ماذا لو لم تتوغل منظومة مخلوف الاقتصادية في سوريا؟

camera iconرجل الأعمال السوري رامي محمد مخلوف (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد جرعتلي

يتجاهل النظام السوري أثر منظومة مسؤوليه الاقتصاديين النافذين والمقربين منه على الاقتصاد في سوريا، محملًا الغرب وعقوباته مسؤولية التدهور الذي يعيشه السوريون اليوم، ووصول 90% منهم إلى ما دون خط الفقر، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

هذا التجاهل يترك لرموز الفساد في سوريا، على مدار نصف قرن، فرصة لتقديم دعاية جديدة تستغل الوضع الاقتصادي للسوريين، في محاولة لتلميع صورة “حيتان الاقتصاد” عبر حملات تبرع تقدَّم على أنها موجهة للفئات الأكثر تضررًا في سوريا.

أحدث هذه الحملات ما أطلقه محمد رامي مخلوف عبر حساباته في “إنستجرام” و”تويتر”، في نيسان الماضي، لمساعدة السوريين الذين يتضوّرون جوعًا، تحت عنوان “لا تترك أخاك السوري جوعان”، التي لاقت سخرية واسعة بين أوساط السوريين، لأن آل مخلوف يعتبرون من أغنى أغنياء سوريا، ويحتكرون مجالات تجارية وصناعية في سوريا.

وسبقتها تصريحات لرامي مخلوف حول تخصيص سبعة مليارات ليرة سورية (من أموال حجزتها حكومة النظام السوري)، لمتضرري الحرائق في جبال الساحل السورية، في خريف 2020، ما فتح باب النقاش مجددًا حول أثر توغّل العائلة في سوريا، وكيف أثّر على الاقتصاد في سوريا.

مخلوف الأب.. “بطريرك العائلة”

فور تولي حافظ الأسد مقاليد الأمور في سوريا عام 1970، أخذ نجم شقيق زوجته محمد مخلوف بالصعود، ليتحول تدريجيًا إلى الركيزة المالية لعائلة الأسد على مدى السنوات اللاحقة.

وأتاحت صلة القربى لمحمد مخلوف، شغل منصب مدير “المؤسسة العامة للتبغ” المعروفة بـ”الريجة”، ليبدأ من تلك المؤسسة ممارسة الفساد على نطاق واسع، بحسب فراس طلاس ابن وزير الدفاع السوري السابق، مصطفى طلاس، الذي وصف مخلوف بـ”بطريرك العائلة”.

وبحسب ما ذكره طلاس في مقابلة عبر “روسيا اليوم”، استعان محمد مخلوف بخبراء من لبنان وبريطانيا، في تأسيس إمبراطورية مالية استندت إلى مبيعات النفط، فكان يفرض على أي جهة تريد شراء النفط من سوريا أن تدفع له نسبة تقدر بـ7% من قيمة الصفقة، مستفيدًا من سطوة نفوذ عائلة الأسد، وبذلك كان يحصل يوميًا على مبلغ يقدّر من ستة إلى سبعة ملايين دولار من مبيعات النفط وحده، كما فرض مخلوف نفسه شريكًا على جميع شركات النفط العاملة في سوريا، وفقًا لذات المصدر.

وخلافًا لبقية أفراد العائلة، لا يكاد اسم محمد مخلوف يظهر إلى العلن ضمن أي أنشطة تجارية، غير أن الوثائق المسربة من حسابات بنك “HSBC” في سويسرا عام 2015، كشفت أن محمد مخلوف قدّم بياناته المصرفية إلى البنك، باعتباره وكيلًا لشركة التبغ الأمريكية “فيليب موريس” مالكة العلامة التجارية “مارلبورو”، وشركة “ميتسوبيشي” اليابانية، وشركة “كوكا كولا” الأمريكية، في سوريا.

ويفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، منذ آب عام 2011، على محمد مخلوف لصلته الوثيقة بالأسد، ويمنعه من دخول دول الاتحاد.

وحاول مخلوف الطعن بالعقوبات على اعتبار أنها تخرق حقه في الخصوصية، بزعم أنها تمنعه من الحفاظ على المستوى الاجتماعي الذي اعتادت عليه عائلته، غير أن المحكمة العامة الأوروبية رفضت عام 2015، استئنافًا قدمه محمد مخلوف ضد تلك العقوبات.

ماذا لو لم يتدخل آل مخلوف بالاقتصاد السوري؟

يعتبر ابنا خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، رامي وحافظ مخلوف، من ضمن الأسماء البارزة الصاعدة في حقبة بشار، منذ عام 2000، وتمتعا بنفوذ اقتصادي هائل في دمشق، بسبب علاقتهما العائلية به، بل عُرف، على نطاق واسع، أن أي شركة أجنبية تريد العمل في سوريا بحاجة إلى “تعميد” رامي مخلوف، الذي ظهر وكأنه متحكم بالاقتصاد السوري ككل.

وامتلك أقارب الأسد بصورة عامة، وأبناء مخلوف بشكل خاص، كُبرى الشركات في جميع قطاعات العمل السورية، وكانت سلطتهم تفوق سلطة الوزارات التي تدير هذه القطاعات.

ويُجمع الشعب السوري، رغم حدة الاختلافات السياسية التي تعاني منها سوريا في الوقت الراهن، على أن مسؤولية تردي الوضع المعيشي في سوريا خلال العقود الثلاثة الأخيرة تقع على عاتق آل مخلوف، الذين توارثوا السلطة المالية بدءًا بمحمد مخلوف الأب ووصولًا إلى محمد مخلوف الحفيد.

ويظهر ذلك جليًّا خلال الفيديوهات الأخيرة التي بثها رامي مخلوف، عبر صفحته الشخصية  في موقع “فيس بوك”، والتي كان يحاول فيها منع الحجز على أمواله من قبل النظام السوري، من خلال استعطاف السوريين، والتي لقيت استهجانًا وسخرية واسعَين.

مخلوف يرث قطّاع الاتصالات

ورث رامي مخلوف (51 عامًا) سدانة خزائن عائلتي الأسد ومخلوف عن والده محمد مخلوف، الذي كان موظّفًا في “الشركة السورية للطيران”، يعيش حياة بسيطة كغيره من الموظّفين المحدودي الدخل في سوريا.

وصول حافظ الأسد (صهر محمد مخلوف) إلى السلطة، دفع بهذا الموظّف البسيط نحو المجد، وجعله يخلق دولة اقتصادية موازية للدولة السورية.

وبرز اسم رامي مخلوف منذ ذلك الحين في قطاعات اقتصادية عديدة، وعرفه السوريون بأنه المالك الرئيس للشركة المشغلة للهواتف المحمولة “سيريتل”، التي أُسّست عام 2000، وكان يترأس إدارة الشركة بنسبة 40% من أسهمها.

وبلغت عام 2010 أرباح شركة “سيريتل” 53.7 مليار ليرة سورية، وفق ما أعلنته الشركة آنذاك، وبحسب ما رصده موقع “الاقتصادي“، المختص بمتابعة التقارير الاقتصادية العربية.

وبحسب الإعلان، فإن أرباح الشركة تحسّنت بنسبة 11.3% عن أرباح عام 2009، وبحسب سعر صرف الليرة السورية آنذاك، فإن أرباح شركة “سيريتل” بلغت 1.3 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 8% من الميزانية السورية المعلن عنها لعام 2009.

وقال وزير المالية السوري الأسبق، الدكتور محمد الحسين، نهاية عام 2010، إن الناتج الإجمالي المحلي السوري لعام 2009، وصل إلى 2513 مليار ليرة سورية، أي حوالي 53 مليار دولار.

وأشار الحسين، بحسب ما نقله موقع “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون” آنذاك، إلى أن العجز الفعلي لموازنة عام 2009 البالغة 685 مليار ليرة (حوالي 17 مليار دولار بحسب سعر صرف الليرة عام 2009)، بلغ حوالي 5.42 مليار ليرة سورية، ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 7.1%.

هذه النسبة من موازنة سوريا (8%) كان مخلوف يجنيها من أرباح شركة “سيريتل” فقط، دون النظر إلى بقية القطاعات التي يتغلغل فيها، كالعقارات والنفط وغيرها.

ماذا عن النفط؟

مضى أكثر من 65 عامًا على تأميم شركات النفط السوري، لكن النفط السوري بقي أحد الألغاز المغيّبة عن السوريين، وكان قطاع النفط يعدّ خارج الموازنة العامة للدولة منذ بداية حكم آل الأسد عام 1973، ويعتبر من أسرار الأمن القومي.

ولم تصدر عن النظام السوري أي أرقام رسمية لإيرادات قطاع النفط قبل عام 2011، وتقتصر الأرقام المعلَن عنها على المنظمات الأممية والدولية.

وبحسب ما قاله فراس طلاس في مقابلة مع تلفزيون “روسيا اليوم”، استعان محمد مخلوف بخبراء من لبنان وبريطانيا، في تأسيس إمبراطورية مالية استندت إلى مبيعات النفط، فكان يفرض على أي جهة تريد شراء النفط من سوريا أن تدفع له نسبة تقدر بـ7% من قيمة الصفقة مستفيدًا من سطوة نفوذ عائلة الأسد.

هذه المعلومات نفاها رامي مخلوف، في أول ظهور له بعد وفاة والده محمد مخلوف، في أيلول 2020، ونشر حينها منشورًا عبر “فيس بوك”، دافع فيه عن والده، وقال إن والده “ولد وعاش ومات بعز”، نافيًا “سرقة النفط السوري”.

حافظ مخلوف.. “يد رامي الأمنيّة”

إن صح وصف رامي مخلوف بالركيزة المالية للنظام، فإن شقيقه حافظ لعب دور الذراع الأمنية الضاربة له في دمشق.

عمل حافظ مخلوف (49 عامًا) في سلك المخابرات، وتدرج في المناصب حتى ترأس “القسم 40” التابع لـ”الفرع 251″، المعروف باسم “الفرع الداخلي” أو “فرع الخطيب” التابع لإدارة المخابرات العامة.

مارس حافظ هناك صلاحيات أوسع من منصبه، حيث هيمن على أمن محافظة دمشق وريفها بالكامل، بحسب موقع “مع العدالة” المختص بتتبع أبرز قادة قوات النظام الضالعين بجرائم حرب.

ويُعدّ مخلوف من أبرز الداعين للحسم الأمني والعسكري عقب انطلاق الثورة السورية، ووفقًا لشهادة العميد المنشق مناف طلاس، فإن العميد حافظ مخلوف أفشل مساعي التهدئة في مدينة درعا، وأشرف على عملية اقتحام الجامع “العمري” كذلك.

ويُعتبر حافظ مخلوف المسؤول المباشر عن مقتل متظاهرين في مدينة دوما في نيسان 2011، كما يُتهم بأنه يأمر عناصره في “القسم 40” بممارسة “أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات بحق المعتقلين”، وفق تقرير لـ”مركز توثيق الانتهاكات في سوريا”.

وفرضت  الولايات المتحدة عقوبات، عام 2017، على إيهاب مخلوف، لمساعدته شقيقه رامي على التهرب من العقوبات الدولية، ونقل أصوله إلى الخارج.

وبحسب “وثائق بنما”، أدار إيهاب مخلوف في السر شركة “Hoxim Lane Management Corporation“، التي أُسست في حزيران 1998 وتوقف نشاطها في آذار 2012.

فراس الأسد: نزاع عائلي داخل المنظومة الاقتصادية

في لقاء أجرته عنب بلدي مع فراس الأسد، ابن رفعت الأسد عم رئيس النظام السوري، قال إن إحصاء المشكلات الاقتصادية التي تسببت بها منظومة مخلوف الاقتصادية للاقتصاد السوري أمر مستحيل، ولكن ما يمكننا التنبؤ به، هو أن وضع المواطن السوري الاقتصادي سيكون أفضل بعشرات المرات، في فترة ما قبل “المقتلة السورية”، فالمشكلات الاقتصادية لا تقتصر على هدر المال والسرقة على وجه الخصوص، وإنما تشمل نظام المحسوبيات والفساد.

وأضاف فراس الأسد، الذي يتخذ نهجًا مناهضًا للعائلة وسلطتها، أن وجود قرار سياسي بعدم محاسبة أي فاسد، أدى إلى تدهور الاقتصاد السوري، ولو وُجد أي قرار فعلي بالإصلاح واستغلال الفرص لكنا رأينا سوريا غير الموجودة حاليًا.

وفي منشور عبر”فيس بوك” ، على خلفية النزاع بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، حول أملاك رامي مخلوف وثروته في سوريا، في الأشهر الأخيرة من عام 2020، اعتبر فراس الأسد أن “القضية لا علاقة لها لا بضرائب ولا بـ(سيريتل)، ولا بأي شيء موجود داخل سوريا تستطيع الحكومة السورية أن تصادره بكل بساطة، القضية قضية مليارات كثيرة من الدولارات، جرى التلاعب بها وتهريبها وإخفاؤها عن عيون القصر خلال السنوات العشر الماضية”.

وردًا على تلميح رامي مخلوف إلى أسماء الأسد واعتبارها الجهة التي تحاربه، قال فراس الأسد، إن التصريحات المعلَنة بهذه الطريقة “سقوط أخلاقي” يليق بابن محمد مخلوف، الذي يعرف أن مشكلته ليست معها، بل مع بشار الأسد نفسه.

أرباح رامي مخلوف البالغة أربعة مليارات دولار من شركتي الاتصالات فقط، بحسب فراس الأسد، لو استثمرت لكانت كافية لإطعام الشعب السوري لخمس سنوات متواصلة، ولو جرى استثمارها لكانت عائداتها ضخمة على الاقتصادي السوري.

المحلل الاقتصادي خالد تركاوي، قال لعنب بلدي، إن لمنظومة مخلوف إيجابياتها على النظام وسلبياتها على سوريا، فإذا عدنا بالزمن إلى ما قبل عام 2011 لشاهدنا سعي مخلوف لطرد المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب من سوريا.

وأضاف تركاوي أن الأسد الأب كان يستغل أفكار الاشتراكية لحصر الاقتصاد في منظومته، وبعد قدوم بشار الأسد إلى السلطة، ألغى نظام احتكار والده بينما أبقى على الاحتكار عن طريق رامي مخلوف وبعض رجال الأعمال.

سوريون في فقر مدقع

ونقلت وكالة أنباء “رويترز” في حزيران 2020، عن المتحدثة باسم “برنامج الأغذية العالمي”، إليزابيث بايرز، أن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي.

وأوضحت المتحدثة، أن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع مليون و400 ألف خلال النصف الأول من عام 2020.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة تزيد على 200% في أقل من عام واحد، وأرجعت المتحدثة باسم “برنامج الأغذية” ذلك إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، وإجراءات العزل بسبب فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

وتستمر معظم الأسعار في سوريا بالارتفاع، مع انخفاض قيمة الليرة السورية، إذ يبلغ سعر صرف الدولار نحو 3000 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم”.

وذكرت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، خلال إفادة صحفية منفصلة، أن 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وفق “رويترز”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة