“تنافس بالقروش” أم احتكار للسوق بين شركات محروقات إدلب

camera iconعامل في محطة كاف للمحروقات بمدينة سرمدا شمالي إدلب - 27 من كانون الأول 2020 (شركة كاف/فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

تتحكم شركات خاصة بالحصة السوقية للمحروقات في إدلب، وسط تساؤلات عن العوامل التي تحدد الأسعار وفقها، وما إذا كان تعدد هذه الشركات يسهم في تنافس لمصلحة السكان.

وأوقفت شركة “وتد” للبترول نشرات أسعارها الأسبوعية على معرفاتها في مواقع التواصل، منذ 20 من كانون الأول 2020، لتتبعها بنفس الخطوة شركة “الشهباء” للبترول، بعد أربعة أيام فقط، بينما استمرت “كاف التجارية” للمحروقات بتحديث أسعارها على موقعها الرسمي.

وكانت “وتد” تصدر نشرات أسعار أسبوعية، تراوحت بين الارتفاع والانخفاض، تبعًا لسعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، التي حلّت بدل الليرة السورية في مناطق المعارضة في حزيران 2020.

وجاء التخلي عن الليرة السورية بعد تراجع قيمتها، في محاولة لضبط الأسعار، إلا أن ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب، نتيجة عدم ثبات سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأخرى، وحجة التجار والموردين بأن العملة المستخدمة للاستيراد هي الدولار الأمريكي.

ثلاث شركات أنهت العمل الحر في قطاع المحروقات

بدأ ظهور شركات المحروقات في إدلب مع تأسيس شركة “وتد للمحروقات” في كانون الثاني 2018.

وتُتهم “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ الأقوى في إدلب، بالوقوف خلف “وتد”، وخلف الشركات التي أُسست لاحقًا، إلا أن “الهيئة” والشركات تنفي ذلك رسميًا.

وأثر ظهور “وتد” سلبًا على العاملين في القطاع سابقًا، إذ حُصرت الأعمال التجارية بقطاع المحروقات فيها، بعدما كان قطاعًا يمثل مصدر دخل لعمال وتجار يعملون بشكل حر وغير منظم، إذ صارت الشركة الجهة الوحيدة لاستيراد المحروقات إلى مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ” (إدلب وجزء من ريف حلب الغربي واللاذقية الشمالي الشرقي)، بعد حصولها على ترخيص من الحكومة.

وعلّق الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، على هذه الحالة بأن “غياب جهة حوكمية معتمدة لإدارة ملف الوقود في إدلب، جعل منه حكرًا على شركة (وتد)، وإن ادعت أن تأسيسها استهدف تنظيم هذا القطاع وضمان استمرارية توريد الوقود لهذه المناطق”.

ثم أعلنت شركة ثانية تأسيسها، عام 2019، تحت مسمى “كاف التجارية للمحروقات” لتدخل سوق المحروقات، وتبعها انطلاق شركة “الشهباء للبترول” في كانون الأول 2020.

وحصلت الشركات الثلاث على ترخيص من حكومة “الإنقاذ”، وتدفع ضرائب لها، وفقًا لعقود الترخيص المبرمة بين الجهتين، حسب مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد بـ”الإنقاذ”، محمد دعبول، في حديث سابق إلى عنب بلدي.

هل التنافس جدي بين الشركات الثلاث

أوضح الباحث محمد العبد الله أنه لا يمكن النظر إلى البيئة التي تعمل ضمنها الشركات الثلاث بمثابة بيئة ممكنة لشيوع جو من المنافسة بينها، بما ينعكس على أسعار الوقود الحالية التي تعد “مرتفعة إذا قورنت بالمناطق المحررة المجاورة لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام”.

وواقع الحال يشير إلى احتكار “وتد” شبه الكامل للمحروقات، وفرضها أسعارًا تزيد على التكلفة الحقيقية لسعر استيرادها، وعدم سماحها بمرور أي شحنات وقود من المناطق المجاورة إلا بموافتها وبشروط محددة، نظرًا إلى انخفاض أسعارها عما هو سائد في مناطق سيطرة “تحرير الشام”، حسب محمد العبد الله.

إلا أن مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد بحكومة “الإنقاذ”، محمد دعبول، قال إن المحروقات تسعّر “وفق آلية معيّنة تحقق حماية المستهلك، وجودة المنتج، واستمرار توفر المشتقات النفطية للفعاليات الاقتصادية”.

ويجري ذلك بإلزام الشركات المرخصة لدى “الإنقاذ” بمخزون للمشتقات النفطية يكفي الفعاليات والخدمات الأساسية من مستشفيات وأفران ومحطات مياه وكهرباء، في حال انقطاع تزويد المحروقات.

وتلتزم الشركات المرخصة لدى “الإنقاذ” بآلية تسعير تصدر عنها أسعار دورية، في حال تغير سعر الصرف أو ازدياد أو انخفاض في سعر المحروقات من المصدر، حسب دعبول.

ويرى الباحث محمد العبد الله أن تأسيس شركتي “الشهباء” و”كاف”، والسماح لهما بالاستثمار في قطاع المحروقات، “يعد بمثابة خطوة ترمي من خلالها هيئة تحرير الشام لتخفيف الضغط الشعبي تجاه شركة (وتد)، ومحاولة منها لتوسيع كمية استيراد الوقود وضخه داخل هذه المناطق وتحصيل عوائد أكبر”، وليس كما يُشاع لخلق جو من التنافس بين هذه الشركات.

ووفقًا للواقع الاقتصادي الحالي الذي تعيشه هذه المناطق، “من المستبعد أن تتخلى تحرير الشام عن المكاسب الاقتصادية المحققة من الاستثمار في هذه المادة الحيوية”.

وما يدلل على حقيقة ذلك، حسب محمد العبد الله، ما يلي:

· المورد الرئيس لهذه الشركات الثلاث هو نفسه، ولم تسعَ شركتا “الشهباء” و”كاف” للتعاقد مع موردين جدد، بهدف تخفيض سعر هذه المواد للمستهلك أو الحصول على وقود بنوعية أفضل مما هو موجود حاليًا، طبقًا للمعايير الخاصة المتعلقة باستيراد الوقود، إلى جانب التفاوت الطفيف في أسعار أصناف الوقود المباعة للمستهلكين بين الشركات الثلاث.

· تتماثل سياسات تسعير الوقود بين الشركات الثلاث من حيث غياب الشفافية في كيفية فرض هذه الأسعار، والتلاعب بأسعارها من حيث التأخر بتخفيض الأسعار في حال انخفاض أسعار النفط عالميًا، والمسارعة إلى رفعها في حال ارتفاع هذه الأسعار.

· يشكك العديد من السكان المحليين في مدى تبعية هذه الشركات لشركة “وتد”، فهي وإن اختلفت في تسمياتها إلا أنها تمارس ذات سياسات الشركة.

واستبعد العبد الله في حال ظهور شركات جديدة مستقبلًا، أن تكون ذات استقلالية لممارسة أنشطتها التجارية والاستثمارية، من إنتاج وبيع هذه المادة بمختلف أصنافها.

وتستورد مناطق المعارضة كافة، سواء إدلب أو حلب، النفط من تركيا عبر شركة واحدة فقط، وتبدأ رحلة شحنات المحروقات من الموانئ التركية في ولاية مرسين جنوبي تركيا.

وتصل الصهاريج إلى معبر “باب الهوى” بين مناطق المعارضة وتركيا، وتبدل الصهاريج على الجانب التركي من المعبر بصهاريج من “وتد”، ثم تفرَز من قبلها على المحطات المنتشرة في إدلب.

ومن خلال التواصل مع عدة مصادر من أصحاب محطات وتجار، توصلت عنب بلدي إلى اسم الشركة وهو “MT”، لكنها لم تجد معلومات تفصيلية عنها أو أي وجود للشركة في تركيا.

للشركات رأي آخر.. المنافسة موجودة لكنها بالقروش

مكتب العلاقات العامة في شركة “كاف”، تحدث إلى عنب بلدي عن وجود حالة تنافسية بين الشركات الثلاث التي حصلت على التراخيص من قبل وزارة الاقتصاد في حكومة “الإنقاذ”، وتجري الحالة التنافسية بعدة طرق، منها جودة البضائع المستوردة أو النفط السوري (المفلتر)، وسرعة تلبية حاجة السوق، التي اتضحت بانحسار أزمة المحروقات في إدلب.

إضافة إلى التنافس بالأسعار، حسب خطة كل شركة وقدرتها على التنافس، إذ تبيع “كاف” المحروقات بأسعار مخفضة عن بقية المحطات، وتعمل على تخفيض أسعار المحروقات بإبرام عقود مع الشركات الموردة للمحروقات إلى الشمال السوري بأسعار مخفضة.

بدوره، مدير شركة “الشهباء”، عمار تقال، قال لعنب بلدي، إن “الشهباء” استحوذت تقريبًا على ثلث الحصة السوقية على حساب بقية الشركات، متميزة بموقعها الذي يربط بين ريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي، ما يسهل على بقية المحطات ومراكز الغاز الوصول إلى مكان الشركة بأقل التكاليف.

وبرر تقال الفارق الضئيل في أسعار الشركات، بعدم وجود موافقة تركية على الاستيراد “ترانزيت” من دول أخرى، وبذلك يكون المصدر واحدًا لجميع الشركات، موضحًا أن هامش الربح أساسًا لا يتخطى القروش، لذلك “ليست لدينا القدرة على جعل التخفيض يتخطى القروش”، مشيرًا إلى أن الشركات الكبرى في الدولة الموردة (تركيا) تتنافس فيما بينها بالقروش فقط.

وهو ما أكده مدير المكتب الإعلامي في شركة “وتد” للمحروقات، صفوان الأحمد، أن المنافسة محدودة، منوهًا إلى أن للشركات الجديدة تأثيرًا تنافسيًا، لأن كثيرًا من المحطات توجهت إليها ولديها أسعار مخفضة.

وبحسب رصد عنب بلدي، يظهر فارق وسطي يقدر بقرشين من الليرة التركية لليتر المازوت والبنزين، وليرة ونصف تركية لجرة الغاز، بين أسعار “وتد” وشركتي “كاف” و”الشهباء”.

ولشركة “كاف” محطة واحدة تتبع لها هي في مدينة سرمدا شمالي إدلب، لكن كل المحطات المعتمدة لدى الشركة هي أحد منافذ البيع الموجودة في كلي وحزانو ومعرة مصرين وأرمناز وأريحا، حسب مكتب العلاقات العامة.

بينما لا توجد محطات تابعة لشركة “الشهباء”، لكن محطات خاصة تتعاقد مع مقر الشركة على الطريق الواصل بين الأتارب والدانا مفرق التوامة، حسب مديرها عمار تقال.

أما “وتد”، فهي صاحبة الحصة السوقية الكبرى، يديرها ناصر الشوى، ولها أربعة أفرع تتضمن: محطات تكرير، وأسواقًا لبيع الوقود، ومراكز لبيع الغاز، واستيراد المحروقات الأوروبية.
ولم تفصح شركتا “كاف” و”الشهباء” عن هوية ملاكها، بينما نفت “كاف” لعنب بلدي أن تكون شركة مساهمة (لا تعود ملكيتها لعدة مساهمين).

الوضع الاقتصادي صعب

“الأسعار غالية جدًا، ومع صعود الليرة التركية أو نزولها الأسعار تبقى نفسها، رغم استبدالها بالليرة السورية”، حسبما تحدث به مناع غريبي مدني من أهالي إدلب، مشيرًا إلى أن الأسعار غير مناسبة للدخل، ففرص العمل قليلة والمواطن “عايش عالسلة” (السلة الغذائية الشهرية المقدمة كمساعدات).

ونتيجة ارتفاع أسعار المحروقات في إدلب وانخفاض دخل الفرد، يتخذ الأهالي وسائل بديلة للتدفئة في فصل الشتاء، كملابس “البالة” و”البيرين” (المستخرج من مخلفات معاصر الزيتون) والحطب.

كما أن أصحاب الآليات يحاولون التقليل من ركوبها، وقضاء بعض الحاجيات مشيًا على الأقدام، حسب مناع غريبي.

وأدت ممارسات احتكار “وتد” إلى خلق حالة احتقان شعبي تجاهها، لعدم مراعاتها الظروف المعيشية الصعبة للسكان المحليين جراء فرضها لهذه الأسعار، حسب الباحث محمد العبد الله.

ويعيش تحت خط الفقر في سوريا 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة