بحرًا وبرًا.. خلافان على ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد مع الرئيس اللبناني ميشيل عون (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

طفت قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا على السطح مجددًا، إثر منح الجانب السوري ترخيصًا لشركة “كابيتال” النفطية الروسية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط.

هذا الترخيص، الذي يعتبر الثاني من نوعه لشركة روسية تنال الضوء الأخضر لبدء التنقيب عن البترول، أثار خلافًا حدوديًا بحريًا على منطقة واقعة ضمن “البلوك رقم 1” في المنطقة الخاصة بسوريا، التي تتعارض مع الخرائط اللبنانية بمساحة 750 كيلومترًا مربعًا، شكّلت جوهر الخلاف.

أحدثت هذه القضية تباينًا في ردود فعل القوى السياسية في لبنان، إذ اتهم رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، النظام السوري بقضم 750 كيلومترًا مربعًا من الحدود البحرية اللبنانية، ملوحًا في نفس الوقت بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية في حال فشل الطرق الودية بالتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين حيال المنطقة المتنازع عليها.

وقال وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، عبر “تويتر”، في 1 من نيسان الحالي، إنه أرسل أكثر من 20 كتابًا رسميًا للمعنيين بالقضية في سوريا ولبنان، منذ عام 2010 وحتى عام 2017، لحثهم على حل الخلاف، دون التوصل إلى جواب.

لبنان الخارج منذ أقل من ستة أشهر من مفاوضات تقنية غير مباشرة مع إسرائيل حول الحدود البحرية في جنوبه، دون أن تسفر جلساتها الثلاث التي رعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة عن نتيجة، وجد نفسه وجهًا لوجه أمام إعادة سيناريو الحدود، في حين يغرق بأزمات اقتصادية وسياسية تتصاعد حدتها منذ انفجار مرفأ بيروت في آب 2020.

القضية من وجهة نظر لبنانية

في عام 2011، شاركت إدارات لبنانية عديدة، ورسمت الحدود البحرية مع سوريا في إطار تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، وجرى بنفس الإطار رسم الحدود مع سوريا، ثم أُرسلت الوثائق إلى الأمم المتحدة، وقابل النظام السوري هذه الخطوة بالاعتراض فقط، دون اتخاذ أي إجراء سياسي أو دعوة إلى الحوار.

واستمر الوضع كذلك حتى منح لبنان أول تراخيص التنقيب عن النفط والغاز للشركة الوطنية اللبنانية عام 2014، وحينها اعترض النظام السوري أيضًا.

وأرسلت وزارة الخارجية اللبنانية، في أيار عام 2017، مذكرة للنظام السوري بغرض التواصل لفض النزاع الحدودي البحري، إلا أنها بقيت دون رد، حتى منحت وزارة النفط السورية التراخيص لـ”كابيتال” الروسية، للتنقيب في المنطقة البحرية قبالة سواحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية- اللبنانية، بمساحة 2250 كيلومترًا، تتقاطع في 750 منها مع الرؤية اللبنانية للحدود البحرية.

أكثر من 750.. وتحركات سياسية

كشف وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، خلال تصريح تلفزيوني لقناة MTV””  اللبنانية، عن اتصال هاتفي أجراه الرئيس اللبناني، ميشال عون، برئيس النظام السوري، بشار الأسد، لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ووفقًا لوهبة، فإن عون أكد للأسد رفض لبنان الانتقاص من سيادته بالمياه، وتمسك بلاده بترسيم الحدود، داعيًا الجانب السوري إلى التفاوض، مشيرًا في الوقت نفسه إلى المحاكم الدولية كباب أخير يمكن قرعه في حال تعذر الوصول إلى نتيجة، “لكننا لسنا اليوم بوارد الهجوم على سوريا”.

وأرسلت حكومة النظام السوري مذكرة إلى لبنان في أيار 2019، طلبت فيها عقد اجتماع لبحث ترسيم الحدود بين البلدين، بحسب وهبة، ورحب الجانب اللبناني حينها بالاجتماع الذي لم يُعقد.

وذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، أن الرئيس عون يستعجل إنجاز ملف الترسيم، ولم ينتظر أي اجتماع لحكومة تصريف الأعمال، بل فوّض الوفد العسكري والتقني الذي يتولى إدارة المفاوضات غير المباشرة التي تجري بوساطة أمريكية في رأس الناقورة مع الجانب الإسرائيلي، مع فارق أن المفاوضات مع الجانب السوري مباشرة، ودون أي وساطة.

وبحسب الصحيفة، فإن قيادة الجيش اللبناني أعدّت كتابًا شرحت فيه فرق المساحة المختلَف عليها، والتي قدّرتها بنحو ألف كيلومتر مربع، وأن اعتماد خطوط مختلفة من قبل لبنان وسوريا نتجت عنه منطقة متنازع عليها تقدّر بنحو ألف كيلومتر مربع.

الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف” بلال سلايمة، اعتبر مسألة ترسيم الحدود البحرية بين سوريا ولبنان قضية مستحدثة، بسبب اكتشاف النفط والغاز في المتوسط، ولها حالات مشابهة في القانون الدولي.

وأوضح سلايمة، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن الحل عادة لهذه الخلافات هو المفاوضات الثنائية بين الأطراف المعنية لترسيم الحدود والإدارة السياسية، مع أخذ العامل الدولي بعين الاعتبار.

آثار اقتصادية بعيدة المدى

الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، أوضح أن عدم ظهور خلاف بين الجانبين لوقت طويل حول المنطقة البحرية المذكورة يعود إلى غياب الاستثمار من الطرفين، السوري واللبناني، عن هذه “البلوكات” رغم جاهزيتها وتقسيمها المسبق.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الباحث إن شركة (واجهة روسية) أعلنت عن رغبتها بالاستثمار في “البلوك رقم 1″، الذي يتقاطع مع “البلوك رقم 1 ورقم 2” اللبنانيين.

ويرى شعار أن الخلاف الحدودي لا يعني تعدي أي من الطرفين على المياه الإقليمية للآخر، إذ لا قانون يضبط الحدود البحرية، فالقانون يبيّن الحدود المقابلة للبلدان، والتي تعتبر بعدًا لها، وتسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة.

ووفقًا للباحث، فمن المبكر جدًا الحديث عن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تثمر عنها المنطقة موضوع الخلاف، إذ من الممكن أن يتطلب الاستثمار الذي بدأ للتو عدة سنوات حتى يتضح حجم المردود الاقتصادي الناجم عنه.

تكريس للوجود الروسي

من جهته، لفت الباحث في الاقتصاد السياسي خالد تركاوي، إلى تكريس النفوذ الروسي في البحر المتوسط، وأهمية هذا الوجود بالنسبة للروس في “المياه الدافئة”، سواء عبر شركات التنقيب عن الغاز والنفط، أو عن طريق القواعد العسكرية.

وشكك تركاوي، في حديثه إلى عنب بلدي، بقدرة البلدين على إدارة ملف المفاوضات الحدودية البحرية، بالنظر إلى وضع الحدود البرية بين الجانبين، التي تسيطر عليها جماعة “حزب الله” اللبناني.

ويرى تركاوي أن الغرض من التفاوض هو زيادة التنسيق في ملف الحدود، مقابل التنسيق في ملفات أخرى، وربما تكون دعوة لبنانية إلى الإسرائيليين لإنجاز التفاوض وفض الخلاف على المنطقة الحدودية البحرية المتداخلة بين لبنان وإسرائيل.

خلاف في البرّ أيضًا

الخلاف على الحدود البحرية ليس الوحيد بين الجانبين السوري واللبناني، إذ عادت مزارع شبعا وتلال كفر شوبا الواقعة ضمن المثلث الحدودي السوري- اللبناني- الإسرائيلي، كموضوع خلاف حدودي بري، بالتزامن مع الخلاف على الحدود البحرية.

وتحدث المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، فريدريك هوف، في مقال نُشر في 7 من نيسان الحالي، عن اجتماع أجراه مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 28 من شباط عام 2011، في قصر “تشرين” الرئاسي بالعاصمة السورية دمشق.

وكتب هوف في مجلة “نيو لاينز” الأمريكية عما دار خلال اجتماعه بالأسد، وقيادته مفاوضات صريحة وواضحة للسلام بين سوريا وإسرائيل.

وتمسك الأسد، وفقًا لما نقله هوف، باعتبار مزارع شبعا وتلال كفر شوبا أراضي سورية، رغم تصدير “حزب الله” اللبناني قضية هذه المناطق المحتلة كذريعة للاحتفاظ بسلاحه، بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من لبنان عام 2000.

ومع اقتراب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من لبنان، وفي الفترة التي أُثير خلالها الموضوع في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، عام 1999، أطلق “حزب الله” شعار “المقاومة لم تنتهِ بعد” في إشارة إلى المطالبة بالقرى الشيعية السبع التي فُصلت في شمالي فلسطين عن المجتمعات ذات الصلة، من خلال ترسيم الحدود الأنجلو- فرنسية لفلسطين ولبنان الكبير.

وبما أن “حزب الله” توقع الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، فقد روّج لفكرة “إعادة” القرى إلى لبنان، للنظر في الاحتلال الإسرائيلي، واتفق النظام السوري المستفيد من بقاء “حزب الله” مع المزاعم التي أطلقها الأخير.

وحين قامت الأمم المتحدة بالتحقق من اكتمال الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في حزيران 2000، ادعى “حزب الله” أن قطعًا من الجولان تحتلها إسرائيل تتضمن عدة مزارع ومراعٍ يملكها سكان قرية شبعا اللبنانية، وهي أراضٍ لبنانية.

ولأن النظام السوري يريد استمرار “المقاومة”، اتفق مع رواية “حزب الله”، بحسب ما ورد في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية السوري في ذلك الوقت، فاروق الشرع، والأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، كوفي عنان، في 16 من أيار 2000.

 

الأرض لمَن؟

أكد المبعوث الأمريكي السابق، أن جميع الخرائط تقريبًا، بما في ذلك واحدة مصوّرة بالعملة اللبنانية، أظهرت أن مزارع شبعا ومنحدرات جبل الشيخ خارج نطاق الولاية اللبنانية.

ولم يؤكد لبنان عام 1967 أن إسرائيل احتلت جزءًا من أراضيه المتاخمة لمرتفعات الجولان، ولم يقدم مثل هذا الادعاء إلا بعد 33 عامًا، فالمناطق المذكورة (مزارع شبعا وتلال كفر شوبا) كانت تحت سيطرة سوريا قبل أن تخسرها أمام إسرائيل عام 1967.

المحامي اللبناني طارق شندب، أكد لعنب بلدي أن موضوع مزارع شبعا، المختلف عليها، هو أداة تستخدمها إيران و”حزب الله” لتبرير احتفاظ الأخير بسلاحه غير الشرعي.

وانتقد شندب ما وصفه بـ”سكوت تام” من قبل “حزب الله” و”الدولة اللبنانية” عن موقف النظام السوري من قضية الحدود، معتبرًا السلطة السياسية اللبنانية “بيدقًا” بيد النظام السوري، بحسب وصفه.

واعتبر المحامي تعاطي النظام السوري مع ملف الحدود عدم مبالاة بالدولة اللبنانية، يقابله ضعف في الطبقة السياسية اللبنانية غير القادرة على مجابهة هذا النظام وحليفه اللبناني “حزب الله”.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية خانقة تتنافس في تأثيرها مع التي تشهدها مناطق سيطرة النظام السوري، إذ يعيش البلدان ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع يقابله انخفاض قياسي بقيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.

وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الأغذية العالمي، في آذار الماضي، عن مخاطر وتهديدات بالجوع تحيق بنحو 20 دولة، من ضمنها سوريا ولبنان.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة