لا حماية لبيوت المدنيين

عمليات استيلاء على أملاك خاصة في درعا تثير مخاوف الأهالي

camera iconرجل سوري يمر من أمام أنقاض أبنية مدمرة في حي تسيطر عليه فصائل المعارضة بمدينة درعا جنوبي سوريا- 2 من تشرين الأول 2018 (AFP\ محمد أبازيد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

لم يتوقع عدنان، البالغ من العمر 43 عامًا، أن يتحول منزله إلى “دشمة” عسكرية، تستخدمها قوات النظام السوري في استهداف أحياء درعا البلد جنوبي سوريا، في تموز الماضي، خصوصًا مناطق الشياح والنخلة والخشابي.

استولت قوات “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، على منزل عدنان في 22 من تموز الماضي، كونه يطل على مناطق زراعية واسعة محيطة بدرعا البلد من الجهة الشرقية الجنوبية.

“سرقوا الأبواب، والشبابيك، والأثاث، وشبكة تقطير أعددتها لسقاية محصول الزيتون”، وفق ما قاله عدنان، وهو أحد أبناء درعا البلد لعنب بلدي.

ومنذ بداية التصعيد العسكري بدرعا في حزيران الماضي، طرد عناصر “الفرقة الرابعة” عدة عائلات من منازلهم، ولم يسمحوا لهم بحمل أمتعتهم، في حين تم “تعفيش” الأثاث من قبل عناصر “الفرقة الرابعة”، وحوّلوا المنازل إلى نقاط عسكرية ممنوع على سكانها الاقتراب منها.

لم يكترث عدنان (الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) بسرقة محتويات منزله، إنما “ثار جنوني عندما رأيت دشمة وسلاحًا على سطح منزلي، ذلك يعني أن منزلي بخطر وهناك احتمال ألا أعود إليه أبدًا”.

تخوف من الاستيلاء على المنازل

يبلغ عدد البيوت المستولى عليها في درعا البلد 50 بيتًا، بحسب عضو “اللجنة الإغاثية” في المنطقة.

وهذه البيوت حديثة البناء بعد عام 2011، بناها سكان درعا البلد في أراضيهم الزراعية، من أجل اللجوء إليها عند قصف المدينة، وبعض الأهالي اتخذوا تلك البيوت سكنًا دائمًا لهم بعد “التسوية” عام 2018.

وقال عضو “اللجنة الإغاثية” لعنب بلدي (الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إن هذه البيوت تتوزع في بساتين الشياح، والنخلة، والخشابي، جنوب شرقي درعا البلد.

تُركت هذه البيوت من قبل أصحابها عندما تقدمت قوات النظام إلى المنطقة، حاملين هواجس بالسيطرة والهيمنة على تلك البيوت لتوظيفها خارج إطارها المدني.

كما تنتهج قوات النظام السوري سياسة “التعفيش” (سرقة منازل المدنيين)، في كل حملة عسكرية تشنها على المناطق المعارضة لها، ولذلك يتخوف سكان درعا من “تعفيش” ممتلكاتهم في حال اقتحام قوات النظام السوري مناطق درعا البلد وريف درعا.

وتشمل مخاوف الأهالي أيضًا، تدمير بيوتهم أو حرقها، ما يجعل تلك المنازل غير قابلة للسكن.

وأحرقت قوات “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام السوري، في بداية آب الحالي، منازل مدنيين كان عناصر قوات النظام يتخذونها مقرات عسكرية لهم، قبل انسحابهم منها، على أطراف حي طريق السد أحد أحياء درعا البلد.

وسبق أن أقدم عناصر من “حزب الله” على هدم عشرات البيوت في عام 2019، في قرى الشومرة، والبوير، وكريم، بعد رفضه عودة سكانها إلى تلك القرى، عن طريق وضع عبوات ناسفة تهدم البيت بشكل كامل.

والموقع الاستراتيجي هو أبرز دوافع “حزب االله” و”الفرقة الرابعة” لهدم بيوت الأهالي من أجل عدم عودتهم إلى قراهم والحفاظ على سرية تحصيناتهما العسكرية.

عمليات هدم أو حرق المنازل بعد الاستيلاء عليها في درعا يصطدم بسؤال مهم، وفق عضو “اللجنة الإغاثية”، وهو، إلى أين سيعود النازحون من أهالي درعا البلد في حال تراجع التصعيد العسكري على المنطقة طالما أن بيوتهم استولي عليها أو دُمرت أو حُرقت؟ دون وجود رادع لوقف تلك الممارسات.

استيلاء ممنهج يخالف القوانين

حق الملكية مصون وفق الأعراف والمواثيق الدولية، ولا يجوز المساس به بأي حال من الأحوال.

وعمليات الاستيلاء على الممتلكات العقارية التي تتم في أحياء درعا البلد مثلها مثل غيرها من عمليات الاستيلاء غير المشروع التي تمت في عموم الأراضي السورية، وإن كانت بدرجات متفاوتة، تعتبر مخالفة لكثير من العهود والمواثيق الدولية التي أدرجت حق الملكية في خانة الحقوق الأساسية للإنسان، نظرًا إلى أن حرمان الإنسان من هذا الحق يعني حرمانه من العيش الكريم والآمن.

وأكدت المادة رقم “17” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الإنسان في التملّك، وحظرت حرمان أي شخص من ملكه تعسفًا، كما أن المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، أكدت ضرورة ضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في التمتع بحق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين، وتعتبر سوريا دولة موقعة على هذه الاتفاقية وملزمة بتطبيق بنودها.

كما أكدت المادة رقم “8” من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، حق الإنسان في احترام حياته الخاصة والعائلية ومسكنه.

وأكدت المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي التي اعتُمدت من قبل الأمم المتحدة، عدم جواز حرمان أي شخص تعسفًا من أمواله أو ممتلكاته، وأكدت ضرورة توفير الحماية، في جميع الظروف، لأموال وممتلكات المشردين داخليًا، وخصوصًا ضد النهب والاعتداءات المباشرة والعشوائية وأعمال العنف الأخرى، أو استخدامها كدرع لعمليات أو أهداف عسكرية، أو أن تكون محل انتقام، أو تدميرها أو الاستيلاء عليها، كشكل من أشكال العقوبة الجماعية.

كما نصت على ضرورة توفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخليًا وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، ومن شغلها أو استخدامها.

ومن وجهة نظر القانون السوري، فإن عمليات الاستيلاء على الأملاك الخاصة للمدنيين تعتبر مخالفة للدستور السوري الصادر عام 2012، الذي أكد في مادته رقم “15”، أن الملكية الخاصة، من جماعية وفردية، مصونة ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض يعادل القيمة الحقيقية للملكية، وأغلبية عمليات الاستيلاء في المناطق موضوع هذه الورقة، إن لم نقل جميعها، قد تمت دون تعويض.

كما أن الاستيلاء على عقارات المدنيين في درعا البلد وطردهم منها، يخالف المواد “18” و”19″ و”33″ من الدستور، التي أكدت مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، حيث هُجّر السكان في المنطقة من منازلهم، ومنعت قوات النظام المدنيين الذين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم من العودة إلى منازلهم عن طريق حرقها أو تدميرها.

وتشكّل هذه الممارسات مخالفة صريحة للمادة “38” من الدستور، التي نصت على عدم جواز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه، وكذلك للمادة “50” التي اعتبرت أن سيادة القانون يعتبر أساس الحكم في الدولة.

والانتهاكات المذكورة، تخالف أيضًا نص المادة رقم “771” من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “84” لعام 1949، التي أكدت عدم جواز حرمان أي شخص من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون على أن يكون ذلك مقابل تعويض عادل، كما تخالف أيضًا نص المادة رقم “768” من القانون المذكور التي أكدت أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه.

وكذلك نص المادة “770” التي أكدت أن لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك.

تأكيد أممي

في 5 من آب الحالي، دقّت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، ناقوس الخطر بشأن وضع المدنيين في درعا البلد.

وقالت باشيليت، “تؤكد الصورة القاتمة التي تردنا من درعا البلد وأحياء أخرى، المخاطر الحثيثة التي يتعرض لها المدنيون في هذه المناطق، حيث يواجهون مرارًا وتكرارًا الاشتباكات وأعمال العنف، وهم في الواقع عالقون تحت الحصار. فحواجز التفتيش تعترض طريقهم، كما تُفرض قيود على تحركاتهم، وتعج شوارعهم بالدبابات، ويتم الاستلاء على ممتلكاتهم وسرقتها.”

وأكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان استيلاء قوات النظام على عدة منازل خاصة في مناطق شمالي الخط، والبانوراما، والسبيل في درعا المحطة، ووصفت ذلك بـ”الاحتلال”، من خلال طرد سكانها وعدم السماح لهم بأخذ أي من ممتلكاتهم.

وسرق عناصر قوات النظام الأموال والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في أثناء عمليات تفتيش لما لا يقل عن تسعة منازل نُفذت في 30 و31 من تموز الماضي في درعا المحطة، وفق ما أكدته المفوضية.

وتشهد مدينة درعا توترًا أمنيًا مستمرًا على خلفية التصعيد العسكري، والحصار الذي فرضه النظام السوري على درعا البلد، إذ يتمسك النظام بالحل الأمني، والمطالبة بتسليم السلاح الكامل ونشر قواته ضمن أحياء درعا البلد.

وبمقابل ذلك، طالبت “اللجنة المركزية” المكلفة بالتفاوض مع النظام السوري، بالعودة لاتفاق “التسوية” في تموز 2018، الذي ينص على الإفراج عن المعتقلين، وسحب الجيش إلى ثكناته العسكرية.

وفرضت القوات الروسية خارطة للحل، تترافق مع هدنة لمدة 15 يومًا، ولكن النظام خرقها بقصفه الأحياء في مدينة درعا البلد وريف درعا الغربي.

أمام مشهد التصعيد العسكري في درعا، يشكل مبدأ “ضمان حق الإنسان بالعيش في مأوى آمن وحماية حقوقه بتملك الأراضي والعقارات” أولوية وحاجة ملحّة للقطاع الأوسع من أهالي درعا والمناطق الأخرى في سوريا.

تعبر هذه الأولوية عن نفسها بطرق وأشكال مختلفة، وتخلق قائمة واسعة من التحديات الآنية والمستقبلية، وبالتأكيد فإن التحدي الإنساني المتعلق بتوفير مأوى هو الأهم مع عدم توفير الحد الأدنى لشروط المعيشة، وهجرة سوريين منازلهم وتركها دون أي ضمان قانوني بحمايتها.

وتمتد هذه التحديات من بُعدها الإنساني إلى جوانب حقوقية واقتصادية ومجتمعية مترابطة ومتشعبة، تخلق عدة إشكاليات تتعلق بالنزاعات العقارية والتعويضات المالية، التي يمكن أن تتفاقم مع عدم كفاءة القضاء السوري وغياب العدالة أو النزاهة داخل مؤسساته.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة