مستويات ضغط روسية على “قسد” تقابلها مقاومة بدعم أمريكي

camera iconقوات روسية في مناطق سيطرة قسد (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- علي درويش

يمارس الروس عدة مستويات من الضغط، السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي،  على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك في إطار سعيهم إلى تحقيق مكاسب للنظام السوري على حساب “قسد”.

تختلف الجهات الداعمة لكل طرف من القوة العسكرية في سوريا بحسب المصالح والمناطق التي يسيطر عليها، إذ يدعم التحالف الدولي لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى رأسه الولايات المتحدة، “الإدارة الذاتية” في شمالي وشرقي سوريا، وبشكل خاص ذراعها العسكرية “قسد”.

بينما يتمتع النظام بدعم من قبل الروس على مختلف الصعد (عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا)، منذ إعلان الروس تدخلهم العسكري في سوريا إلى جانب النظام في 30 من أيلول 2015، وهو ما يعتبر استكمالًا للمصالح والعلاقات الروسية المشتركة مع النظام.

بينما تتمتع فصائل المعارضة المنضوية في “الجيش الوطني” بدعم تركي، استثمرته بعمليات عسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في ريف حلب، وضد “قسد” في عفرين وشمالي الرقة والحسكة.

وتضغط روسيا على “قسد” لتحصيل أكبر قدر من المكاسب لمصلحتها ولمصلحة النظام السوري، وهو ما ظهر جليًا في دخول قوات روسية وسورية إلى مناطق بمحافظة الرقة، خلال عملية “نبع السلام” التركية، وانسحاب الشرطة العسكرية الروسية مؤخرًا من بعض مناطق ريف حلب الشمالي.

أساليب ضغط حسب المرحلة

الباحث المختص بشؤون شرق الفرات في سوريا بدر ملا رشيد، قسّم أساليب الروس للضغط على “قسد” إلى مرحلتي “ما قبل عفرين وما بعدها”، أي سيطرة “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا  على منطقة عفرين شمال غربي حلب خلال عملية “غصن الزيتون” في آذار 2018.

وكانت عفرين قبل خروجها عن سيطرة “قسد” النقطة الرئيسة للضغط الروسي على “قسد” أمنيًا وعسكريًا، لكن بعد عملية “غصن الزيتون”، استغل الروس موضوع “منطقة الشهباء” في حلب ومناطق أخرى في الضغط على “قسد”، لكن الأخيرة اكتسبت في نفس الوقت “بعض المناعة”، حسب حديث الباحث بدر ملا رشيد إلى عنب بلدي.

“منطقة الشهباء” هي جيب تطلق عليه “الإدارة الذاتية” اسم “مقاطعة الشهباء”، يقع شمالي محافظة حلب بجوار منطقة عفرين، يشمل المنطقة الممتدة من قرية مرعناز جنوب مدينة اعزاز والريف الغربي لمدينة الباب، وأكبر المدن الواقعة في الجيب تل رفعت.

وسيطرت “قسد”، منتصف شباط 2016، على تل رفعت، عقب معارك ومواجهات مع ما تبقى من فصائل “الجيش الحر”، التي أنهكتها مواجهة ثلاثة أطراف حينها (تنظيم “الدولة الإسلامية” شرقًا، قوات النظام جنوبًا، “وحدات الحماية” غربًا)، في ظل نزوح معظم سكانها نحو الحدود مع تركيا.

وعقب انتهاء عملية “غصن الزيتون”، بقيت المدينة وبعض القرى المحيطة بها تحت سيطرة “الوحدات” (عماد قسد) وقوات النظام، وارتبطت بطبيعة التفاهمات بين الأتراك والروس شمالي سوريا.

وعاد الضغط الروسي إلى الواجهة خلال عملية “نبع السلام”، وتغيرت المعادلة على الأرض أمنيًا وعسكريًا، بسبب دخول الروس إلى مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات، وصار هناك ضغط روسي على مختلف الاتجاهات، كانسحاب القوات العسكرية الروسية وإعادة انتشارها وتمركزها حول الطريق الدولي “M4” (بين الحسكة وحلب)، والتلميح بعدم حماية المنطقة، إضافة إلى محاولة الروس تشكيل قوة عسكرية محلية في المنطقة، حسب الباحث بدر ملا رشيد.

وكان “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا أطلق، في تشرين الأول 2019، عملية “نبع السلام” شرق الفرات، لإبعاد خطر “قسد” من الحدود التركية، والتي انتهت بتوقيع اتفاق روسي- تركي، وسيطرة تركيا و”الجيش الوطني” على مدينتي تل أبيض شمال الرقة ورأس العين شمال غربي الحسكة.

وتمكنت روسيا، في 22 من تشرين الأول 2019، من الدخول إلى بلدة عين عيسى، التي كانت تعتبر بمثابة عاصمة سياسية لـ”الإدارة الذاتية”، والانتشار في محافظتي الرقة والحسكة، وتسيير دوريات مع الأتراك، وفقًا للاتفاق.

كما أن موسكو تلعب على ورقة العشائر في شمال شرقي سوريا، إذ تعقد معهم اجتماعات مستمرة، تقول أمريكا إن الهدف منها تشكيل ميليشيات موالية للروس في المنطقة.

وفي 13 من نيسان الحالي، انسحبت الشرطة العسكرية الروسية مؤقتًا من بعض نقاطها في مدينة تل رفعت وبلدة كشتعار شمالي حلب الخاضعتين لسيطرة “قسد”، إلا أنها عادت في اليوم التالي، وهو ما اعتبره محللون وسيلة ضغط روسية، وفق ما رصدته عنب بلدي.

وسبق الانسحاب الروسي إلقاء الطيران التركي منشورات على المدينة، إذ تصنف أنقرة “قسد” بأنها جماعة “إرهابية”، وشنت ضدها عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية.

وبحسب ما نشرته وحدة التحليل والتفكير في مركز “جسور للدراسات” في تحليل الانسحاب الروسي المؤقت من تل رفعت، فقد جاء بعد تعثر جهود الضغط على “قسد” بإغلاق معبر “شعيب الذكر” غرب الرقة من قبل النظام السوري، وبالتالي تعطيل أسواق تصدير النفط الأساسية التي كانت تعتمد عليها “قسد” في بيع إنتاجها، في الوقت الذي قصفت فيه قصف مصافي تكرير النفط البدائية (الحراقات) في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة.

لكن عدم وجود نية روسية للانسحاب الكامل من تل رفعت يجعل هامش المناورة والضغط على “قسد” محدودًا، ويتيح لها عدم الاستجابة، على غرار ما حصل في بلدة عين عيسى شمالي الرقة.

كما أن روسيا غير مستعدة لتقديم تنازلات مجانية أمام إيران وتركيا، فانسحابها من مواقعها شمالي حلب بشكل كامل ودائم يعني إتاحة المجال لهما لملء الفراغ، وتراجع تأثيرها في الملف، سواء بالمفاوضات مع تركيا أو “قسد”.

منع من المشاركة السياسية والمساعدات الإنسانية

تحاول روسيا الضغط على الأطراف المناوئة للنظام بمختلف الطرق، سواء بالمواجهة العسكرية المباشرة أو عبر التدخل السياسي في مجلس الأمن، إذ استطاعت روسيا حصر جميع المعابر الحدودية التي تدخل منها المساعدات الأممية بيد النظام (ومن بينها معبر “اليعربية” الذي كان يصل شرق الفرت بكردستان العراق)، باستثناء معبر “باب الهوى” شمالي إدلب، الذي يربط مناطق سيطرة المعارضة بالأراضي التركية.

وبحسب الباحث بدر ملا رشيد، يعمل الروس على موضوع إعاقة والتحكم بمشاركة “الإدارة الذاتية” في العملية السياسية السورية، سواء في “هيئة التفاوض السورية” أو “اللجنة الدستورية السورية”.

“هيئة التفاوض السورية”، بدأ تشكيلها في مؤتمر “الرياض 1” عام  2015، وضمت حينها أطرافًا مختلفة من المعارضة إلى جانب ممثلين عسكريين، وفي مؤتمر “الرياض  2” عام 2017، انضمت إليها منصتا “موسكو” والقاهرة” “المعارضتان”.

أُنشئت اللجنة الدستورية لتحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة، وتتكون اللجنة من ثلاثة وفود تشمل المعارضة (منبثق عن هيئة التفاوض) والنظام والمجتمع المدني.

لكن بعد عودة الولايات المتحدة إلى المشهد تغير الأمر نوعًا ما، وحدث نوع من التوازن أكبر لدى “الإدارة الذاتية”، حسب الباحث بدر ملا رشيد، ويلاحَظ ذلك عبر توجهها إلى الحوار الكردي- الكردي، وعدم عقد اتفاقيات وتفاهمات بشروط ضعيفة مع النظام، فبعدما دخلت “الإدارة الذاتية” في أثناء عملية “نبع السلام” بمفاوضات مباشرة مع النظام، تراجعت بعد بقاء الجانب الأمريكي وظهور بوادر بقائه.

ويقود الحوار الكردي- الكردي كل من حزب “الاتحاد الديمقراطي”، الذي يشكل نواة “الإدارة الذاتية” المدعومة أمريكيًا، و”المجلس الوطني الكردي”، المقرب من أنقرة وكردستان العراق، والمنضوي في هيئات المعارضة السورية، والذي سبق أن أُغلقت مكاتبه واُعتقل عدد من أعضائه وطُردت ذراعه العسكرية من المنطقة، من قبل “الاتحاد الديمقراطي”.

وأوضح الباحث أن للروس مصالح سياسية كبيرة بالضغط على “الإدارة الذاتية”، فبمجرد أن حسمت “الإدارة” موقفها النهائي سواء الوقوف إلى جانب “المجلس الوطني الكردي” أو التفاهم مع النظام، فهذا الأمر سيغير الخارطة السياسية في سوريا، لأن الاتفاق سيحمل جوانب اقتصادية وعسكرية، وسيريح النظام  وروسيا بما يخص موضوع المعابر والمواد الأولية والنفط الذي تحاول روسيا الوصول إليه.

لكن هذا متعلق بالموقف الأمريكي، الذي لا يزال معارضًا لأي تفاهمات بين “الإدارة الذاتية” والنظام، بالإضافة إلى أن سقف “الإدارة الذاتية” في التفاوض للحصول على إدارة محلية لا ترتبط بدمشق، غير مقبول لدى النظام، إذ لا يريد التنازل عن سلطاته لا إداريًا ولا عسكريًا ولا سياسيًا، وما يتنازل عنه فقط لميليشيات لا يمنحها صفات رسمية، وهو ما يتيح له إعادة ما أعطاه للميليشيات متى أراد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة