شرق الفرات ومؤسسات المعارضة..

ما انعكاسات المصالحة السعودية- التركية المرتقبة على سوريا؟

camera iconوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود (وكالة الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

قد يكون الملف السوري أبرز نقاط الخلاف أو الوفاق التي توضع على طاولة المفاوضات بين القوى المؤثرة في سوريا، وهو ما تدور حوله تساؤلات بشأن المصالحة التركية- السعودية المتوقعة وانعكاساتها على أكثر من ملف معقد في سوريا، خاصة مع اصطفاف البلدين على طرفي نقيض من جهة التشكيلات المدعومة من قبلهما على الأرض.

بعد أربع سنوات من القطيعة في العلاقات التركية- السعودية، أجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 10 من أيار الحالي، زيارة إلى المملكة العربية السعودية استمرت يومين.

وعلى الرغم من تصريحات سعودية مقتضبة تلت الزيارة، دعا جاويش أوغلو وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، إلى زيارة تركيا خلال الفترة المقبلة، وأبدى رغبة الطرفين بمواصلة الحوار “لمعالجة الخلافات العالقة بين البلدين”.

الرياض قد تقلل ضغطها على أنقرة عبر “قسد”

لا يعتقد الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة، أن تكون لمصالحة السعودية مع تركيا انعكاسات كبيرة على الملف السوري أو أن تحدث تغييرًا ديناميكيًا على الأراضي السورية، ولكنه توقع، في حديث إلى عنب بلدي، حدوث تغييرات بسيطة، تتجسد بعلاقة السعودية مع بعض اللاعبين السياسيين في القضية السورية.

وبحسب سلايمة، قد يطرأ تغيير في سياسة السعودية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية” المسيطرة على مناطق في شمال شرقي سوريا، أو بعض الأطراف الموجودة في شرق الفرات، إذ كانت الرياض تستخدم علاقاتها مع تلك الأطراف للضغط على أنقرة خلال الفترة الماضية.

وكانت المملكة السعودية زادت علاقاتها مع “الإدارة الذاتية”، بعد زيارة وزير الدولة السعودي، ثامر السبهان، مع مسؤولين أمريكيين إلى شمال شرقي سوريا في 2019، التقى فيها عددًا من شيوخ ووجهاء وإداريين من قبائل ومجالس محافظة دير الزور، وهي الثانية بعد زيارة إلى الرقة في 2017.

وجاء توقيت الزيارة بعد هزيمة تنظيم “الدولة” وتحركات تركية شمالي سوريا، في خطوة فُسّرت بأنها لدعم “قسد” ضد أنقرة التي شهدت علاقاتها مع الرياض توترًا دبلوماسيًا.

لكنّ مصدرًا من “قسد” قال لصحيفة “العربي الجديد” حينها، إن الزيارة تركزت حول تمويل السعودية قوات عربية تدعمها واشنطن لمقاومة محاولات التمدد الإيراني في شمال شرقي سوريا.

توافق في مؤسسات المعارضة؟

توقع الباحث بلال سلايمة أن تنعكس المصالحة على بنية ورئاسة “الائتلاف السوري المعارض”، إذ ارتبط انتخاب الشخصيات التي تسلّمت منصب القيادة فيه خلال السنوات الماضية بتوازنات إقليمية متعلقة بالملف السوري.

ومع تراجع العلاقات التركية- السعودية، بسطت تركيا نفوذًا أكبر على قيادة “الائتلاف”، بحسب الباحث، متوقعًا أن ينتج عن عودة العلاقات حدوث نوع من التوافق على الشخصية التي ستقود “الائتلاف”.

وأُسّس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في تشرين الثاني 2012، بعد عقد عدة اجتماعات بين مجموعة من السياسيين المعارضين للنظام السوري وأعضاء من الحراك الثوري في العاصمة القطرية الدوحة، وقدم نفسه كمظلة جامعة للمعارضة ضد النظام السوري، وترأسه منذ نشأته تسعة سياسيين سوريين.

واعترفت دول الخليج العربي بـ”الائتلاف الوطني” ممثلًا شرعيًا للشعب السوري، وسحبت اعترافها بالنظام الحالي الذي يرأسه بشار الأسد، كما حظي “الائتلاف” باعتراف جامعة الدول العربية بالتمثيل الشرعي للشعب السوري، باستثناء دول الجزائر والعراق ولبنان.

لكنه قوبل بانتقادات واتهامات واسعة، حول أدائه السياسي وعدم شموليته كامل أقطاب المعارضة.

ويعتبر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أكبر أجسام المعارضة، إذ يمتلك في مناطق سيطرة المعارضة ذراعًا عسكرية متمثلة بـ”الجيش الوطني”، وإدارية متمثلة بالحكومة “المؤقتة”.

الأزمة السعودية- التركية زادت خلافات المعارضة السورية

منذ مطلع العام الحالي، عادت الخلافات لتطفو على السطح بين مكونات “هيئة التفاوض السورية” التي انبثقت عن مؤتمر “الرياض- 1” في 10 من كانون الأول 2015، وأُضيفت إلى مكوناتها منصتا “القاهرة” و”موسكو” بمؤتمر “الرياض- 2” في تشرين الثاني 2017، وذلك في انقسام واضح، تعود جذوره إلى كانون الأول 2019، فيما يسمى “أزمة المستقلين”.

ونشأت “أزمة المستقلين” في “هيئة التفاوض” عام 2019، بعد استضافة العاصمة السعودية الرياض عددًا من السوريين لاستبدالهم بمجموعة المستقلين في “الهيئة”، إلا أنها فشلت في تعيين ثماني شخصيات جديدة.

ووُجهت انتقادات للسعودية من قبل معارضين سوريين التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق، بسبب دعمها “هيئة التنسيق” ومنصتي “القاهرة” و”موسكو”، في محاولة من المملكة لزيادة نفوذها في المعارضة السورية عبر هذه المكونات، مقابل “النفوذ التركي المسيطر على المعارضة”، حسب الرؤية السعودية.

وتعد تركيا الداعم الأساسي لـ”الائتلاف الوطني” أكبر كتل “الهيئة”، كما تدعم أكبر تشكيلات المعارضة العسكرية المتمثل بـ”الجيش الوطني” شمالي سوريا، وتحظى بعلاقات جيدة مع “المجلس الوطني الكردي”.

ما قضية المستقلين وما دور السعودية؟

تتألف “هيئة التفاوض” من 36 عضوًا موزعين كالتالي: ثمانية من “الائتلاف الوطني”، وأربعة من منصة “القاهرة”، وأربعة من منصة “موسكو”، وثمانية أعضاء مستقلين، وسبعة من الفصائل العسكرية، وخمسة من “هيئة التنسيق”، ولكل عضو صوت ضمن “هيئة التفاوض” (36 صوتًا).

وكان المتحدث باسم “كتلة المستقلين”، مهند الكاطع، أوضح لعنب بلدي أن ولاية “المستقلين القدامى” منتهية منذ نحو سنتين.

وسبق عقد مؤتمر المستقلين في كانون الأول 2019، طلب السعودية من “هيئة التفاوض” التحضير لإجراء انتخابات، لكن “الائتلاف” حينها مدّد ثلاثة أشهر بحجة العمليات العسكرية في شمال غربي سوريا، حسب الكاطع.

وأُرسلت كتب حينها إلى جميع أطراف “هيئة التفاوض” للتحضير للانتخابات، حسب الكاطع، مشيرًا إلى أنها كانت الآلية الوحيدة لإحداث توسعة للمستقلين.

وأوضح أنه “من لم يدعَ في المؤتمر الأول تتم دعوته في المؤتمر الثاني، وتتحول هذه إلى آلية تعيين للمستقلين لتلافي الاستئثار بالمنصب”.

وبرر الكاطع نشوء “أزمة المستقلين” بتجاهل اللائحة التنظيمية في “هيئة التفاوض”، وإبقاء المستقلين المنتهية ولايتهم، وإبقاء رئيس “هيئة التفاوض” المنتهية ولايته، وتعطيل “هيئة التفاوض” تمامًا بعد اجتماع المستقلين الذي رعته المملكة العربية السعودية بوصفها مكلفة دوليًا برعاية “الهيئة”.

ما دوافع المصالحة وما فرص نجاحها؟

أبدت تركيا منذ نهاية العام 2020 استعدادها لإقامة علاقات مع دول مختلفة، وتوطيد علاقات مع دول أخرى، بعد توترات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية.

وأبدى الرئيس التركي انفتاح بلاده على تحسين علاقاتها خلال العام الحالي، وقال “ليست لدينا أي مشكلات أو قضايا عصية على الحل مع أوروبا أو الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو أي دولة في المنطقة”.

وتلجأ تركيا إلى إعادة تطبيع بعض علاقاتها المتأزمة، كعلاقاتها مع السعودية ومصر والإمارات، بهدف إعادة تموضعها إقليميًا، ولترتيب ملفها في السياسة الخارجية، بحسب الباحث في “المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف” بلال سلايمة.

ويرى سلايمة أن الرغبة تلك نتجت عن ضغوط سياسية أمريكية، وما تبعها من ظروف اقتصادية تعرضت لها تركيا بعد تولي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السلطة، وبعد توتر مستمر لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بسبب ملف شرق المتوسط والعلاقات مع قبرص واليونان.

واعتبر سلايمة أن السعودية تأخذ “موقفًا مترددًا” من عودة علاقاتها مع تركيا، إذ بعثت قبل أسبوعين رسالة “سلبية” من موقفها عبر إغلاقها عددًا من المدارس التركية في الرياض، كما أُغلق عدد من المدارس السعودية في اسطنبول وأنقرة.

الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه وفقًا للمعطيات، لا تعتبر العودة إلى القنوات الدبلوماسية بين أنقرة والرياض أمرًا سهلًا، في ظل وصول التوترات بينهما إلى أعلى ذروة منذ سنوات طويلة نتيجة لتصريحات البلدين المكشوفة أمام الرأي العام التي جعلت فرصة التعامل مع القضية من الناحية الدبلوماسية أشد صعوبة.

ويعتقد طه عودة أوغلو أن المنطقة حاليًا تحاول التأقلم مع المتغيرات الدولية، وفي مقدمتها إدارة جو بايدن، التي تفرض على دول الإقليم تبني خطاب خارجي جديد يتناسب مع المرحلة، على حد قوله.

وشهدت العلاقات بين أنقرة والرياض ذروة التوتر إثر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عام 2018، في قنصلية بلاده باسطنبول.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة