ما الذي يدفع مراهقين لإنتاج “فيديوهات تافهة” في “تيك توك”

camera iconالملقب حنش على منصة تيك توك (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد جرعتلي

“هدي حناااش”، تغزو هذه العبارة وسائل التواصل الاجتماعي، مستمدّة من فيديوهات ساخرة للشاب السوري منذر عزيزي عبر تطبيق “تيك توك” واسع الانتشار بين المراهقين.

يركز منذر، الملقب بـ”الحنش” والمقيم في تركيا، مع مجموعة من رفاقه في فيديوهات صغيرة وبسوية إنتاجية منخفضة على صفات النخوة والمروءة لدى الشباب، لكن انتشار هذه الفيديوهات الواسع ليس لما تحمله من رسائل يعتبرها منتجوها إيجابية، بل لما يصفه منتقدوها بـ”التفاهة” التي تحملها.

رغم الانتقادات التي توجه إلى تطبيق “تيك توك”، من حيث غلبة المحتوى “غير المفيد” في الفيديوهات المشارَكة، يواصل التطبيق الصعود بسرعة إذا ما قورن بمراحل نمو “إنستجرام” و”فيس بوك”.

يركز التطبيق على المحتوى المسلّي والترفيهي المصحوب بموسيقى غالبًا، ويشارك الناس فيه حياتهم اليومية العادية، وتنتشر من خلاله أساليب التحدي بين المراهقين والمنافسة لأداء رقصات معيّنة على سبيل المثال.

ووصل عدد مستخدمي التطبيق، المملوك من قبل شركة “بايت دانس” الصينية، إلى 150 مليون مستخدم نشط يوميًا عام 2020.

وكون أغلبية مستخدمي التطبيق هم من المراهقين، فردود الفعل غالبًا ما تكون سلبية وموصوفة بـ”التفاهة”، لتحقيقها كميات كبيرة من المشاهدات، رغم خلوّها من أي نوع من أنواع الفائدة، بل وتكون منافية لعادات المجتمع العربي في كثير من الأحيان، مثل فيديوهات العُري، والرقص، من قبل مراهقين من كلا الجنسين.

“تيك توك” كمصدر للدخل؟

سعيد (22 عامًا)، وهو أحد مستخدمي التطبيق ومنشئي المحتوى فيه، قال لعنب بلدي، إن حال التطبيق كأي منصة أو تطبيق آخر يحتوي على جميع أنواع منشئي المحتوى، لكن الخوارزمية التي يعمل بها التطبيق تجعل من جميع الفيديوهات متاحة للمشاهدة من دون قيود على الفئات العمرية أو الاهتمامات.

ينشر سعيد فيديوهات ليومياته على التطبيق، ويعمل على إنشاء فيديوهات من خلال ميزة البث المباشر التي يتيحها التطبيق، والتي تتيح للمستخدمين الحصول على مكاسب مادية مقابل المحتوى المنشور، بحسب سعيد.

ويتيح التطبيق الربح المادي لجميع المستخدمين بمجرد حصولهم على ملف تعريف شخصي ضمن التطبيق وفيديوهات بأعداد مقبولة من المعجبين والمعلّقين عليها.

ويعتبر البث المباشر ضمن التطبيق هو الطريقة الأسهل للكسب المادي من قبل المبتدئين في البرنامج، فحينما يصبح لديك ألوف المعجبين، فإنهم على استعداد لأن يدفعوا لك المال حينما تفعل خاصية البث المباشر، عن طريق شراء الهدايا الافتراضية، التي تمكنك لاحقًا من تحويلها إلى مال حقيقي بعد استقطاع عمولة “تيك توك”.

كما تعمد فئة أُخرى من الناشرين إلى توقيع صفقات مع شركات والترويج لمنتجاتها عبر التطبيق، لكن طريقة الربح هذه تشترط أن يكون صاحب الملف التعريفي يملك أعدادًا كبيرة من المعجبين على فيديوهاته، وتعتبر هذه الطريقة إحدى أكثر الطرق ربحًا للمال ضمن مجتمع “تيك توك”.

لكن البداية تبقى هي الأصعب، فعلى منشئ المحتوى في التطبيق الحصول على أعداد معقولة من المعجبين ليتسنى له جني الأرباح، بحسب سعيد.

وتصل أرباح بعض مستخدمي التطبيق إلى آلاف الدولارات شهريًا وأحيانًا إلى مئات الآلاف، مثل “نجمة تيك توك” الأمريكية لورين جراي.

وتصل أرباح لورين، التي يبلغ عدد متابعيها على “تيك توك” 35 مليون شخص، إلى 175 ألف دولار لكل مقطع فيديو مدفوع مدته 60 ثانية تنشره، وهذا المبلغ يقترب من ضعف متوسط الرواتب السنوي في الولايات المتحدة، المقدر بـ74 ألفًا و700 دولار.

لماذا هذا الإقبال على “تيك توك”؟

قال سعيد لعنب بلدي، إن معظم مستخدمي التطبيق هم من الساعين للشهرة والكسب المادي في الوقت ذاته، فالنجاح في “تيك توك” يعني النجاح في منصات أخرى، مثل “إنستجرام” و”يوتيوب”.

فعند تحقيق أعداد كبيرة من المعجبين والمشتركين، يمكن نشر حساب المستخدم ذاته على منصات أخرى، ما يزيد من فرص الكسب المادي للمستخدمين.

وهو ما تؤكده حالة الشاب منذر عزيزي (الحنش) الذي يملك 1.7 مليون متابع في “تيك توك”، و177 ألف متابع في “يوتيوب”.

وعن “تفاهة” المحتوى الموجود في بعض الأحيان، قال سعيد، إن المنصة تحتوي على جميع أنواع المستخدمين وجميع أنواع الفيديوهات، وهذا ما يجعلها منصة ذات شعبية كبيرة، لكن للأسف تبقى الأكثر شهرة منها هي الفيديوهات التي لا تحمل أي قيمة.

وأضاف، “لا يمكنك أن تستهجن فيديوهات خالية من المعنى منشئُها طفل بعمر 14 عامًا، لكن عليك أن تستغرب الفئات العمرية الأكبر سنًا التي تتابع هذه الفيديوهات وتسهم بانتشارها على أنها فيديوهات مسلّية”.

منصة “مثالية” لخلق المدمنين والمتنمّرين

نشرت مجلة “Exploring yourmind” الأمريكية، المختصة في مجال الصحة النفسية والعقلية، مقالًا تصف فيه تطبيق “تيك توك” بالمنصة المثالية لخلق المدمنين بشكل جماعي.

وتتمثل استراتيجية المنصة في تنويم المستخدم مغناطيسيًا لإبقائه متصلًا عبرها لساعات، إذ يبدأ المستخدم تصفحه عبر المنصة من خلال أغنية لأحد فنانيه المفضلين، وينتهي به المطاف بمشاهدة فيديو “لقطة راقصة”.

واعتبرت المجلة أن تدفق الفيديوهات داخل المنصة لا نهاية له، ولن تضطر لاحقًا للبحث عن الفيديو المفضل لديك، بل إن الذكاء الصناعي وخوارزمية “تيك توك” تفعل ذلك من أجلك.

ويترك هذا الإدمان على البشر أثرًا سلبيًا، إذ يجعل من الصعب على المدمنين التركيز في الحياة اليومية، ويجعل من التخطيط للحياة الواقعية أمرًا صعبًا.

نحن في وقت تتعرف أغلبية الشباب على الواقع من خلال هذه الشاشات، بحسب المجلة، لكن عالم “تيك توك” الديناميكي ليس مستقرًا ويتغير باستمرار، ما يجعل من المدمنين غير مدركين للواقع حولهم، وهنا يكمن خطر هذا النوع من الإدمان.

الاستخدام المناسب لهذه التكنولوجيا يصنع الفارق، إذ إن مواقع الإنترنت هي المكان الذي يتم فيه رسم الخط الفاصل بين الترفيه الأصلي والصحي والمعاناة والإدمان، ويجب علينا جميعًا أن نضع هذا في الاعتبار، لأنه لا يوجد أحد محصّن، ويجب على الآباء الانتباه بشكل خاص لاستخدام أطفالهم لوسائل التواصل الاجتماعي، بحسب المجلة.

وفي مقال نشره موقع “Buzz Feed News“ عن إساءة استخدام إحدى ميزات المنصة والمعروفة باسم “Duet”، قال إن حالات التنمّر تزداد بين مستخدمي المنصة وخاصة المراهقين منهم.

وقال المتحدث باسم منصة “تيك توك” لموقع “Buzz Feed News” في وقت سابق، إن “تعزيز بيئة تطبيقات آمنة وإيجابية هو أولويتنا القصوى، ولدينا عدد من التدابير المعمول بها للحماية من سوء الاستخدام. يتضمن ذلك إعدادات الخصوصية التي تسمح للمستخدمين بالتحكم فيمن يمكنه إنشاء ثنائيات معهم أو التعليق على مقاطع الفيديو الخاصة بهم”.

إذ يمكن للمستخدمين اختيار جعل حساباتهم خاصة حتى يتمكنوا من تقييد المحتوى الخاص بهم للمتابعين المعتمدين فقط، لكن الكثير من المستخدمين يحاولون ترك حساباتهم معروضة للعامة للحصول على كميات أكبر من التفاعل.

هل يوجد محتوى عربي هادف في “تيك توك”؟

احتوى التطبيق خلال العامين الماضيين على العديد من الحسابات التي حاولت إنشاء محتويات هادفة، الثقافي والتعليمي منها، إلا أن القليل منها صمد، وسط رواج كبير لفيديوهات الرقص والمقالب.

وما زال العديد من الممثلين العرب والمشاهير والسياسيين مستمرين بتقديم فيديوهات على التطبيق، كما بدأت بعض وسائل الإعلام العربية باستثماره لتقديم محتوى مهني يمتاز بالخفة والمعلومات المركزة.

كما يستثمره بعض المشاهير لتقديم محتوى مفيد، على غرار صانع القصص السينمائية المصري محمد عباس، الذي اشتهر بمقاطع الفيديو التمثيلية التي لاقت رواجًا واسعًا بين روّاد “تيك توك”، ويتابعه منهم أكثر من مليوني متابع.

ويسلّط عباس الضوء في بعض الأحيان على قضايا جوهرية في المجتمع، مثل أهمية تخصيص وقت مع الأولاد، وإجراء الفحص المبكر للوقاية من سرطان الثدي وغيرها.

“تيك توك” وقوانين بعض الدول

وكانت السلطات التركية فرضت، مطلع تشرين الثاني 2020، غرامات مالية على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل “فيس بوك”، و”تويتر”، و”يوتيوب”، و”تيك توك”، لعدم فتح هذه الشركات والمنصات مكاتب تمثيلية لها في تركيا، في إطار قانون ينظم عمل تلك الشبكات في البلاد.

ووافق البرلمان التركي، في 29 من تموز 2020، على “مشروع قرار تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي”، وبموجبه يُفرض على شبكات التواصل الاجتماعي ممن يبلغ معدل الوصول إليها أكثر من مليون شخص في اليوم، مثل “فيس بوك” و”تويتر”، فتح مكاتب تمثيلية لها في تركيا.

وهددت السلطات التركية بحظر الوصول إلى تلك الشبكات في حال لم تستجب، وفقًا لما ذكرته صحيفة “يني شفق”  التركية، إلا أن منصة “تيك توك” الصينية، أعلنت عن البدء بتعيين ممثل اعتباري محلي لها في تركيا مطلع العام الحالي.

كما أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، في أيلول 2020، أنها ستحظر تنزيل تطبيقي “تيك توك” و”وي تشات” الصينيين في الولايات المتحدة، بسبب مخاطر تتعلق بـ”الأمن القومي”، في ظل تصاعد التوتر بين البلدين.

كما انضمت الهند إلى قائمة الدول التي أصدرت قرارًا بحظر تطبيق “تيك توك” إضافة إلى 58 تطبيقًا آخر، معللة ذلك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة