بيع مستعجل يهبط بأسعار العقارات 

“المكتب السري” والحواجز والجوع شركاء في ترحيل الحلبيين 

camera iconرجل سوري مسن يحمل أكياسًا بيده قرب القصر البلدي في حي المشارقة بحلب شمالي سوريا- 17 من نيسان 2021 (عنب بلدي\ صابر الحلبي)

tag icon ع ع ع

حلب – صابر الحلبي

حصل عبد العزيز (44 عامًا) على جوازات السفر له ولعائلته منذ آب الماضي، وذلك بعد إتمام المعاملة وحصوله على موافقة “شعبة التجنيد”، وهي الجهة التي تمنح إذن استخراج جواز السفر.

إلا أن عبد العزيز (الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، لم يستطع السفر حتى الآن، بسبب عدم تمكنه من بيع منزله الذي لا يرغب بالعودة إليه، لوجود نية قوية لديه بالاستقرار خارج سوريا.

يعيش الرجل، وهو عامل في معمل أدوية بريف حلب الغربي، أوضاعًا معيشية صعبة دفعته للتفكير بالرحيل عن سوريا مع عائلته التي صارت تؤيد خيار السفر.

وقال عبد العزيز لعنب بلدي، “لم يعد الوضع يطاق من جميع النواحي. أنتظر أن يتم بيع منزلي وبعدها سوف أسافر قبل أن تصبح الأمور أسوأ مما عليه”، مضيفًا أن “الحياة أصبحت سيئة في حلب”، حيث “غلاء الأسعار وارتفاع جرائم السرقة، وحتى تشليح المدنيين هواتفهم والمال الذي بحوزتهم على حواجز الأمن”.

ازدحام أمام “مديرية الهجرة”

تشهد “مديرية الهجرة والجوازات” في مدينة حلب ازدحامًا يوميًا، وفق ما رصدته عنب بلدي، وذلك منذ ساعات الصباح الأولى، حيث يصطف الناس بطوابير طويلة لاستخراج جواز سفر جديد.

ويُفرض على من يريد استخراج جواز السفر أن يدفع مبلغ 300 دولار، وأن تكون فئات الـ100 دولار غير مختومة من محال الصرافة، لتسليمها للصندوق الذي يختمها بختم “مصرف سوريا المركزي”.

ويبحث المدنيون عن طرق مختلفة للحصول على تلك الفئة من الـ100 دولار غير المختومة، إذ يتم شراؤها من أصحاب متاجر الذهب (الصاغة)، أو مكاتب الحوالات والصرافة غير المرخصة.

هذا المشهد لاستخراج جوازات السفر لا يخلو من ابتزاز الأهالي عند الحواجز الأمنية التابعة لقوات النظام السوري، لإجبارهم على دفع ما بحوزتهم من مال مقابل العبور، و”كأن هذا الفلتان الأمني والمعيشي مقصود لإجبار الشعب على الهجرة والمغادرة وتفريغ حلب من أجل توطين عناصر الميليشيات الإيرانية ومنحهم الجنسية”، وفق ما يراه عبد العزيز.

“تشليح” على الحواجز

قام عناصر من “الفرقة الرابعة”، عنوة، بأخذ مبلغ 400 دولار كانت بحوزة رغداء (47 عامًا) وهي متجهة إلى مبنى “الهجرة والجوازات”، من أجل دفع المبلغ لاستخراج جواز السفر لها.

حاولت رغداء استرجاع المبلغ لكنها لم تستطع، إذ قالت لعنب بلدي، “يُطلب أن ندفع هذا المبلغ لرسوم جواز السفر، وإلا لن يعطونا الجواز، حتى ولو كان المبلغ ما يعادله بالعملة السورية”، وتابعت أن من الصعب أن يفر الشخص من رجال الأمن، “فهم يجبروننا على دفع مبالغ كبيرة من أجل عبور الحواجز، وإلا لن نعبر”.

“طلبتُ منهم إعادة المبلغ ورفضوا، هددتهم بتقديم شكوى بحقهم، فشتموني وصرخوا في وجهي قائلين: (بإمكاننا اعتقالك بسبب حيازة مبلغ بالعملة الصعبة)”.

تشير رغداء إلى أنها فشلت في إقناعهم بإعادة المبلغ، رغم إظهارها الأوراق التي تثبت أنها بصدد استخراج جواز سفر.

وتؤكد السيدة أن تصرفات الموظفين الحكوميين في “مديرية الهجرة والجوازات” سيئة، وهو ما يشجع “على الرحيل من سوريا دون عودة إليها”، فـ”المديرية التي تعطي جواز السفر، هي ذاتها تنفّر المواطن من بلده، هي بوابة للهجرة فعلًا”.

بيوت بأي ثمن

تُعرَض عشرات المنازل في أحياء متفرقة من حلب للبيع، وبعضها يُعرَض بمبالغ أقل من قيمتها أو بنصف المبالغ المعروضة بها سابقًا، في حين يتسابق تجار العقارات للشراء بالأسعار التي يحددونها، خصوصًا أن أصحاب العقارات الراغبين بالخروج من مدينة حلب يقومون بالاستعجال في البيع، ويستطيع صاحب المكتب العقاري إنهاء إجراءات عملية البيع والحصول على الموافقة الأمنية بوقت زمني قصير.

اضطرار محمود (49 عامًا)، وهو موظف في شركة مياه حلب، إلى بيع منزله في حي الإذاعة، دفعه للقبول بنصف المبلغ الذي عُرض عليه في وقت سابق، خلال ازدهار سوق العقارات وارتفاع أسعار المنازل.

فقبل عدة سنوات عُرض عليه مبلغ 35 مليون ليرة سورية (حوالي 14 ألف دولار) مقابل بيع منزله في حي السليمانية، “لكنني رفضت البيع لأنني ظننت أن الأوضاع المعيشية سوف تستقر بعد الانتخابات الرئاسية، ولكن الواقع غير ذلك بشكل نهائي”.

ويرى محمود أن من غير الممكن “بأي شكل من الأشكال” أن تتحسن هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، بل “أشعر بأنها سوف تسوء أكثر”، مضيفًا أن راتبه الشهري لم يعد يكفي لتغطية المصاريف والاحتياجات لعدة أيام.

ينتظر محمود في هذه الفترة كي يحصل على المبلغ بعد بيع منزله، وتقسيمه لاستخراج جواز السفر، والخروج من حلب إلى لبنان لفترة مؤقتة قبل أن يتوجه إلى الأردن ومنها إلى أوروبا، كما هو مخطط له، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وبينما ينتظر محمود للبدء بتنفيذ خطته، اتفق سعيد (39 عامًا) مع أخيه ناجي على بيع منزل أهلهما في حي الإسماعيلية، وعُرض بمكتب عقاري في المنطقة، إذ يحاول الرجلان بيعه بمبلغ 400 مليون ليرة (125 ألف دولار)، مؤكدَين أن تجار العقارات يرفضون دفع هذا المبلغ، بحسب ما قاله سعيد لعنب بلدي.

أضاف سعيد أن هناك استغلالًا في سوق العقارات بسبب اضطرار الكثير من الناس للبيع، فقد أصبح تجّار العقارات “يتحكمون بنا”، ويستغلون حاجة الناس إلى المال من أجل السفر.

أكملها “المكتب السري”

يستمر التدهور الاقتصادي والضغط المعيشي على الأهالي في حلب، حيث أُغلق عدد من المعامل والمصانع والمستودعات، بعد مصادرة محتوياتها من قبل عناصر “المكتب السري” التابع لمديرية الجمارك، وغلقها بـ”الشمع الأحمر”.

ويُجبَر تجار حلب على دفع مبالغ كبيرة مقابل حماية بضاعتهم، من خلال خدمات الحماية التي تقدمها الحكومة، أو ستسلّط عليهم الميليشيات أو حتى الأفرع الأمنية ليحصّلوا مبالغ منهم.

يتحضر عبد الكريم (41 عامًا)، وهو صاحب مصنع ألبسة، للخروج من سوريا، بعد أن ينتهي من إغلاق معمله خلال الأسبوع المقبل، بعد تصفية بضاعته بنصف قيمتها.

قال عبد الكريم لعنب بلدي، إن “استمرار التضييق المفروض علينا من (المكتب السري) التابع لمديرية الجمارك، وكذلك قيام عناصر (الفرقة الرابعة) بمصادرة البضائع خلال شحنها، وفرض ضرائب، عدا الغلاء وعدم قدرة المدنيين على الشراء”، كلها عوامل دفعتني لاتخاذ قرار بالخروج من سوريا، والتوجه إلى مصر”.

وأضاف، “حصلتُ على جوازات السفر بوقت قصير بعد دفع مبالغ لضابط في مديرية الهجرة والجوازات، كل رفاقي من التجار فعلوا ذلك، فلا مستقبل للتجارة داخل حلب”.

ويتسبب توقف بعض المعامل والمصانع في تراجع فرص العمل، بل وفقدانها لعدد كبير من العاطلين عن العمل والذين فقدوا عملهم جرّاء الإغلاق المتكرر للمعامل والمصانع في حلب.

وشهدت مناطق سيطرة النظام السوري هجرة “خيالية” من الصناعيين “الذين لا يمكن تعويضهم” نحو مصر، نتيجة الصعوبات التي يعانون منها، بحسب ما قاله رئيس قطاع النسيج في غرفة صناعة دمشق وريفها، مهند دعدوش، في تصريحات نقلتها إذاعة “شام إف إم” المحلية، في آب الماضي.

وتتمثل هذه الصعوبات، بحسب دعدوش، في عدم قدرة الصناعيين على توفير الطاقة، وعدم امتلاك المواطن الدخل المناسب للشراء وتصريف المنتجات، بالإضافة إلى بعض الترتيبات المتعلقة بالتصدير، ما أدى إلى عدم تحملهم لهذا الوضع ولجوئهم للهجرة.

وتترك الهجرة تأثيراتها الآنية والمستقبلية في سوريا، مع ما تسببه من تحولات اقتصادية واجتماعية وديموغرافية، خصوصًا في المناطق التي تشهد ارتفاعًا ببيع العقارات بهدف الهجرة إلى الخارج، فامتلاك عقار مرة أخرى في تلك المناطق لن يكون بالأمر السهل مستقبلًا على أولئك الذين يبيعون بيوتهم خلال هذه الفترة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة