"يستغلون حاجتنا لسكن آمن"

أزمة ارتفاع الإيجارات تواجه النازحين في درعا

camera iconعائلة سورية تخرج أغراض بيتها تجهيزًا للنزوح خارج مدينة درعا - 3 من آب 2021 (وكالة "نبأ")

tag icon ع ع ع

درعا – حليم محمد

لم تتردد “أم عمر” في بيع مصاغها الذهبي، لتأمين أجرة منزل في مركز محافظة درعا، بعد تهجيرها من بيتها في درعا البلد بسبب الحصار التي تشهده المدينة، فـ”مالكو البيوت استغلوا ظرف التهجير القسري، ورفعوا أجور المنازل بما يقارب عشرة أضعاف”.

باعت “أم عمر”، البالغة من العمر 50 عامًا، وهي ربة منزل، خاتمها لتأمين أجرة شهر آب، وهي في حيرة من أمرها في كيفية تأمين أجرة الشهر المقبل، وسط عدم وضوح أي معالم لانفراج الوضع الأمني في المحافظة الجنوبية لسوريا.

تحت وطأة الحصار الذي يستمر منذ بداية حزيران الماضي، والتهديد بشن عملية عسكرية من قبل قوات النظام السوري، الذي يترافق مع قصف مستمر على أحياء درعا البلد وطريق السد ومخيم “درعا” للاجئين الفلسطينيين، اضطرت العائلات، خصوصًا النساء والأطفال، إلى الخروج من هذه الأحياء قاصدين مركز مدينة درعا للابتعاد عن خطر الموت نتيجة القذائف، لكن دون أن يتردد بعض أصحاب البيوت برفع أجور الشقق والمنازل، مستغلين حاجة النازحين إلى السكن الآمن.

إيجارات تفوق قدرة النازحين

ارتفعت الإيجارات الشهرية للشقق السكنية في درعا، خلال تموز الماضي، من 50 ألف ليرة سورية (15 دولارًا) إلى 400 ألف ليرة (121 دولارًا)، وهو ما يفوق قدرة السكان المالية، ما دفع بعضهم إلى تحمل عبء هذه الأجور، مفضلين ذلك على السكن في مراكز الإيواء المؤقتة داخل المدارس.

تفضّل العائلات النازحة استئجار شقة سكنية على الإقامة داخل مراكز الإيواء بسبب عدم توفر “مقومات الإقامة الكريمة فيها”، وفق ما اشتكت “أم عمر” لعنب بلدي، فـ”الاستقلالية والخصوصية في استخدام المرافق الصحية أولوية لدى العديد من النساء والأطفال”.

بعض أصحاب البيوت طلبوا ما بين 500 ألف ليرة ومليون ليرة كأجرة شهرية لشقة سكنية لا تتناسب مع هذه التكلفة، وفي بعض الأوقات يطلبون 250 ألف ليرة أجرة غرفة واحدة غير مهيّأة للسكن، وفق ما رصدته عنب بلدي من آراء عائلات النازحين من مخيم “درعا”.

واعتبر الأهالي أن رفع الإيجارات في الوقت الحالي “استغلال لحاجة الناس”، ما دفع بعضهم للتفكير بالعودة إلى مناطقهم الأصلية والعيش في بيوتهم المعرضة للقصف والحصار، عوضًا عن استغلالهم من قبل مَن وصفهم بعض الأهالي بـ”تجار الحروب”.

بدائل غير مناسبة

افتتح فرع “الهلال الأحمر السوري” في محافظة درعا ستة مراكز إيواء للنازحين، سكنتها 304 عائلات، في حين استضاف المجتمع المحلي 5500 عائلة، أي حوالي 27500 نسمة.

ولكن السكن في تلك المراكز يبقى الخيار الأسوأ لعدم قدرة السكان على دفع الأجور المرتفعة، وعدم رغبتهم في الابتعاد والسكن في الريف ليبقوا قريبين من بيوتهم.

والفئة التي لجأت إلى مراكز الإيواء هم الأشخاص الذين يعتمدون على أعمالهم اليومية، التي حرمهم الحصار من الاستمرار فيها لكسب رزقهم.

ومبلغ 400 ألف ليرة لأجرة شقة في درعا يعادل دخل عام كامل لأي عامل من أبناء المخيم، وفق ما قاله أحد سكان مخيم “درعا” لعنب بلدي (الذي تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية)، وتصرّف المؤجرين عمل يدل على “عدم تضامن أبناء المدينة الواحدة في ظل الأزمات التي نمر فيها”.

وأضاف النازح الثلاثيني، الذي يقيم حاليًا في أحد مراكز الإيواء، أنه في ظل انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، تعتبر مراكز الإيواء خطيرة على النازحين، حيث يستخدم أكثر من 100 عائلة دورة مياه واحدة في كل مركز من مراكز الإيواء.

ووثقت الأمم المتحدة نزوح 18 ألف مدني من سكان مدينة درعا البلد وحي طريق السد، ومخيم “درعا”.

وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، في 5 من آب الحالي، في بيان، إن “الصورة الصارخة المنبثقة من درعا البلد وأحياء أخرى، تؤكد مدى تعرض المدنيين هناك للخطر، بسبب العنف والقتال المستمر تحت الحصار”.

وسُمح في الفترة الأخيرة للمشاة فقط بالخروج من درعا البلد على طول طريق السرايا، مع الخضوع لإجراءات أمنية صارمة، وفقًا لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وصنفت الأمم المتحدة العملية العسكرية الحالية بـ”الأكثر خطورة” منذ عام 2018.

تضييق مستمر على المدنيين

قال عدنان مسالمة، الناطق الرسمي باسم “اللجنة المركزية في درعا البلد”، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن الروس يحاولون إحياء المفاوضات بين النظام و”اللجنة المركزية” الممثلة عن وجهاء وأهالي المنطقة من خلال تقديم مساعدات إنسانية للنازحين، بعد تعيين مسؤول روسي جديد لإدارة ملف الجنوب.

وزار وفد روسي مراكز الإيواء بدرعا، في 11 من آب الحالي، لإحصاء عدد اللاجئين، وتقديم مساعدات إنسانية.

إلا أن تقديم المساعدات الإنسانية لا يكفي الأهالي كي يشعروا بالأمان، في الوقت الذي لا توجد فيه أي ضغوط على النظام السوري للابتعاد عن الحل الأمني في المنطقة وتضييقه على المدنيين.

ففي 15 من آب الحالي، فرّقت قوات النظام تجمعات لنازحي درعا البلد ممن ينتظرون عبورهم إلى مناطق آمنة بالقرب من حاجز “السرايا” الفاصل بين درعا البلد المحاصرة ومركز محافظة درعا، الذي تسيطر عليه قوات النظام.

واستولى مقاتلو “الفرقة الرابعة” على منازل مدنيين قرب درعا البلد، وطردوا سكانها، من أجل تحويلها إلى تحصينات عسكرية، لاستخدامها في المعارك الدائرة بمحيط درعا البلد.

وتشهد مدينة درعا توترًا أمنيًا مستمرًا على خلفية التصعيد العسكري الأخير، مع تمسك النظام بالحل الأمني وفشل الوصول إلى اتفاق بين “اللجنة المركزية” في المدينة و”اللجنة الأمنية” الممثلة عن النظام السوري.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة