سوريا.. رياح الوزارات تجري بما لا تشتهي غرف التجارة والصناعة

camera iconاتحاد غرف التجارة السورية (الموقع الرسمي للاتحاد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

تواترت الاعتراضات التي أبداها أعضاء غرف “التجارة” و”الصناعة” في سوريا على قرارات اتخذتها وزارات في حكومة النظام السوري.

وتظهر أغلب الاعتراضات أن الوزارات تتخذ قراراتها منفردة، دون الرجوع أو إشراك تلك الغرف التي تُعتبر “أهم المتأثرين” بهذه القرارات.

وكجزء من انقسام الآراء حول معظم القضايا في سوريا، لا يتفق أعضاء غرف “التجارة” و”الصناعة” أيضًا على أثر القرارات التي تتخذها الوزارات دون الرجوع إليهم، فمنهم من يصفق لها، ومنهم ومن يحاول جهده إفشال تطبيقها لتحقيق أهداف مختلفة.

ما طبيعة الخلافات؟

في أحدث ملفات الاختلاف بين الوزارات وغرف “الصناعة”، وصف رئيس “اتحاد الغرف الصناعية”، فارس الشهابي، قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، القاضي بالسماح باستيراد الأقمشة “المصنرة”، بأنه “أخطر قرار على الصناعة منذ سنوات”.

وقال الشهابي، في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، إن ارتدادات القرار ستنعكس على الأقمشة “المصنرة” المحلية أولًا، وستطال “كل ما هو متمم لها”، مشيرًا إلى أن العمل به سيؤدي إلى إغلاق مصانع تلك الأقمشة والمصابغ ومعامل الغزل، لترد الوزارة بعد أيام من انتقاد القرار، بأنها “معنية باتخاذ القرارات التي تنسجم مع مصالح قطاعات الصناعة المحلية كافة، وليس مع مصالح البعض ممن يسعون للتأثير على الرأي العام واستعطاف المواطنين، عبر ضخ معلومات مغلوطة، أو التصريح علنًا أو إيحاء بأن القرارات الصادرة خاطئة”.

“السرعة مطلوبة”

أكد الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، في حديث إلى عنب بلدي، سلوك بعض الوزارات في حكومة النظام، بعدم إشراك “المتأثرين” باتخاذ القرارات الذين يملكون أساسًا حق مناقشة إقرارها.

وأرجع شعار سبب هذا السلوك، إلى أن بعض الوزارات حاليًا تشعر بأنها تمر بحالة تتطلب “التصرف بسرعة”، نتجت عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام.

وفسر شعار ذلك، بأن الوزارات تتخذ من تلك الحالة سببًا لتصدر قراراتها، متصورة بأنها “ليست على استعداد” لمناقشتها مع الأشخاص الذين من الممكن أن يتأثروا بتلك القرارات.

الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أنه لفهم ما يجري في أروقة المؤسسات الرسمية الاقتصادية التابعة لحكومة النظام، لا بد من الاعتراف أولًا بأن منطق الدولة غائب في كل تلك المؤسسات.

وأضاف السيد عمر أن توجه الحكومة بعد اندلاع الثورة السورية لتعيين المسؤولين الوزاريين في الوزرات بناء على ولائهم السياسي، وليس وفقًا لخبرتهم وكفاءتهم بإدارة الوزارات، نتجت عنه الحالة التي نلاحظها اليوم، التي تتمثل بإصدار قرارات غير صائبة، وأحيانًا سلبية بالكامل.

لدعم رجال الأعمال

يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أن آلية اتخاذ القرارات الوزارية تتم بتوجيه مباشر من كبار رجال الأعمال المقربين من النظام وبعض المستفيدين من “أمراء الحرب”، وتُفصّل بناء على رغبتهم لتضمن تحقيق مصالحهم أولًا بغض النظر عن مصالح الدولة ككل.

ومن هنا ينتج التباين في الآراء بين أعضاء غرف “التجارة” والصناعة”، وبين قرارات الحكومة، وفقًا للباحث.

وفي تقرير سابق أعدته عنب بلدي بعنوان “من يحكم الاقتصاد في سوريا.. النظام أم التجار الداعمون“، أكد باحثون وجود توجه في مناطق سيطرة النظام لدعم شرائح محددة من رجال الأعمال “المقربين من النظام” على حساب الأغلبية من التجار الآخرين.

وفي 16 من آب الماضي، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة النظام، قرارًا يقضي بإيقاف استيراد 20 مادة لمدة ستة أشهر، منها التمر واللوز والكاجو.

وبعد ساعات من القرار، تعالت أصوات المنتقدين له، إذ اعتبر أمين سر “غرفة تجارة دمشق”، محمد الحلاق، أن القرار سيؤدي إلى إيقاف العمل بقطاعات “مهمة وحيوية”، وبالتالي توقف الكثير من الفعاليات التي تعيش من هذه الأعمال.

وأشار الحلاق إلى أن إيقاف استيراد مادة التمر مثلًا، سيسهم بإيقاف الكثير من المعامل عن العمل نظرًا إلى عدم توفر بديل عنها في السوق المحلية، ما سيؤثر في غياب الكتلة النقدية التي كانت تدور في الأسواق التجارية.

وسيؤدي القرار، بحسب الحلاق، إلى “خلق ربحية غير مبررة” لدى أشخاص على حساب أشخاص آخرين، منوهًا إلى أن من كان يملك الجوز واللوز والكاجو، زادت أرباحه فور صدور القرار بنحو 20%، فضلًا عن آخرين سيلجؤون لشراء تلك المواد بأسعار “أعلى بكثير” حاليًا.

واعتبر أمين سر “غرفة تجارة دمشق”، أن حل المشكلات الاقتصادية لا يكون دائمًا بالمنع أو بالحصر، وإنما يمكن بـ”التوازن والتشاركية باتخاذ القرار”، على حد قوله.

كما رفعت “غرفة صناعة دمشق” حينها كتابًا إلى وزارة الاقتصاد، طالبت فيه باستثناء مادتي الجوز والتمر من القرار.

وبرر عضو مجلس إدارة الغرفة ورئيس القطاع الغذائي، طلال قلعه جي، سبب المطالبة بالاستثناء، بعدم وجود كميات كافية تغطي السوق المحلية من مادة الجوز، خاصة مع بدء موسم “المكدوس” حينها، مشيرًا إلى أن سوريا أساسًا دولة غير منتجة لمادة التمر.

“لدعم مواقفهم السياسية”

لم ينحصر اختلاف الآراء وتضارب آثار القرارات بين الوزارات وغرف “التجارة” و”الصناعة”، خلال الفترة الماضية، بل برز أيضًا بين أعضاء الغرفة الواحدة، مثيرًا الاستهجان بينهم، ليفسر كل عضو في الغرفة على حدة آثار القرار بما يخدم مصالحه الشخصية، أو حتى موقفه السياسي.

ووفقًا لما أكده الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، فإن العديد من أعضاء غرف “التجارة” أو “الصناعة”، ليسوا فقط ممثلين عن مصالح القطاع الخاص، فالعديد منهم ينتمون بأنفسهم إلى القطاع الخاص، ومن الممكن أن يشكّل تكتّلهم شكلًا من أشكال الضغط للحفاظ على خدمة مصالحهم الشخصية، ومن ورائها مصالح بقية الصناعيين أو التجار دون التفكير بالضرورة بمصالح البلد الاقتصادية.

بينما فسر الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، وجود موقفي التأييد والمعارضة لقرارات الوزارات ضمن أعضاء الغرفة الواحدة، بهدف تقرب بعض مؤيدي القرارات من “أمراء الحرب” من جهة، ولتقديم صورة عن ولاءاتهم السياسية من جهة أخرى.

وفي مطلع آب الماضي، أصدرت معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام، قرارًا يقضي بتحديد أوقات فتح وإغلاق جميع الأسواق التجارية والمحال والمطاعم، ومختلف الفعاليات الاقتصادية.

نائب رئيس مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق”، عبد الله نصر، قال حينها، إن مبررات القرار تأتي بهدف “توفير الطاقة” و”تنظيم الدوام” وفق وجهة نظر المحافظة.

كما اعتبر عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” مازن حسن، أن تحديد فتح وإغلاق بعض المنشآت الاقتصادية، سيسهم بتوفير الطاقة وتوجيهها نحو المنازل.

بينما تقدم عدد من تجار دمشق بـ”كتاب اعتراض” إلى “غرفة تجارة دمشق”، تضمن توضيحهم أن القرار يسبب أضرارًا كبيرة لهم في التوقيت الحالي، خاصة مع دخول الأسواق بفترة الاستعداد للعودة إلى المدارس حينها، وارتفاع درجات الحرارة خلال ساعات النهار طوال شهر آب الماضي، ما يجعل المستهلكين يرغبون بالتسوق مساء.

وطالب التجار بتمديد ساعة الإغلاق حتى الواحدة ليلًا، أسوة بمراكز التسوق (المولات التجارية)، أو حتى الساعة العاشرة والنصف مساء على أقل تقدير.

وجاء الرد على “كتاب الاعتراض” من قبل عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” مازن حسن، الذي أوضح أنه مع قرار تمديد ساعات فتح المحال التجارية، ولكنه اعتبر أنه إذا استمر تحديد وقت الإغلاق عند الثامنة مساء، من الممكن أن يتأقلم التجار مع الوضع الجديد، خلال أيام قليلة، بحسب رأيه.

وفي قضية أخرى، برزت من خلالها تصريحات متضاربة داخل الغرفة نفسها، نفى رئيس “غرفة صناعة حلب”، فارس الشهابي، الأرقام الكبيرة المتداولة مؤخرًا لصناعيين هاجروا من سوريا خلال الأيام الماضية معتبرًا أن تهويلها “استغلال سيئ ومشبوه لما يجري”.

جاء تعليق الشهابي هذا، بعد أن نفى وزير الصناعة بحكومة النظام، زياد صباغ، موضوع هجرة الصناعيين أساسًا، وصرح، في أيلول الماضي، بأن أي صناعي لم يغادر سوريا خلال الفترة الماضية.

وكان رئيس قطاع النسيج في “غرفة صناعة دمشق وريفها”، مهند دعدوش، أكد، في مطلع آب الماضي، أن مناطق سيطرة النظام السوري شهدت هجرة “خيالية” من الصناعيين “الذين لا يمكن تعويضهم” نحو مصر، نتيجة الصعوبات التي يعانون منها في سوريا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة