tag icon ع ع ع

صالح ملص | ديانا رحيمة | خالد الجرعتلي

يزداد نشاط منظمات غير حكومية مرخصة بمدن أوروبية وغربية في دعم النظام السوري ودعايته، عن طريق الحملات الإعلامية والشعبية لتمرير روايته، أو عبر الوفود التي تحج إلى دمشق وتعبر عن دعمها لرئيس النظام السوري فيما تصفه بـ”الحرب على الإرهاب”.

وبدوره، يستثمر النظام السوري هذا النشاط، ويصفه بأنه “تقارب أوروبي” يمهّد الطريق لتطبيع العلاقات، رغم الموقف الأوروبي الرسمي الرافض لأي تطبيع مع دمشق أو المشاركة بنشاطات إعادة الإعمار في سوريا، قبل حدوث تغيير سياسي يتلاءم مع القرارات الأممية وأبرزها القرار “2254“.

هذا التنسيق بين الجانبين ليس فريدًا وخاصًا بالحالة السورية، إذ تتعاون الأنظمة في الشرق الأوسط مع منظمات غير حكومية من أجل دعم سياساتها ودعايتها أمام الرأي العام الغربي، أو تزويدها بدعم لوجستي وصفقات تجارية أو عسكرية أو استخباراتية تضمن بقاء حكمها.

لكن المنظمات الداعمة للنظام في الحالة السورية تتكئ على عوامل تساندها، أبرزها ملف اللاجئين السوريين الذي أرهق الاتحاد الأوروبي وبلغ ذروته عام 2015، وتصاعد العمليات التي توصف بـ”الإرهابية” وتُنسب لمهاجرين ولاجئين.

وتتوزع المنظمات الغربية الداعمة لحكومة النظام السوري في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي، وتختلف أشكال الدعم ونوعيته، لتحقيق تقارب سياسي بين سردية السلطة في دمشق بـ”محاربتها للإرهاب” وبين الشارع الغربي.

ترصد عنب بلدي في هذا الملف أبرز المنظمات غير الحكومية الداعمة للنظام السوري في أوروبا، وتناقش دورها في الدعم السري أو العلني في بعض الأوقات، بالإضافة إلى مدى احتمالية وجود طرق قانونية لمقاضاة تلك المنظمات في حال ثبتت مسؤوليتها عن ارتكاب انتهاكات تتعارض مع القوانين المحلية للدول المسجلة فيها، والأدوات التي يمتلكها الأفراد لمناصرة هذه المحاسبة.

اختراق لقوانين محلية وعقوبات دولية

تعد العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عام 2011، والتي تقودها واشنطن والاتحاد الأوروبي، الأكثر شمولًا على الإطلاق، ومع ذلك، لم تردع منظمات غربية غير حكومية على مدى السنوات العشر الأخيرة عن دعمها للنظام السوري.

وبعيدًا عن القوانين المحلية أو الاتفاقيات الدولية، تتجه بعض المنظمات الغربية إلى التعاون السري أو العلني مع حكومة النظام السوري، لدعم مجموعات عسكرية مرتبطة به، أو لتعزيز سرديته في “محاربة الإرهاب” داخل سوريا.

يشغل النشاط المدني حيّزًا مهمًا في التأثير على الرأي العام، ومن هذا المنطلق، عمل النظام السوري على دعم وتأسيس منظمات تروّج لرواياته وادعاءاته لتكون صلة وصل له مع المجتمعات في البلدان القائمة ضمنها، ولكن متابعة نشاطات هذه المنظمات للتصدي للادعاءات الداعمة للنظام ليس بالسهل دومًا، بحكم توسع شبكات النظام وترسيخها طوال فترة حكمه، بحسب ما قالته عضو مجلس إدارة منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام” سميرة المبيض، في حديث إلى عنب بلدي.

حملة لأحزاب يمينية في الدنمارك تدعم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم على اعتبار أن سوريا “منطقة آمنة”- نيسان 2021 (ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي)

كما تتحرك منظمات أخرى بأطر مختلفة، كإنتاج مواد ثقافية تدعم نظريات النظام بشكل غير مباشر للترويج لها، أو عن طريق أوجه الدعم التي قد تقوم بها هذه المنظمات تحت مسميات العمل الخيري أو الجندري أو الخدمي أو سواها.

هذه المنظمات مسجلة لدى الدول العاملة فيها، ولكن التسجيل وحده لا يجعل عمل المنظمة قانونيًا، بل يجب أن تكون جميع الإجراءات والنشاطات التي تمارسها المنظمة مطابقة للقوانين المحلية في بلد التسجيل، وفق ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، بالإضافة إلى عدم مخالفتها العقوبات الدولية المفروضة على دولة ما.

وأعطى العبد الله مثالًا لتوضيح هذه المسألة، فإذا كان بيع الأسلحة مسموحًا في فرنسا، فهذا النشاط نفسه يُمنع ممارسته في ليبيا، بسبب قرار حظر الأسلحة الصادر عن مجلس الأمن هناك.

لذلك، يجب النظر إلى كل نشاط بحد ذاته ومراقبته، كي يُحدد إذا كان قانونيًا أم لا، وليس البحث في شكل الدعم الممنوح للنظام السوري من قبل المنظمة، إذا كان سريًا أم علنيًا.

والدعم المقدم إلى حكومة النظام السوري، من الناحية اللوجستية، الطبية أو الإغاثية، لا يعتبر مخالفًا لقانون أي دولة محلية أو حتى اتفاقية دولية، ولكن يبدأ هذا الدعم بمخالفة القانون عند وجود علم لمنظمة ما باستخدام دعمها من قبل حكومة النظام لأغراض غير التي خُصص لها الدعم، مثل استخدام المساعدات الطبية لقمع معارضي النظام أو التضييق على المدنيين.

ويمكن لحكومة النظام أن تلتف على ذلك الدعم اللوجستي المقدم من بعض المنظمات الغربية من خلال “مواد الاستخدام المزدوج”، بحسب ما قاله العبد الله، وهي صفة تطلَق على بعض المنتجات الصناعية التي يمكن في نفس الوقت أن تُستعمَل في ميادين مدنية أو في مجالات عسكرية.

وغالبًا يكون تصدير “مواد الاستخدام المزدوج” خاضعًا لقوانين ورقابة خاصة، إذ يُحظر تصدير هذه المواد إلى بلدان معيّنة، فأجهزة الطرد المركزي مثلًا يمكن استعمالها في المجال الطبي بالإضافة إلى إمكانية استعمالها لتصنيع اليورانيوم المخصب.

ومن الأمثلة على هذا الاستخدام المزدوج ما أثبته تحقيق في عام 2019 ترجمته عنب بلدي، لـ”هيئة الإذاعة الدنماركية” (DR)، عن دور رئيس تلعبه الشركة الدنماركية “Dan-Bunkering” في قضية تتعلق بالإمدادات غير القانونية لما لا يقل عن 30 ألف طن متري من وقود الطائرات للحرب في سوريا.

وقالت “DR” إن التحقيق يستند إلى سجلات المحكمة الأمريكية والمعلومات السرية التي تمتلكها السلطات الدنماركية.

ومن الأمثلة أيضًا ما أثبته تحقيق استقصائي لـ”وحدة التحقيق التابعة لمجموعة تاميديا الإعلامية السويسرية”، ومركز “بوليتزر للإبلاغ عن الأزمات”، بالتعاون مع موقع “درج”، حول اختفاء أربعة أطنان من المواد الكيماوية، بعد وصولها إلى سوريا بحجة استخدامها في صناعة الأدوية لدى شركة “المتوسط للصناعات الدوائية”.

ولم تصل معظم المواد الكيماوية التي تدخل في صناعة دواء “فولتارين” إلى وجهتها، وهي شركة “المتوسط للصناعات الدوائية”.

وتضمنت المواد المستوردة خمسة أطنان من مستحضر “الإيزوبروبانول” الذي يدخل أيضًا في صناعة غاز الأعصاب “السارين”، والذي يحظر الاتحاد الأوروبي إدخاله إلى سوريا.

وأنشأت دول العالم “اتفاق فاسنر” عام 1996، وهو نظام لمراقبة الصادرات التي تتبادلها 42 دولة، والحصول على معلومات حول عمليات نقل السلع التكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج.

وتعتبر سوريا ضمن الدول التي يجب تنسيق الضوابط بشأن المواد المصدرة إليها، كونها دولة لديها برنامج أسلحة كيماوية متقدم وقدرة أسلحة بيولوجية “مشتبه بها”، فإنها بذلك “تشكّل خطرًا” حين تتدفق قدرات عسكرية إليها، وفق بيانات الاتفاق.

كما يمكن استعمال أجهزة المراقبة اللاسلكية في أغراض سلمية، ولكن حكومة النظام استخدمتها في التنصت على ناشطين سلميين في المعارضة، ولذلك حظرت الحكومات الغربية بيع مثل هذه الأجهزة لسوريا، وفق ما أضافه العبد الله.

عقوبات أوروبية ضد النظام السوري

منظمات غربية تدعم الأسد

تتبعت عنب بلدي أبرز المنظمات النشطة في دعم النظام السوري، وتتركز في بلدان الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى بلدان غربية كأمريكا وكندا، وأبرز هذه المنظمات:

“الجبهة الأوروبية للتضامن من أجل سوريا”

أُسست هذه الجبهة في كانون الثاني عام 2013، وكان المؤسسون الرئيسون لها من إيطاليا، واليونان، وقبرص، وبلجيكا، وهولندا، وفنلندا، وإسبانيا، وسرعان ما لاقت دعمًا وقبولًا من بلدان أخرى، وبشكل خاص في بولندا وفرنسا وجمهورية التشيك، ورومانيا، إلى جانب أيرلندا، وصربيا، وبريطانيا، واسكتلندا، ومالطا، وأوكرانيا، والدنمارك، والسويد، وكندا، والأرجنتين.

منظمة “بلاك ليلي”

أُسست هذه المنظمة في اليونان عام 2013، وأجرت صحيفة “الديمقراطية” اليونانية اليمينية مقابلة مع أحد أعضاء الجماعة، وهو ستافروس ليبوفيسيس، الذي زعم أن الحركة لديها مقاتلون يحاربون إلى جانب قوات النظام السوري.

وقال ليبوفيسيس في المقابلة، إن المقاتلين اليونانيين شاركوا في جميع المعارك الكبرى في جنوبي وغربي سوريا، وتمت الإشادة بهم لشجاعتهم بعد هجوم القصير الذي شنته قوات النظام السوري و”حزب الله” في نيسان 2013.

وترتبط جماعة “بلاك ليلي” ارتباطًا وثيقًا بمنظمة “الجبهة الأوروبية للتضامن من أجل سوريا”.

جماعة “كازا باوند”

تعتبر “كازا باوند” منظمة إيطالية يمينية تعرب عن إعجابها بالديكتاتور السابق بينيتو موسوليني، ونفذت احتجاجات عنصرية ضد مجتمع الغجر وهجمات عنيفة ضد مناهضي الفاشيين واليساريين.

وفي عام 2013، زار وفد من “كازا باوند” دمشق، وأعلن دعمه للنظام السوري، كما التقى برئيس مجلس الشعب، محمد جهاد اللحام.

وزار وفد من المنظمة مدينة حلب شمالي سوريا، ونشر أعضاؤه صورًا لهم أمام قلعة “حلب” وهم يحملون علم إيطاليا إلى جانب علم “الجماعة”.

حزب “البديل من أجل ألمانيا”

أُسس هذا الحزب عام 2013، وكان توجهه الأساسي معارضة إنقاذ الدول الأوروبية المثقلة بالديون مثل اليونان، ومع مرور الوقت أصبح حزبًا مناهضًا لسياسة الهجرة التي انتهجتها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والتي أسهمت بوصول أكثر من مليون ونصف مليون مهاجر إلى ألمانيا عام 2015.

وزار فريق من سبعة سياسيين تابعين لحزب “البديل من أجل ألمانيا” سوريا، على أمل تعزيز جهود حزبهم، لإعادة نصف مليون لاجئ سوري يعيشون حاليًا في ألمانيا.

وكان الهدف المعلَن للرحلة “الخاصة” التي نظمها كريستيان بلكس، وهو عضو برلماني من الحزب، هو السماح للسياسيين بتقييم الوضع الأمني ​​بأنفسهم، بحسب تعبيره.

ويتعاون مع حزب “البديل” السوري كيفورك ألماسيان، الذي سُحب حق اللجوء منه، “لدفاعه بشراسة عن نظام الأسد، ولعدم تهديده بالملاحقة السياسية من قبل النظام”، وجاء قرار الحكومة الألمانية بسحب حق اللجوء منه، على اعتبار أن “الوضع الأمني مستقر كفاية”، بحسب وصفه.

“تحالف من أجل الحرية والسلام”

أقام هذا التحالف علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، إذ زار وفد من التحالف دمشق عام 2015، وأبدى الوفد برئاسة روبرتو فيوري دعمه للنظام، ووصف ما يجري بـ”صراع الحضارة والفوضى”.

وقال فيوري، إن مهمتهم كوفد “للسلام والحرية” هي إقناع الشعب الأوروبي بـ”الوقوف إلى جانب الحضارة ممثلة بسوريا ومحاربة الإرهاب قبل أن يصل إلى أوروبا”.

كما زار الوفد، في عام 2019، العاصمة اللبنانية بيروت، والتقى بنائب الشؤون الخارجية لـ”حزب الله”، حليف النظام السوري، عمار الموسوي.

وأعرب الوفد عن دعمه لما وصفه بـ”الدور الوطني المهم لـ(حزب الله) في محاربة الإرهابيين، وموقفه ضد العدوان الإسرائيلي”، كما عبّر عن تضامنه “مع المقاومة ضد الحملات السياسية والإعلامية التي تشنها القوى المرتبطة بالمشروع الأمريكي- الصهيوني ضد (حزب الله)”.

منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق”

أُسست منظمة “أنقذوا مسيحيي الشرق” بفرنسا في تشرين الأول 2013، قبل وقت قصير من مهمتها الأولى، التي أُطلق عليها اسم “عيد الميلاد في سوريا”، وكان هدفها المعلَن هو تقديم المساعدة للمسيحيين في الشرق الأوسط، وبدأت تتورط بشكل متزايد في أعمال العنف التي أعقبت “الربيع العربي”.

ابتعدت المنظمة في وقت مبكر بعد تأسيسها عن تزويد المجتمعات المسيحية بالمساعدة الإنسانية والدعم المعنوي الذي دعت إليه في الأصل لترويج أجندة سياسية يمينية، ونشر معلومات مضللة.

ووُثقت العلاقة بين “أنقذوا مسيحيي الشرق” والنظام السوري، وكذلك الميليشيات “الوحشية” المؤيدة للنظام السوري المتمركزة في محافظة حماة، في وسائل الإعلام الفرنسية منذ أن بدأت المنظمة عملها داخل سوريا عام 2013.

وأثار تحقيق لمجلة “Newlines” أيضًا تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن يكون فيه أفراد المنظمة، الذين هم أيضًا جنود احتياط فرنسيون، قدموا عن قصد أو عن غير قصد مشورة عسكرية أو استراتيجية ميدانية خلال السنوات العشر، خلال زيارات المنظمة إلى مدينة محردة التابعة لمحافظة حماة، وجهود جمع التبرعات لها.

كما يربط التحقيق المنظمة بقائمة من المنظمات التي تم تحديدها في رسالة كُتبت في نيسان الماضي من قبل النائبة الأمريكية، إليسا سلوتكين، رئيسة لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأمريكي، وطلبت من وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تصنيفها كمجموعات “تفوّق عنيف للبيض” في الخارج.

“مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام”

تضم هذه المنظمة مجموعة من الأكاديميين والباحثين البريطانيين المحسوبين على اليسار المتطرف، الذين يقودون حملات إعلامية ضد الصحافة الغربية وبعض المنظمات الإنسانية وغيرها، ويتهمونها بالعمالة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، بغرض إضعاف حكومة النظام السوري من خلال تزييف الأدلة والترويج لسقوط ضحايا مدنيين وضحايا هجمات الأسلحة الكيماوية.

أعاد أحد أعضاء “مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام” تيم هايوارد، نشر تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، حول الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية، تدعي بأن منظمة “الدفاع المدني السوري” هي شريكة للفصائل “الجهادية”، وتتهمها بفبركة الهجمات الكيماوية وتزييف وقوع الضحايا لاستخدامها كأدلة مضللة.

المدوّنة البريطانية فانيسا بيلي، أحد أبرز أعضاء المجموعة والداعمة بشكل علني للنظام السوري، قصدت سوريا عدة مرات ضمن رحلات مدفوعة من حكومة النظام، واتهمت فريق “الدفاع المدني” بـ”اصطناع مشاهد تمثيلية للهجمات الصاروخية والكيماوية، ونسبها للنظام السوري بهدف تقويضه وإسقاط حكومته”.

ويلاحَظ أن أغلبية هذه المنظمات أُسست مع بداية تزايد اللاجئين السوريين في البلدان الأوروبية، الأمر الذي تستغله تلك المنظمات في توجهها لدعم النظام السوري، من خلال إيصال فكرة إلى الرأي العام الأوروبي بأن السلطة في دمشق “تحارب الإرهاب”، وهي حامية لأوروبا من أي جماعات متطرفة قد تجد الطريق إلى أوروبا من أجل تنفيذ عملياتها هناك.

ومن أصل نحو 6.7 مليون لاجئ سوري حول العالم (أغلبهم في دول جوار سوريا)، تستضيف البلدان الأوروبية أكثر من مليون طالب لجوء ولاجئ سوري، 70% منهم في بلدين فقط، هما ألمانيا (59%) والسويد (11%)، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

أين الاتحاد الأوروبي؟

نشر الاتحاد الأوروبي سلسلة من التوضيحات فيما يتعلق بمعلومات “مضللة” بثها النظام السوري في محاولة لكسب الرأي العام، وهي معلومات تتبناها المنظمات الغربية غير الحكومية الداعمة للنظام.

وقال الاتحاد في تقرير نُشر عبر موقع “بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا“، في 29 من حزيران الماضي، إنه بعد مضي عشرة أعوام على الصراع في سوريا، “ما زال النظام يحاول تشويه الحقائق، الأمر الذي سهّلته منصّات التواصل الاجتماعي”.

واعتبر التقرير أن سوريا لا تزال بلدًا غير آمن “وتمييزيًّا” بالنسبة إلى أغلبية مواطنيه، ولا تزال القوانين والإصلاحات السياسية اللازمة من أجل ضمان حق المواطنين في العيش بأمان “غائبة”.

وأشار التقرير إلى أن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” تراجع وبشكل دوري، الشروط الضرورية لتنظيم العودة الآمنة للاجئين، وينبغي تسهيل وصول المفوضية السامية وغيرها من المنظمات الإنسانية إلى جميع الأراضي السورية من أجل رصد وتقييم الوضع فيها.

وأشار التقرير إلى أن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد النظام السوري سارية ولم تتغير في الغالب منذ عام 2011، وجاءت كرد فعل على “القمع الوحشي للسكان المدنيين”، وجرى تمديدها مؤخرًا حتى حزيران من عام 2022.

العقوبات صُممت لتتفادى عرقلة المساعدات الإنسانية، إذ لا يخضع تصدير الغذاء والأدوية والتجهيزات الطبية، كأجهزة التنفس الصناعية، لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

كما لا تشمل العقوبات القطاع الإنساني والتجاري في سوريا، حيث كانت سلع الاتحاد الأوروبي تتدفق بحرية حتى عام 2019، ليتراجع نشاط هذه القطاعات بعد ذلك بسبب انهيار القطاع المصرفي اللبناني، الذي كان البوابة التجارية والمالية الرئيسة لسوريا إلى العالم، ولكن السلع الاستهلاكية والأدوية الأوروبية وما إلى ذلك لا تخضع للعقوبات، ولم تتوقف عن الدخول إلى البلاد.

أما التطبيع مع النظام السوري، الذي يروّج له النظام ومنظمات غير حكومية في أوروبا، فـ“غير وارد، حتى يجري تحقيق انتقال سياسي للسلطة وفق قرارات الأمم المتحدة، ويشمل ذلك وقف حملات القمع، والإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين من السجون”، بحسب تقرير الاتحاد الأوروبي.

واعتبر التقرير أن أي تغيير على تمثيل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في دمشق لم يطرأ، عقب انتخابات أيار الماضي، وأن إعادة فتح السفارات في دمشق من قبل بعض الدول الأعضاء ليست بالأمر الجديد.

لدول الأعضاء الحق السيادي في تقرير تمثيلها الدبلوماسي في الخارج، بحسب التقرير، ولذلك فإن أي حضور للاتحاد الأوروبي أو لدبلوماسيين من الدول الأعضاء في دمشق لا يعني تطبيع العلاقات.

استطلاع رأي:

انقسام حيال تأثير المنظمات الغربية

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيه نحو ألف مستخدم، أظهر انقسامًا في انطباعات الجمهور حول تأثير هذه المنظمات.

واستبعد 55% من المشاركين أن يسهم دعم منظمات غير حكومية بإعادة تأهيل النظام السوري وتقبل الدول له، بينما ترى النسبة المتبقية العكس.

البحث عن المواجهة.. قانونيًا

بعيدًا عن الإرادة السياسية للدول أو لمنظومة الاتحاد الأوروبي، فإن قضايا الجرائم الجسيمة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تميل لأن تكون معقدة للغاية في تحقيقاتها وإثباتها والدفاع عن ضحاياها وإصدار الأحكام بحق مرتكبيها.

وقبل البحث عن الأدوات التي يمكن من خلالها مقاضاة تلك المنظمات الغربية بسبب دعمها للنظام، وهو طرف متهم بارتكابه انتهاكات ضد المدنيين في سوريا، يجب أن تتوفر أدلة مكثفة بشأن مخالفة منظمة ما للقوانين المحلية في الدولة المسجلة فيها، أو للاتفاقيات والعقوبات الدولية، ورصد ماهية القوانين التي خولفت وتم انتهاكها، من أجل فتح تحقيق بتلك المخالفة، بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديثه إلى عنب بلدي.

ففي قضية المنظمة الفرنسية “أنقذوا مسيحيي الشرق”، أخذت مرحلة جمع وفحص الأدلة 18 شهرًا، للتأكد من ارتباط المنظمة بميليشيات رديفة لقوات النظام السوري، عن طريق شهادات سرية من المبلّغين عن الانتهاكات، وبيانات ومعلومات مفتوحة المصدر، كما شملت الأدلة أيضًا أثر أموال موثقًا يصل إلى حد الجرائم التي يمكن مقاضاة مرتكبيها بموجب القانون الفرنسي.

لكن في بعض الأوقات، هناك عقوبات دولية تُنتهك بدلًا من قوانين محلية، وبالتالي يجب البحث عن طبيعة الملاحقة القانونية، لأنه في حالة انتهاك عقوبات معيّنة، لن تكون هناك مقاضاة بالمعنى الفعلي لهذه الكلمة، ولكن يمكن إيصال توثيق الانتهاكات للجهة التي طبقت العقوبات على سوريا.

فعندما تنتهك شركة أو منظمة ما عقوبات “قيصر” المفروضة من قبل أمريكا على سبيل المثال، فهنا يجدر بالأشخاص الذين جمعوا أدلة انتهاك معيّن أن يرسلوها إلى وزارة الخزانة الأمريكية، وستخضع حادثة الانتهاك للتحقيق من قبل الوزارة، التي قد تصدر عقوبات بحق المنظمة نتيجة للتحقيق، مثل إغلاق حساباتها المصرفية أو محاسبة مسؤولين فيها وفق القوانين الأمريكية.

وعندما يتعلق الانتهاك بعقوبات معيّنة، فالأمر خرج عن مسار المقاضاة وأخذ طابعًا سياسيًا، ويعتقد العبد الله بأن هذه الحالة “قد تكون صعبة إلى درجة معيّنة”، لأنها تشترط أن يكون مستوى الانتهاك مرتفعًا إلى درجة جسيمة ليحرك الجهة الدولية التي أصدرت العقوبات، حتى يكون هناك جدوى من أي تحقيق قد ينظم في الحادثة، بالإضافة إلى شرط أن تكون المنظمة في دولة متعاونة لتنفيذ العقوبة نتيجة التحقيق، مثل الطلب من حكومة الدولة التي سُجلت المنظمة فيها تجميد أرصدتها في البنوك.

في مقابل ذلك، يوجد المسار القضائي الذي يبتعد عن أي جوانب سياسية، وبهذه الحالة يجب أن يتوجه الأفراد الذين يملكون أدلة انتهاك ضد منظمة ما إلى مكتب جرائم الحرب ضمن النيابة العامة في الدولة التي سُجلت فيها المنظمة لتقديم الأدلة.

وأوصى العبد الله بالاستعانة بمراكز ومنظمات حقوقية في حال اختار الأفراد المسار القضائي من أجل محاسبة منظمة ما انتهكت قوانين محلية بدعمها للنظام السوري، بسبب خبرة المنظمات في لغة القوانين المحلية والإجراءات القضائية.

وخطوة رفع دعوى ضد منظمة شاركت في دعم مجموعات عسكرية تتبع لقوات النظام، تعزز معرفة أدلة أكثر بسبب خروج القضية إلى العلن، وبذلك، سيكون من السهل جمع الشهود والضحايا الذين كانوا على تماس مباشر مع الانتهاكات الصادرة من المنظمة المدعى عليها.

احتجاجات في مدن دنماركية ضد قرارات ترحيل اللاجئين إلى سوريا كجزء من مناصرة اللاجئين السوريين – 19 من أيار 2021 (Tim Whyte)

المناصرة للضغط على الممولين إعلاميًا

ميزة المناصرة الحقوقية في مواجهة المنظمات الغربية التي تدعم النظام السوري أنها أقل تكلفة وجهدًا من الاتجاه نحو المسار القضائي، وفق ما يراه محمد العبد الله، ولكن يجب أيضًا أن تستند إلى أدلة موثقة كافية، من أجل فتح الباب أمام وسائل الإعلام لتسليط الضوء على نشاطات هذه المنظمات.

بالإضافة إلى أن المنظمات ملزَمة بالكشف عن مموليها، عن طريق تقديم كشف ضريبي في كل نهاية عام، وبالتالي فإن الحصول على معلومات عن الجهات التي تموّل المنظمات الداعمة للنظام السوري أمر متاح للضغط عليها إعلاميًا، من أجل إثقالها بغرامات مالية تحد من قدرتها على الاستمرار بتمويل تلك المنظمات.

وبحسب عضو مجلس إدارة منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام” سميرة المبيض، يعتمد البحث والتحقق من هذه المنظمات على عمل مستقل لأفراد أو لمنظمات مدنية، كما جرى في التحقيقات المتعلقة بمنظمة ما يُعرف بـ”أنقذوا مسيحيي الشرق”، التي تابع أعضاء منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام” عملها لعدة سنوات، ورصدوا تأثيرها السلبي على الوجود المشترك والاستقرار المجتمعي في سوريا، وتبنيها ودعمها لحراك مسلح ضد المدنيين.

وترى المبيض أن متابعة مثل هذه المسارات تتطلب وجود هيئات سورية مدنية مستقلة، تعمل على التوثيق والتحقق من جدوى عمل المنظمات المدنية، فيما يصب بمصلحة السوريين في دول الشتات والداخل السوري وبعيدًا عن أي استقطابات أخرى.

وفي أغلب الأوقات، فإن عدالة القضية غير كافٍ لمواجهة المنظمات غير الحكومية الداعمة لأنظمة مصنفة على أنها استبدادية، ولسماع صوت الضحايا، خاصة أن الرأي العام الغربي غير مهتم بشكل مباشر بقضايا الملف السوري، وبالتالي يجب أن تكون جهود المناصرة والتوعية مدروسة لتحقيق جدواها، وفق ما قاله مسؤول قسم المناصرة والتواصل في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، داني البعاج، في حديث إلى عنب بلدي.

وهذه المناصرة الحقوقية تحتاج إلى وقت وجهد مبذول وموارد مالية قد لا تكون متاحة في بعض الأحيان.

في الوقت الحالي، يرى داني البعاج أن أهم وسيلة للمناصرة الحقوقية ضد هذه المنظمات هي تحرك الجاليات السورية التي صارت منتشرة في أغلب بلدان الاتحاد الأوروبي، لأن الرأي العام الغربي يدرك تمامًا أن هناك سلطة مستبدة في سوريا دفعت الناس للجوء إلى أوروبا، ولكن قد لا تكون لديها الصورة الكاملة لجرائم الحرب التي حدثت داخل سوريا.

ويحدث الإشكال في الرأي العام الغربي حين يتم تزييف الحقائق وتغيير دور السلطة في سوريا بخطاب المنظمات الداعمة لها، عن طريق إعطاء النظام دورًا وظيفيًا بحماية الاتحاد الأوروبي من “الإرهاب”، فيقف معظم الأوروبيين أمام مفارقة اختيار دعم النظام السوري أو أن يكونوا ضحية “المجموعات المسلحة الإرهابية”، وهذه الخطورة الحقيقية بدعم المنظمات للنظام السوري وفق رأي البعاج.

وتتصدر المنظمات أو الأحزاب الغربية التي تدعم النظام السوري المشهد داخل بلدان الاتحاد الأوروبي والدول الغربية الأخرى، بسبب ضعف أداء المعارضة السياسية في مجال مناصرة القضية السورية، إذ لم ترسم استراتيجية واضحة لمناصرة مطالب المجتمع السوري بمحاسبة السلطة بشكل جدي من قبل المعارضة السياسية، وفق ما قاله البعاج.

كما أن “ضعف التواصل الحقيقي والدائم بين المعارضة السورية، تحديدًا (الائتلاف) و(هيئة التفاوض)، وبين الشارع الغربي”، من صحفيين وشخصيات عامة مؤثرة في أوروبا، من أجل نشر الجرائم المرتكبة في سوريا ورصد الجهات التي ارتكبتها، أدى إلى وجود صورة غير واضحة لدى أغلب الأوربيين عن الأحداث التي تجري في سوريا، وفق ما يراه البعاج.

الجهد المبذول لأي مناصرة حقوقية ضد منظمات تحملت مسؤولية التورط بدعم النظام السوري، عن طريق إثبات علاقتها المباشرة مع النظام، مسألة تتطلب خبرات كبيرة من حيث جمع الأدلة، لكنها بالضرورة مع تراكم الوقت ستؤثر على الرأي العام الغربي، الذي بدوره سيضغط على الحكومات من أجل وقف هذه الأشكال من الدعم الموجه إلى السلطة في دمشق، وتسليط الضوء أكثر على انتهاكات تنتظر الجهود التي تُبذل من أجل تحقيق المحاسبة.

English version of the article

مقالات متعلقة