يد على الأضرحة وأخرى على التنقيب.. كيف تهتم إيران بآثار سوريا؟

camera iconمرقد "عمار بن ياسر" و "أويس القرني" في محافظة الرقة (mapio)

tag icon ع ع ع

أبدت إيران اهتمامًا بالأماكن الأثرية في سوريا بشكل أساسي، عبر وضع يدها على ترميم الأماكن المقدسة والأضرحة القديمة التي تحمل رمزية لدى أتباع المذهب الشيعي.

واتخذ ترميم الأضرحة المسعى الأبرز لدى إيران، استكمالًا لمحاولات التشيّع التي تقوم بها، وفق تقرير لمعهد “واشنطن” الأمريكي الذي تحدث عن التغلغل الإيراني في سوريا على مختلف الأصعدة (عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا).

وتعود مساعي إيران هذه في شمال شرقي سوريا إلى ما قبل عام 2011، إذ عملت على ترميم عدة أضرحة قديمة في سوريا من أجل استخدامها لنشر التشيّع بين العشائر خاصة في دير الزور.

كما بنت مقامًا على ضريحَي الصحابيين عمار بن ياسر وأويس القرني في الرقة، واستغلت المقامَين في نشاطاتها الدينية، وفق التحليل.  

مقام “عمار بن ياسر” في مسجد “أويس القرني” بالرقة (mapio)

وبعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” أواخر عام 2017، سيطرت الميليشيات الإيرانية على المناطق التي خضعت للتنظيم وحملت أهمية لغناها بالآثار والتحف، كتدمر ودير الزور والبوكمال.

واستغلت إيران نفوذها في تلك المناطق للتنقيب ونهب ما استطاعت العثور عليه، والمتاجرة بالآثار نحو الأراضي العراقية، ومنها إلى إيران، وفق ما وثقته شبكات محلية.

إعادة كتابة التاريخ الديني

بحسب ما ذكرته مجلة “فورين بوليسي” في مقال بعنوان “إيران تحاول تحويل سوريا إلى المذهب الشيعي”، أعادت طهران ترميم الأضرحة القديمة، وشيّدت أضرحة جديدة لشخصيات شيعية، كما لو كانت تحاول إعادة كتابة التاريخ الديني لسوريا، ذات الأغلبية السنية، والتي كان فيها عدد قليل جدًا من الشيعة قبل الحرب.

ففي مدينة حلب القديمة، يعد مقام “الشيخ أبو عبد الله حسين بن حمدان الخصيبي” أهم المناطق المعروفة بأنها تعود للطائفة الشيعية تاريخيًا، كما يُعرف بحلب باسم “الشيخ يبرق” وكان قبره مهملًا.

ووفق تقرير لصحيفة “القدس العربي”، بعد سيطرة النظام على حلب الشرقية أصدر العميد في قوات النظام السوري سهيل الحسن، قرارًا بترميم المقام وتحويله إلى مشهد كبير، إذ يُعد الشيخ مرجعية أساسية للطائفة العلوية في سوريا، ويقع قرب ثكنة “هنانو” العسكرية، وتم التنفيذ والتمويل من خلال “هيئة مزارات آل البيت” التي تمولها إيران.

وبعد الترميم تغيّر شكل المقام تمامًا رغم عدم تضرره من الحرب، حيث جرى توسيعه على حساب المحيط، وغُطيت أرضيته من الداخل بأحجار الرخام، وبُنيت في محيطه أقواس تخللتها قباب صغيرة.

مقام “الشيخ يبرق” أو مقام “الشيخ أبو عبد الله حسين بن حمدان الخصيبي” في مدينة حلب (فيسبوك)

المكان الثاني هو “مشهد الحسين” أو “جامع النقطة”، حيث تتم عمليات ترميم وتوسعة في محيطه، ليصبح مزارًا يشبه المزارات في “السيدة زينب و”السيدة رقية” في دمشق.

مسجد “النقطة” في محافظة حلب

الصحفي السوري والناشط في الدفاع عن الآثار السورية عمر البنيه، قال لعنب بلدي، إن إيران لم تتدخل بأمور ترميم الآثار في سوريا نهائيًا، بل عملت على ترميم الأضرحة، وبدأ نشاطها في سوريا عام 2000 بشكل معلن، ونفذت مجموعة أعمال لترميم الأضرحة، كضريح “السيدة زينب” وضريح “عمار بن ياسر”، وبناء ضريح “أويس القرني” في الرقة.

تنقيب وتهريب آثار للمتاجرة بها

الاهتمام الإيراني في التنقيب عن الآثار يبدو أقل تنظيمًا مما يفعله الروس في هذا القطاع، إذ لدى روسيا النصيب الأوفر في مجال التنقيب والترميم في سوريا، ويقتصر دور إيران على التنقيب والمتاجرة بما تعثر عليه في أماكن نفوذها.

صارت تدمر عام 2017، بعد المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وسيطرة الميليشيات الإيرانية على المدينة، أحد أكبر تجمعات الميليشيات الموالية لإيران، وذلك لوقوعها على الطريق الدولي دمشق- بغداد، إضافة إلى توسطها عقدة المواصلات التي تربط المناطق الشرقية في الجزيرة السورية بالعاصمة دمشق.

خبير متفجرات في الجيش الروسي يعمل على إزالة الألغام من الجزء التاريخي من تدمر في سوريا (رويترز)

وبدأت حملة تنقيب جديدة في عام 2019 من قبل الميليشيات الإيرانية، وعلى رأسها ميليشيا “النجباء” و”فاطميون”، عن الآثار في المنطقة الأثرية بمدينة تدمر وصحرائها الشرقية الممتدة باتجاه دير الزور، حسب صحيفة “القدس العربي”.

ورصدت الصحيفة آليات حفر استقدمتها الميليشيات على مدار أشهر إلى المنطقة مع حظر مرور المواطنين من المناطق التي بدأ التنقيب فيها، إذ غيّرت الميليشيات طريق السيارات القادمة من دير الزور باتجاه دمشق، والتي تمر على مقربة من تدمر.

وتحدثت شبكة “عين الفرات” المحلية، في 10 من حزيران الحالي، أن ميليشيا “لواء فاطميون” الأفغانية، المدعومة من إيران، جمعت عمال حفريات تابعين لها من مدينة تدمر شرقي حمص، ونقلتهم إلى بلدة الرصافة المحاذية لنهر “الفرات” جنوبي الرقة، بهدف البدء بعمليات التنقيب عن الآثار على ثلاث مراحل.

وبحسب مصدر خاص للشبكة، فعمليات التنقيب والحفر بدأت بطريقة الحفر اليدوي، إذ انتظرت الميليشيا قدوم معدات الحفر ومولدات الكهرباء إلى منطقة العمل الواقعة بمنطقة “سرجيو بوليس” الأثرية غربي الرصافة، كما منعت الأهالي من الاقتراب.

وأفادت الشبكة أن الميليشيا قامت في وقت سابق بتمشيط المنطقة لإزالة الألغام ومخلفات الحرب بهدف التنقيب عن الآثار.

وأكد موقع “فرات بوست” المحلي، في 25 من أيار الماضي، عن تكثيف ميليشيا “فاطميون” من عمليات البحث عن الآثار في دير الزور والمتاجرة بها، وتركزت بشكل خاص في منطقتي الصالحية و”مملكة ماري” في ريف مدينة البوكمال.

وبحسب مصادر للموقع، لم يكشف عنها ولم تتحقق منها عنب بلدي، تنقل الميليشيات الإيرانية الآثار عبر معبر “البوكمال” الحدودي مع العراق لتصل إلى إيران.

وتمنع الميليشيات الإيرانية عادة المدنيين من الوصول إلى المواقع الأثرية الموجودة داخل المناطق الخاضعة لها في الشرق السوري، بحجة أنها مواقع عسكرية، وفق ما تذكره الشبكات المحلية.

وتزعم الميليشيات أن عمليات التنقيب هدفها البحث عن مخازن أسلحة وذهب خلّفها تنظيم “الدولة”.

تواطؤ سوري- إيراني

تتواطأ الميليشيات الإيرانية مع النظام السوري في أعمال نهب الآثار والاتجار بها، وبحسب الصحفي عمر البنيه، فإن “المخابرات العسكرية” هي التي تدير أعمال التهريب، والميليشيات الإيرانية هي شريكة أساسية لماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، وضباط من “القصر الجمهوري”، بأي شيء تحت الأرض في سوريا.

وفي تحقيق أجرته عنب بلدي، في 3 من حزيران الحالي، حول سرقة ونهب الآثار في درعا، أشارت أصابع الاتهام إلى ضلوع ضباط من النظام في البحث عن الآثار.

ففي مناطق الجيدور (الريف الشمالي الغربي لدرعا)، يجري التنقيب عن الآثار من قبل المخابرات الجوية وعناصر من “حزب الله”، إضافة إلى ريف درعا الغربي ومنطقة حوض اليرموك الغنية بالآثار.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة