تكاليف الدراسة ترهق طلاب جامعة “إدلب”.. المنح غائبة

camera iconحفل تكريم الطلاف المتفوقين في جامعة إدلب- 21 آب 2020 (جامعة إدلب/ الموقع الرسمي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- خالد الجرعتلي

يدرس سليمان (23 عامًا) علم الأحياء بكلية العلوم في جامعة “إدلب”، ويعاني مع بداية كل عام دراسي من التكاليف المفروضة على الطلاب من الأقساط الموسميّة التي يجب عليهم دفعها للجامعة، بالإضافة إلى مبالغ يدفعها عن امتحانات كل مادة دراسية على حدة، خلال الدورة التكميلية.

سليمان قال لعنب بلدي، إن جمع محاولاته بالحصول على منحة دراسية لتساعده على إنهاء دراسته باءت بالفشل، إذ تواصل مع العديد من المنظمات النشطة بريف حلب الشمالي، محاولًا فهم أسباب عدم توفر هذه المنح في إدلب، وكانت الإجابة أن مشاريع المنح لدى المنظمات صغيرة تقتصر على ريف حلب لا أكثر، وربما تجري توسعتها مستقبلًا لتشمل جامعات أخرى.

ويتداول الطلاب أسبابًا مختلفة لعدم توفر المنح الدراسية في جامعة “إدلب”، أبرزها أنها تقع ضمن مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ”، التي تخشى بعض المنظمات من التنسيق معها، باعتبارها مقربة من “هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا على إدلب، رغم نفي الحكومة تبعيتها للفصيل.

غائبة في إدلب.. حاضرة في حلب

تشكّل التكاليف السنوية لدراسة الجامعة عائقًا كبيرًا أمام الطلاب، خاصة مع الاحتمال الضعيف لإمكانية توفير عمل لمرحلة ما بعد التخرج، وسط حالة عدم الاستقرار الأمني والظروف الصعبة التي تمر بها مناطق سيطرة المعارضة السورية.

ويزيد غياب المنح الدراسية للطلاب من معاناتهم خلال سنوات الدراسة، إذ تتوفر هذه المنح الدراسية في الجامعات الواقعة بريف حلب الشمالي، أو ضمن مناطق نفوذ “الحكومة السورية المؤقتة”، وتغيب بشكل شبه كُلي عن جامعات إدلب الواقعة ضمن مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ”.

وبحسب إحصائية صادرة عن إدارة الجامعة، حصلت عليها عنب بلدي، فإن عدد الطلاب في جامعة “إدلب” بلغ 14700 طالب عام 2021.

وقال أحد طلاب كلية التربية في قسم الإرشاد النفسي، لعنب بلدي، إن كل خطوة أو معاملة في الجامعة مهما كانت بسيطة، تحتاج إلى الدفع لإتمامها، إذ أصبح استخراج بدل ضائع للبطاقة الجامعية يكلّف الطالب 15 ليرة تركية، والاعتراض على جمع درجات إحدى المواد الدراسية يكلّف الطالب 15 ليرة أخرى، والعديد من المعاملات الأخرى، في ظل غياب تام للمنح الدراسية.

وأضاف الطالب، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أنه بينما توفر منظمة “بنفسج للإغاثة والتنمية” منحًا دراسية تتضمن أقساط الجامعة ورواتب شهرية في جامعات ريف حلب الشمالي، لم تتوفر هذه المنح في ريف إدلب، الأمر الذي تساءل عنه طلاب من الجامعة.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال مدير برنامج الحماية ودعم الشباب في منظمة “بنفسج”، علاء البكور، إن مشروع المنح الدراسية الذي تقيمه المنظمة في ريف حلب هو مشروع تجريبي، وربما تجري توسعته في المستقبل في حال نجاح التجربة في حلب.

لكنه أضاف أن توفير الدعم لجامعة “إدلب” بشكل خاص لا يعتبر ممكنًا خلال الفترة الحالية، بسبب السياق السياسي في سوريا وتوزع مناطق السيطرة والنفوذ، في إشارة إلى سيطرة “الإنقاذ” على الجامعة.

وأشار إلى أن مشاريع تمكين الشباب بالمجمل تعتبر قليلة، إذ يتوقف دعم هذه المشاريع من قبل الجهات المانحة بشكل مفاجئ، بينما يجري تركيز الدعم في أحيان أخرى على مناطق معيّنة مثل الطلاب في تركيا على سبيل المثال.

كما تعتبر المنظمات أو الجهات المنشئة لهذه المشاريع مسؤولة في كثير من الأحيان، إذ تنتهج بعض المنظمات سياسة توجيه الدعم باتجاه مناطق معيّنة كمدينة اعزاز مثلًا، وتمتنع أخرى عن تقديم الدعم لمحافظة إدلب بسبب سياسة المنظمة أو المؤسسة.

ويشترط قسم من هذه المنظمات على الجامعات التي يجري تقديم مشاريع المنح الدراسية فيها، أن تكون على تنسيق مع مديرية التربية التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”، أو “الإنقاذ” مثلًا، بحسب البكور.

ولفت البكور إلى أن منظمة “بنفسج” دعت منذ مدة قسمًا كبيرًا من مقدمي الدعم والمهتمين بجانب تمكين الشباب، وشمل ذلك وزارات خارجية لعدة دول مهتمة بالملف السوري، واتضح خلال الاجتماع عدم توجه الجهات المانحة بالمجمل باتجاه هذا النوع من المشاريع.

وعلى عكس المشاريع الأخرى التي قد تكون موجهة بالكامل باتجاه معيّن كمشاريع دعم الأيتام مثلًا، تعتبر مشاريع تمكين الشباب غير مخصصة لسياقها بشكل كامل، إذ تشمل دعم النازحين وبعض الجوانب الأخرى، ويُخصص قسم صغير منها لدعم الشباب.

وحتى المشاريع التي تشمل الجانب الدراسي من مشاريع تمكين الشباب، تعتبر موجهة نحو دعم طلاب المدارس الابتدائية، بينما تهمّش طلاب الشهادات الثانوية بالكامل، بحسب البكور.

الجامعة: المنح موجودة بموجب التقييم

بدورها تتحدث الجامعة عن وفرة بالمنح، لكنها تُمنح بناء على تقييم وضع الطالب المادي، وتوزعها على “معدومي الحال”.

وقال مدير جامعة “إدلب”، الدكتور أحمد أبو حجر، في حديث إلى عنب بلدي، إن الجامعة وفرت منحًا لحوالي ثلاثة آلاف طالب عن طريق “الهيئة العامة للزكاة” و”فريق ملهم التطوعي”، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المنظمات والجهات الداعمة.

واعتبر مدير الجامعة أن المبالغ المفروضة على الطلاب عائدات للجامعة، وهي “ليست بالرسوم الكبيرة جدًا”، معللًا عدم قدرة الطلاب على دفع الأقساط والرسوم بانخفاض دخل الفرد وتردي الوضع المعيشي في الشمال السوري.

حكومة “الإنقاذ” تعجز عن دعم العملية التعليمية في الجامعة حاليًا، بحسب الدكتور أحمد أبو حجر، نظرًا إلى انخفاض الكتلة المالية المخصصة للجامعة من قبل الحكومة، لكنها تعمل على زيادة رواتب الموظفين في وزارة التربية بالفترة الحالية، معتبرًا أن هذا الأمر أكثر ضرورة.

لكننا مستقلون

اعتبر مدير الجامعة أن غياب الدعم إيجابي في إحدى نتائجه، فـ”منذ انطلاق الجامعة لم يتوفر أي دعم خارجي، الأمر الذي أصبح أحد مراكز قوة جامعة (إدلب)، إذ قفزت (بجهود محلية) قفزات نوعية على مستوى البنية التحتية، والاعتماد الأكاديمي، وقبول الطلاب في المنح التركية، وصارت لا تحتاج إلى أي داعم، كما ترسم سياستها بشكل مستقل عن أي جهة خارجية”.

وأشار إلى أن “المال السياسي” من الممكن أن يؤدي إلى تغيير في السياسة العامة للجامعة، معتبرًا أن هذه المشكلات التي يعاني منها الطلاب، ليست مرتبطة بالخلاف بين الحكومتين “الإنقاذ” و”المؤقتة” (التي تسيطر على ريف حلب) أبدًا، وإنما تفضّل جامعة “إدلب” الاعتماد على ذاتها.

أُسست جامعة “إدلب” أواخر عام 2015، في المناطق التابعة لسيطرة المعارضة شمالي سوريا، وكانت في بداية تأسيسها تتبع لجامعة “حلب الحرة”، إذ ضمّت ثلاث كليات فقط في بداية تأسيسها، وكان نقص المستوى التعليمي في مناطق سيطرة المعارضة وصعوبة انتقال الطلاب من محافظة إدلب إلى بقية جامعات سوريا، أهم الأسباب التي دفعت إلى تأسيسها.

ومع اتساع نفوذها بداية عام 2018، تمكنت “الإنقاذ” من إلغاء عمل جامعات في المناطق التي ضمتها لنفوذها، مثل جامعة “حلب الحرة” التي نقلت مقرها من مدينة إدلب إلى ريف حلب الغربي، على خلفية القرار الذي اتخذته حكومة “الإنقاذ” بتعيين رئيس جديد لها.

ومع بداية سلسلة إغلاق الجامعات على يد حكومة “الإنقاذ”، شهد ملف التعليم في الشمال السوري صراعًا بين الحكومتين “الإنقاذ” و”المؤقتة” استمرت تداعياته السلبية على طلاب الجامعة بالظهور حتى اليوم، بحسب ما رصدته عنب بلدي لآراء طلاب الجامعة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة