ثقافة بعيدة المنال..

سوريون محرومون من زيارة القبور في عيد الأضحى

camera iconصورة لعائلة تزور قبر أحد أفراد العائلة (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

قد تكون هواجس العودة وتفقد الأملاك، ولقاء الأحبة والذكريات، شيئًا مما يتمناه النازحون واللاجئون السوريون، الذين اضطروا إلى مغادرة بيوتهم وأحيائهم، لكن لدى بعضهم أمنيات أقل من ذلك بكثير، هي العودة فقط لزيارة قبور ذويهم ورفاقهم.

اعتاد السوريون في صباح اليوم الأول من الأعياد زيارة قبور أفراد العائلة والأصدقاء، إلا أن كثرة قبور الأقارب بالنسبة للسوريين حوّلت بهجة العيد إلى ذكريات لأعياد سابقة قضتها العائلة قبل سنوات مجتمعة بعيدًا عن صدى الطائرات وصفير قذائف “الهاون”.

وتعتبر زيارة القبور جزءًا من الموروث الثقافي في سوريا، إذ ينتشر في صباح العيد (أو في اليوم الذي يسبقه) باعة لنبتة “الآس” التي توضع على القبور، ليحملها أقرباء المتوفى إلى القبر ويروونه بالماء، بينما يدعون للمتوفى بالرحمة والمغفرة.

طقوس غير متاحة للجميع

مع عمليات التهجير القسري التي شهدتها سوريا على مدى سنوات، بالإضافة إلى عمليات التغيير الديموغرافي، تحولت هذه الطقوس إلى أمر بالغ الصعوبة وأشبه بالمستحيل بالنسبة لكثير من العائلات السورية.

يقيم محمود (31 عامًا)، الذي ينحدر من مدينة سلمية شرقي حماة، في مخيمات اللاجئين السوريين في قرية أطمة بالقرب من الحدود السورية- التركية منذ أكثر من سبع سنوات، ما يجعل من زيارته حتى إلى أحجار منزله أمرًا مستحيلًا، لأنه منشق عن الجيش منذ عام 2012.

قال محمود لعنب بلدي، إن هذه الطقوس كانت تزعجه، كحال جميع الشباب في الماضي، لأنها أقرب إلى الأجواء الحزينة منها إلى السعيدة، ولأن العيد يعتبر مناسبة قصيرة تحمل معها الفرح بالنسبة للشباب والأطفال، لكنه الآن يشعر بقيمة فقدانها، إذ يفتقدها لما كانت تعني معنويًا في أثناء اجتماع الأسرة وليس فقط لقيمتها العاطفية التي تتعلق بالعلاقة بين المتوفى والزائر.

وكحال محمود، يعيش الملايين من السوريين في مناطق الشمال السوري بعيدًا عن مدنهم وقراهم الأصلية، فمنهم من ينحدر من أقصى الجنوب أو الشرق، حيث تسيطر قوات النظام أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ما يجعل من زيارة هذه المناطق أمرًا مستحيلًا على السوريين المنحدرين منها والمقيمين في الشمال السوري.

ويوجد نحو 2.7 مليون نازح في الشمال السوري، من أصل 6.7 مليون نازح داخليًا في عموم سوريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بينما لجأ 6.6 مليون شخص خارج سوريا، 5.5 مليون منهم في دول جوار سوريا.

قبور بعيدة عن المتناول

في حالة معاكسة، توفي عصام عن عمر ناهز 35 عامًا، جراء سقوطه من أعلى قمة بناء كان يعمل به في مدينة سكاريا التركية بالقرب من اسطنبول، وكان يعيش مع زوجته وابنته الوحيدة في تركيا وقسم من عائلته.

ومع استحالة القيام بمراسم الدفن في مدينته الأم، دُفن عصام في تركيا، وصار من المستحيل لأفراد عائلته المقيمين في مدينته بريف حماة المشاركة في مراسم الدفن، أو إحضار بعض الأزهار إلى مدفنه غربي تركيا في صباح يوم العيد، كما كان يفعل عصام ذاته عندما كان يزور قبور أقاربه في صباح اليوم الأول للعيد.

بالإضافة إلى ما يعانيه والدا عصام من فقد لابنهما الذي توفي في تركيا ودُفن فيها، لا توجد لديهما فرصة لزيارة مكان دفنه، كونهما تجاوزا الـ65 عامًا من عمرهما، وصار من المستحيل خوض تجربة لعبور الحدود السورية- التركية بشكل غير شرعي، بعدما أوقفت تركيا استقبال السوريين منذ مطلع عام 2016.

وعن سبب دفن عصام في تركيا، قال طارق ابن عم عصام (28 عامًا)، إن الشاب وإخوته مطلوبون لمخابرات النظام السوري، ومن المستحيل المجازفة بالعودة إلى سوريا لمحاولة دفنه هناك، واعتبر أن “هذا واقع الحال المفروض على السوريين بشكل عام، وصارت منازلهم وأملاكهم صعبة المنال، فما بالك بزيارة قبور أحبائهم المدفونين في أماكن وبلدان مختلفة”.

 قبور لم تعد موجودة لزيارتها

يجرّم القانون السوري عمليات نبش القبور دون سبب قانوني، وتنص المادة “467” منه على أن “يعاقَب بالحبس من شهرين إلى سنتين من هتك أو دنّس حرمة القبور أو أنصاب الموتى، أو أقدم قصدًا على هدمها أو تحطيمها أو تشويهها، كما يعاقَب من دنّس أو هدم أو حطّم أو شوّه أي شيء آخر خاص بشعائر الموتى، أو بصيانة المقابر أو تزيينها”.

وعلى الرغم من وجود قوانين سورية للحفاظ على المقابر، عمل النظام السوري وبشكل ممنهج على تدمير المقابر في المناطق التي سيطر عليها بدءًا من جنوبي سوريا وحتى حلب.

وأظهر تسجيل مصوّر بثه ناشطون في موقع “تويتر“، عام 2020، تدمير مجموعة من الجنود التابعين لقوات النظام مقابر في مدينة حيان بشمالي محافظة حلب.

ويظهر في التسجيل كسر الجنود شاهدة القبر وإزالتها، قبل أن يبدأ أحدهم بحفر القبر لنبش عظام الشخص المدفون فيه، حسبما يُسمع من حديث الأشخاص الظاهرين في التسجيل، انتقامًا لشخص يدعى “أبو كمال” على صلة بعناصر الجيش.

رغم الاختلاف الديني حيال زيارة القبور في العالم الإسلامي، يعتبر السوريون هذه العادة امتدادًا لموروثهم الثقافي، وينظر إلى ذلك باعتباره جزءًا من التواصل الروحي مع المتوفى، وفرصة ليتذكر الزائر أن الموت قادم مستقبلًا ويجب عليه “إصلاح عمله” قبل ذلك الوقت.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة