احتمالات موت واعتقال قبل الوصول إلى الضفة الأخرى

هاربون من حلب يتعرضون للنصب من مكاتب تهريب البشر

باب حنين في مدينة حلب - 18 تموز 2021 ( عنب بلدي / صابر الحلبي )

camera iconباب حنين في مدينة حلب - 18 تموز 2021 ( عنب بلدي / صابر الحلبي )

tag icon ع ع ع

حلب – صابر الحلبي

وضّب عبد الله (49 عامًا) أغراضه التي يود أخذها معه خلال ذهابه إلى تركيا بوساطة مهربين يعملون بالخفاء في مدينة حلب، منتظرًا الموعد المُتفق عليه للرحيل، والوصول إلى مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، التي تشكّل المحطة الأولى في رحلته، بعد أن استحالت المعيشة في حلب بنظره لعدة أسباب.

أرجع عبد الله الأسباب التي دفعته لاتخاذ قرار السفر إلى عدم القدرة على تأمين مستلزمات منزله ومتطلبات أبنائه الستة، وفضّل ترك المدينة بعد أن استطاع تأمين تكاليف السفر ببيع أغراضه الموجودة في منزل أهله الواقع في حي الصاخور، حيث أقام بشكل مؤقت بسبب تدمير منزله الواقع في حي الحيدرية جراء قصف قوات النظام.

“لم تتبقَّ فرص عمل، ولم يعد هناك أمان بسبب خطف الأولاد والبنات، وارتكاب عناصر الشبيحة التجاوزات دون أن يردعهم أحد، لذلك رأيت أنه من غير الممكن البقاء في حلب”، قال عبد الله لعنب بلدي.

ويدفع الواقع المعيشي والأمني المتردي في مدينة حلب والمناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام بعض العائلات للخروج من المدينة والتوجه إلى مناطق سيطرة المعارضة، بغية العبور منها إلى الأراضي التركية، للبحث عن فرص لحياة أفضل.

كريمة (46 عامًا) من سكان مدينة حلب، تنوي السفر إلى تركيا بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، ولعدم ثقتها بالوضع الأمني الذي تعتبره “غامضًا” من جهة التجاوزات التي يقوم بها عناصر أفرع الأمن و”الشبيحة”.

اختارت السيدة السفر إلى تركيا لوجود أقارب لها هناك وعدوها بمساعدتها عند الوصول، بعد أن صارت غير قادرة على تأمين مستلزمات منزلها، وخاصة أن زوجها متوفى، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

اتفقت كريمة مع المهرب الذي سيوصلها من عفرين إلى الأراضي التركية خلال أسبوع، على إعطائه تكاليف السفر على دفعتين، الأولى عند الانطلاق والثانية بعد وصولها إلى تركيا.

وعلى الرغم من معرفتها بـ”خطورة” الطريق ستغامر كريمة للوصول، بحسب ما أضافته، “إذا كان مقدرًا لنا الوصول فسوف نصل، وإذا لم يكن مقدرًا يمكن أن نموت على طريق السفر، أو خلال اجتياز الحدود السورية- التركية من خلال إطلاق الرصاص علينا مثلما حدث مع آخرين”، بحسب تعبيرها.

مكاتب تنظم “التهريب” إلى تركيا

تعترض اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى تركيا عبر مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا صعوبات عديدة، أبرزها التعرض للنصب والاحتيال من قبل المهربين أو إيقافهم من قبل حرس الحدود التركي، وإطلاق الرصاص الحي عليهم بشكل مباشر في بعض الحالات.

ويوجد العديد من مكاتب السفريات في أحياء مدينة حلب، التي يتخذ بعضها شحن الأغراض الشخصية أو نقل البضائع واجهة للترويج للسفر إلى تركيا.

هناك من دفع مبالغ كبيرة وتعرض للنصب والاحتيال على يد بعض هذه المكاتب، كما حصل مع لؤي (38 عامًا) من أبناء مدينة حلب.

اتفق لؤي مع مكتب سفريات في حي الميسر على حجز موعد للسفر في 12 من أيلول الماضي، وإيصاله إلى الأراضي التركية من طرق التهريب، ودفع لقاء ذلك مبلغ 800 دولار أمريكي، على أن يدفع 1300 دولار بعد دخوله إلى ولاية كلّس التركية جنوبي البلاد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وفي يوم السفر، ذهب إلى المكان الذي جرى تحديده ليستقل “ميكروباص” ثم يسافر، لكن لم يأتِ أحد على الرغم من انتظاره أكثر من ساعتين ونصف، ليدرك أن المكتب قام بعملية نصب وخداع طالته مع “عدد كبير من المدنيين الذين كانوا ينتظرون من أجل نقلهم إلى تركيا”.

لؤي توجه إلى مكتب السفريات لاحقًا، ليجده مغلقًا بسبب هروب الأشخاص الذين كانوا يديرونه.

تجربة مشابهة عاشها يحيى (37 عامًا) من مدينة حلب، إذ تعرض للاحتيال بعد دفع مبلغ 1400 دولار أمريكي لمكتب في حي الصالحين، بعد الاتفاق مع أصحاب المكتب لإيصاله إلى تركيا.

وكانت “الصدمة” للشاب بعد لقائه عدة أشخاص يقفون أمام المكتب المغلق، تعرضوا للاحتيال أيضًا ودفعوا مبالغ كبيرة مقابل إيصالهم إلى مناطق سيطرة المعارضة أو إلى داخل الأراضي التركية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

تهريب بالاتفاق مع ضباط النظام

تنتشر عشرات المكاتب السرية التي تعمل على تسفير الأشخاص الذين يرغبون بالوصول إلى الأراضي التركية، أو إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة، أو حتى الانتقال إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.

يعمل المهربون على تأمين الطريق من خلال معرفتهم بالعناصر التابعين لقوت النظام الموجودين على الحواجز العسكرية أو الضباط، ودفع مبالغ كبيرة لهم، وبذلك ضمان عدم تعرض أحد الركاب للاعتقال من قبل هذه الحواجز خلال الرحلة التي تتم في “ميكروباص”.

وأوضح جاسم (48 عامًا)، وهو صاحب مكتب سفريات في مدينة حلب، لعنب بلدي أن أهم إجراء قبل السفر هو تأمين الطريق الواصل إلى مناطق سيطرة المعارضة.

وقال إن عملهم يجري بشكل سري داخل المدينة، ومن دون علم أحد وبطرق مختلفة، وإذا راجعهم شخص للسؤال عن كيفية الوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة أو الوصول إلى تركيا لا يجيبونه بسرعة ويعتذرون منه، خوفًا من أن يكون تابعًا لأحد الأفرع الأمنية التي اعتقلت عددًا كبيرًا من أصحاب مكاتب السفريات.

وأضاف أنه إذا لم يؤمّن الطريق على الحدود السورية- التركية، يمكن أن يتعرض الأشخاص للاعتقال من قبل القوات التابعة لفصائل المعارضة في الشمال أو من قبل حرس الحدود التركي، مثلما حدث مع مجموعة عمل المكتب على تهريبها من حلب إلى الحدود، لكنها استطاعت لاحقًا العبور إلى ولاية كلّس التركية على دفعتين.

ولا تحصل هذه المكاتب على كامل المبلغ المتفق عليه للتهريب إلا بعد وصول الهاربين إلى داخل الأراضي التركية، بحسب محمد (51 عامًا) مدير مكتب سفريات في حلب.

محمد الذي التقت به عنب بلدي، قال إن مجموعة أرسلها منذ فترة من حلب إلى تركيا تعرضت لإطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي، وأُصيب منها شخصان، لذلك فالأهم خلال هذه الرحلة هو تأمين الطرقات.

وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه اللاجئين من العائلات والأشخاص الذين يذهبون إلى تركيا، فهم يعتبرون الدخول عن طريق التهريب أرخص من السفر عبر الطرق الرسمية، كالطيران والحصول على جواز السفر، والتوجه إلى دولة يُجبَرون فيها على حجز فندقي بعد وصولهم بالطائرة، بحسب الأشخاص الذين التقت بهم عنب بلدي.

وتشهد مباني الهجرة والجوازات في مناطق سيطرة النظام طوابير غير مسبوقة للحصول على جواز سفر، بينما تعجز حكومة النظام عن منح الجوازات وإصدارها وفق المدد الزمنية المعهودة، بسبب فقدان دفاتر الجوازات والأختام الرسمية، وسط وعود متكررة من المسؤولين بحل هذه المشكلة.

وبحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السورية والمغتربين، فإن السعر العادي لرسوم منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للسوريين ومن في حكمهم، الموجودين خارج سوريا، بشكل فوري 800 دولار أمريكي (نحو 540 ألف ليرة سورية)، و300 دولار أمريكي (نحو 185 ألف ليرة سورية) ضمن نظام الدور العادي.

ولا يستطيع السوريون الدخول سوى إلى 29 دولة فقط من دون تأشيرة، بينما تتطلب بقية الدول الحصول على “فيزا” لدخولها، وتفرض شروطًا يصعب على كثير منهم تحقيقها، في ظل الأوضاع المعيشية المتردية التي يعيشونها والصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة