ماذا عن المستقبل؟

“الجهاديون الأجانب”.. علاقة معقدة مع المجتمع السوري

camera iconصورة تعبيرية لمقاتلين أجانب (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- خالد الجرعتلي

بينما يعتقد كثير من السوريين أن المقاتلين الأجانب كان لهم أثر سلبي على الثورة السورية، وأظهروها بكونها حربًا طائفية، يعتبر عدد من السوريين في شمال غربي سوريا أن هؤلاء “الجهاديين” من أصحاب الفضل على السوريين كونهم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع مقاتلين سوريين ضد قوات النظام السوري.

ومع تحوّل الثورة السورية من المسار السلمي إلى العمل المسلح، بدأت موجات من المقاتلين الأجانب تدخل الأراضي السورية، لتنضم إلى صفوف مقاتلي المعارضة السورية أو إلى جماعات “جهادية” بأجندات مرسومة مسبقًا.

وقاتل هؤلاء المقاتلون في صفوف العديد من فصائل المعارضة، وكان لهم دور في تصنيف بعض الفصائل على قوائم الإرهاب الغربية، مثل “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقًا)، وتنظيم “جند الأقصى”، وتنظيم “حراس الدين”.

لكن العديد من الفصائل التي ضمّت مقاتلين أجانب كانت تصنَّف من ضمن الفصائل “المعتدلة”، ومنها من كان حليفًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ ضمت “حركة أحرار الشام” و”حركة حزم” سابقًا مقاتلين أجانب رغم أنها كانت مصنفة من بين الفصائل المعتدلة، إلا أن “الحركة” تمكنت من استغلال قدرات هؤلاء المقاتلين بعيدًا عن الكاميرات التي كانت من الممكن أن تصنفهم على قوائم الإرهاب العالمية.

وبالنظر إلى الأثر السلبي سياسيًا والإيجابي عسكريًا، تختلف آراء الحاضنة الشعبية للثورة السورية بهؤلاء “الجهاديين”، فمنهم من يعتقد أن وجودهم ضروري، وصارت حالهم الآن كحال جميع السوريين المقيمين في الشمال السوري، خاصة من كوّن منهم أسرة في سوريا، ومنهم من يعتقد أن ضررهم أكبر من فائدتهم، ولا يوجد أي أثر إيجابي من بقائهم في سوريا أو حتى من مجيئهم إليها.

المقاتلون الأجانب لم يسهموا بأثر إيجابي

يعتقد المحلل الاستراتيجي العقيد فايز الأسمر أن وجود المقاتلين الأجانب في سوريا، عزز المبرر الذي يستعمله النظام وحلفاؤه من روسيا وإيران، بادعاء مكافحة الإرهاب.

وتقصف روسيا بشكل متكرر مواقع مدنية وخدمية لتعلن بعدها عبر وسائل إعلامها أنها قصفت مواقع استراتيجية لـ”إرهابيين” يتبعون إلى أحد الفصائل “الجهادية” المصنفة على قوائم الإرهاب.

ويرى الأسمر أن هؤلاء المقاتلين استُعملوا من قبل روسيا والنظام، ووجودهم بشكل كامل يصب في مصلحة النظام ومبرراته أمام المجتمع الدولي، أما الآثار الإيجابية الأخرى التي يتحدث عنها البعض فهي لا تذكر مقارنة بالأضرار التي سببها وجودهم سواء بعلم منهم أو من دون علم.

وأضاف، “أُريدَ من خلال وجود هؤلاء المقاتلين أن يكونوا سببًا لتشتيت أهداف الثورة السورية، وسببًا تزداد فيه التدخلات الأجنبية ويزداد القمع ضد السوريين، بجميع أنواع الأسلحة المحرمة والتقليدية”.

وتعرضت سوريا لكثير من أنواع التدخلات العسكرية، التي بدأت بتدخل التحالف الدولي بقيادة أمريكا عام 2014، واستمر لأكثر من عام كامل بقصف مناطق ونقاط في الشمالي السوري تحوي مقاتلين لـ”جبهة النصرة”، أو تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو فصائل صنفتها أمريكا على أنها متطرفة وشنت ضدها هجمات عسكرية في سوريا.

وتبعه التدخل الروسي عام 2015، الذي سبب ميل ميزان القوى لمصلحة النظام بعد أن كانت فصائل المعارضة تسيطر على أكثر من 60% من مساحة سوريا، وبدأ بعده مسلسل القصف الروسي للأحياء السكنية والمنشآت الخدمية الذي لم يتوقف حتى اليوم.

علاقة “معقدة” مع المجتمع السوري

في حادثة وثقتها عنب بلدي عام 2015 في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية بالقرب من قرية بكسريا القريبة من الحدود السورية- التركية، توقف سائق أحد الحافلات على حاجز أمني لأحد الفصائل “الجهادية” الأجنبية في سوريا من أجل تفتيش أمني يقوم به عناصر الحاجز بشكل روتيني للسيارات المارّة من المنطقة.

وفي أثناء الحديث بين السائق والمقاتل الأجنبي الذي يتحدث اللغة العربية الثقيلة، حاول المقاتل الأجنبي إقناع السائق بإعطائه علبة سجائره ليتلفها، فباعتقاده أن ذلك يمنحه ثوابًا وفق العقيدة الإسلامية، إلا أن الرفض المتكرر لسائق الحافلة ثنى المقاتل عن إصراره بعد أن وصلت به الحال إلى أن يعرض المال على السائق من أجل السماح له بإتلاف علبة السجائر، لينطلق الحديث بعدها من السائق عن الأخلاق العالية التي يتمتع بها هؤلاء المقاتلون رغم صعوبة احتكاكهم بالمجتمع السوري، نتيجة رفض قسم من السوريين لوجودهم بالإضافة إلى عوامل اللغة التي تزيد من صعوبة احتكاكهم في المجتمع.

لكن في نفس الوقت، برر سائق الحافلة كرهه للمقاتلين الأجانب بما فعلة “الأمير في جبهة النصرة” الملقب بـ”سفينة التونسي” عندما أعدم 14 شابًا سوريًا بسبب مشكلة اندلعت بين الشبان وأحد حراسه الشخصيين في قرية قلب لوزة التي يقطنها سوريون من الطائفة الدرزية في جبل الزاوية بريف إدلب.

وقُتل بعدها “سفينة التونسي” في 14 من أيلول 2020، باستهداف طائرة مسيّرة (درون)، بحسب ما نشرته حسابات “جهادية” عبر “تلجرام”.

ما مستقبل هؤلاء المقاتلين في سوريا

مطلع تموز الحالي، برزت إلى الواجهة مسألة فصيل “جنود الشام” الذي يقوده “مسلم الشيشاني” مع طلب “هيئة تحرير الشام” في إدلب من الفصيل حلّ نفسه ومغادرة سوريا، وبالفعل تحدثت حسابات “جهادية” في “تلجرام” مقربة من الفصيل عن حلّ نفسه واستعداد مقاتليه لمغادرة سوريا.

ويعتقد الباحث في شؤون الجماعات “الجهادية” في مركز “جسور للدراسات” عباس شريفة، أن أغلب “الجهاديين” الأجانب، وبحكم احترازاتهم الأمنية، لا يحتكون كثيرًا بالمجتمعات المحلية، إلا في حدود ضيقة، أو مع من يشتركون في القتال من مقاتلين محليين، ولا شك أن هناك بعضًا منهم تزوج من نساء سوريات، وصارت تربطه بالمجتمع السوري علاقة قرابة، لكنهم قليلون جدًا.

ورجّح شريفة وجود قسم من هؤلاء المقاتلين صار متأثرًا بالثقافة السورية، ولم يعد يحمل تلك الأفكار المتطرفة التي جاء بها، لكن هناك أيضًا من بقي رهنًا لأفكاره المغلقة، ولم يستطع الاندماج بالحياة الاجتماعية السورية بسبب اختلاف الثقافات.

وأضاف، “عملية دمج هؤلاء (الجهاديين) بالمجتمع السوري إن حصلت، فلن تشكل أي خطورة على المجتمع، خاصة أن المجتمع السوري يحمل عادة وثقافة راسخة لا يمكن أن تتبدل بسهولة”، واستند بذلك إلى “تبدل فكر بعض الجماعات الجهادية محاولة الالتصاق بالحاضنة الشعبية”.

ولا يرى شريفة أن “حسن الخلق” وحده كافٍ لحل مشكلة هؤلاء المقاتلين وإيجاد حلول لوجودهم في سوريا، فأصل المشكلة بالأساس سياسي، وعلى الدول التي أرسلتهم إلى سوريا أن تتحمل مسؤولية إعادتهم إلى أوطانهم.

وعن مستقبل المقاتلين الأجانب في سوريا، توقع الباحث عباس شريفة أن العديد من الخيارات متاحة للتعامل مع وجود المقاتلين الأجانب في الأراضي السورية، أولها أن يجري عزل المجموعات “الجهادية” إلى شرائح أبرزها “المتعصبون والمؤدلجون”، الذين رجح نقلهم إلى ساحات أخرى أو قتالهم.

أما الشريحة الثانية فرجّح أن تعود إلى وطنها الأصلي وتعيش بشكل طبيعي بعد تسوية أوضاعها، وهي الشريحة الأقل تعصبًا، لتتبقى الشريحة الثالثة التي ترفض العودة إلى بلادها أو الذهاب إلى تجربة “جهادية” أُخرى، بالإضافة إلى احتمال استقبالهم من دولة مهتمة بجمع المعلومات عن “الجهاديين”.

وفي عام 2014، ومع بداية ظهور المقاتلين الأجانب في سوريا إعلاميًا، قالت “المفوضية السامية لحقوق الانسان“، إن ازدياد أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا سواء لدعم النظام أو المعارضة يشعل ما وصفته بـ”العنف الطائفي”، محذرة من أن مشاركتهم في الصراع قد يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.

وأشارت المفوضية آنذاك في بيان صحفي، إلى المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري من إيرانيين ولبنانيين وأفغان، بالإضافة إلى المقاتلين “الجهاديين” الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة