قروض عقارية في سوريا لا يستفيد منها إلا “المقتدرون ماليًا”

camera iconأبنية مهدمة في مدينة حمص (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

توفر ثلاثة مصارف عامة من أصل ستة في سوريا قروضًا عقارية، وعلى الرغم من شروط منحها التي قد تجعل المواطنين يحجمون عنها، يُروّج النظام لفائدتها “الكبيرة” في “تأمين الأموال” لتنشيط سوق العقارات و”رفع سويّة الاقتصاد”.

وتشكّل تلك القروض أعباء إضافية على المواطن في ظل ارتفاع أسعار العقارات مقارنة بالدخل الشهري في سوريا، إذ ارتفعت خلال العام الحالي بنسبة تقارب 100%.

تبحث عنب بلدي في هذا التقرير جدوى القروض العقارية التي تُقدمها المصارف في سوريا، لمعرفة مَن المستفيد منها، وما علاقتها بتحسين الاقتصاد.

قروض لمن يملكون عقارات أساسًا

في أيلول 2020، بدأ المصرف التجاري السوري بمنح قروض عقارية سقفها 100 مليون ليرة سورية، ثم لحقه المصرف العقاري، في تموز الماضي، بمنح قروض سقفها 50 مليونًا.

وأخيرًا، بدأ بنك التوفير بمنح قروض سقفها100 مليون، مطلع آب الحالي.

وبينما تتفاوت شروط الحصول على هذه القروض من حيث الضمانة العقارية والكفالة، يحتفي الإعلام الرسمي السوري بها، ويتحدث عن إيجابياتها على صعيد الاقتصاد السوري والمواطن على حد سواء.

ويُشترط للحصول على القرض توفير “ضمانة عقارية”، تختلف من مصرف لآخر، وهذه الضمانة تعني أن المتقدم للحصول على قرض يجب أن يرهن عقارًا باسمه حتى تسديد هذا القرض.

وبالتالي لا يمكن لمن لا يملك عقارًا أن يتقدم للحصول على قرض، إلا بحالة قرض المصرف التجاري، الذي يرهن العقار نفسه، والذي يمكن الحصول عليه من أي شخص سوري ومن في حكمه، ولكن حصرًا للعاملين في القطاع العام والخاص والمتقاعدين والعسكريين وأصحاب المنشآت والفعاليات والمهن الحرة والحرف لمن لديه سجل تجاري، أو صناعي، أو مهني، أو حرفي منذ مدة لا تقل عن سنة واحدة، وأصحاب المهن العلمية المنتسبين للنقابة منذ مدة لا تقل عن سنة.

“لتصريف الأموال المتراكمة”

وصف الخبير في الشأن العقاري عمار يوسف القرض العقاري الذي تقدمه المصارف السورية بـ”غير المجدي، وغير القابل للتطبيق، وغير المؤثر في السوق”، مستندًا إلى حالة عدم الإقبال على طلب مثل هذه القروض.

واعتبر يوسف، في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 4 من آب الحالي، أن الهدف من تلك القروض هو “محاولة إيجاد توظيفات للودائع والأموال المتراكمة لدى المصارف”.

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو أكد، في حديث إلى عنب بلدي، أن الشروط المرتبطة بمنح القروض لا تتوافق مع ذوي الدخل المحدود أبدًا.

واعتبر شعبو أن قيمة تلك القروض لا يمكن أن تشتري حتى عقارًا، إذ يبلغ سقف أفضلها 100 مليون ليرة سورية (ما يقارب 33 ألف دولار)، ما يفسر إحجام الكثيرين عن التفكير بالحصول عليه.

ولا يرى الدكتور فراس شعبو أن القروض المطروحة ستسهم في حل مشكلات تأمين السكن اليوم، وليس لها أي تأثير في سوق العقارات من جهة حلحلة أو تخفيض أسعارها.

مَن يستفيد من القرض العقاري؟

أوضح الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أن المستفيدين من هذه القروض هم “فئة قليلة جدًا” من المقيمين في سوريا.

وربط شعبو حجم تلك الفئة بالشروط التي تفرضها المصارف على المقترض، إذ يجب أن تكون لديه القدرة على تأمين ضمان يقارب الـ150% من قيمة القرض الذي حصل عليه.

ويُشترط أن تكون لدى الراغب بالحصول على القرض قدرة على السداد والاستغناء عن 40% من دخله الشهري، وهذا ما لا يقدر عليه 90% من السوريين الواقعين تحت خط الفقر (بحسب الأرقام الأممية) وهم الفئة الغالبة.

وفي ظل نسبة الفائدة على القرض التي قد تصل إلى 16% من قيمته، وهو رقم لا تقدر الفئة الغالبة من السوريين تحمله، ونظرًا إلى ظروفهم الاقتصادية، صاروا يعتبرون تملكهم عقارًا ما “رفاهية”، قد لا يلتفتون إليها مقابل السعي لتأمين مستلزمات المعيشة اليوم من طعام وشراب وخدمات، بحسب الدكتور فراس شعبو.

ووفقًا لشعبو، من يستطيع الاستفادة من القروض العقارية الموجودة الآن، هم فقط “المقتدرون” وأصحاب الأموال فقط وهم نسبة “قليلة جدًا”، بينما تشكّل تلك القروض عبئًا إضافيًا على ذوي الدخل المحدود “غير القادرين على التفكير بالكماليات”.

وأكد تقرير لصحيفة “البعث” الحكومية، في 17 من آب الحالي، بعنوان “في مضمار التسليف والإقراض.. الحلقة الأضعف هم ذوو الدخل المحدود (…)“، أن المنتجات المصرفية بصيغها الحالية تستهدف فقط فئات محددة، وقد لا تحقق نتائج مثمرة على صعيد الفئات الأشد احتياجًا سواء الأفراد، أو المشاريع المتناهية الصغر.

وبحسب التقرير، تسهم القروض الحالية للمصارف باتساع الهوة بين طبقات المجتمع، كما ترفد “المتمكن اقتصاديًا” بإمكانية توسيع نشاطه على حساب المشروعات الصغيرة المستغَلة من قبل شركات كبيرة.

“اقتصاد منتعش” و”دولة تقدم خدمات”

يرى الدكتور فراس شعبو أن تطوير القروض العقارية لتشمل نسبة أشمل من المواطنين، يرتبط بشكل مباشر بهيكلية اقتصاد البلاد.

وشرح شعبو أنه في حالة وجود “اقتصاد منتعش” قادر على الإنتاج، وعملة لا تتغير قيمتها كثيرًا، ودولة تقدم خدمات أساسية وبنية تحتية للشعب والمستثمرين، يمكن أن تنشأ من خلال هذا كله عجلة الاقتصاد.

ومن خلال تلك العجلة، سيستطيع مواطنو الدولة الحصول على القروض مع امتلاكهم القدرة على سدادها ببساطة من خلال انتعاش ونشاط الحياة الاقتصادية في بلادهم.

بينما ما يحدث في سوريا هو العكس تمامًا، وفقًا للدكتور فراس شعبو، إذ يعمل النظام باستمرار على محاصرة المواطنين عبر المصارف، وتعزيز “العلاقة السيئة” بينهما، التي خلقها تراجع قيمة الليرة السورية، وفرض إيداع مبالغ معيّنة لمدة معيّنة مقابل عمليات البيع المختلفة.

ويعتقد الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، أنه على المدى المنظور، وفي ظل غياب القدرة الشرائية والحياة الاقتصادية، وغياب دور الدولة كداعم أساسي للحياة الخدمية والاجتماعية، لا وجود لرؤى اقتصادية “مبشرة”.

إذ لا يمكن لأي سياسة مصرفية ومالية أن تسهم في حلحلة الوضع الاقتصادي السوري، على حد رأي شعبو.

“جمود” في السوق

اتسم سوق العقارات في مناطق سيطرة النظام السوري بجمود أكبر من السنوات السابقة في حركة البيع والشراء، بحسب حديث للخبير في الاقتصاد الهندسي محمد الجلالي إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 15 من آب الحالي.

وأرجع الجلالي أسباب الجمود إلى انخفاض الطلب على العقارات نتيجة ارتفاع أسعارها مقارنة بالدخل، بالإضافة إلى وجود صعوبة في حركة الأموال وتحويلها.

ولفت الجلالي إلى أنه في حال أراد الشخص شراء عقار بسعر 200 مليون ليرة مثلًا، فإنه سيضطر لتحويل هذا المبلغ عن طريق البنوك، لكنه لن يكون قادرًا على سحبه إلا بالتقسيط لوقت طويل بمعدل مليونين فقط يوميًا، “وهذا الأمر أثّر سلبًا على حركة البيع”.

وتشهد سوق العقارات في مناطق سيطرة النظام جمودًا بعد قوانين أصدرتها حكومته، وإجراءات اتخذتها خلال العام الحالي، منها قانون ضريبة البيوع العقارية، الذي يعتمد على استيفاء الضريبة على العقارات المباعة بالاعتماد على قيمتها الرائجة، بدلًا من القيمة المعتمدة في السجلات المالية.

وأحجم مواطنون عن شراء العقارات بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، والفارق بين أسعار الصرف في السوق السوداء والأسعار الرسمية المحددة من قبل مصرف سوريا المركزي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة