تدمير البيئة لتعويض نقص الوقود

“القطع الجائر” يعرّي غابات السويداء

camera iconقطع الأشجار في حرش المظلم في بلدة الرحى بمدينة السويداء- 8 من تشرين الأول 2021 (عنب بلدي مهند زين الدين)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – السويداء

“تلك الأشجار مرتبطة بذكريات أهل القرى والمناطق، كانت رفيقة رحلات الشواء والسهرات، كل ذلك اختفى الآن”، يتحدث فراس (32 عامًا) لعنب بلدي، متحسّرًا على قطع الأشجار في مناطق واسعة من محافظة السويداء جنوبي سوريا، كون تلك الأشجار صارت مصدرًا بديلًا للتدفئة، مضيفًا أن الأمر ترك أثرًا بيئيًا وشوّه المنظر العام في تلك المناطق.

في الوقت الذي تعيش فيه محافظة السويداء (جنوبي سوريا) ظروفًا معيشية متردية، بسبب غلاء أسعار المحروقات وقلة الموارد وانعدام الخدمات، ونقص في الغاز، وتدهور وضع الكهرباء، تماطل المؤسسات المعنية في توزيع مازوت التدفئة، مكتفية بإصدار الوعود “الخلّبية”.

ولجأ أهالي المدينة إلى حلول بديلة، بعد أن صار فصل الشتاء على الأبواب، ومن تلك الحلول الاعتماد على حطب التدفئة، ما أدى إلى تعرية عدة مناطق في المحافظة من غطائها النباتي المكون من الأشجار الحرجية.

مَن المستفيد؟

تعرضت غابة السنديان والصنوبر الواقعة شرقي بلدة الرحى للقطع الجائر وبشكل يومي، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة “تشرين” عن رئيس البلدية، سعدو أبو راس، موضحًا، “في معظم الأحيان يتم قطع أشجار الحراج ليلًا، الأمر الذي سيؤدي في حال استمرت هذه التعديات إلى فقدان المئات من أشجار السنديان المعمرة، والتي يقدّر عمر البعض منها بـ200 عام”.

وأشار أبو راس إلى أن الغاية من قطع الأشجار هي “المتاجرة بمادة الحطب”، خصوصًا أن سعر الطن الواحد وصل إلى حوالي 700 ألف ليرة سورية (200 دولار)، أي ما يعادل سعر برميل مازوت واحد في السوق السوداء، والذي يباع الليتر منه على جوانب الطرقات بـ3500 ليرة (حوالي دولار واحد).

إلا أن فراس (الذي تحفظت عنب بلدي عن ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، قال إن الأهالي يقطعون أغصان الأشجار غالبًا “للاستخدام الشخصي من أجل تأمين التدفئة في منازلهم”.

ويفضّل الأهالي في السويداء والباحثون عن التدفئة الحطب، لكونه أكثر استمرارية من مادة المازوت، وهو مصدر دفء فعّال في ظل الظروف المناخية القاسية التي تعيشها المحافظة خلال فصل الشتاء، حيث تصل درجة الحرارة فيها إلى ما دون الصفر ولفترات طويلة من الشتاء.

ولم يقتصر التعدي في المناطق الحرجية على غابة الرحى فقط، بل طال غابة بلدة الكفر أيضًا، ومحمية “الضمنة” في السويداء، ووصل إلى الحدائق العامة في المدينة.

وبحسب مزارعين قابلتهم عنب بلدي، قالوا إن “أطنانًا من الحطب شوهدت داخل الثكنة العسكرية في موقع العين”، وهو مركز تدريب الأغرار التابع لقوات النظام السوري، في منطقة صلخد جنوبي السويداء.

وتعتبر هذه الثكنة جزءًا من غابة “الأسد” التي شهدت تعرية كاملة من قبل الضابط العقيد المسؤول عن الثكنة وعناصره، بالإضافة إلى قسم من أهالي المنطقة بعد دفع رشى وإتاوات للضابط مقابل السماح لهم بقطع الأشجار.

وبحسب تقرير قدمته مديرية الأحراج في وزارة الزراعة السورية إلى منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) عام 1993، فإن معظم مساحة الأراضي السورية غطّتها الغابات، إلا أن تلك المساحة الخضراء انحسرت قرنًا تلو آخر حتى “أدركت الحكومة أهمية الغابات والأشجار، وأعلنت الخميس الأخير من كل عام عيدًا للشجرة”.

وتبلغ مساحة الغابات في سوريا 445 ألف هكتار، منها 225 ألف هكتار من تغطية غابية متفرقة، “لا تناسب إلا صناعة الفحم النباتي”، في دمشق وحمص وحلب والسويداء.

آثار مدمرة

بسبب الطبيعة الجبلية لمحافظة السويداء والبرودة القارسة في الشتاء، والتي تزداد باتجاه الشرق حيث قرى شعف وملح والهويا، تزداد التعديات فيها على الأشجار المثمرة من التفاح والكروم، وذلك بسبب ندرة الأشجار الحرجية والنقص الحاد في مادة مازوت التدفئة وغلائها، حيث تحتاج الأسرة إلى أربعة براميل كحد أدنى لقضاء فترة فصل الشتاء، إذ تصل سماكة الثلوج فيها خلال الشتاء إلى نصف متر، وترتفع المنطقة عن مستوى سطح البحر أكثر من 1500 متر.

ويعتبر القطع الجائر للأشجار في السويداء حدثًا يتكرر كل عام عند اقتراب فصل الشتاء منذ حوالي الأربع سنوات، فضلًا عن الحرائق التي تحدث خلال فصل الصيف، والتي تلتهم مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والحرجية، والتي تهدد التنوع الحيوي في تلك الغابات الحرجية.

وبسبب الصدمات والهزات في التنوع الحيوي، قد تموت حيوانات وطيور أو تهاجر، أو تظهر نباتات جديدة لم تكن في هذا النظام الحيوي نتيجة قطع الأشجار.

وبمقابل ذلك، يبادر أهالي المحافظة إلى تنظيم حملات لتشجير الأراضي، لتعويض الخسائر التي تلحق بها كل عام، كمبادرة “بدنا نخلي السويداء جنة“، التي نُظمت في العام الماضي من قبل الشيخ سليمان عبد الباقي، ومعه مجموعة من الأهالي، حيث زُرعت مئات الغراس من الصنوبر المثمر والسرو واللوز البلدي في عدة مناطق من المحافظة.

ورغم تحذيرات البيئيين من خطورة قطع الأشجار، فإن هناك من لا يزال يرى أن الطبيعة تبقى البديل الوحيد للحصول على وقود التدفئة، مع قلة المازوت وفي ظل برد الشتاء.

والغابة هي نظام حيوي بيئي متكامل، يضم نباتات متنوعة وحيوانات وحشرات وطيورًا وأشجارًا وشجيرات وأعشابًا وبكتيريا، وقد يحتوي مساقط مائية وينابيع، وكلها تعمل في نظام متوازن ومنسجم، وحتى لو تعرضت لصدمات سواء كانت من القطع أو الحرق، تكون قادرة على تجديد ذاتها بذاتها.

لكن ينتج عن قطع الأشجار ارتفاع في الحرارة خلال فصل الصيف وانخفاضها في الفصل البارد نتيجة التعرية، وتتأثر كل من الرطوبة والهواء والإشعاع الشمسي في الغابة، نتيجة إزالة كثير من الأشجار.

مخالفة للقانون

تبلغ نسبة الأراضي الزراعية في عموم محافظة السويداء، وفقًا لإحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2018، 36%، منها 17% غير مستثمرة، في حين تزيد الأراضي غير القابلة للزراعة على 24%، والأحراج والغابات 1.4%.

ويفرض القانون السوري أحكامًا صارمة لمنع المخالفات على الأراضي الحرجية، لكنه يمنح تراخيص تسمح بقطع الأشجار أو الاستفادة من حطبها أو استصلاح الأراضي أو الرعي بها أو استخدامها للتفحيم، بعد تقديم تعهدات خطية بتعويض خسارة المنطقة، وتقديم تأمينات لا تتجاوز ألفي ليرة سورية.

ويتعامل “قانون الحراج” بشكل صارم مع الاستفادة من موارد الحراج، ففي مادته السادسة، لا يسمح لأي جهة عامة أو خاصة بالمباشرة بأي عمل باستخراج مواد من الأراضي الحرجية قبل الحصول على موافقة الوزارة المسبقة على الترخيص من الجهات المختصة.

القانون رقم “6” لعام 2018 الخاص بالحراج
المادة السادسةأ- لا يسمح لأي جهة عامة أو خاصة بالمباشرة بأي عمل باستخراج مواد من الأراضي الحرجية قبل الحصول على موافقة الوزارة المسبقة على الترخيص من الجهات المختصة.ب- تحدد شروط منح الترخيص واستخراج المواد بقرار من الوزير.ج- يشترط عند منح الترخيص:

1- دفع قيمة الأشجار والشجيرات وغيرها التي يتم قطعها في الموقع المرخص.

2- أن تتعهد الجهة طالبة الترخيص بإعادة تأهيل الموقع وتحريجه على نفقتها.

3- تكلف الجهة طالبة الترخيص بدفع تأمين لدى أحد المصارف العامة كأمانات حرجية يعادل مقدار تكلفة إعادة تأهيل الموقع المطلوب ترخيصه ويحدد بقرار من الوزير.

د- في حال عدم تأهيل الموقع وتحريجه من قبل الجهة المرخصة، تقوم الوحدة التنظيمية بتأهيل وتحريج الموقع على نفقة الجهة المرخصة، وتستوفى المبالغ من التأمينات المودعة في المصرف لهذه الغاية وفق القوانين والأنظمة النافذة، وفي حال عدم كفايتها يتم استيفاؤها حسب قانون جباية الأموال العامة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة