“المنطقة الآمنة”.. مفهوم فضفاض يؤثر على حق السوريين باللجوء

camera iconلاجئون سوريون يحتجون أمام السفارة السويدية في الدنمارك ضد قرارات رفض اللجوء- 2016(AP /Jens Dresling)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صالح ملص

“بعد بيع زوجي أملاكه في سوريا، دفعنا مبالغ كبيرة حتى استطعنا العبور مع ابني إلى مطار دمشق وغض البصر عنا وصولًا إلى الجزائر، ومن الجزائر إلى ليبيا عن طريق الصحراء لمدة ثلاثة أيام، وبقينا في ليبيا شهرًا بطريقة غير شرعية، ومن ليبيا عن طريق البحر لمدة ثلاثة أيام وصلنا إلى إيطاليا، ثم إلى الدنمارك”.

تسرد أسماء الناطور (50 عامًا) لعنب بلدي ظروف لجوئها من سوريا إلى الدنمارك عام 2014 بحثًا عن الأمان، بعد أن تعرّض منزل عائلتها للقصف في محافظة درعا عام 2013، ما أدى إلى اضطرارها للنزوح إلى مخيم “اليرموك” جنوبي دمشق.

وبعد خروج عدة مظاهرات في مخيم “اليرموك” في العام نفسه، قُصف المنزل الذي أقامت فيه عائلة أسماء، لتضطر العائلة من جديد للنزوح إلى مكان لا تعرف طريقه قذائف “الهاون”.

واجهت عائلة أسماء في أثناء نزوحها الأخير داخل سوريا “ممارسات القمع من قبل النظام عن طريق اعتقال أفراد من العائلة، والتجنيد الإجباري”.

كان عامل الخوف من الاعتقال في مناطق سيطرة النظام السوري الدافع لخوض أسماء وعائلتها المكونة من ثلاثة أفراد مغامرة اللجوء برًا وبحرًا إلى أوروبا، ولكن لم تهنأ العائلة في إقامتها بالدنمارك، حيث الوجهة التي انتهت رحلة لجوء أسماء فيها، بسبب خطر الترحيل الذي تعيشه العائلة هذه الأيام.

في عام 2019، أصدرت السلطات الدنماركية تقريرًا جاء فيه أن الوضع الأمني في بعض أجزاء سوريا “تحسن بشكل ملحوظ”، واُستخدم التقرير كمبرر لبدء إعادة تقييم مئات تصاريح الإقامة الدنماركية الممنوحة للاجئين السوريين من العاصمة دمشق، والمنطقة المحيطة بها.

حين وصلت أسماء الناطور وعائلتها إلى الدنمارك، حصل زوجها على رخصة قيادة شاحنة لتأمين مصدر مادي له ولعائلته، كما انشغل أفراد العائلة بمشروع تجاري صغير، بفتح دكان لبيع الخضار والفواكه بشكل قانوني.

“كنا ندفع الضرائب مثل الدنماركيين، ولدينا أوراق تثبت هذا”، وفق ما ذكرته أسماء، لكن هذا المشروع لم يستمر لأسباب اقتصادية، كما لم تستمر قدرة الزوج على قيادة شاحنته بسبب “تعرضه لجلطة دماغية بعد رفض دائرة الهجرة الدنماركية تمديد إقامة العائلة”.

حصلت عائلة أسماء الناطور على إقامة “الحماية الإنسانية” بعد تسعة أشهر من إقامتها بمخيم خاص باللاجئين، لكن “بسبب قرارات السياسيين الجديدة في الدنمارك التي تنص على أن دمشق منطقة آمنة”، سُحبت هذه الإقامة من العائلة، على الرغم من أنها تنحدر من محافظة درعا، ولكن “تم تجاهل هذا الأمر من قبل قرار الهجرة”، وفق ما قالته أسماء.

في شباط الماضي، اقترح أحد الأحزاب الدنماركية المعارضة إيجاد طريقة للتعاون مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على إعادة اللاجئين السوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو سُحبت، وذلك على اعتبار أن مدينة دمشق “منطقة آمنة للعودة إليها”.

القانون يغيب عن تحديد “المنطقة الآمنة”

لا يوجد تعريف دقيق لمفهوم “المنطقة الآمنة” في القوانين الدولية، بحسب ما قاله المحامي والحقوقي السوري هشام مسالمة، الذي يعمل في قضايا اللجوء منذ عام 2005.

ويُعتمد على اتفاقية 1951 باعتبارها أول اتفاقية دولية حقيقية تتناول النواحي الجوهرية من حياة اللاجئ، للدفاع عن حقوق اللاجئ في جميع أنحاء العالم، لكن هذه الاتفاقية لم تنص على مفهوم “المناطق الآمنة”، بحسب ما قاله المحامي مسالمة لعنب بلدي، ولكن عند كثرة اللجوء من مناطق النزاع المسلح، تبذل الدول جهودًا في البحث عن حلول بديلة بسبب كثرة عدد طالبي اللجوء من مكان معيّن.

ويُشترط في هذا المكان المُحدد من قبل الدول ألا يضم أي انتشار للقوات العسكرية، لأن الهدف من هذه المنطقة هو إبعاد المدنيين عن مناطق النزاع المسلح، وفق ما أوضحه مسالمة، ويُستخدم مصطلح “المنطقة الآمنة” في مجلس الأمن لغرض واحد وهو حماية المدنيين.

غياب تحديد “المنطقة الآمنة” في القانون، ينتج عنه غياب المعيار لتصنيف ما إذا كان المكان آمنًا لإقامة المدنيين فيه، أو أنه يشكل خطرًا على حقهم في الحياة.

ويعتبر المحامي والحقوقي مسالمة أن غياب المفهوم الخاص بـ”المنطقة الآمنة” بمثابة “نقص وقصور من المشرّع الدولي في إحاطته لهذا الموضوع القانوني لحماية اللاجئين من المدنيين الذين هم خارج دائرة النزاع المسلح”.

وهناك عدة عوامل وظروف سياسية تلعب دورًا في عدم إصدار قرار لتحديد مفهوم “المنطقة الآمنة”، وفق ما يعتقده مسالمة، مع تأكيده بأن تلك العوامل لا تعد مبررًا لغياب الآلية القانونية لتحديد ذلك.

أثر معدوم على حق اللاجئين

عدم وجود تعريف قانوني واضح لمصطلح “المنطقة الآمنة” لن يؤثر على حق اللاجئين السوريين في بلدان الاتحاد الأوروبي بمنح إقامة “الحماية الإنسانية”، وفق ما قاله مسالمة، أو الأشخاص الذين جاؤوا من أماكن لا تتمتع بالمستوى المطلوب لحماية حقهم في الحياة.

ويعود ذلك إلى وضوح مصطلح “المنطقة الآمنة” في الاجتهادات الحقوقية من قبل مجلس الأمن والمنظمات المعنية بحماية اللاجئين.

حاولت أسماء الناطور تحصين عائلتها من خطر الترحيل إلى سوريا، من خلال تعديل وضع إقامة عائلتها من “الحماية الإنسانية” إلى اللجوء السياسي، بطلب من “هيئة تظلم اللاجئين الدنماركية”، إلا أن قرار “هيئة التظلم” جاء بعدم تمديد إقامة “الحماية الإنسانية”، “مع خطر الترحيل بحجة أن دمشق آمنة وأننا عشنا فيها لفترة”، وفق قول أسماء الناطور.

والفرق بين حق اللجوء و”الحماية الإنسانية”، وفق ما شرحه المحامي مسالمة، هو أن حق اللجوء يُمنح لشخص أخذ صفة اللاجئ بموجب اتفاقية 1951 التابعة للأمم المتحدة، كونه تعرض لاضطهاد حقيقي يهدد حياته بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو بسبب آرائه السياسية.

أما “الحماية الإنسانية” فتُمنح تقديريًا من الدولة المضيفة مؤقتًا، كونها ترى بأن البلد الأصلي لشخص ما في فترة معيّنة غير آمن.

و”من يستحق صفة اللاجئ من كل الأطراف لا يتعدون من مجمل السوريين الموجودين في أوروبا 25%”، وفق ما قاله الحقوقي مسالمة، لأن صفة اللجوء مشروطة بالشعور الحقيقي بالاضطهاد الذي يهدد حياة الفرد.

وفي مقابلة إلكترونية للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، في 30 من آذار الماضي مع عنب بلدي، قال إن “موقف الاتحاد الأوروبي فيما يخص العودة لم يتغير”، وإن “الاتحاد يتفهم ويدعم تطلعات بعض السوريين للعودة الطوعية إلى ديارهم، ولكن الظروف اللازمة للعودة على نطاق واسع لم تتوفر بعد”.

وأكد بوريل أن المعايير التي وضعتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، توضح تمامًا أن الظروف داخل سوريا لا تسمح في الوقت الحاضر بتعزيز عمليات العودة على نطاق واسع في ظروف آمنة وكريمة بما يتماشى مع القانون الدولي.

واستشهد بحالات العودة المحدودة التي حدثت، والعقبات والتهديدات العديدة التي لا تزال تواجه النازحين داخليًا واللاجئين العائدين، وبصفة خاصة التجنيد الإجباري، والاحتجاز العشوائي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والعنف البدني والجنسي، والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات، فضلًا عن الخدمات الأساسية السيئة أو غير الموجودة.

وأدان محللون وباحثون وخبراء في السياق السوري في بيان مشترك نقله موقع منظمة “هيومن رايتس ووتش” قرار الحكومة الدنماركية بإزالة “الحماية الإنسانية” عن اللاجئين السوريين القادمين من العاصمة السورية دمشق.

وقال البيان الصادر في 20 من نيسان الحالي، إن القرار استخدم شهاداتهم في تقرير دائرة الهجرة الدنماركية لبلد المنشأ (COI) بشأن دمشق، لكنهم لا يعترفون بآرائهم في الاستنتاجات أو السياسات الحكومية اللاحقة.

ولا يعتبر المحللون أن سياسة الدنمارك تجاه اللاجئين السوريين تعكس تمامًا الواقع الحقيقي على الأرض، إذ إن الظروف غير موجودة حاليًا في أي مكان في سوريا للعودة الآمنة، كما أن أي عودة يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة، حسبما أوضح الاتحاد الأوروبي.

قرارات سياسية بعيدة عن احترام القانون

بحسب ما يعتقده المحامي والحقوقي هشام مسالمة، فإن “قاعدة صفر لجوء” التي تبنتها الأحزاب اليمينية المعارضة في أوروبا، هي “مراوغة سياسية لكسب أصوات الناخبين”، لكن هذا لا يعفيهم من مسؤولياتهم القانونية في دول يعد القانون أساس مؤسساتها الحكومية.

والبلدان التي اتخذت في الفترة الأخيرة سياسة الترحيل، مثل الدنمارك، لن ترحّل أي لاجئ إلى سوريا، وفق مسالمة، لأنه حتى الترحيل له آلية قانونية خاصة للشخص الذي يتمتع بحق “الحماية الإنسانية”، بل سيقيمون داخل مخيمات خاصة بهم تؤمَّن لهم فيها حقوقهم بالتغذية السليمة، لكن لن يُمنحوا حق اللجوء، كونهم من مدينة دمشق، التي تصر الدنمارك على أنها “منطقة آمنة”.

لم تتسلّم أسماء الناطور بعد قرار “هيئة تظلم اللاجئين الدنماركية” بعدم تمديد إقامة “الحماية الإنسانية”، بل وكّلت عائلتها محاميًا دنماركيًا لمعالجة القضية، في الوقت الذي تعيش فيه العائلة “تشتتًا ذهنيًا واكتئابًا نفسيًا وعدم استقرار”، وفق ما عبرت عنه أسماء الناطور.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة