أنفاق عسكرية تضر بأملاك المدنيين في الحسكة

camera iconمقاتلين من وحدات حماية الشعب في أنثاء حفرهم أحد الأنفاق في عامود بمحافظة الحسكة - حزيران 2018 (HR Monitor)

tag icon ع ع ع

الحسكة – مجد السالم

“كانوا يطوّقون المكان، وعندما اعترضتُ لعدم توفر سكن بديل لعائلتي، ضُربتُ بأعقاب البنادق من قبل عناصر الدورية، وأُهنتُ أمام عائلتي، وهُددتُ بالإخلاء بقوة السلاح”، قال شاب لعنب بلدي من سكان حي الزيتونة شمال شرقي القامشلي (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، متحدثًا عن دورية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) جاءت إلى منزله وطلبت منه إخلاءه، لاستكمال حفر نفق يمر أسفله.

أنشأت “قسد” أنفاقًا متفاوتة الأعماق والأبعاد على جبهاتها العسكرية مع مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني”، المدعوم تركيًا، التي ما زالت تشهد تبادلًا للضربات بين حين وآخر.

لكن “الحماية” المفترضة من تلك الأنفاق لا يعتبرها السكان ضرورة تبرر ضياع حقوقهم التي لا تلقى شكواهم عنها آذانًا صاغية، خاصة بعد أن فشلت تلك الأنفاق بإنقاذ مناطق أخرى سيطرت عليها تركيا سابقًا.

الشكوى دون جدوى

محامٍ من مدينة القحطانية، كان متضررًا آخر من أنفاق وخنادق “قسد”، التي سببت خسارة قيمة الأرض التي يمتلكها وابتعاد المشترين عنها.

يمتلك المحامي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أرضًا على شكل “مقاسم” في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وكان يبيع “المقسم” الواحد (400 متر مربع) بنحو ثمانية ملايين ليرة سورية (2800 دولار).

وحين بدأت “قسد” بحفر أنفاقها ورفع السواتر الترابية في أرضه، امتنع الناس عن شرائها وانخفضت قيمة “المقسم” إلى النصف تقريبًا، مع تراجع أغلب المشترين عن إتمام عملية البيع، وبيّن المحامي أنه حاول الاحتجاج وتقديم شكوى “أكثر من مرة”، لكن “دون جدوى”.

ومن مدينة معبدة، التي تتداخل فيها خطوط نقل النفط مع أنفاق “قسد”، خصوصًا في محيط المدينة الشمالي، تحدث الدكتور محمد لعنب بلدي، عما وصفه “خسارة فادحة” لحقت به، حيث قام بشراء شقة ضمن بناء قيد التجهيز، بسعر 20 ألف دولار، تطل على محلق المدينة الشمالي.

وبعد مدة تعرض البناء لـ”صدع كبير”، ما جعله غير صالح للسكن ويشكل خطرًا على الأبنية المحيطة به، وعلم من متعهد البناء أن السبب هو نفق حفر حديثًا يمر من أسفل قواعده.

زاد حفر الأنفاق منذ أن اتفقت روسيا وتركيا، في 22 من تشرين الأول عام 2019، على وقف عملية “نبع السلام” التي شنتها قوات سورية وتركية قبل أسبوعين من تاريخ الاتفاق، متقدمة من الحدود الشمالية في مناطق “قسد”، مقابل انسحاب القوات ذات القيادة الكردية من المنطقة التي تمتد حتى عمق 30 كيلومترًا من الحدود السورية- التركية.

وأخذت “قسد” تكثف عمليات التحصين، خصوصًا في محيط المدن الحدودية من الجهة الشمالية المقابلة للحدود التركية، حيث ارتفعت وتيرة حفر الأنفاق والخنادق بشكل ملحوظ.

وأثارت عمليات الحفر مخاوف وحفيظة المواطنين، وطالب مطران الجزيرة للسريان الأرثوذكس، مار موريس، بداية عام 2019، عبر حديث لقناة “السريانية“، بالتوقف عن عمليات حفر نفق تحت مقبرة سريانية مسيحية، في حي قدور بك شمالي مدينة القامشلي، التي تبعد 500 متر فقط عن الحدود التركية، معتبراً ذلك مساسًا بالمسيحيين وعدم احترام لهم.

تحصينات حدودية بلا فائدة عسكرية

تنتشر الأنفاق والخنادق في محيط المدن الشمالية مقابل الحدود التركية، حسبما قال أحد المتعهدين المتعاقدين مع شركة “زغروس”، المسؤولة عن تأمين ورشات العمال والمواد الأولية لحفر وصب التحصينات العسكرية، وتجهيز غرف الحراسة والمنامة مسبقة الصنع الخاصة بعناصر “قسد”.

لكن الأنفاق، الممتدة لكيلومترات في بعض الأحيان، لا تقتصر على أطراف المدن فحسب، بل منها ما يمر في مراكزها ليربط الأنفاق ببعضها، حسبما قال المتعهد، الذي تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، وترفع قربها السواتر الترابية، كما في مدينة الرميلان المشهورة بحقول النفط.

ورغم عدم تمكن الأنفاق من حماية عفرين، حين سيطرت عليها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني”، ضمن عملية “غصن الزيتون” عام 2018، مع التحصينات والطبيعة الوعرة للمنطقة، فإن الغاية العسكرية هي أول ما يحتج به مسؤولو “قسد” لحفر الأنفاق.

وبحسب رأي المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي، فإن الخنادق التي كانت في عفرين كانت “متطورة التصميم”، واستخدم بها الأسمنت المسلح بسماكات كافية، مع احتوائها على غرف وساحات للتدريب ومخازن للأسلحة، لكنها “لم تؤدِّ دورها” في الحماية، وهي تؤمّن إمكانية الاحتماء خلال القصف، أي أنها تكون ذات جدوى في حالة الحروب عن بعد.

أما في حالة المعارك البرية المباشرة بين القوات التركية و”قسد”، “فلن تؤدي هذه الأنفاق أي دور قتالي”، وأشار الرواي، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن الفارق بالتسليح وكثافة النيران وأعداد المقاتلين الذي يتمتع به الجانب التركي ينهي الدور القتالي للأنفاق “مع أول اشتباك مباشر”.

وإلى جانب الغاية العسكرية من حفر الأنفاق، قال موظف سابق في “المركز الروسي الكردي”، تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، إن عمليات الحفر تمثل وسيلة لتغطية “فساد” بعض القيادات، من خلال مئات المناقصات التي تحتاج إليها عمليات الحفر، وتمثل “حجة” لحصول “قسد” على المزيد من الدعم اللوجستي والمالي، المقدر بملايين الدولارات، من “التحالف الدولي”، الذي يساندها في حربها ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.

من جهة أخرى، قال أحد عناصر “قوى الأمن الداخلي” التابعة لـ”قسد”، إن غاية حفر الأنفاق والخنادق هي منع محاولات التسلل من المناطق التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني”، المدعوم تركيًا، مثل عين عيسى في ريف الرقة الشمالي أو ريف حلب الشرقي بالقرب من منبج، إلى جانب حفر خنادق بمحاذاة الحدود التركية في بعض المناطق، مثل القامشلي المقابلة لمدينة نصيبين التركية.

وأشار العنصر إلى قيام “الإدارة الذاتية”، العاملة في شمال شرقي سوريا، بحفر خنادق بالقرب من مناطق التماس مع النظام السوري و”الجيش الوطني” لمنع تهريب المواد، وجباية الجمارك والضرائب المفروضة على دخول وخروج البضائع من وإلى المنطقة التي تسيطر عليها “الإدارة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة