القضاء الاستثنائي في سوريا.. تاريخ من سلب الحريات

معتقلون سياسيون احتجزوا داخل مركز شرطة تابع للنظام السوري بدمشق- 11 من تموز 2012 (رويترز/ خالد الحريري)

camera iconمعتقلون سياسيون احتجزوا داخل مركز شرطة تابع للنظام السوري بدمشق- 11 من تموز 2012 (رويترز/ خالد الحريري)

tag icon ع ع ع

في عام 2000، أغلق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، سجن “المزة العسكري” بعد أن حوّله الرئيس السوري الأسبق، حسني الزعيم، إلى مركز احتجاز سياسي عام 1949، ونقل الأسد حوالي 500 معتقل رأي في 2001 من سجن “تدمر الصحراوي” إلى سجن “صيدنايا” شمال العاصمة دمشق.

تلك الخطوتان أحيتا آمال المجتمع المدني في سوريا، حينها، بتغيير معاملة السلطة مع المعتقلين، باعتبارهما مؤشرًا إيجابيًا نظرًا إلى ارتباط سجن “تدمر الصحراوي” بالقمع الحكومي في الثمانينيات، كالتعذيب والإعدامات من دون محاكمة داخل السجن، التي وثقتها منظمة “هيومن رايتش ووتش“.

إلا أن سلطات النظام السوري استمرت بعمليات الاعتقال بانتظام وعزل المعتقلين عن العالم الخارجي، دون أي اتصال مع عائلاتهم أو محامٍ أو أي صلة أخرى، لأن التعذيب هو سياسة دولة غير حرة مثل سوريا، والمعاملة القاسية هي ممارسات اعتيادية لأجهزة الأمن فيها.

وورد في تقرير “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة عن حالة حقوق الإنسان في سوريا الصادر عام 2011، أن “هناك سياسة واضحة متبعة على نطاق واسع أو بشكل منهجي، تقوم على أساس استهداف قوات الأمن الأشخاص المشتبه بمشاركتهم في المظاهرات، بهدف تخويفهم وترويعهم، كوسيلة لقمع الاحتجاجات، ويشيع استخدام التعذيب (…) للحصول على إفادات كاذبة من المحتجزين”.

وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن رقم “2191” الصادر في 2014، والذي يلزم بإنهاء الانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان في سوريا، لا يزال هذا القرار بكامله من دون تنفيذ أو فعالية.

وتعتبر أنظمة القضاء الاستثنائي من أكثر الأنظمة خطورة في انتهاك الحق في المحاكمة العادلة لمعتقلي الرأي، بسبب ما تتضمنه من خروقات للمعايير الدولية في عمل القضاء.

وشُكّلت في سوريا عدة محاكم كانت قاصرة عن أن تتماشى بشكل كامل مع المعايير المعترَف بها عالميًا للمحاكمة العادلة، فعادة ما يُحرَم المتهمون الذين يمثلون أمام هذه المحاكم من المحاكمة العادلة، كما كانوا يعانون باستمرار من انتهاك حقوقهم الأساسية في الدفاع، التي تنص عليها صراحة عدد من المواثيق الدولية، التي انضمت إليها سوريا كدولة طرف.

وفي كل مرة كانت حكومة النظام السوري تلغي محكمة استثنائية للهرب من ضغوط دولية، كانت تلتف على ذلك الإلغاء بإنشاء محاكم أخرى بغير مسمى من خلال تشريع قوانين تنتهك حقوق الإنسان.

“المحكمة العسكرية الاستثنائية”

أُنشئت هذه المحكمة بموجب المرسوم التشريعي رقم “61” لعام 1950، مقرها دمشق ويجوز لها عند الضرورة أن تعقد جلساتها في أي مكان آخر.

وتعتبر هذه المحكمة غير مستقلة، كونها إحدى إدارات القوات المسلحة التي يرأسها وزير الدفاع، فجميع ضباطها قابلون للعزل أو النقل الإداري، بما يتنافى مع عدم قابلية القضاء العادي للعزل.

كما أن الأحكام التي كانت تصدر عن هذه المحكمة لم تكن تخضع لإشراف محكمة عليا تراقب سلامة تطبيقها للقانون، وقد عُيّن أفراد هيئة “المحكمة العسكرية” التي شُكّلت للنظر في قضايا عدة بقرار عسكري غير معلَن وبعيد عن الأسس القضائية كما في حالة القضاء المدني.

“محكمة أمن الدولة العليا”

أسس النظام السوري “محكمة أمن الدولة العليا” عام 1968، في ظل حالة الطوارئ بموجب المرسوم التشريعي رقم “47“، كي تحل محل “المحكمة العسكرية الاستثنائية”، أما حالة الطوارئ ففُرضت بموجب المرسوم التشريعي رقم “51” لعام 1962، ودخل حيّز التنفيذ في 1963.

وكانت هذه المحكمة مرتبطة بحالة الطوارئ في سوريا، التي اتسمت بطابع شامل يتنافى مع المتطلبات الأساسية التي نص عليها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية“، إذ يجب على أي دولة طرف في العهد أن تعلم الدول الأخرى الأطراف فورًا بالإجراءات المتخذة خلال حالات الطوارئ، والتي لا تتقيّد بأحكام “العهد”.

كما نص “العهد” على أن تكون حالة الطوارئ أمرًا استثنائيًا لفترة مؤقتة، وأن يكون في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع.

وكانت “محكمة أمن الدولة العليا” خاضعة لسيطرة الفرع التنفيذي من السلطة، إذ كانت تتبع لرئيس الجمهورية من خلال وزير الداخلية، الذي يُكلَّف بمهام الحاكم العسكري المختص بالإشراف على تطبيق “قانون الطوارئ”.

وخضعت إجراءات المحكمة خارج نظام القضاء الجنائي العادي، وفق تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 2007، ولم تكن تخضع لقواعد الإجراءات الجنائية، وكان يملك رئيس الجمهورية سلطة التصديق على أحكام المحكمة، وإن كان هذا الدور عادة ما يقوم به وزير الداخلية، بدلًا من أن تكون هذه السلطة من اختصاص محكمة مستقلة.

“محكمة مكافحة الإرهاب”

في نيسان 2011، قررت حكومة النظام السوري رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة “أمن الدولة العليا”، وفي تموز عام 2012، أصدرت الحكومة قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19”، وفي الشهر نفسه صدّق الأسد على القانون رقم “22” المؤسس لمحكمة “مكافحة الإرهاب” كي تقضي بذلك القانون.

وبموجب رفع حالة الطوارئ تم إنهاء العمل بـ”محكمة أمن الدولة العليا”، ولكن كان تعويضها من خلال تشريع قانون “مكافحة الإرهاب”، وإنشاء محكمة استثنائية خاصة بقضايا الإرهاب.

وتنص المادة الأولى من قانون إحداث المحكمة على أن تحدَث محكمة تختص بالنظر في قضايا الإرهاب، مقرها دمشق، ويجوز عند الضرورة إحداث أكثر من غرفة بقرار من “مجلس القضاء الأعلى”.

كما تنص المادة الثالثة على أن تختص المحكمة المحدثة بالنظر في “جرائم الإرهاب”، وفي الجرائم التي تُحال إليها من قبل النيابة العامة الخاصة بالمحكمة.

ووفقًا لهاتين المادتين، أصبحت هذه محكمة مختصة نوعيًا بقضايا “جرائم الإرهاب”، وبجميع الأفعال التي تُحال إليها من النيابة العامة الخاصة بالمحكمة والتي تعتبرها ذات صلة بالإرهاب.

وتنص المادة الثانية من قانون المحكمة على أنها مؤلفة من ثلاثة قضاة بمرتبة مستشار، على أن يكون أحد أعضائها عسكريًا، ويسمى فيها قاضي تحقيق مخوّل بصلاحيات قاضي الإحالة بالإضافة إلى صلاحياته، ويكون الحق العام ممثلًا بنيابة عامة خاصة بالمحكمة مؤلفة من رئيس وأعضاء.

وكل تشكيلة المحكمة، من قضاة الحكم وقضاة التحقيق والنيابة العامة الخاصة، يُعيّنون بمرسوم من رئيس الجمهورية وباقتراح من “مجلس القضاء الأعلى”.

ووفقًا لـ”دليل المحاكمة العادلة” الصادر عن منظمة العفو الدولية، ينبغي أن تكون الهيئة المسؤولة عن تعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم مستقلة عن السلطة التنفيذية، سواء في تكوينها أم في طريقة عملها، وينبغي أن تتمتع بالتعددية وبالتوازن، ويشكّل القضاة أغلبية أعضائها، وأن تكون إجراءات الانتقاء والتعيين شفافة.

وتشمل الحقوق الدنيا للمحاكمة العادلة بالنسبة للشخص المتهم، والتي يجب أن تُكفل، أن يُبلغ المتهم على وجه السرعة بطبيعة التهمة المنسوبة إليه، وأن يُعطى من الوقت والتسهيلات ما يكفي لإعداد دفاع قانوني، وأن يُتاح له الدفاع عن نفسه بشخصه أو بالاستعانة بمساعدة قانونية، وأن يُحاكَم دون تأخير، وألا يُجبَر على شهادة ضد نفسه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة