ميادة بسيليس.. الماضي العايش فينا

المطربة السورية ميادة بسيليس (تعديل عنب بلدي)

camera iconالمطربة السورية ميادة بسيليس (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

بعد قليل من الموسيقا المطعّمة بالبيانو والرومنسية، تستفتح ميادة بسيليس حديثها مع الحبيب بجرد قصير لذكريات طويلة غلبها حاضر لا يشبه الماضي المشتهى، والذي مازال مضارعًا في النفس والبال.

ومع تقدّم الموسيقا والحوار الذي يجري من طرف واحد فيما يشبه البوح، تصارح ميّادة بسيليس المستمع الذي يصيّره صوتها عاشقًا إن لم يكن كذلك بالفعل، وتقول “كذبك حلو”، ليشكّل هذا الاعتراف هوية جديدة للكذب، ويخلق منه شيئًا لطيفًا تواريه سوءة الاسم، وتعرّيه النوايا الطيبة. ويمكن لمن لا يعرف ميّادة بسيليس أن يقول إنها السيّدة التي غنت “كذبك حلو”.

ولدت هذه الأغنية على شفتي ميّادة عام 1988 من كلمات وألحان زوجها، الملحن سمير كويفاتي، وما تزال الذاكرة السمعية للسوريين تتناقلها وتدندنها بين لحظة خلوة أو سأم.

وفي 19 من شباط الماضي، أعلن زوجها سمير كويفاتي إصابتها بمرض السرطان الذي لم يستجب على ما يبدو للعلاج ولأمنيات المحبين بالشفاء، فنعتها وزارة الإعلام السورية، في أولى ساعات اليوم الخميس، 18 من آذار.

ونعى فنانون سوريون وعرب ميّادة التي تمنوا لها الشفاء وأرسلوا لها الرسائل لرفع معنوياتها قبل أقل من شهر فقط.

وقال الكاتب اللبناني زاهي وهبي تعليقًا على رحيل بسيليس “يغدو العالم أكثر قسوة كلما سكت صوت حنون أو انطفأت ابتسامة”.

وعبّر الكثير من الفنانين، عن حزنهم برحيل واحدة من أبرز الأصوات النسائية السورية التي تمكنت بكل ما قدمته فنيًا بما في ذلك أغنيات فيروز التي أعادت تقديمها بصوتها.

ويعتبر بعض صناع الموسيقا أن ميّادة واحدة من قلّة حافظت على شكل ولون الأغنية السورية الخالصة، فغنت الفلكلور عبر “يا قاتلي في الهجر”، ثم قدمت الأغنية الحديثة، وفي جميع الحالات كانت النتيجة أغنية ملتزمة لا يسقطها الوقت من الذاكرة، بل يعيد معها عند سماعها مشاعر أيامها الزائلة.

مسيرة طويلة

ولدت ميادة بسيلس في حلب عام 1967، وبدأت مشوارها الموسيقي في وقت مبكر من حياتها، لكن فترة التسعينيات حملت أبرز الأغنيات التي قدمتها وأكثرها رسوخًا في الذاكرة.

وقدّمت بسيليس الكثير من الحفلات أيضًا في مهرجانات أُقيمت داخل وخارج سوريا، ومنها حفل في دار الأوبرا في لعاصمة الإسبانية مدريد، وحفل دار الأوبرا في مصر، عام 1998.

كما حصدت الكثير من الجوائز عن أغنياتها التي شقت طريقها إلى مسامع وقلوب المستمعين في زمن الراديو والتلفزيون، فنالت جائزة الأرونينا الذهبية عن أغنية “هوى تاني”، وحلّت أغنيتها “طيّب خليك” في المرتبة الثالثة في مهرجان الأغنية السورية عام 2004.

وفي مهرجان البحرين عام 2001، نالت الجائزة الذهبية لأفضل أغنية مصورة عن أغنيتها “هوى تاني”، بالإضافة إلى جائزة الأورنينا الذهبية عن أغنيتها “يا غالي” في مهرجان الأغنية الخامس 1998، بالإضافة إلى جوائز أخرى حصدت “كذبك حلو” اثنتان منها.

وأصدرت ميادة بسيليس ثمانية ألبومات غنائية بين عامي 1986 و2002 وتنوعت أغانياتها بين الفلكلور والأغنيات الجديدة، الرومنسي والوطني والترانيم الكنسية، والأغنيات التي خاطبت ضمير الأمة العربية من أجل القضية الفلسطينية في وقت مضى، مثل “أجراس بيت لحم” و”عاش الولد”، التي غنّتها بعدما قتل الإسرائيليون الطفل الفلسطيني، أحمد الدرّة.

ومن أبرز أغنيات ميادة بسيليس التي ما تزال تطرب المستمع بعد 15 عامًا على صدورها، أغنية “ما في شي مستاهل” التي جاءت بإيقاع ولحن حيوي لم يبهت عبر الزمن، فبالإضافة إلى الصوت الأنثوي المسيطر والمتمكن، تحظى أغنيات ميادة بموسيقى معاصرة أو دائمة المعاصرة.

ولن يدرك المستمع أمام أغنياتها، فجوة زمنية خلقتها وسائل تحسين الصوت أو تجويده في زمن التكنولوجيا، ولن يرى فارقًا بين قديمها وجديد الآخرين، إلا بأصالة القديم وعدم قدرة ما جاء بعده من موسيقا وأغنيات على محو أثره.

أغنيات الدراما

تركت ميادة لمستها الصوتية على العديد من شارات الأعمال الدرامية السورية الخالدة، إذ غنت شارة مسلسل “أخوة التراب” في جزئه الثاني عام 1998، وهو واحد من أكثر المسلسلات حضورًا في ذاكرة السوريين.

وقدّمت لمسلسل “جواد الليل” شارة البداية التي حملت اسم “هوى تاني”، وطُبع العمل الدرامي في أجزاء من موسيقاه التصويرية، بالطابع الموسيقي الذي حملته الأغنية، كما غنت شارة البداية لمسلسل “أبناء القهر” ومسلسل “بنات العيلة”، ومسلسل “لست جارية” الذي صدر في رمضان 2016.

ولكن جديد ميادة لم يغلب قديمها، إذ أسهمت أغنية “يا طيّوب” عبر النداء المتكرر في كلماتها لشخص لا يجيب، وتأكيدها على نقاء القلب أمام كدر الحياة وقسوة الناس “يا طيّوب يابو الأطياب صارت الطيبة تنعاب”، في خلق هالة من الذاتية حول الأغنية، وليست هذه الذاتية للمغني المطرب، إنها ذاتية المستمع، “ولك إيه يا طيّوب”.

السياسة والفن

وسجّلت ميادة بسيليس عام 2016، أغنية حملت اسم “مشتاقة أنا”، وهي أغنية من كلمات وألحان سمير كويفاتي، وموجهة لمدينة حلب التي كانت على بعد أشهر قليلة من سيطرة قوات النظام عليها، وفي الأغنية تبث بسيليس أشواقها للمدينة المدمرة تحت وطأة قصف قوات النظام دون الإشارة للفاعل.

أنتجت الأغنية شركة “سيريتل” للاتصالات، المملوكة حينها لابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، رامي مخلوف، كما غنت ميّادة عام 2017، في دار الأوبرا في سوريا، ضمن فعاليات يوم الثقافة السورية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة