قلة الإنتاج تشعل المنافسة بين النظام و"الإدارة".. والخبراء:

القطن السوري مهدد بالموت

camera iconمحصول القطن في سوريا (الوطن أون لاين)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمل رنتيسي

“لا أكترث من سيشتري محصولي من القطن هذا الموسم، سواء (الإدارة الذاتية) أو حكومة النظام، إذ سأبيعه لمن يدفع السعر الأعلى”.

بهذه الكلمات يصف علي الياس (45 عامًا)، وهو مزارع من ريف القامشلي الجنوبي، كيف سيبيع هذا الموسم محصوله من أرضه البالغة مساحتها ستة هكتارات من القطن.

وقال علي لعنب بلدي، إنه سيبيع محصوله لـ”الإدارة الذاتية” التي ستدفع 1950 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، أي بزيادة 450 ليرة على سعر النظام، “وهو فرق كبير لا يمكن تجاهله”، حسب تعبيره.

أكد علي أن المزارعين في المنطقة سيفعلون مثله، خصوصًا في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي ستمنع البيع للنظام عبر حواجزها المنتشرة، والتي عممت بمنع نقل أي كمية من القطن إلا بموجب موافقة من شركة “التطوير الزراعي” التابعة لها.

وأضاف الرجل أن بعض المزارعين في مناطق سيطرة النظام يفكرون في تهريب قسم من محاصيلهم إلى مناطق “قسد” للحصول على سعر أعلى، خصوصًا أن النظام لم يحدد مراكز تسلّم القطن في الحسكة حتى الآن، وربما يُجبر مزارعيه على نقل محاصيلهم إلى مناطق سيطرته في دير الزور والرقة، رغم المخاطر والتكاليف العالية لذلك.

وشهد موسم القطن هذا الموسم تراجعًا نتيجة الجفاف وقلّة الأمطار وانخفاض منسوب مياه نهر “الفرات” الذي هدد معظم المحاصيل، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، والآثار التي خلّفتها الحرب على الزراعة والمزارعين.

وقدرت  “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا”، في نيسان الماضي، نسبة انخفاض نهر “الفرات” بأكثر من خمسة أمتار من منسوب النهر، وأكثر من أربعة أمتار في بحيرة “سد تشرين”، بينما يزيد الانخفاض على ثلاثة أمتار في بحيرة “سد الفرات” (الأسد).

وتتهم “الإدارة الذاتية” التي تدير المنطقة تركيا بحبس مياه نهر “الفرات” منذ 27 من كانون الثاني الماضي، عبر ضخ كمية لا تزيد على 200 متر مكعب في الثانية من المياه إلى الأراضي السورية.

تنافس بعد تناقص المحصول

الدكتور في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن إنتاج سوريا من مادة القطن في تناقص منذ عقود وليس من الآن.

ويُزرع القطن بأغلبيته في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تشهد شحًّا في المياه، سببه انخفاض الهطولات المطرية على عدّة مراحل، إذ يحتاج القطن إلى كمية وافرة من المياه.

وأوضح شعار أن “غلّة” القطن (كمية القطن من كل هكتار) في خط تنازلي منذ عام 2005، لأسباب أبرزها قلة المياه إلى جانب الحرب.

وهذه الأسباب أدت إلى تناقص عدد مزارعي القطن، وتنافس بين “الإدارة الذاتية” والنظام السوري،

وفق شعّار، الذي أشار إلى أن هذا التنافس ليس منحصرًا بالقطن، بل ينطبق أيضًا على القمح والمواد الأساسية الأُخرى.

وعمدت حكومة النظام خلال العامين الماضيين إلى تحديد سعر شراء محصول القطن قبل “الإدارة”، وذلك كخطوة استباقية في صراع شرائه، إذ ضاعفت سعر شرائه هذا العام ليصبح 1500 ليرة سورية، بينما كان العام الماضي 700 ليرة سورية.

وفي سياق التنافس السعري، قال شعار لعنب بلدي، إن النظام يعرض عادة سعرًا أعلى على المزارعين، بسبب أخطار تصديره من مناطق “قسد” إلى مناطق النظام.

وفي العام الماضي، فتحت “الإدارة الذاتية” المعابر أمام محصول القطن “بناء على رغبة الفلاحين”، وسمحت بشراء المحصول وتصديره إلى مناطق النظام وكردستان العراق.

بينما أعلنت   وزارة الزراعة السورية، في أيلول من العام الماضي، عن تخصيص ميزة لمزارعي الحسكة في تسويق محصول القطن، وهي تحمّل تكاليف النقل والتسويق لتخفيف العبء عن الفلاح.

مزارعون وصناعيون مستاؤون

أثار تحديد تسعيرة القطن من الطرفين استياء بعض المزارعين نظرًا إلى التكلفة الباهظة لزراعة دونم القطن.

ورغم ما عرضته “الإدارة الذاتية” من زيادة في السعر، فإن المزارعين اعتبروا السعر الحالي البالغ 1950 ليرة سورية مجحفًا، ولا يتناسب مع الجهود والتكاليف المبذولة، بحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات على صفحة “الإدارة” في “فيسبوك“.

وتواصلت عنب بلدي مع مزارع في الرقة، كان حاضرًا في اجتماعات تحديد تسعيرة القطن، التي نظمتها “هيئة الاقتصاد والزراعة” بصفة مندوب الاتحاد العام للفلاحين في شمالي وشرقي سوريا.

وحاول المزارع عادل النجم جاهدًا شرح تكاليف زراعة دونم القطن لمندوبين عن شركة “تطوير المجتمع الزراعي” التابعة لـ”هيئة الاقتصاد والزراعة”، والمخولة بتسليم فواتير القطن ومحاصيل أخرى في شمال شرقي سوريا.

وطالب عادل بأن تتجاوز التسعيرة حاجز 2500 ليرة، لكن دون جدوى، إذ يرى أن التسعيرة المحددة من قبل “الإدارة” لا تسد التكاليف الأساسية لزراعة القطن، التي واجهت هذا العام تحديات وصعوبات أبرزها موجات الحر، وقلة مياه الري التي أدت إلى ضعف إنتاجية الموسم بشكل كبير.

ورصدت عنب بلدي إقامة “تنظيم الجمعيات الفلاحية” في الرقة عدة اجتماعات بعد تحديد التسعيرة، ووجه الحاضرون في تلك الاجتماعات خطابات للمسؤولين في “الإدارة الذاتية” طالبوهم فيها بإعادة النظر بالتسعيرة المحددة.

مطالبات بالتسعير بالدولار

من جهته، يرى المهندس الزراعي من الرقة حسن الرجب، أن من الضروري تسعير القطن بالدولار الأمريكي، لأن التكلفة التي يضعها المزارع غالبًا ما تكون بالعملات الصعبة وليست بالليرة السورية.

واستهجن الرجب قيام “الإدارة” ببيع المزارعين التجهيزات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات وأحيانًا حتى البذور بالدولار الأمريكي، بينما تسعّر محاصيلهم بالليرة السورية.

وقال الدكتور والباحث الاقتصادي كرم شعار خلال حديثه لعنب بلدي، إن محصول القطن في سوريا بـ”طريقه إلى الموت” لاستنزاف مخزون استراتيجي من المياه الجوفية.

ويتفق مع هذا الأمر الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إذ يرى أن ابتعاد السعر عن تطلعات المزارعين الذين عانوا من ارتفاع تكاليف الإنتاج سيؤدي إلى “إلغاء أو قتل هذه الزراعة”، وفق ما قاله لعنب بلدي، أو أن المزارعين سيلجؤون إلى بيعه للتجار، الذين بدورهم سيقومون بتهريبه وتصديره إلى خارج سوريا، إما إلى تركيا وإما إلى بعض الجماعات التي تنشط في هذه المناطق، بعلم “الإدارة” أو من دون علمها، وهذا يصب في مصلحة المزارع حيث يتم التسعير بالدولار، وهي قيمة إضافية أكبر للمزارع، حسب شعبو.

تأثيرات على الصناعيين وقطاع النسيج

مصطفى سروجي (48 عامًا) وهو صاحب معمل للنسيج في محافظة حلب، يرى أن شراء “الإدارة الذاتية” للقطن ستكون له تأثيرات على قطاع النسيج بشكل عام، خصوصًا أن سعر الخيوط للغزل والنسيج سيرتفع، وهو ما سيرفع سعر الأقمشة وبالتالي ارتفاع أسعار الملابس.

وقال لعنب بلدي، “بسبب فرض مبالغ كبيرة على الاستيراد، وتوقف عمليات الاستيراد للخيوط والأقمشة، نضطر بشكل إجباري إلى أن نشتري القطن من تجار لهم تعامل مع (الإدارة الذاتية)، وبسعر يكون مقبولًا وأقل من المستورد بضعفين”، مضيفًا، “نعتمد حاليًا على الأقمشة والخيوط الموجودة لدينا إلى أن نشتري كميات كبيرة من جديد”.

وأثار تمكّن “الإدارة الذاتية” من شراء القطن استياء وغضب تجار وصناعيي حلب، خصوصًا أنهم سيضطرون لشرائه بسعر مرتفع.

وقال خليل عمر، وهو صاحب مصنع نسيج، إنه من الممكن أن يوقف مصنعه لأن سعر الكيلو سيصل إلى نحو 2100 ليرة سورية، تُضاف إليها رسوم التوصيل والنقل والتعبئة، وخلال العام الواحد سيحتاج إلى نحو 15 طنًا وأحيانًا أكثر.

الدكتور شعبو قال لعنب بلدي، إن عدم توفر هذه السلعة بالنسبة لحكومة النظام أو الاعتماد على استيرادها من الخارج، يتسبب بزيادة تكاليف الإنتاج على المستثمر والمُنتج.

وزيادة أسعار هذه المنتجات في السوق الداخلية والخارجية ستصبح ميزتها السعرية أو التنافسية منخفضة، كون الصناعيين يستوردونها من خارج سوريا، ويقومون بتصنيعها وإعادة تصديرها إلى الخارج، وبالتالي فإن إثقال المنتج بتكاليف إضافية، يرفع تكاليف الإنتاج ويضعف قدرة المواطن السوري على شراء المنتجات، وفق شعبو.

وتابع أن ضعف القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، يجعل هذه السلع غير منافسة خارجيًا، أو غير متاحة للتصدير، بسبب الضغوط والعقوبات، وإغلاق المعابر بين النظام والدول الأخرى، ويشكّل ضربة لصناعة النسيج في سوريا.

وفي 1 من تموز الماضي، سمحت حكومة النظام السوري باستيراد القطن “المحلوج” للقطاع العام والصناعيين فقط،، وفق طاقتهم الإنتاجية الفعلية لمدة ستة أشهر فقط، وللصناعيين باستيراد الخيوط القطنية بكمية 5000 طن.

وكانت سوريا تعد مُنتجًا “متوسط ​​الحجم” للقطن، إذ مثّل إنتاجها في سنوات قبل الحرب حوالي 1.8% من الإنتاج العالمي.

وتوسعت المساحة المزروعة بشكل كبير خلال التسعينيات، من 156 ألف هكتار في عام 1990 إلى ذروة تبلغ 275 ألف هكتار في عام 1998، وكان هذا بشكل أساسي نتيجة لزيادة استخدام المياه من سد “الفرات”، ومن السدود التي تم تشغيلها في أوائل التسعينيات في الحسكة، وفق تقرير لمنظمة “الأغذية والزراعة (FAO).

ويعتبر القطن أهم سلعة تصدير في سوريا بعد النفط، إذ كان يتم استخدام حوالي 30% منه في سوريا وتصدير الباقي.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة