبنون المحال التجارية على الضفة الغربية لنهر “جغجغ”، في المنطقة التي تتوسط السوق والتي باتت تعرف بـ”الحي اليهودي”.

وكان الشارع يعرف حينها بـ”الشارع اليهودي الكبير”، ولا يزال حتى الآن يعرف بـ”سوق اليهود”.

و”جغجغ” أو “جقجق” هو نهر يبلغ طوله 124 كيلومترًا، يسير داخل الأراضي السورية في مدن القامشلي والقحطانية في المنطقة الشمالية الشرقية، وينبع من منبعين اثنين في هضبة طور عابدين في تركيا، ويسير داخل منطقة الجزيرة حيث يندمج مع نهر “الخابور” ويصب في نهر “الخابور” وسط مدينة الحسكة.

وكانت معظم المحال لبيع الأقمشة، وكانت السوق مزدحمة بعشائر المنطقة طوال العام، وجميع السكان في البلدة يرتدون الأزياء البدوية، بمن فيهم اليهود.

ووجد اليهود، الذين كانوا أغنى من جميع سكان البلدة، فضاء للتعايش بعيدًا عن العصبيات في القامشلي، وتمتعوا بعلاقات ممتازة مع عشائر المنطقة العربية، بحسب التقرير، كما كانوا قادرين على التنقل بحرية وممارسة تجارتهم مع البدو في كل المناطق، لكنهم بدؤوا يعانون من “تعصب المسيحيين والكرد” القادمين من تركيا.

ورغم أن الهجرة اليهودية من نصيبين إلى القامشلي كانت بأعداد قليلة جدًا، مثلت عنصرًا حضريًا واقتصاديًا وتجاريًا مهمًا في المنطقة.

وقال التقرير، إن إحصائيات فرنسية جرت عام 1943، تبين أن عدد اليهود في القامشلي بلغ 1319 نسمة، في حين كانت أعدادهم في الحسكة لا تتجاوز 43 نسمة، و76 نسمة فقط في قضاء دجلة.

وفي عام 1970، كانت أعداد اليهود في سوريا بالكاد تصل إلى 4574 نسمة، بينهم 2894 شخصًا في دمشق، و1266 نسمة في حلب، و414 شخصًا في مدينة القامشلي بمنطقة الجزيرة السورية.

وأضاف أن معظم اليهود هاجروا من القامشلي وريفها للاستيطان في فلسطين المحتلة أو إلى دول أخرى، ولم يبقَ اليوم سوى شخص واحد قائم على أملاكهم، وأُجّرت العديد من ممتلكاتهم ومحالهم لذوي النفوذ بثمن بخس يودع في المصرف التجاري.

“سوق عزرا”

وتُعرف مدينة القامشلي إلى اليوم بـ”سوق عزرا” أو “سوق اليهود”، ويعد حانوت “عزرا” من أهم المعالم التي تميز المدينة، وهو حانوت بناه مهاجر إلى المدينة اسمه عزرا من نصيبين.

وذكر تقرير الباحث مهند الكاطع أن عزرا أول من افتتح محلًا في البلدة الناشئة، لذلك سُميت السوق باسمه، وباع الأخشاب والحبال والسمن، قبل أن يتطور إلى بيع التوابل وكل ما له علاقة بالطب البديل.

وبقي عزرا يعمل في حانوته حتى وفاته، ثم تسلم الحانوت بعده ابنه ناحوم، ثم بعد ذلك حفيده ألبير الذي هاجر أخيرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يُشاع أنه هاجر من هناك إلى تل أبيب في نهاية الثمانينيات.

آخر اليهود في المدينة

بينما لم تؤكد أي دراسات أو تقارير إعلامية ما إن كان قد بقي أحد من الأقلية اليهودية في منطقة الجريزة السورية بعد التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وثق تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية نُشر عام 2006، وجود آخر ثلاثة سوريين من الأقلية في مدينة القامشلي.

وكان مُعد التقرير ساشا تروي التقى خلال زيارة بحثية للقامشلي بالسوري اليهودي ديفيد بنشاس آخر من تبقى من اليهود في المدينة مع زوجته سمحا وابنه موسى، الذي تمكن من الوصول إليه عن طريق أحد أقاربه المهاجرين إلى إسرائيل عام 1994، خلال دراسته الجامعية.

التقى ساشا بديفيد الرجل المسن والمدعو “أبو ألبرت” مع ابنه موسى في مكتب عقارات يملكانه، وموسى (32 عامًا حينها، 47 عامًا اليوم) واحد من ثمانية أبناء لديفيد بقي في سوريا بعد هجرة إخوته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لإدارة أعمال العائلة التي تشمل العديد من العقارات والمشاريع الإنشائية في مدينتي حلب والقامشلي.

ونقل ساشا عن موسى إجابته عن سؤال بشأن ما إذا كان يفكر بالهجرة كما فعل إخوته خارج سوريا، أنه يهودي والكل يعرف ذلك، وليس مضطرًا لإخفاء ذلك، مضيفًا، “أنا يهودي، لكنني أيضًا عربي وسوري، لا يوجد تناقض بين هذه الأشياء الثلاثة، ولدت يهوديًا، لكنني ولدت أيضًا في بلد عربي، في سوريا”.

ولا يُعرف مصير موسى ووالديه بعد 15 عامًا من تلك الزيارة، وما مرت به مدينة القامشلي ومنطقة الجزيرة السورية من متغيرات سياسية واجتماعية على مدار الأعوام الماضية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة