“موت سرير رقم 12”.. غياب العدالة في أدب كنفاني

camera iconالروائي الفلسطيني غسان كنفاني ومجموعته القصصية موت سرير رقم 12

tag icon ع ع ع

حملت المجموعة القصصية “موت سرير رقم 12” لكاتبها الفلسطيني غسان كنفاني، اسم أطول قصص المجموعة المكونة من 16 قصة قصيرة، لا لتفوّقها بعدد الصفحات فحسب، بل لكونها أكثر من قصة داخل أخرى، فالراوي مريض مصاب بقرحة معوية، ونزيل أحد المستشفيات، والقصة تروى على أنها رسالة، دون تصنيفها على أنها تنتمي لأدب الرسائل حقًا.

والقضية أن المريض الراوي شاهد على وفاة شخص آخر مريض اسمه علي أكبر، مواطن عماني مغترب في الكويت، ينشغل الراوي بتأليف قصة هذا الرجل بعد وفاته.

يسوق كنفاني، أولًا، قصة مؤثرة حول شباب الرجل الضائع في بلاده ومهنته وكفاحه في سبيل لقمة العيش، قبل أن يعود بعد قليل لنفي القصة السابقة، في الوقت الذي اتفقت فيه القصتان على أنه ضحية لبلاده والفقر وظروف الحياة المتعبة.

وإذا كانت “موت سرير رقم 12” حاملة راية المجموعة، فقصة “في جنازتي” تشكّل الروح الأدبية لها، باعتبارها تحمل نفسًا عاطفيًا يأخذ القارئ إلى مشكلة الآخر، وينسيه بشكل مؤقت همومه المادية.

وفي هذه القصة البطل الراوي مريض أيضًا، وكأن ذلك تعبير عن حالة غسان كنفاني الشخصية، هذا الشاب الروائي والناقد والصحفي، والسياسي والعاشق، الذي يحارب مرض النقرس في عنقه والسكري في دمه، ويشهر قلمًا لاسترداد بلاد تنكمش خريطتها أمام عينيه.

وتنتمي القصة من ألفها إلى يائها لأدب الرسائل، فهي رسالة من عاشق خائب وضعيف أمام سطوة المرض، إلى حبيبة آثرت التخلي والترك والرحيل إلى رجل آخر.

ورغم أن الرجل كان على شفا كلمة من قطع شعرة العلاقة بحبيبته بسبب مرضه، وفي سبيل منحها حريتها حتى لا تعول بقية حياتها رجلًا مريضًا، فإن لحظات فقط قلبت النهاية، وبدل أن يعترف بمرضه ويمضي إلى كهف آلامه بزي الرجل النبيل الذي يرفض معاناة الناس في سبيله، حوّله اعتراف الحبيبة إلى رجل متروك، ما عزز شعوره بالضعف والحقد أيضًا.

ولا بد من الإشارة إلى عنصر اللغة المنتقاة بعناية لخدمة الموضوع، وخلق التأثير، لا على الحبيبة التي تلقت الرسالة فقط، بل على القارئ أيضًا، وبمعزل عن وقت ومناخ القراءة، طالما أن السبك اللغوي هنا لا يفقد قوته بالتقادم.

ويقول غسان على لسان بطل القصة، “ولكنني كنت أعيش من أجل غدٍ لا خوف فيه، وكنت أجوع من أجل أن أشبع ذات يوم، وكنت أريد أن أصل لهذا الغد”.

ويتابع، “لم يكن لحياتي يوم ذاك أي قيمة سوى ما يعطيها الأمل العميق الأخضر بأن السماء لا يمكن أن تكون قاسية إلى لا حدود”.

ومن أبرز قصص المجموعة أيضًا، قصة مكونة من 12 صفحة، تحمل اسم “ثماني دقائق”، وفيها تجسيد حي لقيمة حياة الإنسان ومعناها، وجدواها أمام غياب العدالة، وشقاء أناس لراحة غيرهم.

فبطل القصة هنا يخاطر بحياته في سبيل مبلغ بسيط يشتري به أقراطًا لأخته الصغيرة، لكن هذه المخاطرة ورغم أنها مأجورة، تنتهي باستخفاف واضح بقيمة حياة الشاب، ودون اعتبار لها أو مبالاة بها.

ولد غسان كنفاني عام 1936، واغتاله “الموساد” الإسرائيلي عام 1972، لحدة اللغة التي يطوّعها وقدرتها على إحداث تعبئة نفسية وعاطفية في وجدان القارئ.

وترك كنفاني الكثير من المجموعات القصصية والمقالات والروايات المكتملة، وتلك التي اكتملت بنقصها، إذ لم تمنح الحياة الكاتب الشاب فرصة التوقيع على ثلاث روايات بدأها، وتركها بنهايات مفتوحة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة