لا طبابة ولا خصوصية.. هكذا تلد السوريات في المخيمات

camera iconأم بجانب رضيعيها في مخيم القلعة بسرمدا في ريف إدلب الشمالي 11 آب 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

رؤية الخطين الأحمرين على شريط فحص الحمل البدائي، قد تكون مؤشرًا على سعادة مقبلة في العائلة، إلا أنهما يحملان الرهبة والتوجس والخوف للسيدات اللاتي يعشن في مخيمات سوريا، خاصة مع غياب أدنى فكرة عن أين وكيف سيلدن.

تواجه النساء خلال فترة الحمل أشهرًا هي الأكثر صعوبة في حياتهن، تحتاج فيها الحامل إلى عناية خاصة لتتحمل أعباء وجود الجنين، ويجب عليها مراعاة صحتها الجسدية والنفسية لتؤمّن لجنينها نموًا طبيعيًا آمنًا، لا يحمل أي منغصات، وهو ما يغيب كليًا في المخيمات.

نساء يزرن الطبيب مرة واحدة

لم تزر سعاد المحمد (21 سنة)، المقيمة في مخيم “الرمضون” قرب بلدة كفرعروق في إدلب، طبيب النسائية خلال فترة حملها إلا مرة وحدة، وتلجأ فقط إلى مشروب النعناع الدافئ عند شعورها بأوجاع الحمل والمغص قبل الولادة، واكتفت بزيارة المستشفى فقط عند إحساسها بلحظة الولادة، بسبب بعد المسافة بين خيمتها والمستشفى في البلدة المجاورة.

لم يكن باستطاعة سعاد تحسين نظام غذائها خلال فترة حملها، بحسب ما قالته لعنب بلدي، ولكنها حاولت الابتعاد عن المسكنات والأدوية التي قد تؤذي الجنين، كما هو متعارف عليه في مجتمعها.

وأضافت سعاد أن مشكلتها الأساسية تكمن في غياب خصوصيتها بعد الولادة، إذ كانت لا تخرج من خيمتها إلا بصعوبة رغم حاجتها إلى الاستخدام المتكرر للحمام في هذه الفترة.

حال سعاد ليست خاصة بها، وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ومجموعة الأمن الغذائي، في كانون الأول 2020، يوضح الحالة الإنسانية لشمال غربي سوريا، فإن 42.3% من الأسر تضم على الأقل امرأة حاملًا ومرضعة، و16.6% من الأسر لديها أطفال تقل أعمارهم عن ستة أشهر، و30.1% لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين ستة و23 شهرًا.

غادة حبابة (35 سنة)، مقيمة في مخيم “الجرن” بإدلب، قالت لعنب بلدي، إن وجودها في المخيم لسنوات طوال، واهتمامها بأطفالها الخمسة قبل حملها الأخير، جعل حملها السادس متعبًا جدًا، فبالإضافة إلى أوجاع تشعر بها أي حامل، رافقتها أوجاع دائمة في الظهر والمفاصل، لأشهر حتى بعد ولادتها.

وأضافت غادة أنها لا ترتاح كالمتعارف عليه عند النساء لأيام بعد الولادة، فوجود عائلة كاملة تعتمد عليها في خيمتها يجبرها على خدمتها، خاصة أن ابنها الأكبر لديه إعاقة دائمة ويتطلب منها اهتمامًا وعناية كبيرين.

وعلمت غادة بعد ولادة طفلها الأول بحاجتها إلى إبرة اختلاف الدم عند كل ولادة، لأنها من فصيلة دم سلبية، الأمر الذي حرصت على تأمينه مسبقًا راجية معارفها ممن لهم علاقات مع موظفين بالمستشفى القريب من المخيم الذي تقيم فيه، قبل وقت الولادة، الأمر الذي وصفته بأنه أشد معاناة عاشتها خلال فترة الحمل.

وتأثر القطاع الطبي في إدلب بالهجمات العسكرية، التي لم تتوقف رغم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في 5 من آذار 2020، إذ يحتل شمال غربي سوريا المرتبة الأولى في عدد الهجمات التي استهدفت القطاع الطبي خلال العام 2020.

وأكد نائب منسق الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة، راميش راجاسنغهام، أن المرافق الصحية مدمرة بالفعل، وأن الخدمات الصحية ضعيفة للغاية في جميع أنحاء البلاد، ويتم توسيعها إلى “مستويات متطرفة” جديدة في ظل تأثير الصحة العامة لـفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

وقال، في تشرين الثاني 2020، “بسبب نقص الأسرّة، فإن النساء في درعا بالجنوب، يلدن في غرف مع مرضى آخرين”.

مخيم “الركبان”.. بلا أطباء نسائية أو أطفال

الولادة بغرفة مع مرضى آخرين قد يعد ترفًا بالنسبة لمخيم “الركبان” على الحدود السورية- الأردنية، إذ قال رئيس هيئة العلاقات العامة والسياسية في البادية السورية، ومدير النقطة الطبية في مخيم “الركبان”، شكري الشهاب، لعنب بلدي، إن خبرته العملية كرئيس تمريض لقسم العناية المركزة في مستشفى “تدمر” لـ15 عامًا، وبغياب وجود أي طبيب في المخيم، جعلته مع قابليتين وعدد من الممرضين، يتولون أمور الخدمات الطبية كليًا في المخيم.

وأضاف الشهاب أن النقطة الطبية التي يعمل فيها تفتقر لأبسط المعدات الطبية، إذ إن الجهاز الوحيد الموجود هو جهاز تصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو)، ولم يتغير منذ خمس سنوات.

وتستقبل النقطة الطبية الحوامل بزيارات دورية للاطمئنان على حملهن، وتتم يوميًا في المخيم ولادة واحدة تقريبًا بمساعدة قابلتين من المخيم وعدد من الممرضين في غرفة غير مخدمة إطلاقًا، تُعقم الأدوات الجراحية فيها بطرق بدائية قديمة بواسطة لهب النار، وهي الطريقة التي لا تضمن سلامة الأم ولا المولود من أمراض وفيروسات قد تنتقل إليهم.

ويخضع “الركبان” إلى حصار خانق منذ شباط 2020، وشهد المخيم منذ عام 2016 ولادة 5000 طفل ولادة طبيعية، وولادة قيصرية واحدة، بحسب الشهاب.

وقالت حسنة المطلق، وهي قابلة في مخيم “الركبان”، إن خبرتها في القبالة تتجاوز 18 عامًا، ما جعلها على دراية كافية بالمشكلات التي تواجهها النساء خلال فترة الحمل والولادة.

وأضافت حسنة أن من أصعب الحالات التي واجهتها، زيارة مريضة للولادة الطبيعية، لديها أربع عمليات قيصرية سابقة، إذ تخوف الطاقم الموجود مع حسنة من المجازفة بحياة المريضة، فأن تلد المرأة ولادة طبيعية بعد أربع ولادات قيصرية كأنها تلد لأول مرة، مع خطورة تعرضها للنزف أو تمزق في الرحم، لكن “بلطف من الله تمت الولادة بسلام”، بحسب تعبير حسنة.

وكانت الحالات الطبية الطارئة وحالات الولادة الحرجة تدخل إلى الأردن عن طريق مفوضية الأمم المتحدة، إلا أن الأردن علّق جميع عمليات الدخول ضمن إجراءاته لمواجهة “كورونا”، كما أغلقت جميع مراكز المفوضية الأممية أبوابها في المخيم.

رأي طبي

طبيبة النسائية ندى العمري قالت لعنب بلدي، إن المرأة الحامل تحتاج إلى زيارات دورية للاطمئنان على صحتها وصحة طفلها، إذ من الممكن أن تعيش المرأة خلال هذه الفترة مخاطر تعرض حياتها للخطر إن لم تكتشف المشكلة في وقت مبكر.

ومن أشيَع الأعراض المرافقة للحمل فقر الدم، وتحتاج المرأة عندها إلى فيتامينات عند شعورها بالتعب الزائد والدوخة، ونقص الشهية، وهنا يجب على الحامل مراجعة طبيبها.

وتتجسد الأعراض المرافقة للحمل الأشد الخطورة، بارتفاع ضغط الحامل، والانسمام الحملي الذي من الممكن أن يودي بحياة الأم والجنين عند الولادة، والسكري الحملي الذي من الممكن أن يؤدي إلى ولادة عسيرة أو حدوث نقص سكر لدى المولود، في حال لم تتم مراقبته خلال فترة الحمل.

وأضافت الطبيبة ندى العمري أن فحص الجنين على جهاز “الإيكو” مهم جدًا، ولا يمكن تجاهله، فبواسطته يُكشف عن تشوهات الأجنة، أو نقص نمو الجنين الذي إن وجد لزم توليد الأم فورًا، قبل وفاة الجنين داخل الرحم.

وقالت العمري، إن ولادة النساء في أماكن غير مجهزة بالخدمة الطبية الكاملة مقلقة جدًا، فمن الممكن أن تتعسر الولادات الطبيعية فتحتاج المرأة حينها إلى غرفة عمليات، وفي حالة النزف بعد الولادة، يضطر الطبيب إلى نقل الدم أو التدخل الجراحي لحل المشكلة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة