الأديب موسى رحوم عباس لعنب بلدي: البيئة والتخصص أثّرا في أدبي وستنجو سوريا يومًا ما

موسى عباس (تعديل عنب بلدي)

camera iconموسى عباس (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

حوار: أسامة آغي

الأدب ليس ترفًا لغويًا بل تكثيفًا لحياة في لحظة أو مرحلة، لمعاناة الناس في الحرب والسلم، لذا يضطر الأديب للغوص في أعماق شخصيات يكتب عنها، أو تحويل الحدث أو المشاعر أو الأحاسيس إلى عوالم شعرية ساحرة، وفي هذا الخضم المرير المدهش يحتاج المبدع إلى سعة فكر ومعرفة ومخيلة.

عنب بلدي التقت بالدكتور موسى رحوم عباس، وهو طبيب في علم النفس العلاجي، وشاعر وكاتب قصة فكان هذا الحوار.

الأدب وسيلة للتعبير

إحدى أهم ميزات الآداب الإنسانية، غوصها في النفس البشرية وتشريحها، وهو ما يضفي واقعية أكثر على الشخصيات التي تقوم بدور البطولة في تلك الآداب، حتى لو كان نوع الأدب نفسه لا يمت للواقع بصلة.

ويرى الدكتور موسى عباس أنه لا يمكن فصل النفس البشرية وما يدور حولها عن الأدب، لأن الأخير وسيلة للتعبير عن الحياة، والإنسان هو مركزها بمشكلاته ودوافعه وصراعاته، وبالتالي لا يستطيع الكاتب تأليف رواية أو قصة أو مسرحية، وهو شبه أُمّي في علم النفس، “فالشخصيات في الأعمال الأدبية بشر بعقدهم واضطرابهم وغرائزهم”.

وأوضح أن علم النفس بكل تنوعاته (الاجتماعي والجنائي والتطوري والمرضي)، يساعد على سبر أغوار النفس البشرية، مثلما فعل تشيخوف ويوسف إدريس وعبد السلام العجيلي وألسير آرثر كونان، مبتكر شخصية شارلوك هولمز.

هؤلاء الأدباء قاوم أدبهم النسيان، “لأنهم سبروا أغوار النفس البشرية، ونقاط ضعفها وقوتها، فجاء منتجهم الإبداعي قويًا مؤثرًا وعميقًا”.

وضرب الدكتور عباس مثالًا من أدب القاص والروائي الروسي فيودور ديستوفسكي، وتحديدًا روايته “الجريمة والعقاب”، فقال، “غاص ديستوفسكي في أعماق شخوصه، فتحولوا إلى شخصيات من لحم ودم، نكاد نراهم بيننا يتجولون”.

ويعتبر ديستوفسكي (1821- 1881) أحد أبرز الروائيين حول العالم، وحملت رواياته تحليلًا عميقًا للنفس البشرية.

الأمر نفسه ينسحب برأي الدكتور موسى عباس على الأديب الإنجليزي وليم شكسبير (1564- 1616)، الذي كتب مسرحياته معتمدًا على اكتشافات علم النفس الحديث، ومنها شخصية مركبة ومعقدة هي “هاملت”.

وتعد مسرحية “هاملت” واحدة من أشهر مسرحيات شكسبير، إلى جانب مسرحيات “تاجر البندقية” و”روميو وجولييت”.

ويرى الدكتور عباس أن الرابط بين الأدب وعلم النفس هو سلوك الإنسان، مشيرًا إلى أن علم النفس قام بدور في روايته “بيلان”، ساعده على الإمساك بخيوطها وتحولت شخصياتها إلى جزء من عائلته، بحسب وصفه.

وأضاف، “رسمت خطوط حياة الشخصيات بناء على دراسة كل شخصية بعقدها واضطراباتها، وجاءت سلوكياتهم وردود فعلهم منسجمة مع هذه الدراسة، وهذا ما فعلته في قصصي القصيرة ومنها (قديسون ولصوص) و(الرجل ذو الشعر الرمادي)”.

رغيف مغمّس بالدم 

ولد الدكتور موسى عباس في قرية كسرة مريبط بريف الرقة، معتبرًا نفسه “نصف بدوي”، وأن أهله تعلموا الزراعة لاحقًا، مشيرًا إلى أن والده، رحوم، استمد اسمه من بئر يحمل الاسم ذاته في بادية الرصافة بالرقة.

ولعبت البيئة التي عاش فيها الدكتور عباس دورًا كبيرًا في أدبه لاحقًا، حتى في الأساطير وحكايات الجدات التي نام الأطفال على وقعها في الماضي (كأساطير “السعالي” و”الغيلان”).

وأضاف، “كانت طفولتنا سعيدة وبسيطة، وبيوتنا بلا أسوجة، ولهذا يمكننا أن نطلق أبصارنا إلى اللاحدود، فالشمس الحادة تُظهر لنا تفاصيل ما نراه، ونمقت الغموض والظلام”.

ويعتقد الدكتور عباس أن عوالم شعره لم تبتعد عن هذه العوالم في الحكايات، “أكتب نصوصي لأتنفس من خلالها”، فهو بحسب وصفه لا يتقن الشعارات الكبيرة، بل ينظر إلى أسئلة الوجود الكبرى بعيني طفل تدهشه منعرجات الحياة، “وأعرف أني لن أغيّر العالم، فمن أكتب لهم نصفهم أميّون، ومعظمهم يركض خلف الرغيف المغمّس بالدم والعرق”.

لا نملك دولة وطنية 

منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، وسلوك النظام السوري في الحل الأمني، وتحويله الثورة إلى حرب تدخلت فيها قوى دولية وإقليمية، ما عاد الإنسان السوري يمضي دون معاناة، على الأصعدة الاقتصادية والنفسية والمجتمعية والسياسية.

وعن استعادة الإنسان السوري لتوازنه مع نفسه ومجتمعه، نتيجة الحرب الدائرة منذ عشر سنوات، قال الدكتور موسى عباس لعنب بلدي، إن سوريا بعد الاستقلال مرّت بفترة واعدة، “لكنها ومضة وانتهت، لأننا لم نتمكن بعد رحيل الاحتلال من تكوين الدولة الوطنية، التي تخلق المواطنة لكلّ مواطنيها، دون النظر لانتماءاتهم القومية أو الدينية أو المذهبية”.

وخضعت سوريا لاحتلال فرنسي مباشر بين عامي 1920 و1946، ثم أُعلنت الجمهورية السورية، تبعتها الوحدة مع مصر بين عامي 1958 و1961.

وبعد الانفصال بعامين، نفّذت اللجنة العسكرية (مكونة من خمسة أفراد بينهم حافظ الأسد) في حزب “البعث” انقلابًا أفضى في عام 1971 لانفراد الأسد بحكم سوريا حتى عام 2000، ثم ابنه بشار الأسد منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.

ويرى عباس أنه رغم الشعارات العريضة، التي تحولت إلى لافتات عن “الوحدة والحرية والاشتراكية”، عاش جزء من السوريين الغبن والقهر.

وأوضح، “بعض مواطنينا كانوا يُمنعون من الغناء بلغتهم الأصلية، أو يقيمون عرسًا على طريقتهم وتقاليدهم، فتحولت الأحزاب إلى ظواهر صوتية، وما وصلنا إليه في العقد الأخير كان نتيجة لهذا، ومآلًا طبيعيًا له”.

ووصف عباس ما تشهده سوريا بـ”الكارثة الكبرى”، مع وجود ملايين الأطفال الذين لا يعرفون طريق المدرسة، وهم من سيكونون شبابًا في الغد، وجيل من الأميين والمرضى وذوي الإعاقة، ومئات الآلاف من الأرامل والأيتام، “هذه كارثة بكلّ ما تعنيه المفردة”.

ويرى الدكتور عباس أن هذه “حرب لا منتصر فيها، الكل خاسر وموجوع ومتألم”، ويختم، “لستُ متشائمًا، ستنتهي الحرب ذات يوم، وتشرق الشمس على بلادنا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة