“رواية الأفلام”.. في الواقع أيضًا لا بد من نهاية

tag icon ع ع ع

“لقد قرأتُ في أحد الأيام جملة تقول شيئًا بمعنى أن (الحياة مصنوعة من مادة الأحلام نفسها)، أما أنا فأقول إن الحياة يمكن لها أن تكون مصنوعة من مادة الأفلام نفسها”.

على هذه العبارة بنى الكاتب التشيلي إيرنان ريبيرا لتيلير، قصة الفتاة التشيلية ماريا مرغريتا، التي تشكّلت حياتها وشخصيتها على أساس ملَكة رواية الأفلام للآخرين.

يبدأ ريبيرا الرواية بحكاية اكتشاف ملَكة رواية الأفلام لدى ماري، الفتاة التي استطاعت عيش الأفلام عوضًا عن تمثيلها، حين يقرر والدها أن يُجري مسابقة بين أبنائه الخمسة لاختيار أفضل راوي أفلام، بسبب فقر الأسرة الهاوية مشاهدة الأفلام، وعجزها عن تأمين ثمن التذاكر لأفراد العائلة كلها، ما يتطلب ذهاب فرد واحد من الأسرة إلى السينما ليُشاهد الفيلم، ويرويه للعائلة.

وهنا يشعر القارئ بثقل المسؤولية التي يحملها الفرد، الذي يعرف بأن فرح عائلته بأكملها منوط بقدرته ومهارته، وأن التعويل في ذلك عليه وحده.

تعيش ماري في معسكر منجميّ لاستخراج ملح البارود من سهول البامبا في تشيلي برفقة أبيها وإخوتها الذكور الأربعة، ما أعطى شخصيتها طابعًا صبيانيًا خشنًا بعيدًا عن طبيعة فتيات المعسكر، ولكن هذا الجانب من شخصيتها لم يظهر بعد أن صارت راوية أفلام، فالكاتب صوّر الفتاة فنانة رقيقة تلمس قلب كل من يشاهدها.

لم تكن ماري أفضل راوية أفلام داخل حدود منزلها وحسب، بل وصلت شهرتها لتصير أفضل راوية أفلام في المعسكر، حتى صار الجميع يقصدون بيتها ليشاهدوا طريقة تجسيدها لأحداث وشخصيات الرواية ببراعة مطلقة تنافس بها ممثلي الفيلم.

“للفن ثمن أيضًا”، جاءت هذه الجملة بمثابة نصيحة لماري وعائلتها ليحولوا منزلهم إلى مسرح يرتاده سكان المعسكر، بغرض مشاهدة عروض ماري مقابل مبالغ زهيدة سمّاها الأب بـ”التبرعات”.

وإلى جانب موهبة الفتاة المبهرة بالتحول في لحظة “من براءة بياض الثلج إلى شراسة أسد مترو”، كان بؤس أهالي المخيم سببًا إضافيًا لجعل رواية الأفلام طريقة للهروب من واقعهم.

أراد الكاتب نقل صورة حقيقية عن رغبة البشر بامتلاك خيار الهروب من عوالمهم الواقعية إلى عالم الخيال، حتى وإن كان العالم الآخر مبنيًا على كذبة، المهم أن تُروى هذه الكذبة بطريقة جيدة.

ينهي الكاتب روايته المكوّنة من 112 صفحة، بكلمات تجسّد صورة ماري وحيدة في المعسكر، تفكر بأنها ستقول الآن الكلمة التي لم يرغب أحد بسماعها، “النهاية”، لتتبادر إلى ذهن القارئ الفكرة التي تؤكد حتمية الوصول إلى النهاية، نهاية الأفلام، والكتب، والعلاقات، والحكايات، مهما حاول الالتفاف على النص هربًا من الوصول إليها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة