رحلة الخوف من المجهول في مخيمات الشمال

نازحات يروين قصّة اليوم الأول في الخيمة

اعلامي يقوم بتصوير أمرأة مهجرة إفي مخيم السكة في بلدة حربنوش - 18 أيلول 2021 (عنب بلدي - إياد عبد الجواد)

camera iconاعلامي يقوم بتصوير أمرأة مهجرة في مخيم السكة في بلدة حربنوش - 18 أيلول 2021 (عنب بلدي - إياد عبد الجواد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاديا منصور

لم يكن اليوم الأول لحسناء الصدير (30 عامًا) في مخيمات “أطمة” الحدودية مع تركيا كبقية الأيام العادية، بل كان يومًا يحمل معه الكثير من التساؤلات والخوف من المستقبل.

“أين الأمان في خيمة قماشية لا تقي حر صيف ولا برد شتاء، ولا تمنع اختراق الصوت ولا تحقق أي شكل من أشكال الخصوصية”، تساءلت حسناء التي نزحت لتوها من قريتها في جبل الزاوية بسبب القصف المستمر عليها.

رافق الشابة في نزوحها زوجها المريض بالسكري وأولادها الأربعة لينجوا بحياتهم، ولم يجدوا سوى خيمة قماشية صغيرة تؤويهم في أرض جرداء تعج بالمخيمات على الحدود السورية- التركية.

قالت حسناء لعنب بلدي بغصة، “شو يلي جبرك على المر غير الأمر”، في إشارة منها إلى صعوبة الحياة في الخيمة، مشيرة إلى أن الخيمة “تبقى أفضل حالًا من حياة الرعب والموت تحت قصف الطائرات الروسية والبراميل الأسدية”.

كان النهار قد انتصف، وحرارة الطقس تخرج لهيبًا من أطراف المخيم، الأطفال يركضون بين الخيام محدثين ضجيجًا كبيرًا، الخيام صغيرة ومزدحمة بالنازحين من مختلف المناطق السورية، مظاهر الفقر والعوز لا تخفى على من يرى المشهد، دخلت حسناء خيمتها في محاولة منها لإخفاء دموعها التي بدأت تتساقط تلقائيًا، بعد تأمّل حياتها المقبلة ومدى القهر والظلم الذي لحق بكل هؤلاء، ممن قضت الحرب على طموحاتهم وآمالهم بالعيش الكريم.

صعوبة التأقلم

لا يزال يشكّل اليوم الأول في المخيمات هاجسًا يصعب التأقلم معه أو حتى تقبّله، بالنسبة لكثير من النساء اللواتي غيّرت المعاناة والمآسي حياتهن، وجعلتها “جحيمًا لا يطاق”، وفق ما وصفته سارة العلي (32 عامًا)، التي لم تستطع التأقلم مع حياة المخيمات، رغم مضي سنتين على نزوحها عن بلدتها حاس بريف إدلب الجنوبي.

تساءلت سارة، “أي حياة سوف نتأقلم معها، أهي الفقر أم الجوع أم نقص المواد الأساسية أم عدم الشعور بالأمان أم انعدام الخصوصية”، أسئلة تعبر عن ظروف يصعب على الشابة التعايش معها واعتيادها، لتصف مجمل حياتها بـ”العقوبة العسكرية”.

سكون الليل حين يخلد الجميع إلى النوم أكثر ما يؤرّق سارة التي ترقب باب خيمتها بشرود، بينما يدور في رأسها سؤال يتعلق بكيفية الشعور بالأمان، والخيمة ملاصقة لجارتها، وما يفصل بين الخيمتين مجرد قماش، لا يمكن أن يحمي المرء وسط كل ما يجري من سرقات واعتداءات وحتى جرائم قتل.

“لا ماء ولا كهرباء ولا محروقات، نعيش على هامش الحياة ونعد الأيام والسنوات، بانتظار ما يخلصنا من كل هذا البؤس، ولكن لا بصيص أمل في المدى المنظور كما يبدو، وربما يطول مكوثنا في هذا المكان حتى نفارق الحياة”، قالت سارة لعنب بلدي.

وأشارت إلى أن أكثر ما يؤلمها ليس حياتها التي ضاعت في غياهب المخيمات والنزوح، بل خوفها على مستقبل أبنائها الخمسة الذين حُرموا من حقهم في العيش الكريم بلا حماية ولا تعليم، “لا يمكنني تصور أن يكبر أطفالي في هذا المكان، فهم لم يروا في حياتهم كلها سوى الحرب والنزوح والقهر”.

خصوصية منعدمة

لم تعد المرأة في مخيمات النزوح تعيش الخصوصية التي كانت تعيشها سابقًا في منزلها المبني من حجر أو “بيتون”، كما أنها لم تعد تمتلك مطبخها وحمامها الخاص، وصار يجب عليها الابتعاد عن خيمتها للوصول إلى الحمامات المشتركة، ما يجعلها عرضة للتحرش الجنسي مع عدم وجود الإضاءة ليلاً.

احتمالية التعرض للتحرش الجنسي، منعت الكثير من النساء في المخيمات من الخروج ليلًا رغم حاجتهن إلى الخروج إلى الحمامات، والانتظار حتى الصباح لقضاء حوائجهن، في حين عمد عدد منهن لتقسيم خيامهن إلى حمام ومكان للجلوس، للتخلص من حرج الخروج ليلًا.

هيام الراعي (25 عامًا) انقلبت حياتها بعد نزوحها من بلدتها بريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات النزوح الشمالية “180 درجة”، وفق ما قالته لعنب بلدي.

وأضافت أنها لم تعد تحظى بأي شكل من أشكال الخصوصية أو حتى الحياة الطبيعية داخل تلك المخيمات، “نعيش على قيد النجاة من القصف، بانتظار معجزة تعيد لنا الأمل بالعودة إلى حياتنا الطبيعية الحقيقية في مدننا وقرانا، ولكن بكرامة وحرية هذه المرة، وليست حياة العبودية والظلم التي لطالما مارسها علينا نظام الأسد على مدى عقود من الزمن”.

ووفق أحدث إحصائية لفريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، فإن أعداد النازحين السوريين بلغت نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من أربعة ملايين سوري يسكنون المناطق الخاضعة لنفوذ المعارضة السورية.

في حين يبلغ عدد سكان المخيمات مليونين و43 ألفًا و869 نازحًا، يعيشون ضمن 1293 مخيمًا، من بينها 282 مخيمًا عشوائيًا أُقيمت في أراضٍ زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة