كرد سوريون ينقلون “إرث نوروز” إلى أوروبا

أكراد سوريون يشعلون نار "نوروز" في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا- 20 من آذار 2021 (DELIL SOULEIMAN/GETTYIMAGES)

camera iconأكراد سوريون يشعلون نار "نوروز" في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا- 20 من آذار 2021 (DELIL SOULEIMAN/GETTYIMAGES)

tag icon ع ع ع

لا تتمثل قوى الشر في الأساطير الكردية في العفاريت فقط، بل توجد صورة التنين في قصة “أزدهاك” (ضحّاك) المشهورة بين الكرد، إذ نبت على كتفي الملك جرحان بشكل تنينين، وكان دواؤهما مخ شابين كل يوم، وتمضي القصة هكذا إلى أن يقتل “كاوا” الحداد الملك، ويسمى ذلك اليوم بـ”النوروز”، أي اليوم الجديد، ورأس السنة الكردية. ومنذ ذلك الحين ما زال الكرد يحتفلون في 21 من آذار كل عام بهذا العيد.

ويوجد قسم كبير من قصص الأساطير الكردية تدور حول الصراع ضد العفاريت، والبطل في هذه القصص هو الإنسان، وهو في صراعه مع العفاريت رمز قوى الشر، يخرج منتصرًا دائمًا، فيصبح هذا الصراع في الأساطير الكردية رمزًا للصراع بين الخير والشر.

وهذه العفاريت تعيش دائمًا بحسب هذه الأساطير في الكهوف والأماكن المظلمة، فهي تخاف الشمس والنور، رمز العلم والمعرفة.

والصراع بين العفاريت والجن والتنين من جهة والإنسان من جهة أخرى في الأسطورة الكردية، وانتهائه بانتصار الإنسان، إنما هو “رمز لذلك الصراع الناشب منذ عصور قديمة في المجتمع الإنساني، بين قوى الخير وقوى الشر”، وفق دراسة الباحث عز الدين مصطفى رسول في أدب الفلكلور الكردي.

وتعمل قوى الشر في هذه الأساطير جاهدة أن تخدع الإنسان، خاصة حين ترى نفسها محاصرة بقوة هذا الإنسان وتصميمه على القضاء عليها. صورة تخيلية لحياة شعب عاش صعوبات ومعاناة طوال مسيرته الحياتية.

تعد الأساطير من أقدم أنواع أدب الفلكلور في آداب الأمم الشفاهية، لأنها من نتاج العهود الضاربة في القدم، إذ كان الإنسان مدهوشًا بالطبيعة، عاجزًا عن تفسير حوادثها التي كانت فوق مستوى إدراكه وطاقته، غير قادر على السيطرة عليها، ما جعله يطلق العنان لخياله، وينسج قصصًا خيالية لتفسير ظواهر الطبيعة.

وبالتالي فهي نوع من الوعي الاجتماعي البدائي يسعى لمعرفة العالم، لأن “ميثولوجيا (علم الأساطير) الشعوب خلاصة رؤيتهم للوجود”، بحسب ما يراه الأكاديمي السوري أحمد محمود الخليل.

 

نوروز في أوروبا

تغيرت ملامح الحياة في سوريا التي كان الفرد يعرفها قبل آذار عام 2011، ليس فقط خرائط النفوذ الجغرافية أو شكل العمران فحسب، بل أيضًا حياة السوريين الاجتماعية داخلها أو خارجها.

تواصلت عنب بلدي مع شبان كرد سوريين من مدن حول العالم، وناقشت آراءهم حول الاحتفال بيوم “النوروز” في المدن التي يقيمون فيها، والتغيرات التي طرأت على هذا الاحتفال هناك.

في عام 2019، احتفل الشاب السوري جان (26 عامًا) مع أصدقائه في هولندا بعيد “النوروز” في صالة أفراح نظمتها عدة جمعيات ومنظمات معنية بالثقافة والفلكلور الكردي هناك.

لم يشعر جان حينها باحتفاله بيوم “النوروز”، لغياب السمة الأهم بهذا اليوم وهي خروج المحتفلين من العائلات والأصدقاء إلى الأماكن الطبيعية ورقص الفلكلور الكردي وقراءة الشعر والغناء، “شعرت بأننا نحتفل بأي مناسبة روتينية كرأس السنة أو عرس أحدهم”، وفق تعبير جان.

وبسبب انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) قلّ عدد الأشخاص المحتفلين بهذا العيد بشكل جماعي في مدن هولندية، وصار الاحتفال شبه فردي في البيوت، إذ يشعل الأفراد نار “نوروز” في شرفة المنزل كتأكيد رمزي على مشاركتهم هذا الاحتفال على الرغم من إجراءات حظر التجول بسبب الفيروس، بحسب وصف جان وهو طالب جامعي يدرس علم الاجتماع في إحدى الكليات في هولندا.

في ألمانيا عام 2017، عاش فهد موسى (35 عامًا) تجربة تنظيم الاحتفال بيوم “النوروز”، الممتعة والمتعبة في نفس الوقت، بحسب تعبيره، “لكن حماس المنظمين المشاركين تطوعًا ينسيك هذا التعب بكل تأكيد”.

ويكون تنظيم هذه الاحتفالية الذي يبدأ في بداية آذار من كل عام من قبل الأحزاب الكردية أو منظمات المجتمع المدني الكردية بشكل أساسي، ومن بينهم منظمات أوروبية تدعم هذا النشاط، وفق فهد موسى، وفي بعض الأحيان يكون من قبل متعهدي الحفلات في أوروبا.

ويجتمع الراغبون بالمشاركة في تنظيم الاحتفال ببداية آذار بدعوة من الأحزاب الكردية، وتبدأ الجهة المنظمة بتوزيع المهام على المشاركين، وتتولى كل مجموعة مسؤولية معينة، مثل توزيع الأعلام والرايات وتزيين المكان المخصص للاحتفال، ومجموعات مخصصة لمنع حدوث أي مشاكل جانبية، وفق فهد موسى.

في بلجيكا تعتبر التجمعات الخاصة للاحتفال بعيد “النوروز” قليلة بحكم عدم وجود الجالية الكردية بكثرة مقارنة بالوجود الكردي في سوريا أو تركيا أو العراق أو إيران، بحسب آدم بابليس (27 عامًا) وهو مقدم برامج سوري يقيم هناك.

لكن وبشكل عام التنسيق لإقامة حفل بمناسبة هذا العيد في بلجيكا يكون أيضًا من خلال مبادرات حزبية أو متعهدي الحفلات، بحسب آدم بابليس.

يشارك عبدو مصطفى وهو متعهد حفلات في أوروبا، تنظيم هذه الاحتفالات بشكل مستقل بعيدًا عن أي تعاون مع حركات حزبية أو منظمات.

“شاركت بتنظيم العديد من الاحتفاليات الخاصة بالنوروز في هولندا وألمانيا”، ولا يوجد أي تحديات حقيقية لإقامة مثل هذا الاحتفال، “فهنا (أوروبا) لكل شخص حرية رأي بالتعبير، وطرق الاحتفال تعكس الهوية القومية، ولذلك تأذن الجهات الحكومية لإقامة هذه الاحتفال عن طريق منح ترخيص وحماية، فتسير الأمور بسلاسة تامة” وفق ما تعبير عبدو مصطفى.

عيد للمطالبة بالحقوق

تكمن مشكلة الاحتفال بعيد “النوروز” في أوروبا بأن الاحتفال غالبًا لا يكون ضمن مدينة واحدة، وإنما بعدة مناطق، وفق ما قاله الصحفي وعضو “الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا”، نيجيرفان مراد، المقيم في فرنسا لعنب بلدي.

وآلية تنظيم أي حراك مدني كردي في فرنسا أو احتفال قومي يكون ضمن مجموعات تضم المجتمع الكردي بأطيافه ومكوناته السياسية والثقافية المختلفة، وفق الصحفي نيجيرفان مراد، ودور الأحزاب يكون بالتنسيق مع بعضها لتحديد مكان محدد للاحتفال من أجل وجود عدد مناسب لهذا الاحتفال.

ويعتبر “نوروز”، العيد الوحيد الذي تحتفل به قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات، وهو عطلة رسمية في كثير من البلدان مثل إيران، والعراق، وقرغيزستان، وأذربيجان، كما يُحتفل به في تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وولاية كوجارات الهندية وشمال غرب الصين.

ومعظم المحتفلين بـ”نوروز”، يعتبرونه عيدًا دينيًا أو ثقافيًا منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعًا قوميًا عند الكرد وخاصة في العصر الحديث، إذ صار حدثًا سنويًا يؤكد من خلاله الكرد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

ويشكلون الكرد بين 10% و15% من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل 2011، أي ما يزيد عن مليوني شخص. ولكن لا توجد إحصاءات رسمية بذلك.

“نوروز” في دمشق

في سوريا قبل 2011، كان الأفراد الراغبين بالاحتفال بيوم “النوروز” يتوافدون من مناطق مختلفة للتجمع بمنطقة واحدة والاحتفال، على الرغم من وجود مضايقات أمنية واعتقالات في بعض الأوقات، بحسب قول الصحفي، لأن الجهات الأمنية السورية كان تتخوف من هكذا احتفالات بسبب أخذها الطابع القومي.

وفي عام 1986، نتيجة الاضطهاد الذي تعرض له الشارع الكردي ومنعه من الاحتفال بعيد “النوروز”، بالإضافة إلى الاحتفال بمناسبات أخرى سواء حزبية أو سياسية، خرجت مظاهرة باتجاه القصر الجمهوري تندد بهذا القرار، أطلق خلالها الحرس الجمهوري الرصاص على المتظاهرين وقُتل نتيجتها شاب اسمه سليمان محمد أمين آدي وأُصيب آخرين، وفق ما قاله الصحفي نيجيرفان مراد.

وخلال تلك الفترة تطور غضب السوريين الكرد، فأصدر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد المرسوم رقم “104” لعام 1988، قرر من خلاله الأسد الأب تغيير تاريخ موعد الاحتفال بعيد الأم في سوريا من 13 من أيار إلى 21 من آذار، ليكون بذلك عيدًا رسميًا في الدولة، دون ذكر عيد “النوروز” الذي يصادف اليوم نفسه.

وبذلك غيّب النظام السوري أفراد المجتمع عن احتفال يعتبر مدخلًا، للتعرف إلى ثقافة مكوّن مجتمعي أساسي، وهم كرد سوريا، بحسب رأي القيادي السابق في حزب “البعث” الدكتور ناصر سابا، في حديث سابق مع عنب بلدي، وبذلك انعكست الخلافات السياسية والأهداف القومية على المناسبات والأعياد بين السوريين.

ولطالما سعت الحكومات في سوريا للتضييق على كل من يحتفل بعيد “النوروز”، حيث كان النظام في احتفالية كل عام يعتقل العشرات من الناشطين والمدنيين الكرد لمحاولتهم الاحتفال بهذا العيد في المدن والأحياء الكردية في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة