احتكار أم تحديث..

ترخيص وحيد لاستجرار الإنترنت عبر الأكبال الضوئية في عفرين يثير جدلًا

tag icon ع ع ع

خلال السنوات الثلاث الماضية، دخلت شركات خاصة إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا بهدف تقديم خدمات تتعلق بالبنية التحتية (كهرباء، إنترنت، ماء)، حاصلة على ترخيص من الولايات التركية المحاذية للحدود السورية (هاتاي، غازي عينتاب، شانلي أورفا)، أو على ارتباط بها.

بعض هذه الشركات قوبل بانتقادات، وصلت بعض الأحيان إلى خروج الأهالي بمظاهرات نتيجة ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة، ووصل بعضها إلى قطعهم الطرقات كما حصل في مدينة الباب شمال شرقي حلب مؤخرًا ردًا على ارتفاع أسعار الكهرباء.

أبراج كهرباء في ريف حلب الشمالي - نيسان 2019 (عنب بلدي)

وفي 15 من أيلول الحالي، أعلن المجلس المحلي في مدينة عفرين شمال غربي حلب، عن اتفاق مع شركة “وطن تيليكوم “، نص على تزويد عفرين وريفها بخدمة الإنترنت عبر تقنية الألياف الضوئية.

ودعا المجلس مزودي خدمة الإنترنت في عفرين إلى مراجعته، للحصول على ترخيص مزاولة المهنة للاستمرار في العمل، مشيرًا إلى أنه “سيتم إيقاف عمل الشركات غير المرخصة ومخالفتها أصولًا”، بحسب ما ذكره المجلس عبر حسابه في “فيس بوك”.

 

الإعلان “طريق لاحتكار” قطاع الإنترنت؟

قوبل إعلان المجلس بانتقادات من قبل أصحاب ومزودي شبكات الإنترنت في عفرين، الذين حذروا من احتكار شركة “وطن” لقطاع الإنترنت، وارتفاع أسعار حزم الإنترنت، والأعطال التي يمكن أن تطرأ على الكبل، ما يؤدي إلى قطع الإنترنت عن جميع أنحاء مدينة عفرين.

تواصلت عنب بلدي مع المجلس المحلي للحصول على توضيحات، لكن المجلس اكتفى بما أورده عبر حسابه في “فيس بوك”.

لكن أصحاب شبكات منها شركة “وطن”، أجابوا عن العديد من التساؤلات التي رصدتها عنب بلدي، من تعليقات الأهالي على إعلان المجلس المحلي.

أبو عثمان، صاحب شبكة “عثمان نت”، إحدى أكثر الشبكات انتشارًا في عفرين، وصف في حديثه لعنب بلدي، ما احتواه إعلان المجلس حول دخول شركة “وطن تيليكوم”، بأنه احتكار لقطاع الإنترنت.

وقال حسام محفوظ، صاحب شبكة “شهباء نت”، إنه بحسب الوضع الحالي وما أورده المجلس، سيتم تزويد عفرين بالإنترنت عبر كبل ضوئي لجهة واحدة، أو كبلين لجهتين غير متنافستين.

وطالب حسام، شركة “وطن”، أن تدخل كمنافس له وللشبكات الأخرى، لا أن تفرض نفسها عبر واجهة المجلس المحلي، وأن تفرض شروطها وقراراتها عبره، معتبرًا أن قرار المجلس بترخيص الشركة واحتكارها “تشليح” وإرضاء للشركة.

كما طالب المجلس منح الشبكات الموجودة تراخيص، بغض النظر عن طريقة جر الإنترنت، على أن يجرب المجلس هذا الخيار فترة ستة أشهر، ويقرر بعدها ما هو الأنسب، مؤكدًا أنه ضد موضوع الاحتكار حتى لو خسر كل عمله، كما أنه سيرسل مفوضًا عن شبكته ليتابع إجراءات الترخيص.

بدوره، نفى المدير الإداري لشركة “وطن” في عفرين، محمد كربوج، لعنب بلدي، احتكار الشركة لقطاع الإنترنت.

وأوضح كربوج أن شركة “وطن” هي اتحاد شركتي “Kapsam net” و”Hat net” التركيتين، وأن الجهتين كانتا المزود الرئيس للإنترنت في عفرين، وهما مرخصتان في ولاية هاتاي جنوبي تركيا، المحاذية لعفرين، (أي أن كل الشبكات كانت تأخذ حزم الإنترنت والباقات من الشركتين).

وحصلت الشركتان على تكليف من الحكومة التركية، لتأهيل وتجهيز البنى التحتية للألياف الضوئية، حصرًا في منطقة “غصن الزيتون” (عفرين)، وشركة “وطن” هي مسؤولة حصرًا عن تجهيز البنى التحتية في المنطقة وتأهيلها، وعلى هذا الأساس بدأت الشركة بالتأهيل”.

وبحسب كربوج، الإنترنت اللاسلكي عبر الصحون، المزود من تركيا، تصنفه تركيا على أنه “تهريب”، ولا تسمح له بالاستمرار في العمل، كي يتحول الأمر وكأنه قبول رسمي.

وستقوم الشركتان باستجرار الإنترنت عبر الأكبال الضوئية بشكل رسمي ومرخص، وعوضًا عن استجرار الإنترنت لا سلكيًا (تهريب)، سيصبح الاستجرار الآن بشكل نظامي عبر الألياف الضوئية.

ما هي الألياف الضوئية؟

الألياف الضوئية أو البصرية (Optical Fiber)، هي ألياف شفافة مرنة مصنوعة من الزجاج النقي (السليكا) أو البلاستيك، بقطر أثخن قليلًا من قطر شعرة الإنسان.

وتستخدم في الاتصالات الضوئية البصرية، لما تتميز به من قدرة على البث لمسافات أبعد، وبأمواج طولية أعلى (معدل نقل بيانات) من كابلات الأسلاك التقليدية.

وتستخدم الألياف عوضًا عن الأسلاك المعدنية، لأن الإشارات تسافر فيها بأقل قدر من خطر فقدانها، كما أن الألياف محصنة ضد التداخلات الإلكترومغناطيسية التي تعاني منها الأسلاك المعدنية بشكل كبير.

وتعدّ الاتصالات أبرز استخدامات الألياف الضوئية، فهي وسيط فعال للاتصالات البعيدة وشبكات الحاسوب، بسبب مرونتها وإمكانية تجميعها ككابلات، وهي مفيدة على وجه الخصوص في اتصالات المسافات الطويلة، لأن الضوء ينتشر من خلال الألياف بفقدان أقل للإشارة مقارنة مع الكابلات الكهربائية.

وتؤمن الألياف الضوئية خدمة إنترنت عالية السرعة، كما تؤمن مشاهدة القنوات الفضائية التلفزيونية عبر الإنترنت، لكن خدمة الهاتف الأرضي لم يجر الحديث عنها، ويمكن طرحها خلال الفترات المقبلة حسب كربوج.

الأسعار سترتفع

وصف أبو عثمان صاحب شبكة”عثمان نت” دخول شركة “وطن” إلى عفرين بأنه “ضحك على اللحى”، ولا يصب في مصلحة الأهالي، ولا يدخل ضمن المنافسة، لأن مثل هكذا شركات يجب أن تخفض الأسعار، وتقدم تسهيلات في التعامل مع الأهالي ومستخدمي شبكة الإنترنت، لا أن تفرض عليهم التعامل معها حصرًا.

كما أن صالات الإنترنت والشبكات تؤمن فرص عمل للعديد من الأهالي في المنطقة، وإغلاقها يعني خسارة فرص العمل لأكثر من أربع عمال في كل صالة.

مسؤولون سوريون وأتراك في محطة عفرين للكهرباء – 19 من تشرين الثاني 2020 (مجلس عفرين المحلي)

ويبيع حسام، صاحب شبكة “شهباء نت”، واحد ميغا من الإنترنت لمدة شهر بسعر المفرق بين 25 و35 ليرة تركية، بينما حددت الشركة الجديدة سعر الميغا الواحد بـ75 ليرة، حسب قوله.

وتباع حزمة النت حاليًا بالجملة (50 ميغا) بـ18ليرة تركية للميغا الواحد، وإذا كان أكثر من 100 ميغا يصبح بـ12 أو 13 ليرة.

علق كربوج على سؤال عنب بلدي حول جزئية الأسعار بقوله، إن هناك فرق بين أسعار الإنترنت اللاسلكية والكبل الضوئي، لأن خدمة اللاسلكي كانت بطريقة التهريب، لذلك فإن أسعاره رخيصة.

لكن في حالة الأكبال الضوئية، ستكون الزيادة في السعر “إجبارية”، حسب كربوج، مبررًا ذلك بوجود تجهيزات “تكلفتها عالية”، كمد الكابلات وإيصالها إلى المقاسم، إضافة إلى الضرائب التي ستدفع في تركيا.

لذلك سيكون هناك فارق بالسعر، لكن استقرار وجود الإنترنت “سيكون أعلى بكثير مما كان عليه، وستلغى مشاكل الصحون”.

كما أن كلفة الإنترنت، إذ كان المشترك يدفع مبالغ “كبيرة”، ستعوض في زيادة حجم باقته أو الحزمة، أضاف كربوج.

البنية التحتية غير جاهزة

فني في شركة وطن خلال من الأكبال الضوئية – 11 أيلول 2021 (شركة وطن)

تحدث أصحاب شبكات عن وجود أكبال ضوئية سابقًا، وأنها ملك المجلس المحلي وليس الشركة، إذ لم تجر “وطن” سوى إصلاحات محدودة.

كما أن استقدام الإنترنت عبر الأكبال الضوئية، يعني أن الإنترنت سيكون من جهة واحدة، وأي عطل مستقبلي يمكن أن يصيب الكبل يعني انقطاع الإنترنت عن كامل منطقة عفرين، متسائلين عن “الخطة البديلة”، أما الشبكات الحالية (اللاسلكية) فلا يمكن أن تتأثر إلا في حال حدوث مشكلات في شبكات الاتصالات التركية.

وقال حسام محفوظ إن الشركة طرحت خطة “تظن أنك في أوروبا، لكن على أرض الواقع سيكون مصير الإنترنت كمصير مدينة الباب”، التي وصفها بأنها “أسوأ التجارب في مناطق سيطرة المعارضة” جراء الانقطاع المتكرر للكابل وبالتالي الإنترنت. 

وأشار حسام إلى أنه في حال انقطاع الإنترنت خلال إصلاح الأكبال الضوئية، ستعمل الشركة على إيجاد بديل، وهي الشبكات اللاسلكية (الميكروية) المعمول به حاليًا، معتبرًا أنها عملية التفاف.

ويتوجه أصحاب شبكات لرفع دعوة قضائية ضد جزئية الاحتكار، لأن المشتركين بدأوا التعامل مع الشركة الجديدة بعد إعلان المجلس إيقاف الشبكات، والحديث عن احتكار الشركة الجديدة للقطاع. 

وكان المجلس المحلي “متعاونًا وموقفه وسطي” مع مطالب منع الاحتكار، حسب قول أصحاب الشبكات. 

رد المدير الإداري لشركة “وطن” في عفرين، محمد كربوج على هذه الجزئية بأن الشبكة اللاسلكية سببت العديد من المشاكل سابقًا، و”المزودون وأصحاب الشبكات يعرفون هذا الأمر”.

واستقرت فكرة إدخال الكبل الضوئي لرفع سوية خدمة الإنترنت في المنطقة، وهو ما لمسه الأهالي، إضافة إلى الراحة في التعامل، حسب قول كربوج.

فني في شركة وطن خلال من الأكبال الضوئية في عفرين – أيلول 2021 (شركة وطن)

ووضعت شركة “وطن” في مخططاتها مسألة الأعطال التي يمكن أن تصيب الأكبال الضوئية، في حال تضررها بقصف أو انفجار (مفخخة) أو حفرية تنفذها البلدية لم تبلغ الشرطة عنها، بتمديد مسار بديل عن المسار الرئيسي، بحيث إذا انقطع الرئيسي يوصل الإنترنت من الخط الثاني.

وفي حال انقطاع الإنترنت من تركيا، اتفقت الشركتان المتحدتان أن تمد كل منهما خطوط إنترنت من طرفها، وفي حال حدوث قطع أو خلل من أي طرف أو خط، يوصل الإنترنت من الخط الثاني مباشرة.

أما عن أسباب أخذ الإنترنت من شركة “وطن” فقط، فعزاها كربوج لأسباب تقنية، وقالإنه لا يمكن ربط (تشغيل) خطين بكابل واحد، وإذا ربطت شركتان على نفس الكبل ستحدث مشاكل كبيرة، لأن كل شركة سيكون لها مسار معين، وهو السبب ذاته الذي اتحدت من أجله شركتا “Kapsam net” و”Hat net”.

أما من ناحية وجود مسبق للبنية التحتية، قال كربوج إن البنية التحتية السابقة لا تستوعب الكميات والسرعات المطلوبة، كما يوجد “تلف كبير” في التمديدات السابقة خاصة ضمن المدن.

وبحسب كربوج، تم تمديد كابلات جديدة لكل المدن، إضافة إلى “الداتا سنتر” الموجودة في كل منطقة (ست مواقع)، وكامل تجهيزاتها جرى شراؤها من تركيا، وهذه التجهيزات استقدمت و”زودت في مقاسم الإنترنت والشبكات لرفع مستوى الإنترنت، وتأمين سرعات عالية بحيث تخدم الأهالي في المنطقة”.

“الداتا سنتر” هي عبارة عن كبين كبير يجري توزيع الإنترنت من خلاله إلى كافة المناطق المحيطة بالمدينة أو المنطقة،

واستفادت شركة “وطن” من البنية التحتية السابقة في بعض المناطق وجرى إصلاحها وتجهيزها على أساس تخديم جيد، ونسبة الاستفادة من البنى التحتية السابقة هي تقريبابين  20% أو 25%، وما تبقى جميعه جديد.

وذكرت “وطن” عبر حسابها في “فيس بوك” السبت 18 من أيلول الحالي، أن خدمة الكبل الضوئي غطت 80% من عفرين، شملت خمس نواح هي عفرين، جنديرس، معبطلي، راجو، بينما بقي دون خدمة ناحيتي بلبل وشران.

تجارب سابقة

دخل مشروع الأكبال الضوئية إلى مناطق سيطرة المعارضة لأول مرة نهاية العام 2018، في مدينة جرابلس شمالي حلب المحاذية للحدود التركية.

مد خطوط الانترنت في جرابلس بريف حلب - كانون الأول 2018 (عنب بلدي)

وحدد حينها قيمة باقة الإنترنت بسرعة 16 ميغا بت في الثانية 13 دولارًا شهريًا، على أن يقوم المشترك بدفع 70 دولارًا لمرة واحدة تتضمن قيمة المودم المقدم من قبل الشركة، إضافة إلى رسوم التفعيل وتمديد الكابلات.

والباقة الثانية تصل سرعتها إلى 24 ميغا بت في الثانية، ورسومها 220 دولارًا وهي عبارة عن رسوم مدفوعة سلفًا لمدة سنة كاملة، وعند نهاية السنة يعود سعر الباقة شهريًا إلى عشرة دولارات يدفعها المشترك بشكل دوري كل شهر.

وأعلن المجلس المحلي في مدينة الباب بريف حلب الشمالي في حزيران 2020، إيقاف خدمة الإنترنت المستجرة من تركيا عن طريق اللواقط الهوائية (لا سلكي)، اعتبارًا من 30 من الشهر نفسه، مقابل استجرار خدمة الإنترنت عن طريق كابلات الألياف الضوئية التي ستُمد من تركيا.

وطالب المجلس المحلي في بيانه جميع مزودي خدمة الإنترنت في الباب بترخيص شركاتهم، إذ لن يستطيع من لم يحصل على الترخيص بعد 30 من حزيران، بيع الخدمة في المدينة.

وأفاد مراسل عنب بلدي في الباب أن اتصال الإنترنت في المدينة غير مستقر ويشتكي منه الأهالي، وأحيانًا تنخفض سرعته ويقطع بشكل كامل لفترات مختلفة دون إيضاح الأسباب، الأمر الذي يؤثر على الأعمال المعتمدة على الشبكة وحتى التواصل بين الأهالي.

عمر أبو حمزة صاحب شبكة “العمر نت” في مدينة الباب، أكد على أفضلية الكبل الضوئي على الصحون، على الرغم من وجود انقطاع في شبكة الإنترنت.

وعزى الانقطاع في حديثه لعنب بلدي إلى أعمال الحفر التي تؤدي إلى قطع الكبل نتيجة عدم وجود حماية له.

ولم ترتفع أسعار الإنترنت على المزودين الفرعيين (كحالة عمر أبو حمزة) رغم انخفاض أسعار جملة حزم الإنترنت.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي أنس الخولي




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة